تكاد لا تخلو وسيلة إعلام عربية أو دولية من خبر أو تقرير يتحدث عن ما تضمنه الحوار الذي أجرته “الثورة” مع رئيس المجلس السياسي الأعلى، المشير الركن مهدي المشّاط، ونشر في عدد أمس السبت، وتضمّن أربعة محاور رئيسية شملت أسئلة مفصّلة عن الرئيس الشهيد صالح الصمّاد في ذكرى استشهاده الثانية والرؤية الوطنية لبناء الدولة، إلى جانب الحرب والمفاوضات والسلام وشروطه وما يعيق طريق التسويات السياسية، وكذا العلاقات السياسية والإصلاح السياسي.
تلك الوسائل على اختلاف نوعها والسياسات الإعلامية التي تحكم مسار عملها تناولت اللقاء من زوايا عدة، كل بما يخدم أهدافها وتوجهاتها، بيد أن الجميع لم يستطع تجاهل أن اليمن يمدّ يده للسلام في كل الأوقات وأن المبادرة التي أطلقها الرئيس في عشية ذكرى ثورة سبتمبر المجيدة لا تزال قائمة مع احتفاظ الجيش واللجان الشعبية بحق الرد على انتهاكات دول العدوان بما يلزم.الثورة / عبد القادر عبد الله
لعل الجزء الأكثر تداولاً على وسائل الإعلام المختلفة هو ما يتعلق بالحديث عن التواصل بين اليمن ودولة العدوان وتبادل الرؤى من أجل تحقيق السلام ووقف العدوان ورفع الحصار والذي أعلن الرئيس أنها “بدأت بعد إعلاننا المبادرة، وهي تواصلات تتسم بالقوة والضعف، وبالمدِّ والجزر، حسب طبيعة الأحداث والتطورات”، كما جاء في الحوار على لسان المشير المشّاط، إذ أضاف “نحن لا نغلق أي باب قد يفضي إلى السلام مع تمسكنا الدائم بضرورة وقف العدوان ورفع الحصار واستجابتنا دائماً هي للمساعدة على تحقيق ذلك، ومتى ما كان هناك أي نتائج إيجابية وجذرية لتلك التواصلات فإن ذلك سيكون ملموسا على مستوى الواقع”.
وقالت وكالة الأناضول التركية في تقرير عن الحوار إن المشاط “كشف عن اتصالات مستمرة بين جماعته والسعودية”، مضمّنة تقريرها باقتباسات من حديث الرئيس جاءت ضمن رده على “سؤال حول صحة أنباء تحدثت عن تواصله مع نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، حيث قال المشاط: “لدينا اتصالات كثيرة ومستمرة مع دول العدوان والعديد من الجهات الدولية”. ولفتت الوكالة إلى عدم تعليق الجانب السعودي حول ما تضمنه الحوار، مشيرة إلى تصريحات سابقة لمن أسمته “سفير المملكة لدى اليمن محمد آل جابر”، قال فيها إن دولة العدوان تجري محادثات مع اليمن لإنهاء الحرب.
من جانبها ربطت قناة “الميادين” اللبنانية بين الهدنة المعلنة من قبل دول العدوان، وإعلان تمديدها لشهر، رغم عدم بدئها بشكل فعلي، بحديث الرئيس المشّاط عن أن وثيقة الحل السياسي التي تقدمت بها اليمن تمثل مخرجاً لجميع الأطراف للتوصل إلى تسوية شاملة، وكذا رغبة اليمن في سلام دائم وانفتاحه على علاقات وديّة مع كل الدول.
أما قناة روسيا اليوم فتحدثت عن إعلان الرئيس المشاط أن المبادرة لا تقيّد عمليات الجيش واللجان الشعبية سواء القوة الصاروخية أو سلاح الجو المسير طالما أن العدوان ينتهكها، متخذة من حديثه عن المبادرة التي قال “إنها تمنحنا حق الرد على الانتهاكات وحجم الرد يتناسب مع حجم الانتهاكات، والمبادرة قائمة طالما لم نعلن انتهاءها” عنوانا لتقريرها.
