إعلام “صالح” منتهجاً الكذب والتضليل كأُسلُـوب رئيسي طغى على الرسالة الإعلامية التي أراد تقديمها، وهي أن حربه ضد “فتنة وتمرد الحوثي”
تحتاج أيةُ حرب قذرة إلى إعلام يماثلُها، وهذا ما ينطبقُ على إعلام نظام الهالك صالح قبل وأثناء شن الحرب الأولى على صعدة والتي استهدفت بدرجة رئيسية مشروع المسيرة القرآنية الذي تبناه الشهيد القائد السيد حسين بدر الدرين الحوثي “رضوان الله عليه”.
والحال سار بنفس الوتيرة مع حروب صعدة التي تلت الحرب الأولى فقد انخرطت ماكنته في بث الدعاية للحرب على صعدة، وفي كل مرة تصطنع مبررات مضللة جديدة وواهيةٍ، أمكن لوسائلِ إعلام صالح تضخيمُها وتقديمها كحقيقة دامغة لا تقبل الشك، وكل ذلك بهَدفِ تجميل صورة الجرائم التي سترتكب بحق مشروع المسيرة القرآنية وصعدة عموما، وشرعنة الحرب، والقبول بالأخطاء والتجاوزات وتبريرها.
وطوال سنوات الحرب على صعدة رأينا كيف اشتغل إعلام “صالح” منتهجاً الكذب والتضليل كأُسلُـوب رئيسي طغى على الرسالة الإعلامية التي أراد تقديمها، وحشد لها الكثير من المحللين السياسيين المخضرمين أَو المستجدين باتّجاه إقناع اليمنيين والمتلقي بأن ما يحدث هو حرب ضد “فتنة وتمرد الحوثي”.
وخلال الحروب الست، ونظراً لضعف الإمكانيات المادية والإعلامية لدى الشهيد القائد وأنصاره، تعرّض مشروع المسيرة القرآنية الذي اختطه الشهيد القائد لحملات تشويهٍ فظيعةٍ من طرف نظام علي عبدالله صالح وأيضاً من طرف إمبراطورية الإعلام السعودي، وتراوحت التّهم بين كون السيد حسين والمؤمنين بمشروعه هم مجرد “عصابةٍ مارقة”، أو “عملاء ومرتزقة يعملون لصالح إيران”، وأنّ الحوثي “يدّعي المهدويّة أو حتى النبوّة”! وأنهم “شرذمةٌ قليلةٌ وليس لهم وزنٌ ولا شعبيةٌ في اليمن.
الثورة /..
نغمة مواجهة الإرهاب
هكذا برز إعلام السلطة آنذاك وقد تكفل بدور محامي الشيطان واختراع شرعية لجرائم القتل العلنية التي طالت في البداية منطقة مران ، دون احترام للقواعد المهنية وإن في الحد الأدنى.
وفي ذات الاتّجاه عزف الإعلام ذاته على نغمات متوازية، أعلت من شأن توجه صالح في مواجهة الإرهاب وحتى وظفت مفهوم “الأمن القومي العربي ”في تلك الحروب واستحضرت الصراع التاريخي بين “السُّنة” والشيعة”، وأطلقت العنان للمصطلحات الطائفية، في عملية قصف يومية للعقل اليمني، الذي توخت منه أن يساير نظام الهالك صالح في الحرب العدوانية على صعدة ومشروع الشهيد القائد الرافض لزمن الطغيان والهيمنة الأمريكية الصهيونية.
يقول الباحث حسام عبدالكريم :الشهيد حسين الحوثي، نجل السيّد بدر الدين الحوثي، كان شاباً نشِطاً وقويّ الشخصية، بالإضافة إلى كونه متبحّراً في العلوم الدينية التي تلقاها عن والده، بدأ حسين الحوثي بتجميع الشباب في صعدة من حوله وإلقاء المحاضرات التثقيفية والتوعوية التي كانت تتركّز على تفسير القرآن الكريم وشرحه وتقوية الانتماء للدين الإسلامي.. وخلافاً لما يُشاع، فإن السيد حسين لم يكن يدعو إلى تحوّل الزيدية إلى المذهب الشيعي الاثنى عشري الآخر السائد في إيران والعراق، بل كان يدعو إلى نهضة دينية في اليمن وضرورة التخلّص من مرحلة الخمول والهبوط.
