اختطاف واغتيال الأجانب إجرام بالوكالة

تحقيق / أسماء حيدر البزاز –

عناصر إجرامية حاقدة تقف وراء عمليات الاختطاف لإيصال رسالة بأن اليمن غير مستقر

تحقيق / أسماء حيدر البزاز

قتل منذ أيام رجل روسي بالعاصمة صنعاء وأصيب زميل له بجروح في حادثة ضمن مسلسل الاغتيالات الذي طال أجانب تحديداٍ وقبل هذه الحادثة أقدم أربعة مسلحون مقنعون كانوا في سيارة هاجموا متجرا لبيع المواد الالكترونية في وسط صنعاء واختطفوا ثلاثة سياح أجانب “امرأة ورجلان” لتصل تلك الحوادث إلى عدد من الموظفين الدوليين التابعين لوكالات الأمم المتحدة وغيرها من حوادث الاختطاف والاغتيال التي ارتفعت وتيرتها في الفترة الأخيرة مع قرب الانتهاء من مؤتمر الحوار الوطني ,, فمن هي الأطراف المستفيدة من ورقة الاختطاف والاغتيالات ولماذا ازدادت في الآونة الأخيرة وما هي المؤشرات والدلالات التي تحملها هذه الأعمال الإجرامية في هذا الظرف الاستثنائي الصعب الذي يمر به اليمن .

تشير التقارير الخاصة باغتيال واختطاف الأجانب في اليمن إلى قيام مجموعة من المسلحين القبليين باختطاف ستة من موظفي الأمم المتحدة في محافظة المحويت وقد تم الإفراج عنهم بعد ذلك بعد مفاوضات مع الحكومة كما تعرض ثلاثة من موظفي الصليب الأحمر للاختطاف في جنوب البلاد بمحافظة أبين وقد دفعت تلك العمليات الأمم المتحدة إلى تحذير موظفيها من التنقل في مختلف المدن دون حراسة وما تم بعد ذلك من اختطاف الصحفية الهولندية بوكالة إذاعة هولندا العالمية “جوديت سبيجل” وزوجها “بوديجن بيرندسون” من أمام منزلهما في منطقة حدة بصنعاء , وكانت جماعة تبنت مسؤوليتها عن اختطاف موظف إيطالي بعد اختطافه من أمام سفارة بلاده بصنعاء على خلفية مطالب لدى الحكومة وقد تم الإفراج عنه بعد تحقيق مطالب الخاطفين إضافة إلى ما تعرض له طبيب روسي من عملية اختطاف من قبل عناصر قبلية مسلحة في محافظة مأرب.
وزارة الداخلية قد صرحت بأن عناصر إجرامية حاقدة تقف وراء عملية اختطاف الأجانب في محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار وإيصال رسالة للعالم بأن اليمن بلد غير مستقر.
إفشال الحوار
من هذه الزاوية طرحنا موضوع اختطاف واغتيال الأجانب الدبلوماسيين والسياح في اليمن على طاولة المحللين السياسيين الذين ربطوا ارتفاع وتيرتها بمساع خفية لإفشال مخرجات الحوار التي في مرحلتها الأخيرة والعودة باليمن إلى مربعها الأول حيث يقول السياسي خالد محمد سعيد: إن السبب الرئيس في ارتفاع وتيرة عمليات الاغتيالات سواء أكانوا أجانب أو سياحاٍ يبدو كمحاولة يائسة لإفشال مؤتمر الحوار الوطني الشامل وهو في لحظاته الأخيرة كما أن الأمر يعود أيضاٍ إلى ظاهرة الاختلالات الأمنية ولن أقول الانفلات الأمني فهناك فرق مابين الاختلالات الأمنية والانفلات الأمني حيث وأن الاختلالات ناتجة عن متغيرات التحول الذي تشهده أي عملية تحول سياسي أو تغيير شامل في المنظومة السياسية والاجتماعية في أي بلد كان وهنا يبرز ما يعرف بمقاومة التغيير الأمر الذي يتطلب توفر قيادات أمنية على قدر من اليقظة لإفشال تلك المخططات الإجرامية.
ومضى يقول : وقبل أن تتفشى تلك الظاهرة التي نلاحظ أن المعادلة فيها بدأت تتغير في الآونة الأخيرة حيث كان في السابق يتم استهداف القيادات الأمنية والعسكرية بينما اليوم نشهد اغتيالات لرموز ونخب سياسية وأجانب الأمر الذي إن لم يتم تداركه بعزيمة وإصرار لاستكمال مؤتمر الحوار الوطني الشامل والخروج بنتائج تلبي آمال وطموح اليمنيين وصولاٍ إلى دستور يعكس تلك المخرجات ويستفتى عليه ستظل ظاهرة الاختلالات الأمنية في تفاقم وتؤول إلى مآلات قد لا يحمد عقابها على صعيد الأمن والسلم الاجتماعيين.
المؤسسة الأمنية
من جهته يرى الدكتور نبيل الشرجبي – أستاذ العلاقات الدولية : أن البلد تمر باللحظات الأخيرة من مؤتمر الحوار وهذه واحدة من أخطر المراحل التفاوضية وتسعى معظم الأطراف إلى خلط الأوراق ولكن بطرق مختلفة فأطراف تريد أن تعزز مكاسبها في اللحظة الأخيرة وأطراف تريد أن توقف نزيف الخسارة وأطراف تعتقد أنها لم تحصل على ما كانت تأمل ومن ثم فإن هناك أطراف مرتبطة بشكل غير مباشر مع بعض القوى وخاصة التي تعتقد أنها خسرت أو لم تحصل على ما تريد حيث تسعى تلك الأطراف لتفجير الأوضاع من أجل خلط الأوراق ومن ثم تلجأ للتفاوض الجزئي بين الأحزاب والدولة لنوع من تعظيم المكاسب.
موضحاٍ بأن هناك اختراقاٍ كبيراٍ في المؤسسة الأمنية والعسكرية وهذا الاختراق استفادت منه أطراف خارجية كثيرة تْنفذ بعض الأعمال عن طريق ورقة الأجانب للضغط على اليمن لخدمة مصالح بعض الأطراف اليمنية التي لها علاقات ومصالح مع تلك الأطراف الخارجية مع أن الطرف الأكثر خسارة بذلك هو اليمن.