وتطرقت قناة الجزيرة إلى نتائج الاتصالات على الأرض، مؤكدة أنها إلى اليوم لم تثمر أي نتائج تفضي إلى تحقيق السلام، وقالت القناة في تقرير كتبه “جعفر سلمات” إن كل الأطراف اليمنية ميّالة إلى تحقيق السلام غير أن هناك من يفرض بقاءها، مستدلّة بما كشفه المشّاط عن التواصلات بالجانب السعودي وإعلان دول العدوان الهدنة وتسجيل خروقات تزيد عن 500 خرق خلال أسبوعين، وحديث الرئيس عن أن دول العدوان لا تتبع أقوالها بأفعالها.
بينما أشارت مواقع صحافية عربية كـ “عربي 21، العربي الجديد، المشهد الخليجي، عين ليبيا، وغيرها الكثير”، إلى تأكيد الرئيس المشّاط على أنه “لا توجد أي هدنة في اليمن حتى تقوم السعودية بتمديدها، وإنما هو تصعيد قامت بتمديده”، وتناول التلفزيون العربي التصعيد الحاصل في كل من الحديدة والجوف ومارب والبيضاء وجبهات الحدود، مشيرا إلى أن الهدنة السعودية غير موجودة سوى في وسائل الإعلام.
المواقع اليمنية هي الأخرى كان لها دور في تناول الحوار إما بإعادة نشره بشكل كامل أو بمناقشة جزئيات منه، معطية أهمية كبيرة لحديث الرئيس عن زيارة له إلى الصين بالتنسيق مع وزارة الخارجية الصينية، ورسالته إلى الرئيس الروسي التي “تضمنت شرحاً لطبيعة الوضع القائم في البلد، ومخاطر أطماع العدوان، وآثارها على المنطقة بشكل عام وكيف أن الأثر ليس على منطقتنا بشكل خاص”، بالإضافة إلى مطالبته الروس وغيرهم القيام بدور، ليس من أجل الحل السياسي في اليمن فقط بل في إطار الحفاظ على المواثيق والمعاهدات الدولية، لكي لا تبقى رخيصة تدوسها أموال ودولارات النفط الخليجي والعصا الأمريكية.
وكوسائل الإعلام، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بمقتطفات من المقابلة الأولى للرئيس، وحديثه عن دور الأمم المتحدة وتواطؤه مع العدوان بشكل واضح في مواقفه وأهدافه، مع مراعاة التحسن الطفيف منذ تعيين المبعوث الجديد (غريفيث)، وما أضافه في هذا الشأن بقوله “لكنه عندما يرى رفض دول العدوان وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا لفكرة الحل الشامل، ينخفض الهدف لديه إلى مشاورات جزئية وهذا بسبب تأثير دول العدوان وأمريكا على قرار الأمم المتحدة كما يعرف الجميع”.
هل تستثمر دول العدوان ما تقدمه اليمن من فرص ذهبية للسلام ؟
مجددا تؤكد اليمن أن السلام بالنسبة لها خيار وثقافة ومبدأ وما لبثت تمنح تحالف العدوان السعودي الأمريكي الفرصة تلو الأخرى مع انه بات في وضع حرج ويحتاج للسلام اكثر من اليمن وهو المُعتدى عليه.
ومع ذلك لايزال النظام السعودي المترنح يقابل هذه المبادرات اليمنية المنصفة بكثير من الحماقة والغرور ولم يستوعب بعد الدروس والعبر التي لازمت إخفاقاته وهزائمه طيلة الأعوام الخمسة الماضية -هذه الحقيقة جددها فخامة الرئيس مهدي محمد المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى خلال المقابلة الضافية التي أجراها معه رئيس تحرير الثورة ونشرت في عدد امس السبت والتي تطرق من خلالها إلى كثير من التطورات والمستجدات في الساحة الوطنية.
