في منتصف يونيو من العام الجاري غزت أسراب الجراد المناطق الداخلية لليمن والمتمثلة في مأرب وحضرموت وسيئون وشبوة وخلال هذه الفترة حذرت وزارة الزارعة من قدوم أسراب (الحوريات) التي تنتج عن فقس البيض الذي وضعته هذه الأسراب لكن لم تحرك هذه التحذيرات المسؤولين ولو خطوة واحدة والآن تجتاح هذه الأسراب سهل تهامة ومنطقة عبس وأجزاء من محافظات لحج وأبين وشبوة مخلفة أضراراٍ فادحة على المحاصيل الزراعية وإلى الآن لا يزال الجراد يلتهم طعام أبناء سهل تهامة ولم يبق لهم سوى عيدان الذرة والدخن .. هنا نستطيع أن نقول بأن اليمن على مشارف كارثة اقتصادية تلوح في الأفق القريب.
فمن يتحمل المسؤولية¿ ومن ينقذ أبناء تهامة من المجاعة والكارثة التي حلت بهم¿
»Š« واكبت الحدث وطرقت أبواب المختصين وتلمست حجم الأضرار فإلى التفاصيل :
مزارعو تهامة: الجراد أكل كل محاصيلنا الزراعية حتى الأعلاف لم يْبق منها شيء
, مركز مكافحة الجراد: نسبة المكافحة التي نقوم بها لا تغطي سوى 30%
, إدارة وقاية النبات: الوضع كارثي وأبناء تهامة سيبحثون عما يأكلونه في العام القادم
توجهنا إلى منطقة سهل تهامة لنطلع على حجم الكارثة عن قرب ومن هناك تحدث إلينا عبر الهاتف المواطنون أصحاب المزارع ومسؤولو المكافحة وخرجنا بهذه الأرقام المخيفة : أوضح لنا المختصون عن المكافحة أن الجراد التهم مساحة خضراء من سهل تهامة تقدر بـ 3600 كم تمتد من ميدي إلى منطقة الزهرة وما يزيد الأمر خطورة هو أن هذه المنطقة تعتبر منطقة التكاثر الشتوية أي أن الجراد سوق يكون السرب الثاني له في أواخر شهر يناير القادم. هذا الوضع جعل المزارعين يضربون أخماساٍ في أسداس متحسرين على ضياع محصولهم وقوتهم وقوت أبنائهم.
أحد المزارعين تحدث إلينا بقوله : قمت بزراعة مساحة تقدر بـ 55 معاداٍ وكلفتني بذور الدخن والذرة الرفيعة مع تكاليف الحرث أكثر من ثلاثة ملايين ريال والآن لم يعد هناك إلا عيدان الزرع حيث التهم الجراد السنابل والأوراق فالمزرعة انتهت بالخالص ونحن نستغرب من هذا الصمت واللامبالاة من قبل المسؤولين لذا توجهنا إلى الله فهو الذي سيجنبنا كارثة المجاعة.
محمد الرجوي -رئيس جمعية الجر الزراعية في مديرية عبس محافظة حجة- تحدث عن الأضرار التي سببتها أسراب الجراد على المحاصيل الزراعية بقوله : الأضرار كبيرة وأسراب الجراد وأعدادها تفوق ما تتخيله الناس حيث وأنها بدأت بالانتشار منذ أربعة أيام مضت فالجراد الذي ينتشر في مزارعنا هو جراد حديث النشأة وهذا أخطر من الجراد الطيار البالغ فهو يهاجم محصول المانجو والذي لا يزال عبارة عن أزهار وهذه الأزهار التي تشكل ثمار المانجو تعرضت للأكل من قبل الجراد إضافة إلى محصول الطماطم والسمسم والبطيخ وغيرها من المحاصيل.
ويضيف : للأسف الشديد الجهات المسؤولة مقصرة بشكل كبير فمنطقة زراعية كبيرة كالجر لم تْخصص لها سوى سيارتين للمكافحة مع أنها المنطقة الساحلية المتصلة بسهل تهامة وهنا تكمن الخطورة لذا نطالب وزارة الزراعة بزيادة جهودها قبل أن يقضي الجراد على كل محاصلينا الزراعية.
30 % من المكافحة لا غير
عادل إبراهيم الشيباني مدير مركز مكافحة الجراد الصحراوي يشرح تفاصيل الكارثة بالقول: هذه الأسراب كانت بدايتها الأولى في شهر يونيو حيث قدمت من المملكة العربية السعودية وتمركزت في المناطق الداخلية لليمن وهي المناطق الصحراوية وكانت أسراباٍ غير ناضجة وتستطيع التحرك من منطقة إلى أخرى وبعد أن وصلت إلى مرحلة النضوج الجنسي بدأت بعملية التكاثر ووضعت البيض في فصل الصيف وهي مناطق تكاثر صيفية وما زاد الوضع خطورة هو هطول الأمطار على هذه المناطق الصحراوية.
