بسبب التوسع في زراعة القات والزحف العمراني
المساحة الزراعية للعنب تتقلص إلى النصف.. والإنتاج 92 ألف طن
محافظة صنعاء في المرتبة الأولى تليها صعدة ثم أمانة العاصمة وعمران رابعاً
شكَّلت الزراعة في اليمن سبباً رئيسياً في قوة تماسك المجتمعات وازدهارها لفترات متعاقبة من الزمن، وسبباً هاماً في استدامة الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وساهمت في الحد من الجوع في المجتمعات المحلية والريفية على حد سواء.
قبل 20 عاماً فقط، كان بمقدور الناس مشاهدة مزارع وحقول العنب المتواجدة في مناطق العاصمة صنعاء، كبساتين حقول منطقة ” ظهر حمّير” المعروفة اليوم بـ”سعوان”، و منطقة “الروضة”، ومنطقة “بيت بوس” وغيرها.
الثورة / يحيى الربيعي
كانت تلك المناطق في مدينة صنعاء عبارة عن حقول وبساتين خصبة تنتج أجود أصناف العنب والتي اشتهرت تاريخياً بجودة أنواعه المتعددة. وفقاً لما دونته كتب المؤرخين الرحالة الأجانب الذين وصلوا اليمن. ولعل المستكشف وعالم الخرائط الالماني كارستن نيبور، وهو رئيس البعثة العلمية الدنماركية التي زارت اليمن عام 1762، يصف في مذكراته “رحلة إلى العربية السعيدة” أن مدينة صنعاء لوحدها كانت تزرع 60 نوعاً من أنواع العنب اليمني الذي يعد الأجود في العالم مذاقاً وجودة.
اليوم، اختفت كل حقول العنب العظيمة تلك من داخل العاصمة صنعاء. لكنها على مستوى اليمن ككل، ماتزال تقاوم الانقراض، كونها لم تعد هناك غير 6 مديريات فقط في محافظة صنعاء المحيطة بأمانة العاصمة ماتزال تزرع العنب وهي: مديريات “بني حشيش وخولان وسنحان وبني الحارث وأرحب وهمدان”، بالإضافة إلى زراعته في بعض مناطق محافظات: صعدة وعمران والجوف وذمار. غير أن عنب صنعاء هو الأجود والأشهر على الإطلاق نظرا لخصوبة طين الأرض فيها وبرودة الطقس والمناخ.
أصناف العنب اليمني الشهير
وفقاً للموسوعة اليمنية، بلغ عدد أصناف العنب الذي كان يزرع في مناطق اليمن، إلى ما يقارب 40 صنفاً.. زاد تقلص أنواع العنب اليمني أكثر خلال العقد الأخير، وما يزرع حالياً يصل ما بين 16 – 20 صنفاً من أصناف العنب الذي تزخر به الأسواق اليمنية، وهذه الأصناف هي:” العنب البياض، العنب الرازقي، العنب العاصمي، العنب الأسود العادي، العنب الحاتمي، العنب الزيتوني، العنب الجوفي، عنب قوارير، عنب أطراف قريمي، عنب بياض فشان، عنب جُبري، عنب اسود حدرم، عنب اسود الدوال، العنب الحسيني، عنب اسود عذاري” وغيرها.
مواصفات ومناطق زراعته
يقسم المزارعون اليمنيون العنب بحسب لونه، فهناك العسلي اللون والأبيض والأسود، ويندرج تحت كل منها أصناف متعددة. ووفقاً للمعلومات يعتبر صنف العنب “الرازقي” من أهم الأصناف المنتشرة في اليمن، ويزرع على نطاق واسع، وهو لا يحتوي على بذور، ويتميز بمذاقه اللذيذ جداً. وينتج الهكتار (مساحة تساوي 10,000 متر مربع) الزراعي الواحد من العنب الرازقي قرابة 44 الف كيلو غرام، وتزن 100 ثمرة منه نحو 250 جراماً، وتتراوح نسبة السكر فيه ما بين 20 – 25 في %، وهو المفضل في صناعة الزبيب وأيضاً الاستهلاك الطازج وحجم ثمراته صغيرة لونها أصفر ضارب إلى الخضرة بعض الشيء.
