أكدوا أنه كان أُمَّة.. ناشطـــــون وسياسيـــون وإعلاميــــون : لـ ” الثورة “: الشهيد الصماد المدرسة المتكاملة جهاداً وتضحيةً وقيادةً وريادةً
قاد الرئيس الشهيد صالح علي الصماد خلال عامين من توليه رئاسة المجلس السياسي الأعلى عدداً من التحولات النوعية سياسياً واقتصادياً وفكرياً، متوجاً تلك التحولات بتحقيق أبرز أهدف الشعب اليمني المتمثلة في استمرار النضال لتحقيق الاستقلال الوطني والتخلص من الوصاية المترسخة في عقول وأذهان الأعداء والمتربصين وفي مقدمتهم نظام مملكة بني سعود ومواجهة الطواغيت في ظل استمرار عدوانهم على الشعب اليمني منذ أكثر من خمس سنوات..
ولا يختلف اثنان على أن الرئيس الشهيد صالح الصماد واجه صعوبات وتحديات جمة خلال توليه رئاسة المجلس السياسي الأعلى، إذ واجه عواصف عدة ومحاولات شتى لاستهدافه كشخصية وطنية تحظى بقاعدة شعبية كبيرة وواسعة في الوسطين السياسي والمجتمعي، وذلك بدوافع الانتقام منه ليس إلا، بيد أن القيادة الثورية ممثلة بالسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي – حفظه الله – ورفاقه استطاعوا أن يقفوا بقوة وشجاعة أمام تلك الزوابع غير آبهين بها، وتمكنوا من تجاوز العديد من تلك العقبات بحكمة وكياسة محنكة من منطلقات وطنية بحتة إيماناً بأهداف ثورة الـ 21 من سبتمبر كوثيقة مقدسة وأرضية صلبة يتكئ على مبادئها وقيمها الشعب اليمني كافة..
وفي الذكرى السنوية لاستشهاد الرئيس صالح علي الصماد تحدث عدد من الناشطين السياسيين والزملاء الإعلاميين عن سيرته ومسيرته الحافلة بالكثير من الإنجازات والنجاحات، مؤكدين بأن الشهيد الرئيس الصماد كان رجل دولة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وكان فوق ذلك نموذجاً فريداً لمن يتحمل المسؤولية عندما انتخب رئيساً للمجلس السياسي الأعلى أواخر العام العام 2016م ..
أنقى الرؤساء وأنصعهم خلقاً وديناً
علي المؤيد
الشهيد الصماد اكتسبت شهادته المدوية قيمة إضافية مهمة كونها مرتبطة بأعلى مناصب الدولة مسؤولية وما يترتب على ذلك الموقع -عادة- من امتيازات لا سقف لها، وصلاحيات نافذة وإمكانيات هائلة في متناول شاغل المنصب ، وبالتالي فمن الصعوبة البالغة إن لم يكن مستحيلا بالنسبة لمن يعتلي هرم الحكم أن يختار درب التضحية الواعية بيقين صلد وإرادة فولاذية وإصرار دؤوب يحمله على الاستخفاف بكل ألوان البهرجة وأشكال التهافت عليها، لكنه الصماد ترجمان الثقافة القرآنية الذي عزم على التخلي عن أبهة المكانة والفخامة والنيافة منذ اللحظة الأولى لتوليه -على مضض- مسؤولية الرئاسة لذلك لا مجال للخوض في تفاصيل لم تحدث أصلا، حيث لم يقترب من مقاليد الترف ولم يمسك بصولجان الاستكبار كسالف عهد أولئك الذين سكنوا قبله قصور الجمهورية اليتيمة ، إنه الصماد الذي لم تستطع كل مغريات السلطة الاقتراب من غاياته الأسمى ، ولم تستطع كل ترسانة الأطماع أن تؤثر على محيط حصون نفسيته الإيمانية ، إنه الصماد تموت -بحسرتها -المكائد والمصائد الشيطانية تحت أقدامه فيما تظل شخصيته القرآنية في أعالي الطمأنينة ،إنه الصماد الذي لم يلتفت حتى مجرد التفاتة إلى زينة الدنيا وبهرجها ومباهجها الفاتنة، ولم يكترث بما يؤرق الكثيرين من متاع زائل على غرار “تأمين مستقبله ومستقبل أطفاله” وما شابه ذلك ،إنه الصماد لم يتزحزح عن غاياته الجهادية قيد أنملة رغم الاغراء المهول الذي يستجلب الكثير من اللهاث واللعاب والأمنيات المسعورة ، إنه الصماد الزاهد الكبير قبل استشهاده ورائد التضحية الواعية بعد استشهاده ، إنه الصماد نموذج عالي الرمزية ، ونجم ساطع في سماء “سبيل الله” ، إنه الصماد الذي أوصى بتسليم كل أغراضه وما بحوزته من أدوات بسيطة وما في حكمها إلى “سبيل الله” ، إنه الصماد الذي تجاوزت ثروته الفعلية ملايين القلوب قبل أن يترك آثار المودة التلقائية في الوجدان الجمعي للملايين ، إنه الصماد الرجل الذي نال قبل استشهاده وسام “الرجل الأكثر خطورة على مشاريع قوى الهيمنة من الدرجة الثانية”، انه الصماد الشخصية الرسمية الأكثر نشاطا والأعلى همة والأوسع معرفة والأسرع تلبية لتوجيهات قائد الثورة صوب تحقيق متطلبات الصمود والثبات، إنه الصماد الذي يصافح المواطنين كصديق قديم ويصغي إليهم كأب عطوف ويتحدث إلى الجماهير بصوت جياش يضاهي هتافاتهم صدقا ويلامس أسماع الأرواح بصدق فيبدو كمن يتحدث بلسان قلبه ليتوهج الأثير البيني بالود الغامر والامتنان الغفير وشيء مما يشوب نفسه من خجل نابع من قلة الإمكانيات وشحة الموارد الراهنة التي لا تلبي مقدار استشعاره للمسؤولية ولا عظيم شغفه بالإحسان إلى الأمة اليمانية وخدمة الناس ولا يوازي توقه إلى العطاء بالمستوى الذي يليق بجوهر هذا الشعب العظيم ، إنه الصماد واحد من الناس البسطاء لم يتصدر اسمه قائمة أصحاب العقارات والأراضي باستثناء ما تبقى له في بني معاذ من ركام دار من مداميك الطين وأطلال مزرعة كانت وارفة ذات سلام عابر ، إنه الصماد تلميذ المشروع القرآني النجيب ، وأستاذ التوافق والقبول ، ومدرسة الذكاء السياسي والاجتماعي الشاملة ، نموذج شاهق في إدارة الدولة والمؤسسات ، إنه الصماد من أصلب دروع السيد العلم ومن أغلى وأمضى سيوفه ، رجل من أسرع المؤمنين استجابة وأوسعهم ثقافة وأكثرهم علما في استعمال ، وورعا في إجمال ، إنه الصماد الذي قال في رثائه السيد القائد -يحفظه الله- أبهى وأرقى عناوين الشرف والكرامة والطهارة ، وبنى في تأبينه مزارا خالدا مترامي الأوصاف ، فضلا عن ما بين السطور من أول فاتحة البطولة والنقاء إلى آخر دروب الفقد والانعتاق والفوز العظيم ومثل كل صمت ،كان كل حرف مفعما بالحمد والشكر الجزيل على مصاب فادح وندبة في القلب ، والقلب في أصل الحقيقة والمجاز هو ندبة عامرة في صدور المؤمنين حزنا على فراق القائد الحسين .. إنه الصماد عليه السلام.. أول الرؤساء المتقين والأشتر الأخير.
كـــــان أُمَّــــة..
