تأملات في كتاب القصة القصيرة جداً في اليمن

 

عرض/ رينا يحيى
إن الأدب الذي هو مرآة الشعوب في كل العصور لا بد ان يخضع لقانون التطور بتطور العقل البشري .
وفي ذلك الطريق لا بد له من المرور بعوامل كثيرة تأثيرا وتأثرا وهو خلال ذلك يمر بإرهاصات تبشِّر بالجديد القادم وتستنفر كل جهد في التقنين والقولبة والنقد .
فابتداء من سجع الكهنة إلى الخطابة الدينية والسياسية إلى الرسائل الديوانية والإخوانية والمقامات وقصص الحيوان وقصص ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة ثم الرواية والقصة والمسرحية والقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا، ومن الرجز جاء القريض وتفرَّعت أغراضه وتنوعت بحوره ثم شعر التفعيلة ثم قصيدة النثر ثم الومضة الشعرية
وفي ذلك تعددت الكتابات والدراسات النقدية والتحليلية واستفاد اللاحق من السابق إضافة للمعلومة أو نقضا وتفنيدا للفكرة .
و كتابة القصة القصيرة جدا ( ق. ق. ج ) فن جديد استحدث في القرن العشرين لقي حفاوة وقبولا كبيرا لكنه لم يبدأ مستقلا بذاته إلا مؤخرا حيث انتهج الكتاب إلحاق مجموعة قصص قصيرة جدا مع كتاباتهم السردية .
ويعتبر آرنست همنغواي 1925م الرائد الأول في هذا الفن حين كتب للبيع : حذاء طفل لم يولد بعد، ليفتح بعد ذلك المجال لانتشار ذلك الفن عالميا ثم عربيا ثم يمنيا بشكل إبداعي أو نقدي .
والكتاب الذي بين يدي القصة القصيرة جدا في اليمن ( ارتباك البدايات وملامح النضج ) عن دراسة أدبية تحليلية، وهو –أي الكتاب -من القطع المتوسط في 160 صفحة من إصدار دار ديوان العرب للنشر والتوزيع يتضمن ثلاثة فصول عناوينها ( إشكاليات البدايات، أركان القصة القصيرة جدا، تقنيات القصة القصيرة جدا ).
ومن الإشكاليات التي عرض لها الناقد إشكالية التجنيس وهي تحديد القصة القصيرة جدا جنساً ادبياً مستقلاً بذاته عند الكثير من كتاب القصة، فالكثير منهم يورد قصصه القصيرة جدا كفصل ملحق بكتابه السردي أو يخلط القصة القصيرة مع القصة القصيرة جدا والومضة في كتاب واحد .
مع أن بعض النقاد يختلف في هذا التفصيل حيث يعتبر أن في الأدب جنسين هما الشعر والنثر ومن ذلك تأتي الفنون الأدبية أنواعا لهذين الجنسين .
وعلى اعتبار أن هذا الفن ما يزال حديث الولادة في المشهد الأدبي اليمني فهذا امر وارد حتى يثبت هذا الفن وجوده واستقلاليته في فضاء الأدب اليمني وقد أورد أسبابا لتأخر ظهور هذا اللون الأدبي برغم السبق العالمي والعربي :
(إن اليمنٍ عاشٍ السجال النقدي والاحتدام النقدي حول اختلاف القصة القصيرة جدا كونها فنا سرديا جديدا ولم يواكب استقرار هذا الجانب حين فرض ظاهرته كشكل جديد فظل يعنون القصة القصيرة جدا بأقصوصة أو يلحقها في حلية إنتاجه من القصة القصيرة جدا.
فضلا عن التخصصات السردية في جنس القصة القصيرة جدا قليلة أو منعدمة، ليس ذلك فحسب , والنقاشات والسجالات النقدية إزاء النصوص التي لحقت المجموعات أو مجموعات صدرت مستقلة لم تعط أو لم يثر حولها الجدل النقدي ) والسؤال هنا هو لماذا ؟؟ !!
