«كركر» خيرك يا «مسنِّب في الطريق»!!

 

محمد القعود
* ضحكتُ مُؤخَّراً حتَّى بزغ الشَّعْر من تحت سُماطتي المُوقَّرة، وصار لديَّ فائضٌ من الضحك، حتَّى أنَّني فكَّرتُ في تصديره إلى بعض الدُّول والمجتمعات الحزينة، وإلى أولئك الـ «آوادم» الذين تُحيطهم الكآبة وحيثُ يُعشعش الكدر وتُخيِّم التعاسة، أمَّا سبب ضحكي التجاري، فمصدره بعض النماذج الكاريكاتورية والشخصيات «الترللي» والكرتونية التي ظهرت في وسطنا الثقافي والإعلامي كـ «الصنافير».
هذه «الانبعاجات» البشرية و«المطبَّات»، التي تعيش في حالة وهمٍ كبيرٍ ومُزمن، ما إن أكتب – يعني حضرتنا – عن بعض القضايا الثقافية أو بعض الظواهر السلبية في الوسط الثقافي، حتَّى ترتعش وتنتفض وتتلوَّى وتقفز «هُبَّه»، وتبدأ بعزف «وصلةٍ» مُملَّةٍ من النواح والأنين والشكوى و«الواوو» و«الواوح» والوقوف أمام الجولات والإشارات الضوئية وأمام أبواب الجوامع وأسواق الباصات ومواقف السيَّارات، تشكو، بمسكنةٍ وتناهيد مُتقطِّعة، أنَّها المقصودة و«المعصودة» بتلك الكتابات، وأنَّها – يا حرام – مُستهدفةٌ و«مُستهبلة»، ويتمّ تجاهل مقدارها وعلوّ شأنها وكعبها وثقل «خلفيتها السائفية»!!
ولا تكتفي تلك النماذج الكرتونية بترويج أوهامها عبر أسواق الجُملة والتجزئة، وإنَّما تقوم باستئجار مايكرفوناتٍ كبيرةٍ وتضعها فوق سيَّارة، «باص»، وتطوف طوال اليوم في الشوارع لشرح حالتها التي «تقطِّع» القلب، وأحياناً تمسك التليفون وترنّ، ترنّ، ترنّ، و«تزنّ» : «يا فلان شُوف صاحبك فُلان كيف كتب عنّي، ويا زعطان، ما له فلان عليّا، أنا احترمه واحبّه واقدِّره، بس ليش هذه القساوه عليّا»، ثُمَّ تتغيَّر النبرة والنغمة : «ما له، ما له هذا، كيف يكتب علينا، امنعوا ابوه من الكتابة، اقطعوا راسه، غطِّسوه، طحِّسوه، بهذلوه، و…، و…».
وتضحك من هكذا «مصاريع» و«مداليز» و«مضاريب فيوزات» وخفيفي عُقول ومرضى بأوهام العظمة وتضخُّم الذات – الخاوية – و«الأستذة» ومُشعوذي الثقافة ومُرتزقتها، ومُزوِّري حقائق، ومُزيِّفي وعي، وناشري غُبار التخلُّف وميراث الظلام، ومُدّعيي العلم و«المفهومية» وأصحاب خبرةٍ و«بتاع كُلّه»!!
وتُواصل ضحككَ من هذه الفصيلة التعسة و«النامونة» البائسة والبضاعة الفاسدة و«الخاسعة» و«فرقة أضواء المسرح» و«الكواسر» و«أسماخ وأعفاط وعناترة الحارة» و«عصابة حمادة وتُوتو وسُوسو» وفرقة «النينجا» و«»الشياطين 13» و«هبَّاشي ولطَّاشي» الأفكار والإبداع وبائعي «الزعقة» الذين ينعقون بشكاواهم وادِّعاءاتهم المهترئة وخيالاتهم المريضة واعتقاداتهم وضلالاتهم وافتراءاتهم وأباطليهم، التي لا أساس لها من الصحَّة، والبعيدة كُلّ البُعد، شكلاً ومضموناً، ظهراً وقلباً، طُولاً وعرضاً، عن أصغر ذرَّةٍ من الحقيقة، التي تجعل من علامة الاستفهام علامة تعجُّبٍ تتمايل من التأفُّف!!
تتساءل : «يا تُرى، لو أنَّ هذه النماذج الكالحة والمريضة تربَّعت فوق منصبٍ ثقافيٍّ أو صارت تحتلّ وظيفة بوَّاب إدارةٍ ثقافية، ماذا ستعمل؟»، ستعمل الأعاجيب والأفاعيل وتشطح وتنطح و«ترفس» و«تقحص» و«تدهس» كُلّ مَنْ يقترب منها، والأدهى من ذلك أنَّها قد تقوم بخياطة الأفواه وقمع الآراء وإصدار فتاوى بقطع عُنق الحقيقة وشنق وجهة النظر المخالفة وأصحابها، ولحرَّمت النقد وجعلت عُقوبته الإعدام والصلب وتكسير الأصابع والأقلام، أمَّا لو كتبتَ عنها وعرَّيت دواخلها ومكنوناتها وكشفت أقنعتها و«شرَّحتها» وجعلتها نُكتة العُصور، وأدخلتها إلى التاريخ من أوسخ أبوابه، فسيكون انتقامها منكَ فظيعاً وشنيعاً، وستعمل كُلّ شيءٍ ضدَّك، وستُخرجكَ من قاموس البشر ومن جميع الملل والأعراف والتواريخ والجُغرافيا، وستُشيع أنَّكَ من الأوبئة الخطيرة والفيروسات المُدمِّرة، وأنَّكَ السبب الرئيسي في ثُقب الأوزون وعدوّ البيئة وعقبةٌ أمام مسار السلام العالمي!!