أما صنف العنب الأسود فهو متأخر النضج لونه اسود جذاب يزن العنقود فيه من 400 – 600 غرام، وتزن 100 ثمرة منه 400 غم، ونسبة السكر 24 %، وتحتوي الثمرة منه على بذرتين.
وهناك أيضاً العنب “العاصمي” ذو اللون القرنفلي أو الأحمر الوردي. وهذا الصنف متأخر النضج وحتى تعتبر هذه الأصناف معروفة عالمياً كماً وكيفاً، فهي تحتوي مادة الجلوكوز والفركتوز السهلة الهضم وتحتوي أملاحاً معدنية وعضوية والفيتامينات.
بحسب بيانات وزراعة الزراعة والري، تنتشر زراعة العنب اليمني في محافظات: صنعاء وصعدة في الوقت الحاضر، وقد اندثرت زراعته في مناطق متعددة كثيرة مثل: أمانة العاصمة صنعاء، ذمار، إب، تعز، البيضاء، رداع، وكذلك محافظة عمران.
ووفقاً لخارطة محاصيل الفاكهة في الجمهورية اليمنية، التي أعدها الدكتور عبد الواحد عثمان مكرد، أن هناك شواهد على زراعة العنب في مناطق جديدة مثل: مأرب، والجوف، وشبوه، ووادي حضرموت، بل وحتى المناطق الساحلية في لحج وأبين.
ووفقاً للمعلومات، غالبا ما يكون بدء موسم العنب 4 أشهر تبدأ من يوليو حتى نهاية أكتوبر وتبدأ مزارع العنب في اليمن في إنتاج نوعين شهيرين منذ مطلع يوليو هما الجبري والعرقي، واللذين تنتجهما مزارع حاشد وأرحب بمحافظة صنعاء ثم تأتي بقية الأنواع تباعا من كل مزارع المحافظة والمحافظات الأخرى التي يستمر إنتاجها حتى نهاية أكتوبر من كل عام.
وفي منطقة “بني حشيش” ومنطقة “شبام الغراس” في بداية موسم العنب يكون العنب الصغير “الرازقي” هو المتقدم على جميع الأصناف، وبعده يأتي متزامنا العنب “الأسود” و”العاصمي”، ويبدأ المزارعون بجمع الثمار الناضجة من كل صنف وتسويقه أولاً بأول، ويعمل الناس في محافظة صنعاء بزراعة العنب والزبيب، حيث يبدأ الموسم في نهاية شهر “تموز” وبدية “آب” وفقا لحسابات الفلاحين.
تراجع مساحة زراعة العنب
في العام 1996 كانت المساحات الزراعية المزروعة بالعنب في اليمن تبلغ حوالي 21,209 هكتارات، وكان الإنتاج للعنب يصل قرابة 98 ألف طن عام 1996. وفقاً لوزارة الزراعة.
لكن هذه المساحة تراجعت إلى معدل النصف، ويعزى سبب تراجع زراعة العنب إلى كونه أصبح ضحية زيادة التوسع العمراني وبناء العقارات، وتزايد الجفاف وشحة المياه.
قبل الحرب الراهنة التي يشنها التحالف العربي بقيادة السعودية على اليمن منذ مارس 2015، كانت المساحة المزروعة للعنب في اليمن تقدر بحوالي 13.613 هكتاراً وفقاً لإحصاءات العام 2013م.
تشير بيانات الإحصاء الزراعي إلى أن إنتاجية اليمن من ثمار العنب بلغت في آخر إحصائية 122 ألفاً و751 طناً من مساحة قدرها 11 ألفاً و673 هكتاراً.
