عن الانتخابات الأمريكية ووهم التغيير!
عبد العزيز البغدادي
تختلف أوهام المتعلقين بنتائج الانتخابات الرئاسية والنظام الانتخابي الأمريكي، باختلاف مستويات عقول الواهمين ، ولست هنا مع من يضخم أو يحط من شأن الدولة صاحبة هذه التجربة التي لها على أرض الواقع مالها وعليها ما عليها، وهي في الأساس تخص الشعب الأمريكي الذي لا يستطيع التنصل تاريخياً وموضوعياً من تبعات هذا النظام الانتخابي والسياسي والإدارة التي تمثله سواءً في الداخل الأمريكي أو آثار تدخلاتها السلبية وسياساتها اللاإنسانية في كثير من بلدان العالم منذ تأسيس الولايات المتحدة وموقفها من القضية الفلسطينية ودعم الكيان الصهيوني، فدور أمريكا وبريطانيا أوضح من الشمس في تشريد الفلسطينيين واحتلال أرضهم ودعم سياسة الاستيطان الذي يمتد كالسرطان منذ وعد بلفور المشؤوم والوقوف ضد أي قرار يصدر من مجلس الأمن ومنظمات الأمم المتحدة يتضمن ولو بالإشارة حماية أي حق إنساني من حقوق الشعب الفلسطيني، وتوفير الغطاء الدولي المستمر لممارسات كيان الاحتلال، فقد أصبح الدعم المطلق للكيان الصهيوني سمة ملتصقة بأمريكا وبريطانيا، لايتغير بتغير الرؤساء سواء كانوا من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، ما يشكل لدى الفلسطينيين والعرب نوعاً من الإحباط واليأس، ولايبدو أن هناك أملاً حقيقياً في تغيير موقف هذه الإدارة أو الدولة المارقة من القضية الفلسطينية ولا من موقفها ضد إرادة الشعب اليمني الذي يحاول التخلص من تدخل الكيان السعودي المصطنع في شؤونه واحتلال أجزاء واسعة من أراضيه بدعم بريطانيا وأمريكا والكيان الصهيوني، وآخر تجليات هذا التدخل العدوان الذي أعلن من واشنطن على لسان وزير خارجية السعودية في 26/ 3/ 2015 باسم التحالف العربي الذي شارك فيه الكيان الإماراتي بفعالية مع مرتزقة من السودان والجنجويد وبعض الدول العربية، وهو مالم يكن في الحسبان وقد وفرت الإدارة الأمريكية – إلى جانب الأسلحة والمشاركة العسكرية المباشرة – الغطاء الدولي لما يسمى زورا وظلما وبهتاناً بـ (الشرعية) .
والمتابع للنهج الأمريكي الممتد منذ عقود لا يرى في انتخاباتها سوى مسرحية هزلية يشغلون بها العالم على مدى أسابيع تتكرر كل أربع سنوات، لتؤكد أننا أمام نظام سياسي وديمقراطي تحت سيطرة واحتواء مؤسسات تمارس الخداع والتضليل باسم الديمقراطية يتبادل السلطة فيها الحزبان الجمهوري والديمقراطي ويديرها أصحاب المصالح والنفوذ المالي والاقتصادي والسياسي الممسكون بالمؤسسات العسكرية والاقتصادية من أصحاب الشركات الكبرى، وهكذا تمضي الحياة السياسية في دائرة مفرغة يتبادل فيها الحزبان دور السلطة والمعارضة ويجتر المحللون تحليلاتهم في كل موسم لتصب في مصلحة تلك القوى المهيمنة ونعيش وهم التغيير أو توقعه ! .
قد يبدو التوصيف حكماً تعميمياً ولكنه ليس حكماً قضائياً، وليس من حق أحد أن يتعمد الأحكام المطلقة، وهو توصيف لمشهد اللعبة التي تنتج هذه السياسات المدمرة التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية بحق كثير من الشعوب، وهي حقيقة لا أعتقد أن من الحكمة التعامي عنها أو أن نبني آمالنا وأحلامنا على الأكاذيب وخداع النفس والآخرين، ففي القضية الفلسطينية مثلاً استخدمت أمريكا حق النقض (الفيتو) ضد الفلسطينيين 43 مرة منذ العام 1948 إلى تاريخ 18 – 12 – 2017 لمصلحة الكيان الصهيوني العنصري، ما يجعل الحكم الذي ذهبت إليه يبدو منطقياً مهما كانت قساوته، ومهما كانت المغالطات التي تستخدم الشرعية الدولية خارج سياقها وتختزل ما يسمى (المجتمع الدولي) في عدد من الدول التي تمارس العدوان ضد الدول والشعوب المستضعفة على مدى تاريخها مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا والتي تجمعهم لغة المصالح المتوحشة !.
هذا السلوك اللاإنساني يجعل الانتخابات والنظام الانتخابي الأمريكي شأناً أمريكياً ويجعل الشعب الأمريكي مسؤولاً مسؤولية إنسانية وقانونية كاملة عما تفرزه هذه الانتخابات من ممارسات سواءً كان متضرراً أو مستفيداً منها، فإن كان متضرراً فشأنه شأن الشعوب التي تحكمها الديكتاتوريات المتخلفة وإن كان مستفيداً فهو شريك في كل جرائمها بحق الشعوب الأخرى، لأن كل شعوب الأرض مسؤولة عما يمارسه حكامها بشكل أو بآخر، ولا يمكنها التنصل عن هذه المسؤولية طبقاً للحديث النبوي الشريف (كيفما تكونوا يولّى عليكم)، إذ مهما كان مستوى صحة الحديث فإنه لا يبعد عن المنطق الذي يحِّمل الإنسان المسلم كامل المسؤولية في الدفاع عن حريته وجميع حقوقه ،وهو ما يتسق مع جوهر رسالة الإسلام التي تخاطب عقل الإنسان باعتباره صاحب رسالة ومسؤولية يجب أن يؤديها في حياته، وأي اجتهاد باتجاه تضعيف الحديث سنداً ونصاً إنما هو محاولة لجعل الإنسان مجرد عبد تابع للسلطة التي تحكمه خارج الهدف من وجوده، فعوامل القوة والضعف إذاً تأتي من الذات لا من خارجها !!.
لصنعاء جمرُ دميْ
وانبلاج مصابيحُ عشقيْ .. وأغصان قلبيْ..