يحيى المحطوري
عبثا يحاول علي الصماد المزارع الريفي البسيط إقناع ولده بالتراجع.. وهو يجادل صالح الشاب العشريني العمر عن جدوى حماسه المتوقد مع شعار الصرخة في وجة المستكبرين.. الذي رفعه السيد حسين الحوثي.. لم يخطر بباله يوما أن يصبح خبر استشهاد ولده خبرا عالميا تتناقله كل وسائل الإعلام العالمية وينتظر العالم بأسره تبعات اغتياله وآثاره على أحداث الساحة الإقليمية والدولية..
ومنذ العام 2002م كان يقول له: ما الذي ستفعله بأمريكا يا ولدي.. النظام يقتل كل من يقف في مواجهته.. يا صالح “لا تكلف علينا”.. سيقتلوك ويدمروا منازلنا ويحرقوا مزارعنا.. و… و… و…
ظل ذلك الوالد المؤمن يراقب حياة ولده الثائر.. منتظرا استشهاده في كل مرحلة أو منعطف للأحداث .. ولما يزيد على ستة عشر عاما من الجهاد والتضحية والفداء ..
ولم يخيل إليه أبدا أن نهاية عظيمة ستكون لولده بعد أن يتصاعد في مراتب الرفعة الدنيوية.. ويرتقي في معارج الكمال الإيماني.. إلى أن يصل إلى نيل الوسام الإلهي بالشهادة في سبيل الله.. أما صالح الصماد .. الشاب المجاهد المتوقد حماسا.. فقد كانت عينه على آيات الله.. والأخرى على أحداث الحياة..
لم يقبل بتلك الهزيمة النفسية المخيمة على الشعوب.. فقرر أن يكون من حملة الراية القرآنية مهما كان الثمن.. “لا يجوز أن نسكت” .. سمع قائده يهتف بها عاليا .. فلبى نداءه وسار في ركبه.. تنير طريقه آيات الكتاب المبين .. ونور الحق الساطع .. لا يخاف في الله لومة لائم..
كأحد المكبِّرين في ذلك الحين.. لم يثن الصماد تثبيط الأقربين.. ولا وعيد الطغاة الظالمين.. ولا تضليل المرجفين .. بقلب مؤمن بالغيب وفؤاد راسخ اليقين كان يقرأ كلام قائده المجاهد السيد حسين.. فقرر أن أن يكون له موقفه الصادق.. وعلى الله النتائج.. وإليه ترجع الأمور..
رغم كل ذلك التشويه والظروف القاهرة.. كان الصماد على يقين بأن المشروع الذي سار فيه وغامر بحياته من أجله هو طريق الأنبياء الذي يصنع العظماء ويرفع شأن السائرين فيه في الدنيا والآخرة .. فمضى في ركابه ولم يزده إتباع هداه إلا عظمة وعلوا.. والالتزام بمنهجه إلا رفعة وسموا .. والتسليم لقادته إلا دورا عظيما في أمة يفخر المرء بانتمائه إلى قيمها ومبادئها وأخلاقها..
كان الإيمان وقوده المتجدد في رحلته الخالدة.. والأخلاق والتواضع جواده الذي حمله إلى كل القلوب.. فاستقر فيها طيفا خالدا لا تمحوه السنين.. وقدوة شاهدا لا يغيب عنها أبد الآبدين..
لقد سطع نور الله في قلبه .. فأشرق وأضاء على شفتيه ولسانه.. وانعكس في واقع الحياة مواقف بطولية إيمانية خالدة تحتاج إلى بحر من المداد ليكتب تفاصيل سطورها… ولا طاقة لقلمي على مثل ذلك ..
“فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”..
واليوم ها هو يودعه قائلا: هنيئا لك يا صالح .. لقد بعت روحك منذ اليوم الأول.. ونلت ما كنت تتمناه.. واشترى الله منك وربحت الرهان..
نعم يا صالح.. لقد جاهدت وصدقت وحقق الله على يديك وعوده.. وتجلت
في بطولاتك آياته التي طالما أنكرنا عليك تلاوتها..