ووفقا للإحصائية، تتصدر محافظة صنعاء قائمة المحافظات زراعة وإنتاجاً للعنب، حيث بلغ إنتاجها من هذا المحصول 91 ألفاً و97 طناً من مساحة مزروعة قدرها ثمانية آلاف و898 هكتاراً، تلتها محافظة صعدة بإنتاج 11 ألفاً و317 طناً من مساحة 976 هكتاراً، ثم أمانة العاصمة بإنتاج 10 آلاف و495 طناً من مساحة 892 هكتاراً.
وتأتي محافظة عمران في المرتبة الرابعة زراعة وإنتاجاً لثمار العنب، والذي بلغ إنتاجها ستة آلاف و986 طناً من مساحة قدرها 596 هكتاراً.
ويتراجع اهتمام المزارع اليمني بزراعة العنب في مقابل التوسع في زراعة القات رغم أن العائد النقدي للعنب مربح جداً للمزارعين إلا أن العنب فاكهة موسمية وتحتاج إلى بذل جهود مضنية وله خطوات زراعة ذات توقيت يتطلب التركيز والاهتمام إضافة إلى أن محصول العنب، يتعرض للكثير من الآفات النباتية خاصة في موسم الأمطار وما تسببه من رطوبة الجو وتؤدي لانتشار الكثير من الأمراض الفطرية مثل البياض الدقيق، والبياض الزغبي وحاجتهما لخبرات وجهود مضنية لمكافحتهما قبل وأثناء ظهورهما من أجل حماية المحصول أو تخفيف ما يلحق به من أضرار.. بينما أن زراعة شجرة مدرة طوال العام ولا تتطلب جهدا كبيرا ولا توقيت في خطوات زراعته ولا احتياطات حصاد مكلفة كمتطلب حصاد العنب لهذا فإن العنب الذي كانت تزرعه حقول صنعاء، قد تقلصت أنواعه من 60 نوعاً، إلى 16 نوعاً يجري زراعتها في الحقول بحسب المصادر الزراعية. والتي قد أوشكت على الاندثار إن لم يتم الحفاظ عليها ضمن مشروع وطني زراعي جاد. كي لا ينتهي بها الأمر مثل تلك الحقول القديمة التي كانت تحيط عاصمة اليمن، والتي انقرضت كمزارع “ظهر حمير -سعوان” ومزارع “الروضة” اللتان كانتا أكثر شهرة وجودة في فاكهة عنبها اللذيذ، وأنواع أخرى من الفواكه التي انقرضت من ثنايا جبال وحقول مدينة صنعاء والتي أوردها الرحالة الإيطالي “رينزو مانزوني” في كتابه “رحلة إلى صنعاء” سنة 1877، وهي: السفرجل، والتفاح، والمشمش، والبرقوق، والجوز، والدراق، وغيرها، والتي لم تعد موجودة الآن في مزارع صنعاء. بالإضافة لكل أنواع الخضروات التي تزرعها المدينة، بما فيها حقول “الثوم البلدي” التي كانت تفوح رائحتها من كل الجبال المطوقة لمدينة صنعاء، إذ أصبحت اليمن تستورد “الثوم اليابس” من الصين.
منع استيراد الزبيب
إلى ذلك أوضح الأخ المهندس علي القيري مدير مكتب الزراعة بمحافظة صنعاء أن اهم الصعوبات والعوائق التي تواجه محصول العنب عدم قدرة المزارع على شراء (شرعة العنب) وهي الأخشاب التي تقوم بحمل أشجار العنب.