إشراف أممي
من جهته يؤكد السياسي ياسين العقلاني : بأن هناك قوى تسعى إلى إفشال الحوار الوطني والمرحلة الانتقالية بأي وسيلة وإدخال البلاد في متاهات الصراع وعدم الاستقرار وهو ما صرح به المبعوث الأممي جمال بن عمر على أن هناك من يسعى إلى إفشال التجربة اليمنية الفريدة المتمثلة بالحوار الوطني.
وأضاف العقلاني قائلاٍ: أن المتابع لما يجري في الجلسات الختامية لمؤتمر الحوار يدرك بأن هناك توجهاٍ لتمديد المرحلة الانتقالية بدعم وإجماع دولي وإشراف أممي حتى تستكمل عملية التغيير والانتقال إلى مرحلة بناء دولة المؤسسات وتطبيق مخرجات الحوار الوطني على أرض الوقع والتهيئة لمرحلة الديمقراطية فاليمن تمر بمخاض عسير يتمثل بمؤتمر الحوار الوطني الذي سيقلص حجم النفوذ القبلي والانتقال إلى الدولة المدنية موضحا بأن تلك القوى التي تمتلك القوة والمال والنفوذ لا تريد أن ترى دولة تحكمها المؤسسات ويسودها النظام والقانون حتى يتمكن لها بسط نفوذها على مفاصل الدولة والسيطرة على مركز القرار .
محاربون أجانب !!
من جهته يقول أستاذ النظم السياسية والدستورية بجامعة صنعاء الدكتور أحمد حميد الدين إن منظومة الإرهاب واحدة في عناصرها وأهدافها وأسلوبها وفي ظل الانفلات الأمني تقتنص أهدافها والعنصر الأجنبي هدف مهم تضرب به أكثر من عصفور برمية واحدة .
موضحا أن استهداف العدو العسكري واصطياده في أصعب موقع له وهم الاستشاريون الأجانب هدف يحقق لتلك القوى شرعيتين في آن واحد – كما يظنون – الأولى كأجانب كفار والثانية كعسكريين يعتبرون في مواجهة مع القاعدة أي محاربين وليسوا مدنيين.

