تعيش اليمن هذه الأيام الذكرى السنوية السابعة عشرة لاستشهاد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي «رضوان الله عليه» ، ويظهر الشهيد -رضوان الله عليه، في غضون سبعة عشر عاما في شكل تحولات وحضور وفاعلية وتأثير وفي وعي يرسم مسار الأحداث ويواجه العواصف.
الثورة / أحمد المالكي
لقد تحو المشروع القرآني الذي أطلقه الشهيد حسين بدر الدين الحوثي من تحوّل موقف وتوعية وتثقيف وتنوير وتبصير إلى واقع يتصدى للمؤامرات ويتواجه مع جيوش أمريكا وحلفائها ، السبب الرئيس يعود في المقام الأول إلى منطلقات المشروع المنبثق من الخلاصات القرآنية التي تعرف باسم «ملازم ومحاضرات الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي»، وهي في مجملها ثقافة ووعي وقراءات للأحداث من منظور قرآني ، وفيها مشروع تحرر واستقلال، والعقيدة فيها تعتمد على الثقة بالله وهو ما جعل جيل المسيرة القرآنية وشبابها وأنصارها يكونون خصما صلدا وصلبا في مواجهة أمريكا والسعودية.
ذات يوم تساءل الناس عمّا يمكن للسيد حسين بدر الدين الحوثي أن يفعله وهو في تلك المنطقة النائية «خولان بن عامر» محافظة صعدة ، وخولان هي المنطقة الأكثر تهميشا في محافظة صعدة ، ومحافظة صعدة هي الأكثر تهميشا في الجمهورية اليمنية ، واليمن هي الأكثر ضعفا وهشاشة بين الدول العربية والإسلامية ، لكن الشهيد القائد كان يمتلك ثقة مطلقة في الله ، وفي أن مشروعه سيصنع التحول ما دام منبثقا من القرآن ، وصلت تلك الثقة إلى اليقين بما يفعل وبما سيتحقق وبما أراد أن يتحقق.
هذه «الثقة» كانت على الدوام حجر الزاوية المائزة للشهيد القائد عمّا سواه ممن سبق وتلى عصره ، أسهم في ترسيخه وعيا وانطلاقا لدى محبيه وأنصاره آنذاك ، لقد وضع الثقة بالله على سلّم ترتيب أولويات المشروع القرآني ، اعتبر الحال الذي وصلت إليه الأمة نتيجة لأزمة الثقة بالله التي تعيشها ، ثم صاغ مفاهيم المشروع القرآني وصحح ما كان سائدا من ثقافات وقدم الواقع ومداخله ومخارجه واعتلاله في ضوء معاناة الأمة وواقعها ، واتخذ الموقف والمشروع.
بعد سبع عشرة سنة من استشهاد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي في مران بمنطقة خولان بن عامر محافظة صعدة على يد قوات عسكرية وبشمركة وجيوش أخرى بقيادة رئيس النظام آنذاك علي عبدالله صالح، ترسم مسيرة الشهيد ومشروعه خريطة على طريق أوسع وأشمل من الجغرافيا اليمنية ، والأمر لا يقاس بالإنجازات المادية بل بالوعي والثقافة والمنطلقات والموقف الذي يمكن للناس في أي جغرافيا سياسية أو داخل أي حدود كذلك أن يتبناه، كما أن الواقع الذي تغير اليوم بعد ستة أعوام من العدوان على اليمن ومآلاته يُعَدُّ تجسيدا للمشروع الذي لا يمكن على الإطلاق أن يهزم في ميدان أو ساحة.
لقد تحرك السيد حسين بالموقف في زمن اللاموقف ، صرخ في زمن الصمت والخنوع والاستسلام والعبودية لأمريكا والاستزلام ، ما كان السيد حسين بدر الدين الحوثي رجلاً مر في زمن من تاريخ البشرية وانتهى ، بل كان خلاصة لمشروع يليق بالأمة الإسلامية وحياتها ووجودها ورسالتها ودورها ، «سنسهم في كشف الحقائق»، لقد قيم واقع الأمة وحالها ، وما هو مناط بها من مسؤولية ومهمة أرادها الله وانطلق من خلال القرآن الكريم لمعالجة الواقع الرهيب ، ثم وضع مشروعاً عمليا لها، عنوانه «الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسلام».
