سياسات الحكومات السابقة تسببت في وقوع الشـعب رهـــن التبعية الاقتصادية فالتبعية السياسية
“الدقيق المركَّب” مشروع استراتيجي على طريق تحقيق الأمن الغذائي
يسعى المشروع إلى تقليص فاتورة الحبوب المستوردة وتوسيع الرقعة الزراعية
مثَّلت الزراعة الرافعة الأساس لقيام الحضارات البشرية المتعاقبة، كونها حجر الزاوية في بنية الاقتصاد، وكلما ازدهرت الزراعة، تطور الاقتصاد الوطني، لينعكس ذلك إيجابا على قوة الدولة، وحضورها السياسي في المشهد الإقليمي، والمسار الحضاري عامة.
تميَّزت اليمن منذ القدم بنشاطها الزراعي الواسع، وشهدت مدرجاتها على عبقرية إنسانها الأول، الذي جعل من الزراعة عمادا لنهوضه الاقتصادي والحضاري، سواء على المستوى الفردي، بغرض توفير لقمة العيش لأفراد الأسرة ثم المجتمع، أو على المستوى الجمعي المؤسسي، كمشروع تتبناه وتنظمه وتشرف عليه الدولة، في سياقها الوظيفي، بوصفها منظومة حكم متكاملة ذات مشروع حضاري شامل.
الثورة/أعد المادة للنشر/ إدارة التحقيقات
غير أن الزراعة فقدت أهميتها ومستوى حضورها في المجتمع اليمني، نظرا لتضافر عدة أسباب، منها هجرة الأيدي العاملة من الأرياف إلى المدن، والتحول من العمل في الزراعة، إلى غيرها من الحرف والمهن التي توفرها المدن، يضاف إلى ذلك اتجاه النظام الحاكم – آنذاك – نحو استيراد احتياجات الشعب من مادة القمح من الخارج، بدلا من الاهتمام بالمشاريع الزراعية، وتطويرها وتنميتها، بما يحقق الاكتفاء الذاتي، وهذه السياسة القاتلة أدت إلى وقوع الشعب اليمني رهن التبعية الاقتصادية، وهذه بدورها أفضت إلى التبعية السياسية، ثم التبعية الكاملة، والارتهان للقوى الخارجية الاستعمارية، المهيمنة اقتصاديا، والمتحكمة في لقمة عيش الشعوب.
كانت ورقة الاقتصاد، هي الرهان الأكبر في حسابات قوى تحالف العدوان على اليمن، وكان العدوان يعوِّل عليها كثيرا في تحقيق أهدافه، وإخضاع الشعب اليمني وتركيعه، وبالرغم من هشاشة بنية الاقتصاد الوطني، فقد عمدت قوى العدوان إلى استهداف أبسط مقوماته، وأقل مستويات تشكِّله، واجتثاث عوامل نموه، فاستهدفت وأبادت ودمرت كل المصانع والمشاريع الاقتصادية وبنيتها التحتية، وكل ما يمت إليها بصلة، لتصل بالشعب اليمني إلى أدنى درجات الإفقار والتجويع، معتقدة أن ذلك هو الطريق الأمثل لجعله يعلن استسلامه وخضوعه بمحض إرادته، بعد أن يصل إلى حافة الهاوية، ويكون أمام خيارين أحلاهما مرُّ، فإما أن يختار المواجهة والصمود، وحينها سيموت جوعا، ويعاني شبح المجاعة والموت الجماعي، وإما أن يعلن استسلامه حفاظا على الأرواح، وتجنبا لكارثة الموت المحقق.
وتفاديا لحدوث ذلك الخطر، وتجنبا لتداعياته وآثاره، تسابق الشرفاء من أبناء الشعب اليمني، أفرادا ومؤسسات، من واقع الشعور بالمسؤولية، إلى تبني مشاريع تنموية اقتصادية حقيقية، تعمل على تعزيز صمود المجتمع، وتحصينه ضد مشاريع التبعية والاستلاب، والسعي نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي، لأن من امتلك لقمته، امتلك قراره وحريته.
ولمعرفة المزيد عن هذا المشروع، يقول المهندس/ عامر حسين عامر- نائب مدير المشاريع في مؤسسة قنوان للتنمية الزراعية التي تبنت المشروع:
فكرة المشروع كانت معروفة منذ القِدم، حيث كانت الأُسر اليمنية تقوم بخلط معظم أنواع الحبوب لإنتاج الخبز والكدم وغيرها من المأكولات الشعبية القديمة.