رعب وابتزاز
فيما يتطرق السياسي الدكتور أحمد مذكور – عميد كلية التربية والعلوم التقنية والتطبيقية بجامعة الحديدة في حديثه إلى أسباب ارتفاع ظاهرة الاختطافات والاغتيالات في الآونة الأخيرة قائلا : منها ما هو معلوم ومنها ما هو مجهول ولعل أبرز سبب هو خلق حالة من الرعب في أوساط المجتمع الغربي ومحاولة إقناعه أن البلد لم تعد صالحة للسياحة وهناك أسباب مادية بحيث يتم ابتزاز أقارب المخطوفين وحكوماتهم مقابل إطلاق سراحهم.
موضحاٍ أن أهم آثار تلك الظاهرة تقليص أعداد السياح وضرب الاقتصاد في جانب مهم وحيوي , بالإضافة إلى الرسالة التي يرسلها المنفذ وهي عرقلة الحوار بشتى الوسائل من خلال إرباك المشهد والقوى المستفيدة من ذلك قوى داخلية وخارجية فقدت مصالحها.

العملية التنموية
السياسي مجاهد شائف يقول بأن هناك قوى تسعى لجر الوطن إلى مربع العنف والولوج به في أتون الصراعات وتسعى إلى عرقلة المساعي الرامية إلى إخراج الوطن من الأزمة الخانقة باستخدامهم كل الطرق والوسائل التي تشكل ورقة ضغط تساعدهم في الوصول إلى تصفية حساباتهم مع الغير وتحقيق مآربهم الشخصية.
موضحاٍ: أن هذه الأعمال الخاطئة تسيء إلى سمعة اليمن وتنعكس مردوداتها سلباٍ بحيث يؤثر على العلاقات الخارجية ويعيق مسار العملية التنموية في البلد.
ظاهرة مستفحلة
فيما يرى السياسي شاهر سعد أن ورقة الاغتيالات والاختطافات للرعايا الأجانب في اليمن مؤشر خطير للغاية ليس لأنه يعصف بالمستقبل بكل أحلامه من أمن وأمان وتنمية وسياحة واستقرار لمجمل الأوضاع ولكنه يدمر آخر ما تبقى للإنسان من قيم وأخلاق وعرف.
وتابع قائلا : ما ينبغي التباكي عليه اليوم حال القيم وانهيارها بهذا الشكل المخيف والمفجع وبعيداٍ عن القانون والشريعة التي تجرم هذه الأفعال نكون قد فقدنا آخر ورقة تمنحنا وطناٍ ومواطنة وتجْردنا من آدميتنا وإنسانيتنا وعندما نفقد الضمير والقيم والأخلاق نفقد حياتنا تماماٍ بالتأكيد لهذه الظاهرة المستفحلة أسباب موضوعية وذاتية كالمناهج والتربية والتنشئة والاقتصاد والظروف المعيشية والإعلام وقبل هذا وذاك فهي سياسية محضة تلبي رغبات لمصالح شخصية وجماعات سياسية تخدم أجندة داخلية وخارجية وجدت لها بيئة مشجعة تضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب وتكافئ القاتل وقاطع الطريق والفاسد والمفسد والعكس مع غياب التعليم والقضاء (العدل والإنصاف) وسيادة القانون
وختم حديثه بالقول : نحن بحاجة أولاٍ إلى استعادة الدولة وإلى إرادة سياسية لتجسيد قوة القانون لا قانون القوة .
تدهور الاقتصاد
وعن تأثر الوضع الاقتصادي بالمشهد الأمني المختل تقول من مركز دراسات الاقتصاد الوطني جميلة العثماني: إن الاختلال الأمني الذي تشهده اليمن في استخدام ورقة اغتيال وخطف الرعايا الأجانب يعتبر بيئة طاردة للاستثمار فرأس المال دائما جبان يبحث عن الاستقرار والاستثمار في بيئة مختلة أمنياٍ يعتبر مجازفة فلن يأتي مستثمرون في ظل الوضع القائم خاصة في ظل استهداف الأجانب بالاختطاف أو الاغتيال لأن هذا يجعل السياح يفرون من القدوم إلى اليمن هروب رأس المال أو السياحة من اليمن مما يؤدي إلى انخفاض العائدات من النقد الأجنبي وهذا يحرم الاقتصاد الوطني من مصدر دخل مساعد.
هجرة الاستثمارات
