أعلنوا موقفاً حاسماً ورافضاً للتمرد ولقوى العدوان والاحتلال وساندوا الجيش واللجان الشعبية
قبائل البيضاء ومارب في معركة البيضاء: اليمن مقبرة الغزاة
سرعان ما تتكشف النوايا وتتبدى المواقف على حقيقتها، وإن كانت الحقائق مخزية، بيد أنها تنعكس وبالاً على أهلها ليصبحوا خاسرين، دون أن تغني عنهم أموالهم التي اكتسبوها من وراء عمالتهم أو تنفعهم أسلحة المعتدين، فتراهم يعضّون على أناملهم من الحسرة وقد انكشف زيفهم وقلاهم كل من ظن فيهم خيرًا وتركهم في فتنتهم يتخبطون.
الثورة / عبدالقادر عثمان
في مديرية ردمان في محافظة البيضاء وسط البلد، ظل المرتزق ياسر العواضي يحشد رجال القبائل من حوله؛ بدعوى الدفاع عن الشرف والكرامة، في الوقت الذي باع فيه نفسه لدول العدوان لقاء الحصول على فتات النفط، وإن كان على حساب دماء أبناء اليمن، فانتهى به الحال فاراً بعد أن أشعل تمرّدًا ما لبث أن بدأ حتى تكفل الجيش واللجان الشعبية بإخماده وتحرير ردمان وما حولها.
استغل العواضي قصة جهاد الأصبحي التي قُتلت خلال اشتباكات بين الأجهزة الأمنية في المحافظة وعناصر من تنظيم القاعدة، ليبني عليها أحلامه وطموحاته الرامية إلى فتح ثغرة لقوى العدوان من ردمان للعودة إلى البيضاء بعد أشهر من تحريرها، فأعلن النكف القبلي الذي احتشد له بعض أبناء البيضاء، ورفض كل السبل التي بذلتها السلطة من أجل حل المشكلة، ظنا منه أن من التفّوا حوله سيسندونه حتى إن كان باغياً.
موقف القبائل
لكن رجال البيضاء وقبائلها كانوا واضحين معه منذ البداية، ففي أحد المقاطع المصورة المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي، تقدم أحد الوجهاء ليقول: “جئنا من أجل الشرف كما دعوتنا ولكن إن كنت تريد أن تتصدر الزعامات والبطولات بما يتيح للعدو فرصة لشق الصف فالزعامات في الجبهات والذي يريد أن يكون بطلا فليذهب ويقاتل هناك”، غير أن هذه الكلمات لم تكن كافية لرده إلى صوابه فانصاع وراء ضغوطات دول العدوان التي موّلت التمرد بالمال والسلاح وأشعل نيران الفتنة، فلم يجد حوله سوى نفر قليل من المخدوعين وكثير من مرتزقة العدوان الذين هبوا لرفد صفوفه وتنفيذ المخطط.
بحسب بيان صادر عن السلطة المحلية في محافظة البيضاء عشية التمرد فإن “العواضي ومن جلبهم من عناصر المرتزقة بدأوا بالهجوم على بعض التباب في ردمان بإطلاق النار والقذائف والمدفعية، فيما كانت السلطة على تواصل بالوجاهات الاجتماعية التي كان لها دور بارز وكبير في محاولة تجنب الانحراف”.
وفي البيان أكدت “السلطة المحلية أن ذلك النشاط ليس إلاَّ حالة نشاز لا تعبر عن إرادة وتوجه قبائل محافظة البيضاء”، مشيدة بالدور المحوري والمشرف “لأبناء المديرية وقبائل المحافظة بشكل عام، والتي رفضت كل دعوات الفتنة والاقتتال والتحريض من قبل العواضي، وأبوا إلا أن يكونوا إلى جانب الوطن ضد العدوان الغاشم والحصار الظالم الذي يطال كل اليمنيين بلا استثناء”، على حد قولها.