وتطرق إلى الأمراض والآفات الزراعية التي تصيب أشجار العنب والتي منها حسب حديث المهندس القيري البياض الدقيقي والذي أصاب محصول العنب هذا العام وبشكل كبير نظرا ًلتوفر الجو المناسب له وهي الرطوبة الزائدة، وذلك بسبب زيادة هطول الأمطار هذا العام، فكان انتشار المرض كبيراً،
وقد واجهنا صعوبة كبيرة في مكافحة هذا المرض لشحة الإمكانيات وعدم توفر الدعم للفرق الميدانية التي تقوم بالحملات، وذلك بسبب الحرب والعدوان والحصار الذي كان له أثر على إنتاج محصول العنب بشكل كبير.. حيث كان في السابق يتم انزال الحملات بشكل ٍدائم ومستمر من قبل الوزارة.
وأشار القيري إلى أهمية المشاركة المجتمعية وتفعيل دور المجتمع في المساهمة في دعم ومساندة الدولة.. مؤكدا على ضرورة تضافر الجهود وتكاتف الجميع لدعم محصول العنب واستمرار نجاح زراعتة، من خلال المشاركة المجتمعية وخاصة ًفي مكافحة الأفات والأمراض التي تصيب العنب، كما أنه يجب على المزارعين التعاون مع الوزارة للقضاء على هذه الآفات نظرا للظروف والأوضاع الصعبة التي تمر بها بلادنا جراء الحرب والعدوان والحصار الاقتصادي… وشدد المهندس القيري على أهمية الإرشاد الزراعي وأهميته في التنمية الزراعية، وأهمية خلق وعي لدى المزارع بالطرق الصحيحة الواجب اتباعها، والخاطئة المفروض اجتنابها في الأعمال الزراعية ومنها مكافحة الآفات والأمراض التي تصيب محصول العنب، وأضاف أن هناك بعض الأمراض لا تحتاج مبيدات لمكافحته، فالمطلوب هو إزالة المسببات لها مثل الحشائش، ومعرفة أماكن تواجد الحشرات.. ولفت القيري إلى أن المزارع اليمني لدية خبرة كبيرة في زراعة العنب، مثل التقليم، والتخليب، والتتريب والتي تعتبر طريقة ناجحة وآمنة فعلا ًللقضاء على الأمراض، وهو ما أكسب العنب اليمني شهرة عالمية.
وعن دور مكتب الزراعة في دعم محصول العنب قال القيري: إن العمل جارٍ على قدم ٍوساق في توفير شتلات العنب ذات الجودة العالية للحفاظ على الأصناف الجيدة، وانهم يسعون في العام القادم لتوزيع 50 ألف شتلة مجانية على المزارعين ،بعد أن يتم إصلاح البئر الارتوازية لمشتل الحتارش والتي وجه المحافظ بإصلاحها.
وكذلك تفعيل فروع مكاتب الزراعة في المديريات وتفعيل إدارات التسويق والتخطيط والإحصاء، والإرشاد الزراعي وأن يسعوا لإعادة أمجاد محصول العنب من خلال إعادة زراعته في المناطق التي كانت تزرع سابقا ً.
وقال مدير مكتب الزراعة بمحافظة صنعاء إن التسويق الزراعي مهم جدا، حيث كان في السابق يتم التركيز على الإنتاج فقط ،لكن حاليا ًبدأنا الاهتمام بالتسويق وذلك عن طريق مؤسسة الخدمات الزراعية من خلال قيامها بتسويق منتج العنب للمزارع عبر آلية توحيد سعر الكيلو العنب طوال الموسم، وكذا إيجاد آلية جديدة لتعبئة وحفظ العنب والذي يتعرض للتلف بسبب نوع العبوات غير المناسبة لمنتج العنب.
ودعا المهندس القيري وزارة الزراعة ووزارة الصناعة والتجارة بضرورة إصدار قرار بمنع استيراد الزبيب الخارجي، أسوة ًبقرار منع استيراد البن من الخارج، حتى يستفيد المزارع اليمني من عائدات بيع الزبيب، لتكون دافعاً وحافزاً له لزراعة العنب، وقلع أشجار القات والتي حلّت مكان أشجار العنب في عدة مديريات نظرا ًللمكاسب السريعة والوفيرة التي يجنيها المزارعون من القات.