نم قرير العين ومثلك لا ينام.. فها هو الشعب اليمني بأسره يحمل رايتك
التي حملت.. ويرفع لواءك الذي رفعت.. ويمضي قدما نحو الوعد الإلهي
الأكيد بنصر المستضعفين وإعلاء كلمة الله ورفع راية الدين ..
السلام عليك يوم ولدت ويوم جاهدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا.. ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.. والعاقبة للمتقين..
الشهيد الرئيس الصماد .. عنوان وطن وتضحيات شعب
علي القحوم
من أيّ أبواب الرثاء سندخل .. وبأي أبيات القصيد سنعبر عن قائد صنع التغيرات، وحصلت في عهده التطورات .. فكان سحابة معطاءة أينما ثقلت هطل غيثها .. تروي الأرض وتخضَّر الأشجار وينبثق الأمل وتتجدد الحياة .. كان ينصح قبل حدوث الأشياء ويمنح بلا انتظار .. ويغفر دون اعتذار.. وقف الى جانب شعبه في الحل والترحال، في الكرب والشدة .. فبادله الشعب الوفاء بالوفاء .. هنا يقف قلمي حائرا ولساني عاجزا غير قادر على النطق والتعبير .. فماذا عساي أقول عن العظماء فهم من يحق للهامات أن تنحني لهم إجلالاً واحتراما وتعظيما .. خصوصا للذين أفنوا حياتهم في الجهاد والعمل الدؤوب بحثا عن الكرامة والحريّة والعزة والاستقلال وحفظ السيادة وصون الأوطان .. ولأنه أحد أولئك العُظماء الذين كرسوا جُل حياتهم من أجل الله والوطن وصولاً لنيل الحرية وطرد المحتلين .. هو ذاك رجل المبادئ والقيم والمواقف والساطع بالحق الذي أفعاله سابقة لأقواله .. أحبه الشعب واستطاع بفضل ذلك الحب والإخلاص أن يتبوأ المناصب الرفيعة فكان النجاح حليفاً له أينما كان .. يحترمه الجميع ويهابه الكل ويعتز ويفتخر به كل من وقعت عليه عيناه أو سمعت به آذناه .. وما عرفه إنسان قط إلا أحبه لكل شيء فيه .. نعم يُحبه الجميع لأنه كان عنوانا للصمود والعنفوان والشموخ اليماني .. كان رئيسا للشعب كل الشعب.. جسَّد العدالة والإصلاح وبناء دولة القانون .. فكان شعاره “يد تحمي ويد تبني” فاغتيل من أجل ذلك .. كان بحق رجل دولة.. حمل الهموم وتحرك بمسؤولية وجسَّد معادلة أن الدين دولة .. لم تقيده الظروف الأمنية ولم تعقه التحديات من القيام بمسؤولياته .. فتجده عسكريا في الميادين يخوض غمرات الموت
فكان بحق قائدا بحجم وطن وتضحيات شعب .. فهو السياسي البارع الذي يجيد لغة التفاوض ويعرف دهاليز السياسة وأروقتها .. اتسم بالمرونة وسعة الصدر.. كان عالما لا يضاهى يحفظ القرآن الكريم وهاضما للثقافة القرآنية .. ليس هذا وحسب بل خطيبا مصقعا له جولات وجولات في مضمار السياسة والحرب .. فلو سألنا عن هذا القائد في السهول والجبال والرمال والصحراء فإن حبات الحصى والرمل ستخبرنا أنها قد اشتاقت إليه ليدوسها بقدميه الطاهرتين ..
فهي كما نحن قد اشتاقت حُباً لذلك القائد العظيم الذي تعـفّر وجهه بغبارها وتلحف بترابها وهو محارب فيها نازل في كل ميدان .. وهنا حتما ستتحدث جميعها لا محالة عن أمجاد وتاريخ هذا القائد الحافل بالمنجزات والانتصارات ..