لم يكن يفوت على الشهيد القائد رضوان الله عليه، حدث عالمي أو عربي إلا ويتابعه ويقرأه ، ولكن بمنهجية قرآنية يرى نفسه معنياً بمعالجة الخلل ومسؤولاً عن الإصلاح ، يقول السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي « كانت الحالة الغالبة حتى على الفئة المهتمة بمتابعة الأحداث ورصد المواقف- وهي فئة قليلة في داخل الأمة لكن حتى هي- الغالب عليها هو النظرة الإعلامية، والمتابعة الإعلامية، أو المتابعة السياسية المحدودة، متابعة سياسية في حدود التشخيص السياسي، أو التقييم السياسي، أو التحليل السياسي، لكن هذه المتابعة لا ترقى إلى مستوى المسؤولية ، والبعض حتى وإن تجاوز المتابعة السطحية والعابرة للأحداث، والمواقف والمتغيرات الجسيمة والهائلة والخطرة جدًا على الأمة، فالغالب عليهم انسداد الأفق، وانعدام الرؤية، وسيطرة الإحباط، والشعور العميق بالعجز، هكذا هو الواقع» لكن الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي قَرَأ وقيّم وعالج وصحح وانطلق في مسار العمل والتحرك.
مثلت مدرسة الإمام الهادي في منطقة مران، منصة دعوية وفكرية وثقافية للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي ، وهي مدرسة تعليمية دمرها الطيران السعودي خلال الحرب التي تشنها السعودية على اليمن منذ ستة أعوام ، الدروس والمحاضرات التي ألقاها الشهيد هي خلاصة المشروع وهي أساسه وركائزه ، وقد انطلق السيد حسين بدر الدين الحوثي بمشروعه القرآني كمشروع دعوي تثقيفي فكري يعمد فيه إلى تبصير الأمة بالأخطار التي تواجهها وبالسبل الكفيلة لتجاوزها ، واضعا مشروع تحرك واقعي ينطلق من معاداة أمريكا وإسرائيل وترسيخ وتجذير العداء لليهود، باعتبارهم الخطر الذي لن يدع الأمة على حالها إلا إذا اقتدرت على مواجهته وانطلقت من السنن الإلهية الكفيلة بذلك.
ترك السيد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي «رضوان الله عليه» ، رزمة ثقافية ومعرفية هي عبارة عن محاضرات ودروس كان يلقيها واشتملت على قضايا عديدة ، وشواهد من الواقع وتصحيح لثقافات مغلوطة ومفاهيم عملية لمواجهة المؤامرات والتصدي لها ، ودروس في معرفة الله والولاية، وهي عبارة عن رؤية قرآنية لكل الأحداث والقضايا التي تشهدها الساحة ، هذه الملازم والمحاضرات هي معجزة إذا ما صح وصفها حين تستقرئ أحداثا تقع في الساحة وتحدث بذات التفاصيل والسياقات ، والمعجزة تلك تعود إلى أنها منطلقة من القرآن ، تنظر إلى الواقع من خلال القرآن وتعالجه كذلك.
القرآن هو الرؤية التي تصنع حياة كريمة عزيزة للأمة ، على عكس واقعها وحالها الذي بدت فيه ذليلة أمام من أذلهم الله اليهود ، وكتب عليهم الذلة والمسكنة ، القرآن هو الوعي الذي سيحصن الساحة الإسلامية ويحميها ويصنع أمة قوية ، القرآن هو المشروع العملي الذي يمكن للأمة أن تتحرك به ومن خلاله تحقق العزة والكرامة والسيادة والريادة ، هو مشروع الله الذي أراده للناس ، ولا يمكن لما سواه أن يؤدي لنفس النتيجة ، كان الشهيد القائد عميق النظرة للواقع، يراقب ويرصد الأحداث والمتغيرات لكن بروح المسؤولية ، وكان البعض يرصدون ويتابعون ويبحثون لكن بنظرة سطحية وبقراءة عابرة، إمّا كحالةٍ إعلامية كما هو حال الكثير ، في حالتهم الإعلامية المجردة، نقل الخبر لنقله ، السماع لمجرد السماع والراوية والاكتفاء بذلك، وكان الزعماء والقادة يترنحون بين الصمت وبين التواطؤ، وقليل جدا يقومون بإطلاق تعليق محدود بدون شعور بالمسؤولية، ودون روحية عملية، وبدون ارتباط بمشروع عملي، ودون موقف.