من هنا -وعن طريق خبراء وأساتذة جامعيين وفنيين- جاءتنا فكرة إنشاء أول وحدة في اليمن للطحن والخلط بطرق حديثة، لخلط الحبوب وطحنها وإنتاج طحين مركب بنسب مدروسة ومختلفة لتغطي معظم المعجنات والمأكولات، وقد بدأنا تنفيذ المشروع في منتصف عام 2018م.
وحسب المهندس عامر فإن برنامج الطحين المركب يهدف إلى تحقيق عدد من النتائج، منها:
– تعزيز الأمن الغذائي، عن طريق تقليص فاتورة الحبوب المستوردة، والتقليل من كمية الحبوب المستوردة.
– توفير رغيف وطني ذي قيمة غذائية عالية، وسعرٍ تنافسي يصل إلى أيدي كافة شرائح المجتمع بيسرٍ وسهولة.
– توسيع الرقعة الزراعية، عن طريق تشجيع المزارعين للتوسُّع في زراعة أراضيهم، وهذا يعتبر من أهم مقومات التنمية الزراعية.
– إحياء الثقافة الاستهلاكية للمحاصيل الزراعية اليمنية.
– إعادة توزيع الثروة وخلق تنمية ريفية، عن طريق مشاريع الزراعة التعاقدية مع مزارعي الحبوب في الجمهورية.
– زيادة وعي المجتمع بأهمية الطحين المركب ذي القيمة الغذائية العالية ليحل محل الخبز الأبيض الذي يعد من السموم البيضاء.
كما يتطلب المشروع تأمين وتوفير المدخلات من الحبوب بأنواعها، تفادياً لتوقف خط الإنتاج، وفي هذا السياق يؤكد المهندس عامر حسين عامر أنه تم اتخاذ خطوات وإجراءات تكفل تأمين الاحتياجات من مدخلات الإنتاج، منها ما يلي:
– مشروع الزراعة التعاقدية.
– الاتفاق المباشر مع عدد من المزارعين والتجار في أكثر من محافظة.
– الاتفاق المباشر مع الكيالين في عدد من المحافظات.
– الشراء المباشر من الأسواق المحلية.
– التعاون مع المؤسسات ذات الصلة، سواء الحكومية أو الخاصة.
أما بخصوص خطة سير العمل، والخطوات التي يمر بها المنتج حتى يصل إلى المستهلك في صورته النهائية، فإن عملية إنتاج الطحين المركب – حسبما يؤكد المهندس عامر- تمر بعددٍ من الخطوات، وذلك على النحو الآتي:
تحديد الاحتياج من الحبوب وفقاً للكمية المراد طحنها بناءً على التراكيب المختلفة.
جمع عروض الأسعار وتحليلها بالتنسيق ما بين الإدارات الآتية: المشاريع، المالية، الإنتاج.
اختيار العرض المناسب.
نزول مختص الفحص لمعاينة وفحص الحبوب.
شراء الحبوب وفقاً للمعايير الآتية:
جودة الحبوب وخلوها من أي آفات.
الشراء بسعر مناسب يشجّع المزارعين على مواصلة الزراعة.
ويضيف المهندس عامر- نائب مدير المشاريع في مؤسسة قنوان: نواجه إشكالية تتمثل في أن الكميات المطلوبة من القمح البلدي غير متوفرة في السوق وهذا ما يجعلنا نضطر- في الوقت الحالي- إلى شراء كميات من القمح الخارجي، وقد شرعتْ مؤسسة “قنوان” لمعالجة هذه الإشكالية من خلال عدد من الخطوات، أبرزها ما يلي:
– الزراعة التعاقدية (زراعة عشرات الهكتارات بأنواع الحبوب المختلفة وعلى رأسها القمح، في أكثر من محافظة).
– تجربة زراعة القمح في مناطق تصنَّف على أنها غير صالحة لزراعة القمح، والنتائج الأولية تبشر بخيرٍ عظيم.