ويضيف عبدالكريم: في أوّل الأمر، لم يتدخل نظام عفاش ولم يحاول منع نشاط السيد حسين “رضوان الله” عليه، واكتفى بالمتابعة والمراقبة. ولكنّ تطوراً طرأ على خطاب السيد حسين جعل أجراس الإنذار تُقرع في صنعاء وذلك حين بدأ يتناول مواضيعَ سياسيةٍ اعتبرها علي عبدالله صالح ونظامه خطاً أحمر لا يجوز التسامح معه.
لم يكن خافياً أنّ الشهيد القائد كان، مثل أبيه، من المؤمنين اشد الايمان بمسألة مقارعة الظلم والطغيان خصوصا ما ينتهجه الأمريكان والصهاينة تجاه المسلمين.
وفي السياق يؤكد مهتمون بمشروع الشهيد القائد منذ البداية بالقول: بدأ السيد حسين رضوان الله عليه تحركه بعد أحداث سبتمبر من العام 2001م، مباشرة، وحرص على أن يكون تحركه من خلال القرآن الكريم، وانطلق من النص القرآني باعتباره جامعاً لا خلاف حوله ، متجاوزا القيود المذهبية والطائفية والجغرافية والسياسية، وتلك من أهم ركائز مشروعه القرآني الذي تحرك على أساسه، وقد رأى أن مواجهة الأمريكيين لا بد لها أن تنطلق من أرضية واحدة تجمع المسلمين، واضعا رؤية قرآنية تجاوز بها حدود الجغرافيا والانتماءات ، إلى آفاق أوسع وأشمل.
ويرون أن محاضرات الشهيد ودروسه كانت موجهة إلى عامة المسلمين ، وركز في كل خطاباته على قضايا الأمة ، متحررا من الأثقال المذهبية والتناقضات الفكرية والخلافات الفقهية، وبلغة تبتعد عن الصراعات السياسية التي كبلت الشعوب عن دورها وحجمت من تأثيراتها في الأحداث ، كما استخدم المحفزات الذهنية والفكرية المستمدة من القرآن الكريم لدفع الناس إلى اتخاذ موقف من السياسة الاستعمارية بصورة كلية، في وقت كان الجميع ميمما شطره إلى البيت الأبيض.
على الواقع تبلور موضوع الشعار كبداية لمرحلة جديدة حيث بدأ المكبرون برفع الشعار في الجامع الكبير، وهي محطة تالية للصرخة بالشعار في مران، ورغم أن النشاط لم يكن فيه ما يعد تحريضا ضد السلطة أو رئيس النظام الحاكم علي عبدالله صالح، إلا أن نظاما خانعا ومرتعدا وفاسدا وعميلا كنظام عفاش، لم يرق له أن يسمع ما يؤذي الأمريكيين، وبدأت الملاحقات والسجن للمكبرين، وأمعنت سلطات الأمن التابعة لنظام الهالك عفاش في التنكيل بكل من يصرخ بشعار “الموت لأمريكا بالاعتقالات في كل مكان، من المساجد، والأسواق والبيوت، حتى اكتظت السجون بالمكبرين ، وفصل الكثير من الموظفين، واستبعد الآلاف من الاستحقاق الوظيفي، ومارست السلطات بحقهم أسوأ أنواع المضايقات، واستمر الحال على هذا النحو منذ العام2000م.
كان من ضمن توصيات الشهيد القائد للمكبرين في الجامع الكبير، أن يسلموا أنفسهم حين يلقى القبض عليهم من قبل الأمن دون أي مقاومة ، وأن لا يحدثوا أي ردة فعل تجاه اعتقالهم، ولعل الشهيد القائد كان يريد من وراء توجيهه أن يبقي النشاط في إطاره السلمي خلال تلك المرحلة.
