وكالات/ طرابلس
ثلاث حروب أهلية شهدتها ليبيا منذ العام 2011م ولا تزال جميع الاحتمالات مفتوحة على حرب رابعة وسادسة في ظل الاتهامات المتبادلة بين طرفي الصراع الليبي بخرق الاتفاقيات والمعاهدات، وما زاد من عمق الأزمة تدخل دول خارجية في هذه الحرب على رأسهم روسيا والإمارات وتركيا ومصر، ومن هنا بدأ صراع الايديولوجيات ومحاولة كل دولة كسب أكبر نقاط ممكنة في هذه الحرب تمهيدا لفتح نافذة اقتصادية وسياسية وعسكرية في هذا الموقع الجغرافي الحساس.
طبعا روسيا تبحث عن منفذ جديد لها على البحر المتوسط يجعلها أقرب إلى مركز دول الناتو، وبالتالي فإن تواجدها في ليبيا وسوريا يوفر لها هذه الميزة، أما بالنسبة لتركيا فإن الحصول على مكاسب في ليبيا عبر حكومة السراج – التي تقدم لها دعمها المطلق – يعتبر أمرا غاية في الأهمية، خاصة وأن تركيا ليس لديها حلفاء على حوض البحر الأبيض المتوسط، ولذلك بالنسبة لها كان لابد من التدخل بالرغم من اعتراض كثيرين من داخل البرلمان التركي على هذا التدخل، إلا أنها استطاعت تهدئة الأمور بعد أن تبين أن مرتزقتها هم من المليشيات السورية وبالتالي القتلى سيكونون سوريين وليسوا أتراك.
على المقلب الآخر هناك الإمارات التي تعشق السيطرة على موانئ العالم، وتعمل حاليا على السيطرة على موانئ ليبيا من خلال دعمها للجنرال حفتر ومده بالمال والسلاح، فالإمارات تريد أن تكون جزءا مهما من مشروع الحزام والطريق الذي أعلنت عنه الصين، وأبو ظبي تعلم جيدا أن المستقبل سيكون للصين في الاقتصاد العالمي، لذلك لابد من أن تثبت تواجدها في أمكان ستكون ممرا للبضائع الصينية ومنها الساحل الليبي، إلا أن البعض يعتقد أن الإمارات تعرضت لهزيمة نكراء في كل من ليبيا واليمن ولكن البعض الآخر يرون أن الإمارات وجدت ضالتها في هذه الدول عبر السيطرة على الموانئ، وهي اليوم تقدم المزيد من الدعم لحفتر للسيطرة على الموانئ التي تخضع لسيطرة قوات حكومة الوفاق الوطنية.
واعتبر بن زايد أن حفتر أفضل حصن لصد نفوذ الإخوان المسلمين، ورعاتهم الإقليميين كتركيا وقطر، حتى إن طائرات إماراتية قصفت في أغسطس 2014م مدينة طرابلس، وإن لم تمنع سقوط العاصمة في الأيدي المناهضة لحفتر.
وفي تحد لحظر الأمم المتحدة لتوريد الأسلحة إلى ليبيا، قدمت أبو ظبي مروحيات لحفتر ومولت بسخاء اقتناءه للأسلحة الثقيلة، وقد أصبحت أهم داعميه في غزوه للعاصمة في أبريل 2019م، أكثر من مصر وروسيا والسعودية.
من جهتها كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أن شركتين -مقرهما دولة الإمارات العربية المتحدة- شحنتا ما يقارب من 11 ألف طن من وقود الطائرات إلى شرقي ليبيا، معقل قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وذلك في انتهاك لحظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا الذي أقرته الأمم المتحدة.
ونتيجة لذلك، وبعد تلقيها كميات كبيرة من الإمدادات العسكرية الثقيلة، بدأت المليشيا المرتبطة باللواء المتقاعد حفتر، مهاجمة طرابلس – مقر حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا – مرة أخرى في 28 فبراير الماضي.
آخر التطورات
قتل أكثر من 20 عنصرا من طرفي النزاع الليبي الثلاثاء أثناء المواجهات المسلحة التي دارت بين قوات الحكومة الليبية وقوات خليفة حفتر في ضواحي العاصمة الليبية طرابلس.