لماذا لم تلق القصة القصيرة جدا في اليمن الحفاوة التي وجدتها في البلدان الأخرى وبقيت منثورات في منشورات أخرى , وتضمينها أحيانا في قصائد لتغدو أقصودة (نحت بين الأقصوصة والقصيدة ) فتأتي اقرب للقصيدة من القصة ؟؟
هل ذلك لأن اليمن كما أورد الكاتب موطن شعري اكثر من كونه سردياً فهو يحتفي بالشعر اكثر ويتوارثه , أم أن السبب هو عدم اهتمام الدولة بتشجيع ودعم هذا الفن الحديث ؟
اعتقد أن الوضع القلق والمتقوقع جزئيا في البلد يجعل الغلبة أدبيا على الفنون ذات النفثات الأطول برغم طرافة وجمالية المحدث الذي ما يزال في طريقه إلى النضج الكامل، حيث لم تظهر مجموعات للقصة القصيرة جدا إلا في عام 2004م وما بعده بحسب الجداول الزمنية المرفقة في الكتاب.
وقد اختار الباحث خمسة نماذج للقصة القصيرة جدا في اليمن تمثل مرحلة النضج وهي كالتالي: أحذية ورمال للقاص مروان الشريفي وللفرح عمر واحد وللقاص زيد عبدالباري سفيان وبنكهة شرعية للقاص صلاح بن طوعري وصلاة في حضن الماء للقاصة انتصار السري وركام الدموع للقاص خلدون الدالي .
وفي الفصل الثاني يعرض الدارس لأركان القصة القصيرة جدا ليعرج أولا على العنونة بشقيها الخارجية والتي تكون عنوانا للمجموعة ككل ثم العنونة الداخلية وأهميتها في خلق علاقة بين الكاتب والتلقي بتحفيز وجدان القارئ وتهيئته لاستقبال النص كرسالة سردية متوقع أن يكون لها أثر.
أما عن أركان القصة القصيرة جدا فهي كما أورد :
الحكائية : عنصر الجذب والترابط وهي التي تجعل القصة القصيرة جدا بنية قصصية بالدرجة الأولى ….
الشخصيات : مكوِّن في بناء النص القصصي وهي شخصيات غائبة غير محددة بأسماء وعلى الرغم من غيابها إلا أنها حاضرة لتشكيل لحظة من التباين .
التكثيف : وهو خطاب في الجملة , بحيث تكون الجملة مشحونة بدلالات كثيرة وغير منتهية بحيث لا يقع المبدع في الشرح والسببية والإغراق في الوصف .
الجرأة : الخروج عن المألوف وطرق القضايا المسكوت عنها ,وتكمن وراءها رسالة المبدع العميقة التي تنقل وصفه في رسالته .
لغة القصة وشاعريتها : هي لغة خاصة غير مشتركة تتَّسم بالتكثيف والتكتيم والرمزية , وتقترب من لغة الشعر، فهي لغة حمالة أوجه وهي لغة تواصل ولغة إنتاج تخرج من الدلالات الحقيقية إلى المجازية .
وحدة الموضوع : إذا كانت الوحدة الموضوعية هي تنام للأحداث بوحدة الحدث والفكرة لتؤدي رسالة للمتلقي فإن القاص يحرص كثيرا على ألا يظهر نصه مفبركا مسهبا بعيدا عن الوحدة الموضوعية .
وفي الفصل الثالث تناول الدارس تقنيات القصة القصيرة جدا لتكون كالتالي :
المفارقة : وهي المباينة، بمعنى إرادة دلالة والإتيان بنقيضها وتكمن جماليتها في تصعيد درامية النص عن طريق التصوير الساخر.
الرمزية : إرسال حقائق بطريقة إيحائية …. فالقاص يستخدم الرمز ليحتج على الواقع محاولا إعادة صياغته برسالة تتناول القضايا الحياتية المعاصرة .
التناص : قد يعمد المبدع إلى استخدام التناص تعمدا ليثير المتلقي ويفتح إشارات ودلالات لا تنتهي بين النصوص المختلفة.

قد يعجبك ايضا