الإرادة الثورية والسياسية لمكافحة الفساد متوفرة في هذه المرحلة وتحديدا منذ أن انتصر الشعب اليمني في ثورته المباركة في الـ21من سبتمبر والتي كان من أبرز أهدافها مكافحة الفساد والإصلاح المالي والإداري والتنمية الاقتصادية والوصول باليمن إلى مصاف الدول المتقدمة، حيث أكد المشير مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى المضي قدما في معركة مفتوحة مع الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة مهما كلف الثمن فقد عانى شعبنا طوال عقود من تعاقب أنظمة منزوعة القرار وفاقدة للرؤية وضعيفة الإرادة بذلت كل طاقاتها لتنفيذ أجندات دول خارجية على حساب كرامة الشعب في حالة تمثل أبشع صور الارتهان والتبعية وأدى إرث الماضي الثقيل لانحراف في مفهوم المسؤولية التي توجب على صاحبها أن يكون خادما أمينا للشعب لا أن تكون المسؤولية منصباً يوفر له حصانة لممارسة الفساد وتغليب مصلحته الشخصية على المصلحة العامة.
إن نجاح الإصلاح الإداري يتوقف على وضوح أهدافه باستراتيجيات مختلفة بحسب اختلاف هذه الأهداف وتحديد أولوياتها بحيث تسير هذه الاستراتيجيات وفقاً لمنهج منظم يرتبط أساساً بجوهر الإدارة لا بأشكالها، ومن جهة أخرى يعتبر تغييراً، شاملاً وجذرياً لعناصر النظام الإداري القائم وعلى رأسها العنصر البشري الذي يتخذ موقفاً من التغيير إذا أدرك أن هذا التغيير يحقق له مكاسب لذلك فإنه يشارك فيه ويعمل على إنجاحه، ويٌعتبر الإصلاح نقيض الفساد وهو مفهوم واسع يشمل جميع جوانب الحياة التي يمسها الفساد فهناك الإصلاح السياسي والقانوني والاقتصادي والاجتماعي والإداري كما أنه القاعدة والفساد هو الاستثناء.
ولمَّا كانت المؤسسات الإدارية- نظراً للظروف المتغيرة التي تحيط بها- لا يبقى انسيابها ثابتاً بل يلزم أن يتطور مع تلك الظروف اهتم علماء التنظيم الإداري والهيكلي بموضوع التغيير المنظم أو المخطط للبنيان التنظيمي، وهو من الموضوعات الجديدة في الإدارة العامة وتتم عملية إصلاح وتنمية الإدارة إما عن طريق بناء وحدة داخلية للبنيان التنظيمي تكون مهمتها العمل على تطوير المؤسسة وإصلاحها وإما عن طريق الاستعانة بخبراء، ويشير البعض إلى أن الدول التي فيها فساد إداري بحاجة ماسة إلى استراتيجية وطنية لمكافحته وأن الإدارة العامة في اليمن بصفة خاصة بحاجة إلى إصلاح مالي وإداري لأن المؤسسات الموجودة حالياً تعمل عكس التوجه الجديد، حيث ازدادت من حيث عدد الموظفين بدلا من ترشيدهم وتقادمت هياكلها ولوائحها التنظيمية فأصبحت بحاجة إلى تحديثها وتطويرها.
وتولي الحكومات المختلفة الإصلاح الإداري أهمية كبيرة وتهتم أجهزتها بتطبيقاته خصوصاً بعد أن اتسع دور الدولة في القرن العشرين وأصبحت مسؤولياتها تتجاوز بكثير مسؤوليات الدولة في القرون السابقة، وقد اهتمت الدول المتقدمة بالإصلاح الإداري إلى درجة إنشاء وحدات متخصصة فنية هدفها التطوير والتحسين الإداري على أعلى مستوى في الدولة وتلحق إما برئيس الدولة أو بمستوى قيادي فيها وتقوم بدراسة مستمرة للنظم الإدارية من حيث مدى ملاءمتها لأهداف السياسة العامة وعلى ضوء التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفنية، فالجهاز الإداري للدولة هو الأداة الأساسية في تنفيذ السياسة العامة ويعكس فلسفة النظام السياسي الذي يعمل من خلاله ويقوم بخدمات كافة للمواطنين.