ولأنه كان دوماً عاشقا لليمن وثراها وشعبها فقد عاش وكرّس حياته للدفاع عن ذلك الحق منذ نعومة أظفاره وريعان شبابه ..ولذلك فقد تلألأ نجمه عالياً في السماء.. وازداد ذاك النجم تألقاً وسطوعا في زمن تخافتت فيه الأصوات .. وبرز في الساحة اليمنية مشروع المسيرة القرآنية الذي تحرك فيه منذ البداية مجاهدا مخلصا صادقا حاملا على عاتقه مسؤولية التحرك والتبليغ وإعلاء كلمة الله .. فانطلق في ميادين الجهاد باذلا النفس والمال من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله .. فكان في أوساط المجاهدين متواضعا يتصف بالحلم والعلم والحكمة والشجاعة والكرم والأخلاق العالية والإحسان .. فكانت نظرته ثاقبة ووعيه كبيرا حمل هم الأمة العربية والإسلامية وعلى رأسها قضية فلسطين .. وجه بوصلة العداء لأمريكا وإسرائيل وهذا من صميم الثقافة التي نهل منها ومن المرتكزات الأساسية للمسيرة القرآنية التي تحرك فيها تحت لواء قائدها الشهيد السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه .. ومن بعده تحت لواء قائد الثورة الشعبية سماحة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي حفظه الله وأبقاه ذخرا لهذه الأمة ..
علماً بأنه مهما كتبت الأقلام وسال مدادها فإنها لن تستطيع أن تفيه بعضا من حقه .. وستظل عاجزة خجولة أسيرة مكبلة لا تستطيع أن تخط لتكتب عن هذا القائد العظيم .. ولأننا نعيش ذكرى استشهاده أحببت أن أبوح بما لدي امتنانا وتخليدا لروح الشهيد الطاهرة .. فهذه الأسطر المتواضعة التي أكتبها هي تعبير للوفاء له .. ولما كان لي من صحبة معه في الجهاد والعمل .. فالعهد باق والمشوار طويل ونحن في الركب لن نحيد أو نميل ..
وإننا ماضون في هذا الدرب لن نتزحزح قيد أنملة في إكمال المسير حتى يتحقق النصر .. ولأنه عاش حياته كذلك وارتقى إلى العُلا على ذلك المنوال مُدافعاً عن اليمن وعن شعبها المظلوم .. فجسد أروع أمثلة التضحية وأثبت عدالة القضية .. فالقول كل القول لك أيها القائد منا ومن شعبنا أننا لن ننساكم أبد الدهر فذكراكم باقية وقد سجلت بأحرف من نور في سجل الخالدين ..
أخيراً أيها القائد السـلامٌ منا ومن شعبنا لك وعليك وعلى روحك الطاهرة في كل وقت وحين.. والسلام عليك يوم استشهدت ويوم تُبعث حيا ..
الصماد الرئيس شهيداً..متى صدر القرار بقتله ولماذا؟
علي المحطوري
الصراع بين الحق والباطل هو كر وفر، وصولات وجولات، ويوم لك ويوم عليك كما ورد عن الإمام علي عليه السلام.
بالحديث عن شهادة الرئيس الصماد يحضر النقيض المتمثل في مقتل زعيم الفتنة علي صالح.
وذلك لتقارب الزمن، ولما أحدث غياب كل منهما عن الساحة من أثر، ولدور كليهما في تحديد وتحييد حركة الآخر إبان تسيير شؤون الدولة عبر المجلس السياسي الأعلى الذي أنشئ بهدف التصدي بوحدة وطنية لعدوان غير مسبوق.
4 ديسمبر 2017م تاريخ مقتل علي صالح 19 أبريل 2018م تاريخ استشهاد الرئيس الصماد.. تفصل بينهما أربعة أشهر ونصف الشهر.
في هذه الفترة القصيرة كانت أنفاس التيار الفتنوي خامدة بخمود زعيمه، كما أن تحالف العدوان يشعر بخسارة فادحة لسقوط رهانه على إحداث تغيير في مسار الحرب عبر الأداة الفتنوية المحتفظ بها منذ أول الحرب.