وأشار الأخ الرئيس إلى أن السلام يظل الخيار الأمثل للجميع ولمصلحة كل الشعوب وان استمرار الحرب لم يعد يصب حتى في مصلحة دول العدوان ذاتها فقد بات العالم يعي جيدا بان دول تحالف العدوان تورطت وغرقت في مستنقع اليمن وكان يجدر بها أن تعيد قراءة الأحداث على مدى الخمس السنوات الماضية ومسار المواجهات في الميدان لتعلم استحالة تحقيق أهدافها وان الشعب اليمني الذي قدم جليل التضحيات قادر على المضي نحو تحقيق الاستقلال وصون السيادة وبالتالي لم يعد أمام دول العدوان غير الانخراط في السلام موضحا أن اليمن قدم ولايزال يقدم المبادرات التي تؤكد رغبة كل اليمنيين الشرفاء في السلام، وعلى العقلاء في الطرف الآخر اغتنام هذه المبادرات والرغبة اليمنية لطي صفحة الحرب وفتح صفحة جديدة تبدأ بالوقف الكلي والنهائي للحرب بكل أشكالها الأمنية والسياسية والعسكرية والاقتصادية ومعالجة كل آثار العدوان واستئناف علاقات طبيعية تقوم على أساس حسن الجوار والاحترام المتبادل ومبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية.
ويضيف الرئيس المشاط بأن مبادرة السلام اليمنية التي أعلنتها صنعاء عشية الاحتفال بالعيد الخامس لثورة الـ21من سبتمبر لا تزال قائمة طالما لم تعلن انتهاءها لكنها كانت واضحة من حيث احتفاظ اليمن بحق الرد على انتهاكات العدوان وجرائمه.
وحول الوثيقة الشاملة للحل السياسي التي تقدمت بها اليمن وسلمتها للأمم المتحدة اكد الأخ الرئيس بأن هذه الوثيقة كانت منصفة وركزت على كل ملفات الحرب المتعددة الأشكال والمجالات وهذه الوثيقة لاتتناقض مع مبادرة الـ21من سبتمبر مؤكدا أن هذه الوثيقة تعتبر الحل الشامل لملف القضية وإنهاء شامل للحرب سواء مع النظام السعودي أو مع بقية دول تحالف العدوان، وحول المعوقات التي تعترض مسار التسوية السياسية اكد الرئيس المشاط أن من يعيق الوصول إلى مفاوضات تفضي إلى الحل الشامل هي دول العدوان وعلى رأسها أمريكا فالحل السياسي كان متاحا منذ مفاوضات موفنبيك وكنا على وشك الوصول إلى حل شامل ومرض لجميع الأطراف والمكونات السياسية، وأضاف الطرف الآخر لم يصل بعد إلى قناعة راسخة وواضحة بوقف الحرب والدخول في حل سياسي شامل لذلك مازلنا نلمس الكثير من المراوغة والمماطلة والكثير من الغموض وعدم الوضوح لدى العدوان وعندما تتوفر الرغبة والإرادة لديهم بالمستوى المتوفر لدينا فان عملية السلام لن تكون صعبة أبدا ويؤكد الرئيس المشاط مجددا أن اليمن لن تغلق أي باب يفضي إلى السلام ولن تقدم أية تنازلات تمس بالسيادة الوطنية.
وها هي الكرة في ملعب دول العدوان فهل تستثمر الفرصة مجددا للخروج من المستنقع اليمني بصورة يحفظ لها ما أمكن من ماء الوجه أم ستسمر في غيها والمضي قدما في نهجها المتعالي وصولا إلى الهاوية المؤكدة؟ الزمن وحده كفيل بالإجابة على هذه التساؤلات.