ساعات الحسم
بعد ساعات من بدء التمرد كان الجيش واللجان الشعبية بمساندة القبائل يطوّقون ردمان بمن فيها من المرتزقة ويقتحمون وكورهم لينتهي الأمر بتحرير ردمان وفرار الخائن العواضي خلال أقل من يوم، فتكون ردمان فاتحة لما بعدها، ويتمكن “الأبطال من أبناء القوات المسلحة واللجان الشعبية المسنودة بالشرفاء الأحرار من أبناء محافظة البيضاء من تطهير مساحة تقدر بـ400 كم مربع من المناطق في البيضاء ومأرب”، كما جاء في بيان القوات المسلحة اليمنية، الذي ثمن فيه الناطق الرسمي للقوات العميد يحيى سريع، دور “مشايخ البيضاء ومارب الذين انحازوا لبلدهم ورفضوا تلطيخ تاريخهم بالخيانة والوقوف إلى جانب الاحتلال، وكل مشايخ المحافظات الذين أبوا إلا أن يكونوا مع وطنهم وأمنه واستقراره ووحدته”، لافتا إلى أن “الشعب اليمني بكل شرائحه سيظل وفياً وحراً إلى جانب القوات المسلحة حتى تحرير كامل أراضي الجمهورية اليمنية”.
ما إن عادت الأوضاع في المناطق المحررة إلى طبيعتها حتى وجه قائد الثورة السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي ورئيس المجلس السياسي الأعلى المشير مهدي المشاط بإطلاق سراح المخدوعين ممن شاركوا في التمرد، وأوضحت السلطة المحلية خلال لقاء مع مشايخ وأعيان المديرية، أن عملية الإفراج جاءت تقديراً للدور الإيجابي والعقلاني الذي لعبته قبائل ردمان في إخماد الفتنة.
في المقابل ثمن وجهاء ومشايخ ردمان، عالياً مبادرة السيد القائد والمجلس السياسي في إطلاق سراح المتورطين، مشيرين إلى أنه “لم ولن تكون يوماً من أولوياتهم غير مواجهة العدوان وأي موقف خارج هذا لا يمثل قبائل ردمان ورجالها”، مؤكدين وجوب التعامل بحسم مع الأصوات الداعية إلى الفتنة تحت أي مبرر وذريعة، وأن الأولوية هي التصدي للعدوان.
ذلك الموقف الحاسم الذي أعلنه رجال البيضاء يعكس الروح الثورية التي يمتلكها الإنسان اليمني والتي تأبى الارتهان للعدو القادم بكامل قوته لاحتلال الأرض واستعباد الإنسان، وهو في الوقت ذاته موقف يؤكد بصدقية المقولة الخالدة بأن اليمن مقبرة الغزاة.
قصة العمالة
وكان العواضي قد بدأ في الآونة الأخيرة بتجنيد عناصر من المخدوعين وبعض الجنود الذين كانوا محسوبين على الحزب، الذي يعتبر واحدا من قياداته، بطلب من دول العدوان التي فشلت في معارك الحدود ومارب والجوف والساحل الغربي وباتت تخشى من انتصار الجيش واللجان في أكبر معقل لمرتزقتها ومقر قيادة المرتزقة التكفيريين في محافظة مارب، وبذلك أرادت فتح جبهة أخرى لتخفيف الضغط على المدينة، فلم تجد من مرتزق مخلص أكثر من العواضي الذي كان بمثابة الابن البار بزعيم مليشيا الفتنة الكبرى الخائن عفاش.
بعد ذلك جاءت قصة الأصبحي لتكون بمثابة قميص عثمان الذي اتخذ منه العواضي سببا لتبرير تحركاته، وفي الأثناء كانت قوات العدوان تراهن على قدرة الخائن على إدارة المعركة في المحافظة، بما يؤدي إلى خلق نزاع، يؤدي هو الآخر، إلى إضعاف الجبهة الداخلية، وبدأت بتقديم الدعم الإعلامي والمالي والاستعداد لتقديم الدعم العسكري إن استمرّ الرجل في تمرّده، وهو ما تزامن مع إعلان التمرد، حيث “قدمت دول العدوان قوات برية عبر لواءين عسكريين بقيادة المرتزقين عبدالرب الأصبحي وسيف الشدادي، بالإضافة إلى عدد من المدرعات والآليات وأسلحة أخرى متنوعة ومرتزقة من تنظيمي القاعدة وداعش، فضلاً عن غطاء جوي بأكثر من 200 غارة لطيران التحالف”، بحسب بيان القوات المسلحة.
تحررت ردمان فكان انتصارا ساحقا وغير مسبوق، فتح لانتصار أكبر انتهى بتطهير مناطق واسعة في قانية والعبدية، وتكبد المرتزقة خسائر فادحة في العديد والعتاد، لتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التمرد، وتعود المياه إلى مجاريها، ويرفع الابطال راية النصر حرة خفاقة، وينكس المرتزقة رؤوسهم من الذل، وهم لا ينصرون.