وإذا بالتيار الفتنوي نفسه مقطوع النفس بمقتل زعيمه حتى أنه لا تبدو عليه القدرة على أي حراك انتقامي، إلا أن تحالف العدوان بما لديه من إمكانيات لم يستسلم.
إني أزعم أن قرار تصفية الصماد صدر عقب مقتل زعيم الفتنة.
ولا بد أن نستحضر ما أحدثه مقتل زعيم الفتنة من زلزال هز المنطقة وبدون مبالغة..
إنه من أقطاب جهنم الذين أركعوا الأمة لأعدائها وهدموا فيها كل قيمة أخلاقية..
وهل قامت أمة الإسلام إلا على الأخلاق، حتى أن نبيها نال شهادة ربه بأنه على خلق عظيم.
ولهذا فمقتل زعيم الفتنة مثَّل ضربة موجعة تتعدى الجانب السياسي إلى ما هو أبعد وأعمق من ذلك.
ولأنه صراع بين حياة بأخلاق أو حياة بدون أخلاق، فلم يكن لتيار الانحلال العابر للحدود بلا حدود سوى رد الضربة بضربة انتقامية.. وكان له ذلك، إنما ما لم يكن له- هو وإن كان قد تمكن من تصفية الصماد جسديا – أن شهادته عمّدت بالدم حاجة الأمة إلى التشبث والتمسك بالأخلاق في مجالات الحياة كافة، لا يُستثنى منها حتى موقع الرئاسة، بل إن موقع الرئاسة أولى به أن يكون موقعا لصون أخلاق الشعب والأمة وحارسا أمينا لدمائها وأعراضها وأموالها، وليس موقعا للنهب والسلب والهدم..رحم الله الصماد..وأخلف علينا بأمثاله إنه الغفور البر الرحيم.
ليحـــق الحــق بكلمـــــاته
محمد القبلي
غني عن التعبير الرئيس الشهيد الصماد نموذج القيادة والإيمان والشجاعة وبُعد النظر الذي كان استثنائيا ليس على مستوى اليمن فحسب بل على مستوى العالم الذي يمر بظروف استثنائية بلغت فيه الهيمنة الغربية منتهى عنجهيتها وتلاطمت الافكار في حروب لا تقل تدميرا عن الأسلحة الفتاكة ومواجهتها للنهوض بأمة مقهورة ومتارجحة تستدعي إيماناً راسخاً لا تزعزعه العواصف ووعياً عميقاً يستوعب كل متطلبات المعركة وثقة بالله كاملة ليصنع أصحابها الإنجاز الذي أراده الله تعالى ويستحقوا به وعده بالنصر..
عندما يفتقر الحق للوعي الذي يسيِّر الحياة بالصورة الصحيحة يطغى الجهل فيعمل الإنسان ضد نفسه وتهدر الطاقات والإمكانات المتوفرة لديه فيرزح تحت التخلف والعبثية .. وعندما يفتقر الحق إلى القوة التي تردع الشر تطغى القوى الشريرة ويعبث قلة من الاشرار بالمجتمعات حسب رغباتهم الأنانية.
ومنذ القدم حلم الإنسان بالمجتمع الفاضل كما في مدرسة أفلاطون الذي تنسب إليه الأكاديمية وجاء أرسطو ليصحح بعض الأخطاء التي وقع فيها أفلاطون ولم يغب عنه الاعتراف بالقوة الإلهية في بعض أفكاره التي لا يستبعد استفادة الفلاسفة من الرسالات السابقة التي كان يطرأ عليها التحريف.
وجاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالقرآن الكريم الذي تعهد الله تعالى بحفظه ليكون منارا دائما للإنسانية للأخذ بما فيه خير الإنسان واجتناب ما يؤدي به إلى الشر والفساد في الدنيا والآخرة.. ووقع المسلمون في كثير من الأحيان في الانحراف نحو فهم خاطئ للدين وأبرز مثال اليوم “داعش” التي تحول بأفكارها الإنسان المسلم إلى قنبلة موقوتة تستهدف الأبرياء وتعمق الجهل بإعمار الأرض والدعوة إلى الله بالحكمة وردع أئمة الطغيان والجور.