***
أحدهم يظلّ لمُدَّة عامٍ وعشرة أشهرٍ وثلاثة عشر يوماً و(29) ساعةً، ومثلها ثلاث مرَّات، وهُو ينوح ويلوح و«يونون» وينعق وينهق ويشهق وينشج ويلهج ويُلحِّن ويُزمِّر و«يرتفس» ويُتمتم ويُهمهم ويُغمغم و«يفحِّط» بصوته مُتعدِّد الطبقات، و«يعوي» ويدوي ويُدوِّي، زاعماً كاذباً واهماً بكُلِّ صفاقةٍ، أنَّني قصدته وعنيته و«دحشته» و«تحرَّشته» وصدمته وهُو «جازع في طريقه»، وأنَّني «كوَّرت» فوقه بكتاباتي، وأنَّه هُو المعني وحده من بين خلق اللَّه بتلك الكتابة، وأنَّه هُو «وحده ه ه ه» – ياسين عليه – المقصود بذاته : «اسم اللَّه عليه، نغنغ، كركر، دادح، واوح، منوه حبيب مامه، منوه»!!
وأظلُّ أضحك وأضحك حتَّى أظنُّ أنَّ «بُوري» حشيش قد تسلَّل إلى «طاسة» مُخيخي، وذلك لأنَّني لو كتبت عن حمار ضائعٍ في المرِّيخ، أو عن قردٍ «يشخبط» في جُزر واق الواق، أو عن «سُلحفاةٍٍ تتمخطر» في شواطئ «اخرط لك اخرط»، أو عن «فأرٍ» يتسكَّع في مجاري باريس، أو عن «غُرابٍ» يُصوِّر فيديو كليب في ملاهي بيروت، أو عن «بُومةٍ» تتبرَّج و«تتعنوص» في ضباب لندن، أو عن «معزةٍ» تائهةٍ في أدغال أفريقيا، لقرأ المذكور أعلاه تلك السُّطور بـ «فكر احول» وعُيونٍ رماديةٍ ونيَّةٍ مُلغَّمةٍ بالسيِّئات وضميرٍ نائم، ولزعق زعقةً إلكترونيةً – غير موجودةٍ ضمن نغمات نُوكيا – وصاح وناح وعقر «دجاجةً» عند «عيال الحارهْ» : «ابسروا يا خُبرتي، بيتقصّدني، ما يشتي منِّي أفتجع يزرطني»!!
أمَّا حين أكتبُ عن قيمةٍ ثقافيةٍ رائعةٍ أو عن مُبدعٍ مُميَّزٍ أو أديبٍ مُبهرٍ أو مُثقَّفٍ فاعل، أو أُبدي إعجابي بقصيدةٍ أو قصَّةٍ أو مقالةٍ أو فكرةٍ أو كتابٍ لمبدعٍ ما أو أيِّ عملٍ ثقافيٍّ أو فنٍّيّ، أجدُ المعتوه أعلاه وأدناه «يلطّم» خُدوده ويُمزِّق و«يشطِّط» قميصه و«يقحّص صوابيعه» و«ينتِّف» شَعْره و«يحكحك» جلده باكياً ناعقاً مُتظلِّماً شاكياً، لماذا لا أذكر اسمه و«ازرِّقه» بين المبدعين؟ ولماذا لا أُشيدُ بمواهبه الخارقة التي أثارت إعجاب قبائل الإسكيمو؟ ولماذا همَّشته وتجاهلته و«فلّته» وسط السُّوق!! وجعلته «يخنس» ويضيع في الزحمة والزفَّة ويضلّ طريقه؟! و«يتلاطشه» جميع «سراسرة» الثقافة الشوارعية!! ويُواصل نشيجه و«يجتعر» و«يفتحر» بين الأتربة مثل «البيجر»، مُولولاً لماذا «نقَّصت» من شأنه ومقداره؟ ولماذا «ركنته» على الرفّ؟! ولماذا لا أُمجِّده وأُقدِّسه وأشهد أنَّه لا بعده ولا قبله، وأنَّه وحيد عصره وفريد زمانه و«زُوّته» ومكانه، وأنَّه من أبوين مُبدَعَيْن؟ وما هُو المقصود من ذلك؟! «حلوة المقصود من ذلك».