الحرب العسكرية الأولى
غير أن هذا النشاط رغم سلميته وتوجيه بوصلته نحو أمريكا وإسرائيل، لم يرق السلطات الظالمة آنذاك في صنعاء ، فبدأت الملاحقات والزج بالمكبرين في السجون، وأمعنت سلطات الأمن التابعة لنظام الهالك عفاش آنذاك في التنكيل بكل من يصرخ بشعار “الموت لأمريكا”، وقامت بشن الاعتقالات من كل مكان من المساجد والأسواق والبيوت حتى اكتظت السجون بمن نددوا بجرائم الأمريكيين والإسرائيليين وفصلت الكثير من الموظفين واستبعدت الآلاف من الاستحقاق الوظيفي ومارست السلطة بحقهم أسوأ أنواع المضايقات، وبقي الحال كذلك حتى عودة علي عبدالله صالح من أمريكا حاملا معه قرار الحرب العسكرية الأولى على صعدة في العام 2004م كتتويج للممارسات القمعية التي ظلت السلطة تمارسها لما يزيد عن العامين بحق كل من يهتف بالشعار.
وهكذا، بدأت الحرب الأولى بين نظام علي عبدالله صالح وجيشه، وبين السيد حسين ومشروعه القرآني، حيث أرسل صالح وقتها قوات بقيادة المجرم علي محسن الأحمر، بغرض القضاء على ما يسمونه “التمرد” واعتقال السيد حسين “رضوان الله عليه” في صعدة في يونيو 2004م.
تقول المعلومات الموثقة لتلك الأحداث: استمر القتال الشرس بين الطرفين فترةً طويلةً إلى أن انتهت المعركة باستشهاد السيد حسين في سبتمبر 2004م، وقامت الحكومة بعرض صورة جثته من أجل إثبات مقتله وإحباط معنويات المؤمنين بمشروعه القرآني، ولكنّ الأثر كان عكسياً وبخلاف ما أراد صالح تحوّل الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي إلى شهيدٍ وبطل، وصار رمزاً للجهاد وللمظلوميّة لدى عدد كبير من اليمنيين وحصدت ثورته المزيد من المؤيدين، “أنصار الله” كما صاروا يُسَمّون، في اليمن عموماً.
خمس حروب على التوالي
وما بين 2005 و2010م، نشبت خمس حروبٍ أخرى طالت صعدة استهدفت الفكر المستنير الرافض لزمن الطغيان والهيمنة الأمريكية والصهيونية وأدواته في المنطقة ، وفي كل مرةٍ، تثبت حركة “أنصار الله” كفاءتها وبسالتها في القتال ضد جيش صالح الذي يفوقها عدداً وعتاداً.
كانت كل واحدةٍ من تلك الحروب تنتهي بعد شهرين أو ثلاثة من القتال الضاري في صعدة وضواحيها وجبالها، عندما يشعر علي عبدالله صالح بأن قواته أُنهكت من القتال في الجبال الوعرة وعجزت عن تحقيق النصر.
دخول السعودية الحرب منذ2009م
ويشير مراقبون إلى أنه واعتباراً من الحرب الرابعة في 2007م، برز السيد عبدالملك الحوثي، الأخ الأصغر للشهيد القائد، كقائدٍ وزعيمٍ لحركة أنصار الله، وأثبت السيد عبدالملك أنه لا يقلّ صلابةً وحزماً وإخلاصاً عن أخيه الشهيد السيد حسين، ونجح في الانتقال بأنصار الله إلى أفقٍ أبعد، بعدما التف حوله كثير من ابناء اليمن من المقاتلين المؤمنين بالمشروع القرآني.
وفي الحرب السادسة التي اندلعت في أواخر 2009م وأوائل2010م، حصل تطوّرٌ مهمٌ حين قرّرت السعودية الدخول في الحرب مباشرةً ضد أنصار الله إلى جانب (حكومة صالح).
