أمريكا التي لا تتغير بتغيُّر الرؤساء!
عبدالرحمن الأهنومي
طويت صفحة دونالد ترامب أو تكاد بعد انتهاء مارثون أطول سباق انتخابي شهدته أمريكا منذ نشأتها ، ولا نتوقع منه مغادرة البيت الأبيض عقب حفلة تنصيب مرتقبة لـ”جون بايدن” في شهر يناير إلا بعد كشف الغطاء كاملا ًعن كل ما بقي مستوراً تحت جنح الأغطية واللبوس والأقنعة التي ترتديها أمريكا ، وبعد إزالة كل مساحيق التجميل لما تفعله في غير بلد بالعالم.
لقد قدم ترامب خلال فترة رئاسته الصورة الحقيقية والواقعية لأمريكا «العظمى» التي تعيث الفساد في الأرض ، وتمارس الإجرام والبلطجة والقتل والإرهاب والترويع والنهب والحروب ، في كل أصقاع الدنيا وتعد نفسها وصية على البشر جميعاً، ومالكهم المطلق والواحد ، تستبيحهم فيما تشاء ، وتؤمنهم فيما تشاء ، تقتل من تشاء ومتى تشاء وحيث تشاء ، تختار لهم طرائق الموت والقتل والإبادة بمفردها وتحدد الأدوات كذلك.. ومن يصرخ أو يئن فرضت عليه العقوبات وصنفته في قوائم الإرهاب ، وعرّضته لمختلف أنواع الملاحقات..وصولاً إلى الاغتيال والتصفية.
في نهاية العام الفائت قال ترامب ، “ليس علينا الدفاع عن الحدود بين تركيا وسوريا، لقد كانوا يتقاتلون لآلاف السنوات، ولكن ما فعلناه نحن هو الاحتفاظ بالنفط” ، وأضاف : “سنقوم بتوزيع النفط، وسنساعد الأكراد وأشخاصاً آخرين، كما سنساعد أنفسنا إذا كان ذلك مسموحا” ، مراراً كرر ترامب إن أمريكا كان يجب أن تستولي على نفط العراق كاملاً وطلب من العراق تعويض الولايات المتحدة عن حربها على العراق بمنحها النفط العراقي ، وفي أكثر من مناسبة اعتبر السعودية بقرة حلوباً يجب حلبها ، ومصادرة مليارات الدولارات التي تملكها ، ترامب في كل ما قاله حول ثروات العالم كان يقدم صورة حقيقية عن أمريكا التي تصادر ثروات العالم وتنهبها بشكل وقح وفاحش ، وهو لا يختلف عن بقية الرؤساء الأمريكيين إلا في أنه يفصح ويعلن عما تفعله من نهب ولصوصية ومصادرة لثروات الشعوب.
في وقت سابق تحدث ترامب علناً أنه وضع خطة مع ماتيس – وزير دفاعه – لاغتيال الرئيس السوري بشار الأسد ، في وقت سابق أيضاً تحدث متفاخراً أمام اجتماع الأمم المتحدة أنه عمل شخصياً على اغتيال الشهيد قاسم سليماني ، الكلام أعلاه نقلته الشاشات ووثقته العدسات وسمعه الناس في كل مكان ، ولم يكن ترامب الذي اعترف بكل ذلك يتفوه ترفاً بل يتفاخر ، ويعترف أنه يفعل ذلك وهو في حل من أمره فهو رئيس أمريكا ، وما دام في هذا المنصب فهو يمنح لنفسه قتل الزعماء واغتيال الرؤساء وتصفيتهم ، وهو بهذه الاعترافات لا يتفوه بما يفعله بمزاجه فقط ، بل يعكس حقيقة أمريكا التي تمنح نفسها شرعية الاستباحة لكل شيء في العالم ، وتجرّم على كل العالم حق مقاومتها وصد بغيها وإجرامها.
بالواضحات من الأدلة أثبت ترامب أن أمريكا عبارة عن منظومة إجرامية تمارس الخسف والترويع والقتل ، وتنهب الثروات في شتى بقاع الأرض ، وتستبيح البلدان ، وتستعبد الشعوب ، وتدمر الأوطان ، وهي على ذلك النحو تمضي بترامب وبمن سبقوه من الرؤساء ، وبمن سيأتون من بعده ولن تتغير أبداً.
في فترة رئاسته كشف ترامب أنه عبارة عن قاتل يتربع على رأس هرم الإدارة الأمريكية ، لا يختلف عن زعماء شبكات العصابات والقتل ومافيا الجريمة المنظمة ، فهو يعترف بأنه مجرم وقاتل ولكن لأنه رئيس أمريكا ذلك يبيح له القتل والإجرام.
الحقائق التي عبّر عنها ترامب لم يسبق لرئيس أمريكي أن عبّر عنها بذلك الوضوح ، وهذا لا يعني أن أمريكا في غير عهد ترامب حمامة سلام وديع، فهي لا تختلف عنها في عهد ترامب وغيره ، الفارق هو أن ترامب تحدث بكل شيء بخلاف بقية الرؤساء الذين فعلوا كل شيء وقدموه في صور وأشكال وعناوين إنسانية مزيفة ، وسياسية معلبة.
سيغادر ترامب البيت الأبيض قريباً، بعدما أثبت بالأدلة القاطعة وبالواضحات الكبرى خلال 4 سنوات أنه مجرم قاتل برتبة رئيس ، ومثله كان وسيكون أي رئيس آخر لأمريكا ، والتي لن تختلف في عهد ترامب عنها في عهد غيره ، الديمة الديمة والباب هو نفسه ، الاختلاف في الوضوح والصراحة ليس إلَّا.