ذكرى استشهاد الإمام علي.. بين الفوز العظيم والخسارة المدوية

 

إكرام المحاقري

لم يكن الفوز العظيم وليد لتلك اللحظة المقيتة التي تعدى فيها “أشقى الأمة” حدود السموات والأرض عندما سل سيفه ليغدر بالإمام علي عليه السلام في محراب العبادة وهو في حالة السجود ، بل إنها نتيجة لما سبق للإمام علي عليه السلام من مواقف عظيمة بنى بها دين ودولة الإسلام وشرد بها قوى الطاغوت من قريش إلى خيبر وإلى حين تولت الأمة أشرارها وتخلت عن من أمر الله بتوليهم..
كما أن تلك الضربة لم تُبهت الإمام علي أو فاجأته على حين غفلة ، بل كان يترقبها منذ زمن ، منذ بشره بها رسول الله صلوات الله عليه وآله في يوم سأله الإمام علي عليه السلام عن سبب تأخرها – أي الشهادة – في سبيل الله ، فقال له رسول الله محمد صلوات الله عليه وآله بأنه لن ينالها إلا عندما يخضب هذه من لون هذا ، أي يخضب لون لحيته بدم رأسه ، وحينها لم يَخف الإمام علي عليه السلام ولم يتزعزع إيمانه ، بل فرح واستبشر ، وكانت في قلبه غصة واحدة هي التي بينت قوة إيمان الإمام علي وبذله وعطاءه من أجل سلامة الدين حتى وصل به الأمر إلى بذل نفسه قائلا “أفي سلامة من ديني يا رسول الله ؟! ، قال : نعم ، فرد عليه السلام : والله لا أبالي أوقعت على الموت أو وقع الموت عليَ”..
هذه هي النفسية التي حملها الإمام علي عليه السلام في داخله ، وهذه هي المسؤولية التي تحملها الإمام علي عليه السلام وبذل من أجلها ماله ونفسه وولده وكل ما يملك ، وما امتلك في الدنيا إلا الشيء اليسير وضحى به في سبيل الله والمستضعفين ، وما تلك المسؤولية إلا مسؤولية الدين لا غير.. (أفي سلامة من ديني)..
فكانت النتيجة هي (فزت وربِّ الكعبة ) ، فالموقف الذي قُتل عليه ومن أجله وأنه لم ينحرف ولم تزل قدمه خطوة عن نهج الله وتوجيهاته ، ونال بذلك رضى الله سبحانه وتعالى كما بشره النبي صلى الله عليه وآله وسلم..
نعم.. فما بعد “فزت وربَّ الكعبة” أشرقت شمس الفوز العظيم ، والارتقاء المشرَّف إلى جوار الرحمن الرحيم في نعيم مقيم ، لتكتمل بشهادته مسيرة علي وكل من يحملون نفسية وجهاد وبذل وصبر وزهد علي عليه السلام..
لكن هناك فاجعة عظيمة وأليمة ألمت بحال هذه الأمة التي كاد محمد رسول الله أن يبخع نفسه عليها لتستقيم ، هي تلك الخسارة المدوية والسقوط والخسران المبين للأمة حين فرَّطت وفقدت وخسرت الإمام علي عليه السلام الذي قتل بسيف محسوب على دين الإسلام ، فعندما اسُتهدف علي وغاب شخصه من الحياة ، أفل معه العدل والإحسان والحق والمعروف والقرآن الكريم من أوساط الأمة الذي تمثل في الإمام علي عليه السلام لقوله صلوات الله عليه وآله : (علي مع القرآن والقرآن مع علي)..
كذلك لمن يقرأ التاريخ ويطَّلع على واقع القرآن الكريم من زاوية مقرونة بالهداية والبيان سيتضح له أن خلف هذه الضربة بذلك السيف المسموم ضربة قاصمة للدين وللأمة الإسلامية أجمع ، خاصة لمَا للإمام علي من مكانة عظيمة في الدين وفي القرآن والإسلام..
( أنت مني بمنزلة هارون من موسى ) ، والجميع منذ ذاك الوقت وحتى هذا العصر يدركون جيدا من هو هارون من موسى ، ويدركون معنى أن يقتل شخص هو من القرآن والقرآن منه ، وهو مع الحق والحق معه، ويدور الحق معه حيثما دار وتوجه..
لكن انحراف الأمة الذي ولد يوم وفاة رسول الله صلوات الله عليه وآله ، ومخالفتهم وصية الله ووصية رسوله هي ما أوصل الأمة إلى أن تزيح الإمام علي من على واجهة الدين وقيادة دولة الإسلام بسيفه وعلمه ، وهي التي غيبت الإمام علي عليه السلام من ثقافة المسلمين وساحتهم العسكرية والثقافية ، وهي التي أوصلت الأمة اليوم إلى تحت أقدام “أمريكا وإسرائيل” ، وما تزال نتيجة ذلك الانحراف قائمة حتى يومنا هذا ، بسقوط العظماء بسيوف أو رصاصات محسوبة على دين الإسلام واحداً تلو الآخر.
ختاماً : بتنا جميعا بمختلف طوائفنا ومذاهبنا نعي حقيقة أن عبدالرحمن بن ملجم قاتل الإمام علي عليه السلام أشقى الأمة ، أي أنه أوجد الشقاء للأمة بتلك الضربة الغادرة والحاقدة ، لذلك يجب أن ندرك خطورة وتبعات كل ضربة سواء من آل سعود وآل ثاني وزايد أو على يد رايات الزيف التي لاحت في أفق ممتلئ بالدماء المسفوكة ظلما وأعناق مذبوحة جُرما تحت مسمى داعش والقاعدة ، فجميعهم لا يختلف نهجهم عن الخوارج وبني أمية وآل الزبير ، وجلهم تحركوا باسم الدين والدين منهم براء ، وجميعهم وجهان لعملة واحدة.. وجه نقش فيه الرياء، ووجه نقش فيه اسم الشيطان.

قد يعجبك ايضا