من خلال وثيقة رسمية جديدة

ذبح حجاج اليمن في تنومة بعد رميهم بالرصاص

التعليق على الوثيقة

أولا: هذه الوثيقة موضوع الدراسة عبارة عن حكمٍ ابتدائي صدر عن قاضي محكمة صنعاء، القاضي العلامة محمد بن يحيى اليماني اليدومي، وكانت تلك المحكمة بمثابة محكمة ابتدائية، ثم تمَّ التصديق عليه من محكمة الاستئناف الشرعية بصنعاء، والتي كان يرأسُها شيخُ الإسلام القاضي العلامة الحسين بن علي العمري، وممهورة بالختم المعروف لهذه المحكمة، وهي محفوظة عند الحاج محمد بن محمد بن محمد بن محمود الشامي، من أهالي صنعاء القديمة، وهو حفيد الشهيد في تنومة الحاج محمد محمود الشامي، الذي دارت الوثيقة حول قضيته، والحكم يستند في حيثياته على شهادة ناجِيَيْنِ اثنين من المجزرة، وهما حسين بن حسين مجلي من أهالي منطقة حاز من قبيلة همدان صنعاء، وراجح بن علي مثنى، من أهالي قرية عناقة، من بني بهلول، وكانا قد شهدا المذبحة، ونجيا من القتل فيها، وبالتالي فهما من شهود العيان، وشهادتها تكتسب الطابع الوثائقي، ثم شهدا أمام محكمة صنعاء بما رأياه وشاهداه.
ثانيا: تثبت الوثيقة استشهاد الشهيد الحاج محمد محمود الشامي في تنومة في ذي القعدة 1341هـ، وتثبت أن زوجته «الحرة سعدة بنت سعد عبيد»، كانت قد علمَتْ بأنّ زوجها أحدُ شهداءِ مجزرة تنومة، وأنها اعتدّت العدة الشرعية فور علمها بنبأ وفاته، ثم إنها بتاريخ جمادى الآخرة سنة 1343هـ استصدرت هذا الحكم من المحكمة الشرعية، وعُمِّد من محكمة الاستئناف الشرعية بصنعاء في نفس الشهر، قضى منطوقُ الحكم بالحكم شرعيا باستشهاد زوجها الحاج محمد محمود الشامي في تنومة، وبصحة عدتها التي أعقبت علمها بنبأ استشهاده، وعليه فيمكنها التزوج من زوج جديد.
ثالثا: تثبت الوثيقة أن جميع الحجاج تعرَّضوا للقتل والإبادة الجماعية، وأن جيش ابن سعود كان مُتَرَصِّدًا للحُجَّاج، والأهمُّ في ذلك أن الوثيقة – من خلال شهادة الشاهدين اللَّذَيْنِ حضرا تلك المجزرة ونجيا منها – تثبت أن جيش ابن سعود استخدم أساليب وحشية وفظيعة في قتل الحجاج؛ فقد أثبتت الوثيقة أن الشهيد الحاج الشامي تعرض أولا للرمي في جهته اليسرى، ثم فُصِل رأسُه عن جسده بالسيف، وهذا الأمر ينسحب على كثير من الحجاج، حيث تم قتلهم أولا بالرمي بالبنادق، والاثخان لهم بالجراح، ثم تم الإجهاز عليهم بالذبح، وفُصِلَتْ رؤوس كثير منهم بعد قتلهم، وهذا الشهيدُ الحاج محمد محمود الشامي هو أحدُ أولئك الحجاج الأبرياء الذين تم رميهم، ثم ذبحهم، جدير بالذكر أن جريدة القبلة المكية قد أفادت في حينه أن تسعمائة من حجاجنا ذُبِحُوا ذبحًا في تنومة، وبهذا يتبين أن هذه الوثيقة بما ورد فيها من شهادات لشهود عيان تؤكّد ما جاء في جريدة القبلة المكية التي من المرجّح أنها أخذت معلوماتها عن الحجاج الناجين، الذين وصل بعضهم إلى مكة حاجا في تلك السنة.
رابعا: لا يوجد تناقض حقيقي في شهادة الشاهدَيْنِ المذكورين في الوثيقة، حيث شهد أحدهما أن الحاج الشهيد محمد محمود الشامي قتل في تنومة، والآخر شهد بأنه قُتِلَ في سدوان؛ حيث يترجَّحُ أنه استُشْهِد حقيقة في سدوان، ولكن الشاهد الذي ذكر استشهاده في تنومة اعتبر أن سدوان، وهي المحل الأصغر، جزءٌ من منطقة تنومة التي هي الاسم الأعم لتلك المنطقة، فمن شهد أنه استشهد في تنومة قصد اسم المنطقة الأعم، ومن شهد أنه في سدوان حدّده بشكل أكثر تفصيلا، وباعتبار أن سدوان جزء من منطقة تنومة.
وهكذا يتبيَّنُ سلوكُ جيش عبدالعزيز بن سعود المتوحش، والذي يشبه إلى حدٍّ كبير سلوك الحركات التكفيرية الوهابية المعاصرة كـ(داعش)، و(القاعدة) وأخواتهما، بما يشير إلى أنهم جميعا قادمون من مدرسة واحدة، ومصدرٍ فكري واحد، كما يتبيَّنُ أن إجرام وتوحش النظام السعودي الحالي خلال هذا العدوان القائم على بلدنا وشعبنا ليس وليد اللحظة، بل يستند إلى تاريخٍ طويلٍ مليءٍ بالوحشية والفظاعة والجرائم المنكرة، وهو تاريخ يجب أن يُسَلَّط الضوءُ عليه، ويكشف للملأ، لكي يكتسب شعبنا المناعة اللازمة التي تؤهله لمواجهة أية اختراقات فكرية وسياسية وثقافية من هذا الكيان، تسمح له بتجنيد عملاء ومرتزقة من أبناء شعبنا، يكونون جزءا من عملية العدوان على بلدنا مستقبلا.