ويضيف : هنا وفي هذه اللحظة قمنا بالتحذير من خطورة الوضع حيث وأن هذه الحوريات أو ما يسمى (الدبا) سوف تغزو في فصل الشتاء سهل تهامة كونها مناطق تكاثر شتوية لهذه الأسراب ونحن حركنا بعض المعدات للمكافحة لكننا كنا نتعرض لعمليات نهب السيارات خاصة في مأرب والجوف وشبوة كما أن النحالين منعونا من رش المبيدات على هذه الأسراب خوفاٍ من تضرر خلايا النحل وأبرز عامل منعنا من مكافحة هذه الأسراب قبل وصولها إلى سهل تهامة ولحج هو الجانب المالي حيث ولدينا العدد الكافي من السيارات ومعدات الرش إلا أن القدرة التشغيلية لا تكفي لتحريك هذه المعدات.
وقال: الآن الوضع في سهل تهامة كارثي للغاية ونحن لا نكافح إلا بـ 20 سيارة وتساءل ماذا ستفعل هذه السيارات القليلة العدد في وقت مستوى المكافحة فيه لا يلبي إلا 30 ٪ من مستوى المكافحة المطلوبة¿
الوضع كارثي
بدوره تحدث عبدالغني الشرجبي -مدير عام وقاية النبات في وزارة الزراعة- بقوله: الآن في مناطق عبس والمنصورية والزهرة توجد لدينا 15 وحدة مكافحة أمام كم هائل من الجراد ينتشر على مساحة شاسعة وفي حقيقة الأمر يحتل 2 مليون من الجراد الكيلو الواحد ولنا أن نتخيل هذا العدد المهول على مساحة 3600 كم وأسراب الجراد في هذه المناطق قد قضت على محصول الدخن والذرة حتى أزهار أشجار المانجو لكن الخسارة الفادحة كانت في محصول الدخن الذي يشكل ما نسبته 40 ٪ من طعام أبناء تهامة لذا أقول هناك كارثة ومجاعة تلوح في الأفق وتهدد أبناء تهامة الذين يعتمدون في حياتهم على المحاصيل الزراعية.
الشرجبي يرى أن المكافحة بحاجة إلى مبلغ 100 مليون ريال لتدارك الأوضاع وتخفيف أعراض هذه الكارثة لأن ما تم صرفه لنا من وزارة المالية هو 17 مليون ريال ذهب كله في تسديد ديون اقترضناها أثناء عمليات المكافحة لذا نطالب وزارة المالية بتحمل المسؤولية وعليها أن تدرك حجم الكارثة التي نحن فيها.
الخسائر بالمليارات
فيما أشار الدكتور. محمد الغشم -وكيل وزارة الزراعة والري- إلى آخر المستجدات وما تم عمله حيال هذه الكارثة بقوله: المناطق المتضررة هي عبس ووادي حيدان والزهرة ولحج والسخنة وفرق المكافحة تمضي في عملها واليوم قمنا بإرسال 10 وحدات إضافية إلى هذه المناطق وهنا أريد أن أقول وبكل صراحة وزارة المالية منذ شهر يونيو وهي ترفض صرف مبلغ يقدر بـ 62 مليون ريال لمثل هذه الحالات.
وأكد في الوقت ذاته معرفة وزارته بأن هذه الكارثة سوف تحل مع أنهم قاموا بمكافحة هذه الأسراب منذ دخولها إلى مأرب والجوف وشبوة وحضرموت في الصيف الماضي إلا أن إمكانيات وزارة الملية حد قوله ضعيفة وهوما منعهم من القضاء عليها.
وحول الإمكانيات اللوجستية يقول الغشم: كنا نمتلك الكادر الفني والبشري وما كان ينقصنا هو الجانب التشغيلي المتمثل في الزيوت والمحروقات وتكاليف قطع الغيار لكن باختصار ما حصل اليوم هو كارثة اقتصادية كبيرة على الإنسان والحيوان لأن تهامة تعتبر المصدر الأول للفواكه وبعض أنواع الحبوب كما أنها المصدر الرئيسي للأعلاف الذي تأكله الحيوانات في الجمهورية ونستطيع أن نقول إن المجاعة تنتظر أبناء تهامة والخسائر تقدر بالمليارات.