يعتبر الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام نموذجاً للتطبيق العلمي والعملي للعدل والإعمار وردع الشر القائل الناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.. والإمام الحسين نموذج في التضحية عندما تفقد الحياة إمكانية عدم الإصلاح حينما قال ما معناه “ألا ترون الحق لا يعمل به والمنكر لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه والله محقاً، فإني ما أرى الموت إلا سعادة والعيش مع الظالمين إلا برما.
جاءت النهضة الأوروبية والتطور الصناعي ليقدماً إثباتا جديدا على أن الكون مسخَّر للإنسان إلا أن فقدان هذا التطور العمراني لجانب معرفة الله الذي يأمر بالعدل والخير أطغى تلك البلدان لتحويل إمكاناتها إلى أداة لظلم شعوب العالم خصوصا الإسلامية منها، فاحتلت معظم بلدان الدنيا ونشرت الفساد الاخلاقي ونهبت ثروات الشعوب وتركتها تتخبط في التخلف والفقر ليكدسوا هم ثروات الدنيا في بنوكهم، في حين يموت الملايين من أطفال شعوب العالم لعدم وجود ما يكفي من الغذاء ويحيون حياة البؤس لافتقارهم لأبسط المقومات والصحة والتعليم السليم.
عندما تحاول بعض الشعوب التي عانت الاحتلال والبؤس الاستفادة من المنهج القرآني العظيم وبناء ذاتها بالوعي العلمي والقوة العسكرية لينعم شعبها بخيرات بلدهم وينظموا حياتهم للاعتماد على ذاتهم ويحققوا أمر الله فيهم ويحاربوا الشر والرذيلة تستشيط الدول الاستكبارية غضبا فتوجد الحروب والحصار وتعمل على تشكيك تلك الشعوب في دينهم ورموزهم.
واستطاعت الصهيونية أن تغرس إسرائيل رغم قلة عددهم في الجسم الإسلامي ليشعر المسلمون بالذل والإهانة ويتقبلوا كل اشكال الاحتلال الثقافي والاقتصادي والسياسي ويرتهنون للبنك الدولي وصندوق النقد والعولمة لترسم لهم تفاصيل حياتهم كمجتمعات ثانوية تكون سوقا للمنتجات ومصدراً للعملة الرخيصة ومنتجعات للسياحة التي تقدم فيها المسكرات وبنات المسلمين كإحدى السلع الرخيصة للبقاء على قيد الحياة.
يبرز اليوم محور قوة إسلامي يعتمد العلم لبناء الأرض والإنسان ويستبسل لمواجهة الشر عسكريا وفق إعداد محكم منطلقا من إيمانه بعدالة الله تعالى وصوابية منهجة وصدق وعوده بالنصر على أساس القرآن الكريم ونماذج من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين يتمتعون بالتقوى والعلم والشجاعة.
كانت الجمهورية الإسلامية انطلاقة رائدة لإسلام الحكمة والعلم والعزة والكرامة بقيادة الإمام الخميني رحمه الله في التاريخ المعاصر وحررت الشعب الإيراني من الحكم الظلامي المرتهن للإرادة الأمريكية والبريطانية وتكرست الجمهورية الإسلامية مشروعا حضاريا راسخا بقيادة الإمام الخمنائي ينافس أعرق الحضارات في التقدم العلمي والصناعي والزراعي والعسكري على أساس الرحمة بالإنسان لا على أساس الهيمنة التي ينتهجها الغرب.
وجاء حزب الله ليكون شوكة في حلق الدولة الغاصبة إسرائيل ويعيد للعرب بعض كرامتهم المهدورة ويحطم مقولة إسرائيل القوة التي لا تقهر.
ومن تلك المدرسة جاء الحشد الشعبي لينقذ العراق بكل مكوناته العربية والكردية والتركمانية وغيرهم مسلمين سنة وشيعة ومسيحيين وايزيديين… إلخ عملا بالواجب ونصرة للحق على أساس قرآني.