كما أن الجهاز الإداري لا يحتمل أي تقصير في عمله وإذا ما حدث هذا التقصير يصبح هذا الجهاز ضاراً أكثر منه نافعاً فعمله ثابت في جميع النظم السياسية سواء في الدول الكبرى أو الصغرى، ولنجاح هذا العمل يجب تنفيذ القانون بحيادية ومنطقية وتحديثه وعمل مصفوفة إصلاح قانونية تعدل وتلغي ما تم وضعه سابقا من قوانين خاطئة وغير ملائمة لغرض تنفيذ إملاءات خارجية أو مصالح شخصية، فالقانون يؤدي وظيفة هامة تمس حياة المواطن وتتعلق بالسلطة لأنه ممثلها في المجتمع والأضرار التي تقع نتيجة لانحرافه وخيمة العواقب وتؤثر في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن أجل تفادي هذه الانحرافات ومعالجة المشاكل التي تنتج عن قصور الجهاز الإداري اتجهت معظم الدول إلى تطبيق برامج الإصلاح الإداري التي تقوم على أساس تغيير هياكل وأفراد وأساليب الإدارة استهدافاً لخدمة المواطن، ففهم عملية الإصلاح الإداري لا يمكن أن يتم إلا بفهم أطرافها الأساسية وهم السياسيون والإداريون والمواطنون.
واعتبرت بعض حكومات الدول النامية أن تحديد الأهداف عملية سياسية القصد منها خلق جهاز إداري قادر على تحمل أعباء ومتطلبات تنفيذ التغيير الشامل، ونتيجة للاختلاف في تحديد الأهداف يجب التوفيق بين وجهات النظر المتعارضة في تحديد الأهداف، حيث أن لكل من هؤلاء المسؤولين أبعاداً فكرية مختلفة وخلفيات اجتماعية واقتصادية تعزز رأي كل منهم في اختيارهم أهدافاً مثلى للإصلاح الإداري ويتطلب كذلك التنسيق بين رؤية هؤلاء المسؤولين من جهة وبين تطلعات المواطنين من جهة أخرى لأن المواطن سواء كان من العاملين في الجهاز الإداري أو من المتعاملين معه يجب أن يكون محور الإصلاح الإداري.
ونظراً لاختلاف جهود الإصلاح الإداري بحسب اختلاف الظروف الخاصة لكل دولة وحجم التغيير المطلوب وأهدافه العامة إلا أنه في جميع الحالات قد تتعرض جميع جهود الإصلاح الإداري للفشل إذا لم تكن هناك استراتيجية مناسبة لظروف البلد والظروف الاستثنائية التي تمر بها، وبالرغم من ذلك الاختلاف إلا أنه يوجد اتفاق حول الهدف الرئيسي وهو خلق جهاز إداري قادر على تحقيق الأهداف الأخرى التي يمكن تصنيفها في الأهداف المتعلقة بتنظيم العلاقة بين الوحدات الإدارية وهي التي تهدف إلى حل المشاكل الإدارية والتنظيمية بصورة مستمرة لمواجهة التوسع السريع والمستمر لوظائف الدولة وأنشطتها الجديدة والمتطورة وذلك عن طريق رفع مستوى التنظيم الإداري من حيث التخطيط والتنفيذ ومن حيث أسلوب العمل وسلوك الأفراد في جميع المستويات الإدارية وكذلك الأهداف التي تحقق المزيد من اللا مركزية وتسعى إلى التوزيع الجغرافي الواسع للسلطات والاختصاصات الإدارية وذلك لتخفيف الأعباء عن كاهل الإدارة المركزية والحد من كثرة الإجراءات الروتينية التي أصبحت مصدر ضيق وإزعاج للمواطنين، ونرى في هذا المجال ضرورة القيام بإصلاحات إدارية في اليمن تأخذ بعين الاعتبار زيادة الصلاحية في نظام اللا مركزية الإدارية ومنها أيضا الأهداف التي تعنى بالعنصر البشري، حيث يٌعد من أهم عناصر التنظيم الإداري والعامل الأول في نجاحه بالإضافة إلى أنه محور العملية، وعليه فإن العناية التامة بشؤون العاملين ورفع مستواهم العلمي والثقافي والفني وتحسين مستواهم المادي أصبحت من أهم الأهداف.
وكذلك الأهداف التي تؤدي إلى مزيد من الرقابة وهي الأهم في تحقيق تلك الأجهزة الإدارية وتعتبر سلطة رقابة لأن المسؤولين عنها وإن اختلفوا في وسائل التنفيذ إلا أن صفة الإصلاح الإداري تربطهم وتجعلهم بمستوى المسؤولية، كما أن هذه الصفة لا تعصمهم من الخطأ والانحراف لذلك فإن القيادة السياسية وخاصة في الدول النامية تراقب بنفسها هؤلاء المسؤولين خشية استغلال نفوذهم والتسلط على غيرهم، وبالرغم من إشراف القيادة السياسية على عملية تحديد أهداف الإصلاح الإداري فإن المسؤولين عن الإصلاح الإداري يلعبون دوراً كبيراً في تحديد أهدافه لأنهم يمثلون السلطة التنفيذية ما يجعل القيادة السياسية تأخذ برأيهم دون غيرهم من فئات المجتمع، وهذا ما يستدعي تكليف جهة مستقلة عن السلطة التنفيذية بإعداد وتنفيذ عملية تحديد أهداف الإصلاح.