[نص الوثيقة (الحكم)]

الحمد لله
حضر إلى المحكمة الشرعية محمد بن عبدالله مثنى، الوكيل عن الحرة سعدة بنت سعد عبيد، بموجب الوكالة بخط محمد بن علي العاضي، المؤرخة شهر جمادى الآخرة سنة التاريخ، وشهودها صالح بن أحمد الشاوش، والحاج علي بن محمد القبيلي، المعروف خطُّه لدينا، وادّعى على منصوبٍ شرعي قائلا: إنَّ الحاجَّ محمد بن محمود الشامي عَزَمَ للحجِّ في سنة أحد وأربعين وثلثمائة [وثلاث مئة] وألف، وكان سفره من طريق الحجاز، ولما وَصَلَتِ الحجاج إلى محل تنومة من بلاد الحجاز، تلقّاهم عسكر ابن سعود، وقتلوا جميع الحجاج ومن جملتهم الحاج محمد محمود الشامي، رُمِيَ برصاصةٍ، وقُطِعَ رأسه، وموكِّلَتُه هي زوجة المذكور تريد الحكم بيدها بموته بتلك الصفة؛ للعدة الشرعية التي قد اعتدتها في الماضي حين علمت بموته، وقد حصل لموكلته خاطبٌ، وطلب الأمر بإجراء العقد، أجاب المنصوب مقرا بأن الحاج محمد محمود الشامي عزم في سنة 1341هـ للحج من طريق الحجاز مع ساير الحجاج، ولم يحصل العلم اليقيني بقتله، وإنما حصل العلم بقتل الحجاج جملة، وطلب إجراء الأمر الشرعي، وسُئِلَ المُدَّعي: هل له بينة تفيد قتل محمد محمود أجاب: له بينة، وأحضر شاهدا حسين بن حسين مجلي من أهالي حاز، وعرَّفَ به مسعود بن حسين الربوعي، وعلي بن يحيى جحزة، وشهد لله تعالى أنه في عام سنة أحد وأربعين وثلثمائة [وثلاث مئة] وألف عزم للحج من طريق الحجاز، وأنه وصل هو والحجاج إلى تنومة، والتقف الحجاج عسكر بن [ابن] سعود، وكان هو ومحمد محمود الشامي بَزِيّ بيت جبهة مترافقَيْنِ، وبعد أن رَمَوا أصحابُ ابن سعود الحجاجَ بالبنادق رآه مقتولا، وقُطِعَ رأسُه عن طريق عسكر ابن سعود، بعد أن رُمِيَ برصاصة، وشهد لله الحاج راجح بن علي مثنى من أهالي عناقة بني بهلول وصار التعريف به قائلا في شهادته: إنه رأى محمد محمود الشامي في محل سدوان من بلاد الحجاز مرمي برصاصة في شقه الأيسر، ومضروبا في عنقه بالسيف، ورآه مقتولا ميتا، شهد لله تعالى بهذا، ولما سمعهما المنصوب أجاب: النظر للشريعة، وقد أثبتت المرأة المذكورة أن محمد محمود الشامي توفي، وهي في عقدة نكاحه بشهادة محمد بن يحيى الثور، والصنو علي بن أحمد اليماني، وبناء عليه: ثبت موت محمد محمود الشامي قتيلا بالصفة المذكورة في شهادة الشاهدين المذكورين، وبثبوت ذلك أفادت المرأة بأنها قد علمت وفاة زوجها المذكور، وتَيَقَّنَتْه عند أن وصلت الأخبارُ إلى صنعاء بأن الحجاج قُتِلوا، واعتَدَّتِ العدة الشرعية، وانقضَتْ عِدَّتُها، ولم يكن لها علم بأنه إذا أتى لها خاطب لم يكن لها التزويج إلا بعد الحكم بموته إلا الآن عند حصول طالب التزويج بها، وعِدَّتها من يوم العلم، ومع إفادتها بذلك، وتيقنها فيما سبق موت زوجها، وحصلت منها العدة الشرعية، فلا يلزمها استئناف العدة، وحُرِّر بتاريخه شهر جمادى الآخرة 1343هـ.
هذا ما لزم تحريرُه وهو معروض إلى رئيس الديوان الإمامي حفظه الله تعالى بتاريخه.
محمد بن يحيى بن علي اليماني عفى الله عنه.
==
[في ظاهر هذا الحكم كتب ما لفظه]:
عدد 815
الحمدلله
لدن مطالعة الأعلام وجدنا الحكم موافقا لما أدرج من الشهادة المفيدة كون محمد محمود الشامي ممن استُشْهِدَ في طريق الحجاز، فبناءً عليه حيث قد علمت زوجته في ذلك الوقت واعتدَّتْ وانقضَتْ عدتها، ومع وجود خاطب لها فلا مانع من التزويج، حرر بتاريخه 13 شهر جمادى الآخرة، 1343هـ.
حسين علي العمري
(الختم: محكمة الاستئناف الشرعية)

قد يعجبك ايضا