قبل ذلك، كانت السعودية تكتفي بتقديم الدعم المالي والعسكري لعلي عبدالله صالح وجيشه، ولكنها شعرت أخيراً أنّ صالح عاجزٌ لوحده عن الحسم وظنّت أن طيرانها قادرٌ على استئصال أنصار الله، خاصةً إذا ترافق ذلك مع قصفٍ مدفعيٍّ مركّزٍ عبر الحدود.
ولكنّ السعودية مُنيَت بخيبةٍ كبيرةٍ وتعرّضت لإحراجٍ شديدٍ بعد أن نجح مقاتلو أنصار الله في اجتياز الحدود واحتلال 75 قريةً وموقعاً عسكرياً داخلها، وانتهت الحرب السادسة والأخيرة بهدنةٍ وانسحابٍ متبادلٍ وصفقة تبادلٍ للأسرى بين السعودية من جهة، وأنصار الله من جهةٍ أخرى.
وخلال تلك الحروب الست، ونظراً لضعف إمكانياتها المادية والإعلامية، تعرّض “أنصار الله” لحملات تشويهٍ فظيعةٍ من طرف إعلام حكومة علي عبدالله صالح وأيضاً من طرف إمبراطورية الإعلام السعودي.
وقد قيل الكثير عن الأسلحة التي تصلهم من إيران ومعسكرات الحرس الثوري الموجودة في مناطقهم! وطبعاً، لم تكن هناك أية إثباتاتٍ على هذه التّهم، ولم يستطع نظام صالح، تقديم أية أدلةٍ ماديةٍ على تورّط إيران في الصراع ولم تعثر حتى على عنصرٍ إيرانيٍّ واحدٍ موجودٍ بحوزة “أنصار الله”.
تأييد شعبي كبير
والحقيقة الموضوعية أنه لولا وجود تأييدٍ شعبيٍّ كبيرٍ وواسعٍ لها، لما استطاعت حركة أنصار الله أن تنجوَ من كلّ تلك الحملات العسكرية والإعلامية الفظيعة وتستمر، بل وتزداد انتشاراً وقوة، خصوصا وأنّ أنصار الله لم تكن فقط ردّة فعلٍ على الغزو المذهبي الوهابي، بل كان لها بُعدٌ وطنيٌّ يتمثّل في الاحتجاج على فساد النظام وسوء إدارته.
ورغم كل ذلك كانت الحملات الإعلامية المعادية لأنصار الله ولغالبية اليمنيين لا تزال مستمرةً كما كانت أيام نظام صالح بل وزادت شدتها بعد ثورة سبتمبر عام 2014م. ويشترك في تلك الحملات جناحا الإعلام السعودي: مدّعي الليبيرالية (قناة العربية/ الحدث) والسلفي الوهابي (قناة وصال/ صفا) وتوابعهما، والتي كانت تبث تقارير كثيرةً طافحة بالكلام التحريضي الطائفي، كل ذلك من اجل تضليل الرأي العام العالمي حول مظلومية اليمنيين ودفاعاهم عن اليمن في وجه الغزو الخارجي بقيادة التحالف السعودي المدعوم بالإرهاب التكفيري من القاعدة وداعش الذي تكشفت أوراقه مؤخرا في معركة مارب.
وفي نهاية المطاف.. علينا أن نشير إلى أن كل ذلك التضليل والتزييف للوعي، لم يكن هناك ما يواجهه سوى الإيمان بالله وأن الحق سوف ينتصر مهما بلغ الطغيان في ظلمه وجوره، ومع ذلك لا يمكن القول إن تلك الحملات الإعلامية المتعددة الأوجه والوسائل والأساليب لم تؤثر على الكثيرين من البسطاء الذين يمكن تزييف وعيهم بأكاذيب مشحونة بخطاب تحريضي مذهبي تهدف إلى إكساب الحرب بعداً اجتماعياً وانقساما يؤدي إلى تفكيك النسيج المجتمعي، وهذا ما يؤكد أن الحرب لم تكن بين نظام وجزء من مكونات المجتمع، بل هي حرب بالوكالة مدفوعة ومخطط لها من قوى خارجية ، أداتها التنفيذية النظام العميل آنذاك.