كان يمكن للشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي أن يكون زعيما كذلك ، أو أن يكون مرجعية دينية لها وزنها وثقلها وأنصارها الكثر بنفس النماذج التي امتلأ بها واقع الأمة ، أو أن يكون رئيسا لحزب سياسي كبير، وبتلك المشاريع التي لا تحدث التغيير في الواقع ولا تستنفر الطاقات والجهود ، والسيد حسين لم يكن ينقصه شيء ليكون كذلك ، فهو يمتلك من الصفات الشخصية التي تؤهله ، إذ كان نائباً برلمانياً وهو عالم وله أنصار ومحبون ومريدون كثر ، وهو رجل تنمية وصاحب علاقات واسعة في المجتمع ، لكن الشهيد القائد انتهج نهجا مغايرا تماما لما فعلت كل النخب والقيادات والمراجع في كل الأقطار الإسلامية ، اختار الموقف المسؤول والواعي والتحرك العملي ؛ لا المسايرة والمضي في الركب العام.
وقد برز الشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي في الواقع منذ وقت مبكر ، وشهدت أحداث الحرب على الجنوب في 94 تحركات معارضة للشهيد ، قبل ذلك كان الشهيد قد زار دولا عديدة منها إيران وسوريا ومصر ولاحقا السودان ليُحضّر رسالة الدكتوراه والماجستير، أحدث الشهيد القائد خلال الأعوام 1997- 1999 تحولات جوهرية داخل الحركة السياسية للزيدية حزب الحق ، في تلك الأعوام كانت أمريكا تكرس سيادتها على العالم لتصل إلى ذروتها بعد أحداث البرجين في الـ 11 من سبتمبر 2001م ، وهو الحدث الذي انطلق منه السيد حسين بدر الدين الحوثي واعتبره ناقوس خطر يتجه إلى حرب شعواء على الأمة الإسلامية وعلى الإسلام.
حتى العام 2004م نشط المكبرون في ساحات ومساجد عديدة يرددون صرخة «الله أكبر الموت لأمريكا التي أطلقها الشهيد القائد كخلاصة للمشروع وتجسيد عملي لما يقدمه ، لكن الأمر تغير إلى مواجهة مباشرة في يوليو من العام نفسه، حين شن نظام علي عبدالله صالح حربا على الشهيد في منطقة مران ، وكان ذلك عقب عودة صالح من أمريكا بأيام ، وقد جَيّش فيها النظام العفاشي آنذاك كل قواه وحشوده بدعم وإسناد غربي وأمريكي وخليجي للقضاء على السيد حسين بدر الدين الحوثي، استشهد في سبتمبر من العام نفسه ، بيد أن استشهاده لم يكن نهاية المطاف بل بداية أوسع تركت صداها في الآفاق ، وشهدت الساحة منذ ذلك الحين تحولات كبيرة تتجاوز اليمن.
خلال 17 سنة يتحول المشروع عاما بعد آخر من تيار وأنصار إلى قوة تحررية واستقلالية وذاتية ، اكتسبت أبعادا إقليمية باتت تشكل حصانة ومناعة لليمن ، وتؤثر في مسار الأحداث في المنطقة ، وحين ننظر الآن إلى الوراء، نكتشف أن سرا من أسرار التحولات والإنجازات يكمن في المشروع القرآني الذي أطلقه الشهيد القائد من أساس ومرتكزات ومشاريع تنبثق من القرآن ، وأن الثقة المطلقة واليقينية بالله هي ما تضمن للمشروع وأنصار الله الظفر في كل جولات الصراعات.. فهذا المشروع مسدد من الله، ووظف المعارف والسنن القرآنية في كل الصراعات والمخاضات التي تواجهها.