وتستمر المواجهات المسلحة في ضواحي العاصمة الليبية طرابلس بشكل متقطع، بين قوات حكومة الوفاق وقوات الجيش الذي يقوده حفتر.
من جهته شدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس على أنه لا حل عسكريا للأزمة الليبية، وقال إنه من الضروري الالتزام بنتائج الاتفاق المبرم في مؤتمر برلين الذي عقد في يناير الماضي.
وجاء تصريح لافروف في اجتماع عقده أمس مع ممثلي جمعية الدبلوماسيين الشعبية عبر دائرة تلفزيونية، وذكر فيه الوزير الروسي أن عدم التقيد بقرارات مؤتمر برلين أدى إلى استئناف الاشتباكات في ليبيا.
وأكد لافروف أن بلاده لديها نهج مشترك مع الدول الأوروبية والإقليمية بشأن استمرار العملية السياسية في ليبيا.
وفي ضوء إصرار بعض الأطراف على إطالة أمد الحرب تتصاعد أهمية التطورات الميدانية والتغييرات الكبيرة التي تشهدها ليبيا في صياغة السيناريوهات المحتملة لتطورات الوضع.
الحل السياسي
في الواقع شهدت ليبيا عام 2020م تصاعد الآمال بالتوصل إلى حل سياسي بعد سلسلة من المبادرات الدبلوماسية، لاسيما بعد مذكرة التفاهم التركية الليبية وتدخل روسيا واجتماع موسكو لإيجاد حل سياسي للأزمة.
وبينما وقع رئيس حكومة الوفاق فائز السراج نص وقف إطلاق النار الذي جرى الاتفاق عليه في موسكو، غادر حفتر العاصمة الروسية دون توقيع الاتفاق.
وكانت العاصمة الألمانية برلين استضافت في 19 يناير الماضي مؤتمرا دوليا بشأن ليبيا دعا جميع أطراف الصراع إلى الالتزام بوقف إطلاق النار وفق مبادرة تركية روسية، والعودة إلى المسار السياسي لمعالجة النزاع، وهو ما طالب به أيضا قرار تبناه مجلس الأمن في 12 فبراير ورغم إعلان قوات حفتر في 21 مارس الماضي الموافقة على هدنة دعت لها الأمم المتحدة للتركيز على جهود مكافحة فيروس كورونا، إلا أنها تواصل هجوما على طرابلس.
وردا على ذلك أطلقت حكومة الوفاق في 26 مارس الماضي عملية عاصفة السلام ضد قوات حفتر، واستطاعت في الأيام الماضية السيطرة على مدن إستراتيجية في الساحل الغربي لليبيا.
ويأتي اشتداد المعارك بين قوات حفتر والوفاق في وقت وصلت فيها الجهود السياسية الدولية للدفع بحل سياسي في ليبيا إلى طريق مسدود، وتكتفي الأمم المتحدة في الوقت الحالي بالدعوة لهدنة إنسانية بين الطرفين من أجل التفرغ لمحاربة جائحة كورونا ومعالجة ضحاياها، وإتاحة المجال لليبيين للاستعداد لشهر رمضان بسلام.
وفي السياق ذاته دعت كل من الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية وتركيا والإمارات والجزائر، إلى مبادرة لوقف إنساني لإطلاق النار على خلفية تفشي فيروس كورونا.
الهجمات الصاروخية التي تستمر ضد طرابلس مع انقطاع المياه والكهرباء، تجعل من الصعب على سكان العاصمة مكافحة وباء كورونا، لا سيما مع تصاعد وتيرة تلك الهجمات اعتبارًا من 28 فبراير الماضي.
فبينما تستمر هذه الهجمات على العديد من الجبهات، فإن أحد الأهداف الرئيسية لهجمات المليشيا كان اختبار قوات حكومة الوفاق في عدة جبهات، والعمل على إيجاد نقاط ضعف دفاعية، إضافة إلى استهداف القدرات العسكرية التي تم الحصول عليها من خلال المساعدات العسكرية التركية.