وفي اليمن وبعد اجتماع العالم على محاربة الإرهاب – الذي يقصد به الإسلام- بعد أن تم دعم القاعدة وداعش لتقدما الإسلام على أنه قتل وخراب وتدمير دون وعي لتحشيد العالم ضد الإسلام انبرى السيد حسين بدر الدين الحوثي رحمه الله متحديا المشروع الأمريكي اليهودي وتوضيحه بأنه هو الفساد والإرهاب والاحتلال والظلم والخراب وموضحا أن الوهابية تحريف للإسلام، وعلى المسلمين العودة إلى نبع الإسلام الصافي القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام، وكان الشهيد الرئيس الصماد من أوائل المستمعين والمتفهمين فوقف الى جانب السيد القائد الشهيد حسين رحمه الله، وظل وفيا صامدا مع السيد القائد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله عبر مراحل طويلة تعرضت فيها المسيرة القرآنية لأنواع شتى من الظلم والحرب والمعاداة لا لشيء إلا لأنهم يصدعون بالحق ويرفضون الظلم، حتى صار رئيسا لليمن بعد العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، وكان لمنطقه دور كبير في إقناع معظم القوى اليمنية للوقوف مع الحق ومصالح الشعب ورفض التبعية والإذلال ونظر إليه معظم اليمنيين على أنه رجل المرحلة في ظل العدوان الغاشم على اليمن.
وقد أبدى قدرة إدارية متميزة وشجاعة نادرة جعلت منه الحاضر في كل مفاصل الدولة وجبهات الصمود والكرامة، وعاش مع آمال وآلام الناس بمصداقية وتواضع مع كل شرائح المجتمع، منطلقا في كل ذلك من القرآن الكريم الذي لا تكاد تغيب آياته عن كلماته في كل مكان.
لم تؤثر على افكاره وسلوكياته ظروف الحرب التي تزامنت مع المسيرة القرآنية منذ انطلاقتها، وكان أحد أعمدتها على مدى ستة حروب.. ولم ينسه التصدي للهجوم الإجرامي الشرس الذي تنخرط فيه اكثر من ٢٠ دولة على اليمن وإن بنسب متفاوتة وهو المسؤول الاول في البلاد لمواجهته لم ينسه ذلك النظر إلى المستقبل وبناء اليمن، فوجه بصياغة الرؤية الوطنية الشاملة (يد تحمي ويد تبني) والتي شملت الصمود في مواجهة العدوان والإعداد وتوحيد الجبهة الداخلية والهوية الإيمانية والإصلاح الهيكلي والتشريعي للدولة وسيادة القانون ووحدة الأرض والبناء العلمي والاقتصادي المنتج والمصالحة الوطنية والعلاقات الخارجية على أساس الاحترام المتبادل.
وبذلك ترك رؤية واضحة على كاهل الحكومة اليمنية وهو ما يسير عليه اليوم الرئيس مهدي المشاط وحكومة الإنقاذ بخطى ثابتة وموفقة ولله الحمد.
إن الثقافة القرآنية اذا لامست عقولاً نيرة وقلوباً مؤمنة تثمر خيرا وعزة وكرامة.. والأمة الإسلامية في طريقها إلى النصر وقوى الشر تنحسر شيئا فشيئا والمشروع القرآني لا يجبر الآخرين على الدخول فيه لكنه يدعوهم إليه ويرى أتباعه ملزمون بمواجه الظلم والجور مهما كانت إمكانات الأعداء وكلمة الله هي العليا، ومن يسير فيه لا يستبعد الاستشهاد الذي هو كرامة من الله تعالى لأخلص عباده.. فهنيئا لمن عاش مجاهدا ولقي الله ثابتا ولا بد للحق أن ينتصر..
قال تعالى “إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ”
رحم الله الشهيد الصماد وجمعنا به في مستقر رحمته.