وأخيراً نقوم بنقل الحبوب -التي تم شراؤها- إلى مصنع قنوان للطحين المركب، وهناك يتم مجدداً فحصها للتأكد من جودتها ومناسبتها لمعايير قنوان الصارمة في مجال استهلاك الحبوب، وتتم بعد ذلك عمليات الغربلة والطحن والخلط والتعبئة والتغليف ومن ثم إيصال المنتج النهائي إلى المستفيدين.
ويعدُّ مشروع الطحين المركب من الناحية الاقتصادية مشروعاً استراتيجياً في جانب الأمن الغذائي لبلدنا الحبيب، كما أنه يساهم في التقليل من فاتورة الحبوب المستوردة، ويسعى إلى رفع المستوى المعيشي للمزارعين الذين يشكلون نسبة كبيرة من عدد السكان.
ومن الناحية الصحية فإن الطحين المركب يعدُّ غذاءً مفيداً للجسم نظراً لاحتوائه على محاصيل الحبوب المحلية ذات القيمة الغذائية المرتفعة حسب التراكيب المختلفة، كما أن هذا الطحين يوفّر للمواطنين بديلاً صحياً عن الدقيق الأبيض.
والناحيتان الاقتصادية والصحية تساهمان بدورهما في تحقيق عدد من الفوائد للمجتمع؛ لأنها تنعكس بشكلٍ إيجابيٍ على رفاهيته وأمنه الغذائي.
ولنجاح أي مشروع اقتصادي انتاجي، يجب مراعاة عدة أمور لعل أهمها ما يلي:
– جودة المنتج
– خطة الترويج والتسويق
– نيل رضى المستهلك وثقته ، من خلال تأمين احتياجاته ومراعاة قدرته الشرائية
وبالنسبة لمتطلبات الجودة هذه يقول المهندس عامر: شرطنا الأساسي والأهم هو جودة العملية الإنتاجية في كل مراحلها، ابتداءً من شراء الحبوب بعناية وحرص، وحتى خروج المنتج بصورته النهائية، ولدينا تعاون مع الجهات ذات العلاقة بضبط ومراقبة الجودة، وفي مقدمة هذه الجهات الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة، التي تقوم بشكلٍ دوري بمتابعة عملنا في المصنع.
وتابع: أما في ما يتعلق بخطط الترويج والتسويق فإننا نستخدم الوسائل التي تكفل لنا الوصول إلى الجمهور المستهدف، عن طريق: القنوات الفضائية – الإذاعات – الصحف – المواقع الإلكترونية – شبكات التواصل الاجتماعي- سوق الخميس، وغير ذلك من الطرق والوسائل.
وأضاف: لا شك أننا -في برنامج الطحين المركب- نأخذ بعين الاعتبار القدرة الشرائية ورضى المستهلك؛ لأنهما عاملان أساسيان في النجاح والاستمرارية، ونحن نسعى بالأساس إلى تغيير النمط الغذائي للمواطنين ورفع وعيهم وليس الربح من برنامج الطحين المركّب، وهذا ما يجعلنا نطرحه في الأسواق بسعرٍ نعتقد أنه في متناول الجميع إذا ما نظرنا إلى كل العوامل التي منها القيمة الغذائية للطحين المركب، أسعار مدخلات الإنتاج، أسعار المنتجات البديلة.
كما أن المؤسسة التي تنتج حاليا كمية تتراوح بين 300-400 كيس بصدد إنشاء مصنع للطحين المركب يكون بمقدوره إنتاج آلاف الأكياس يوميا.. وتتواجد المؤسسة في سوق الخميس بهدف الترويج للطحين المركب.
وحول “سوق الخميس” الذي يعد فكرة مؤقتة لعرض المنتج المحلي، يقول المهندس عامر حسين عامر: يتحسن الأداء الإداري والخدمي والتنظيمي لسوق الخميس من أسبوعٍ لآخر، وهذا يدل على حرص القائمين على السوق على إنجاح السوق والاستفادة من كافة الملاحظات التي يقدمها المشاركون في السوق أو الزائرون له.
ونأمل أن يبذل القائمون على السوق جهداً أكبر في الترويج للسوق بما يكفل تحقيق الأهداف التي من أجلها أقيمتْ هذه الفكرة على أرض الواقع، وذلك عن طريق الترويج والاعلان عن السوق عبر كافة الوسائل.
* شارك في الإعداد/ إبراهيم الهمداني