وعن تأثر قطاع السياحة بظاهرة اختطاف واغتيال الأجانب يقوله عامر محمد الضبياني رئيس منظمة أنصار السياحة في اليمن : أن اختطاف السياح والأجانب واستهدافهم يعتبر من أبشع الجرائم التي يستنكرها المجتمع وينبذها العالم أجمع وتتنافى مع كل الديانات والكتب والتشريعات والقوانين والأنظمة والأعراف والتقاليد , ولهذه الظاهرة أثر كبير في تشويه سمعة البلد وتوتير العلاقات الدبلوماسية وخلق الأزمات والمشاكل الأمر الذي ينعكس سلباٍ على سياسة البلد واقتصاده ويؤدي إلى هجرة الاستثمارات ووقف عجلة التنمية وتدني فرص العمل وعدم تدفق العملة الصعبة بالإضافة إلى انتشار حالة الهلع والخوف لدى العاملين بالسفارات الأجنبية والهيئات والمنظمات الدولية العاملة في بلادنا لعدم توفر الأمن والاستقرار.
موضحا بأن اليمن شهد منذ ظهور هذه الظاهرة وانتشارها تراجعاٍ كبيراٍ في إقبال السياح والزوار والمستثمرين من الأجانب والعرب مما الحق ذلك خسائر فادحة من شركات الطيران ووكالات السفر كما سرحت العديد من المنشآت السياحية الآلاف من موظفيها لركود القطاع السياحي في بلادنا.
تراجع العائدات
توجهنا بعد ذلك إلى وزارة السياحة والتقينا محمد أبو طالب من مكتب الترويج السياحي بالوزارة ورئيس مؤسسة آي كي جي السياحية في اليمن والذي أفادنا بالقول : السياحة اليمنية تأثرت بشكل كبير مما يحدث للأجانب من اختطاف واغتيالات, فاسم اليمن في الإعلام خارجياٍ أصبح مقروناٍ وللأسف الشديد بشيء اسمه قتل .. خطف … تفجير .. وهكذا يتفنن الإعلام في الخارج بهذه الكلمات الرنانة التي تعطي صورة لأسوأ واقع بحيث, تبقى في الأذهان لفترة طويلة وتحتاج إلى جهود كبيرة لتغييرها.
موضحاٍ: إن عائدات قطاع السياحة كان قد ارتفع العام الماضي إلى 848 مليون دولار مقارنة بنحو 780 مليون دولار في 2011 أي بزيادة ناهزت 8.7% , ولكن مثل هذه الاعتداءات تدمر أي تقدم في مجال السياحة والتنمية في البلاد.
ترزق سياسي
ومن وزارة الداخلية يوضح لنا العقيد علي الشدادي بأن استهداف السياح والأجانب المقيمين في اليمن يعد تهديداٍ لأمن اليمن واستقراره لما يترتب عليه من مخاطر على السياح الأجانب وعلى السياحة بشكل عام وأضاف الشدادي: إن هناك أيضا قوى تسعى للارتزاق السياسي والمادي على المستوى الداخلي والخارجي مشددا على ضرورة ألا ينْظر إلى الجانب الأمني بمعزل عن الجوانب الدينية والسياسية والأوضاع الاقتصادية والظروف الاجتماعية بالإضافة إلى الأوضاع الدولية والممارسات السياسية للأنظمة الغربية والأمريكية تجاه كثير من قضايا الأمة.
مؤكدا على أن هناك جهوداٍ وحملة أمنية منظمة ومتوازية بمشاركة واسعة حكومية وغير حكومية في تأمين المراكز والمناطق والمقرات السياحية ومقرات الرعايا الأجانب وتأمين الطرق والمنافذ والقيام بكثير من المعالجات الفاعلة لمكافحة هذه الظاهرة المسيئة لليمن ومكانتها وتأمين نجاح مرحلتها الانتقالية .
تحذيرات
توجهنا بعد ذلك إلى مصلحة الهجرة والجوازات لمعرفة مدى أثر هذه الظاهرة على الوافدين الأجانب لليمن والتقينا نائب مدير عام المصلحة عبد الباسط السلمي والذي أفادنا بالقول: للأسف الوضع الأمني المضطرب وسلسلة الاغتيالات والاختطافات التي نالت وطالت شخصيات دبلوماسية وعسكرية ومدنية وإعلامية بارزة وتوسعت لتشمل الرعايا الأجانب والسياح والمقيمين في اليمن فكان لها مؤشرات ودلالات خطيرة انعكست في عزوف الأجانب عن زيارة اليمن وفاقم تحذيرات بعض الدول الغربية لرعاياها من السفر حفاظا عليهم من الوضع الأمني غير المستقر.
موضحاٍ إن الزيارات القادمة لليمن عبر مختلف المنافذ الجوية والبرية والبحرية اقتصرت في وقتها الحاضر على قدوم عمال الشركات الأجنبية العاملة في اليمن بشكل أكبر.

قد يعجبك ايضا