المُهمُّ يا أحباب القلب ويا أصحاب، أنَّني في مُعظم الأحيان وعقب نشر موضوعٍ من مواضيعي تلك، أُشاهد وأسمع على الهواء مُباشرةً أفلاماً ومسرحياتٍ وبرامج ضاحكةً، ومجَّاناً، تُثير العجب العُجاب، وفيها «خرط» شبيهٌ بالأفلام الهندية، وفيها بُطولاتٌ دُخانيةٌ وادِّعاءاتٌ هُرائيةٌ ولفَّاتٌ وجولاتٌ بلا حُدود، وتُضحكني حتَّى «توجعني» بطني وتنتفخ «…» من ذلك الضحك.
هذا «البلوة» والعاهة المزمنة في ساحتنا الثقافية، هُو وأمثاله – كما قال أحد الزُّملاء المبدعين – ما إن يرى وردةً حتَّى يشعر بالشوك، وما إن يُشاهد شُعاع الشمس حتَّى يُمجِّد الظلمة ويُمجِّد الظلام، وما إن يرى الجمال حتَّى يخنقه القُبح، وما إن يجد الينابيع الصافية حتَّى يغصّ بظمأ مُستنقعاته الآسنة، وما إن يقول له عابر طريقٍ : «صباح الخير»، حتَّى يفزُّ مذعوراً هائجاً ومُتّهماً ذلك العابر بأنَّه قال له : «عليكَ لعنة اللَّه»!! وما إن يقرأ كلمةً طيِّبةً حتَّى يُشيع أنَّها خبيثة، وما إن يتأمَّل لوحةً فنِّيَّةً بديعةً حتَّى يُصرِّح و«يسلِّح» أنها شخبطاتٌ شيطانية، وعندما يرى وجهاً سمحاً و«خلقهْ» يُشيع أنَّه قناعٌ تتخفَّى خلفه الدمامة والبشاعة والكراهية، وإن قُلتَ له : «يا فلان استغلّ وقتك واقرأ وتثقَّف وحسِّن خطَّك ومستواك»، أجابكَ بكُلِّ بلاهةٍ : «أنا شاطر، أحفظ أبجد هوَّز وإي بي سي دي، وأعرف أعدّ من واحد لعشرة، وتعجبني قناة (سبيستون) ومسلسل (تُوم وجيري) وحلقات (الوطواط)، أنا شاطر، شاطر، كان مه، هيَّا ادِّي جعالهْ يا ذيّه».
ختاماً، أقولُ لهذا الموهوم العزيز ومعه فرقته «الببَّغائية» وشلَّة «يهـ … يهـ» وجماعة «الوشَّه» وفرقة «الهوكه» و«كتبة العرائض» ونادي «الهوشلية» ومُنتدى «البرع الإلكتروني» ومُلتقى «جنَّنتني … جنَّنتني يا مسنّب في الطريق» و«رواة البواسير تحت قطرات المواسير» و«مُؤسَّسة الخباير لتفريخ الشعارير»، و«ميليشيات النميمة المسرَّحة بقيادة عبده هيصه»، وتحت إشراف وتخطيط دسائس وإخراج شوارعيّ الأستاذ فارغ بن غفلة، وشبيه الريح وبواقي «النينجا»، أقولُ لجميع هذه النماذج الكرتونية إنَّني لم ولن أُفكِّر في الكتابة عنه/عنكم، حيثُ أُعدُّ ذلك إساءةً في حقِّ نفسي، ومن الذُّنوب التي ستُؤرِّقني، كما أنَّني لم أصل بعدُ إلى هذا المستوى من البلاهة كي أكتب عن أشياءٍ «وشياه» من سقط متاع المجتمع وأشياءً تافهةً و«بعاسيس» تبعث على السُّخرية، فهُناك مَنْ هُو صاحب جدارةٍ في الكتابة عنها، من أمثال «جنابكم»، مثلاً.
إنَّني أربو بقلمي أن يخطّ حرفاً واحداً عن الأشياء القبيحة أو عن توافه الأمووووووور أو مُحاولة ترويج وتوزيع ونشر الزيف والباطل والأوهام والعُقد والأنانية والرداءة والبضائع الفكرية المسمومة والمضروبة و«المُسوِّسه»!!
قلمي «يا خُبره» حبره الضوء، وكلماته المحبَّة، وسُطوره الخير والجمال والمصلحة العامَّة، يُشرِّح الظواهر السلبية ويترصَّد كُلّ «الانبعاجات» ويطيب له، أحياناً، أن يلذع بمرحٍ جوانب تلك السلبيات، أمَّا الشخصانية فلا!! مع الدعوة إلى اللَّه أن يُنير عُقولكم ويُشفي قُلوبكم ويهديكم إلى الصراط المستقيم وإلى ما فيه خير البلاد والعباد وإلى ما فيه الخير والسداد، ولا حول ولا قُوَّة إلاَّ باللَّه العليّ العظيم، مع محبَّتي الدائمة للجميع، و«سلام يا جدع»..

قد يعجبك ايضا