استنهض القوة الكامنة في الأمة واستنفر الطاقات

الشهيد الرئيس الخطاب الذي استوعب حاجة الواقع

مفردات تحمل ملامح الدولة القوية وتعزز من عوامل الثبات
الإعلان الذي أرعب الأعداء من نهوض المارد اليمني

طلب من الجميع في كل أرجاء الوطن ومن كل فئات الشعب وفي مؤسسات الدولة وفي مقدمتها المؤسسة الأمنية والعسكرية إعداد الخطط الطويلة المدى التي تمكن شعبنا من الصمود حتى نيل كرامته واستقلاله.
الثورة / وديع العبسي

هكذا كان الشهيد الرئيس صالح الصماد في سلوكه القيادي في حالة استنفار دائمة للدفع في اتجاه التأسيس لدولة قوية ابتداء من شحذ الهمم وإيقاد جذوة الحماس وعوامل القوة للدفاع عن الوطن.. وفي خضم تحمل المسؤولية ومحاولة رسم خطة الصمود وبناء الدولة، كانت كلمات وتوجيهات الشهيد الرئيس صالح الصماد تصب في اتجاهين:
الأول: رص الصفوف وتأكيد الصمود في مواجهة العدوان.
الثاني: النظر إلى المستقبل وكيف يمكن التأسيس لدولة قوية تتجاوز كل الإرث الكبير من السلبيات التي جعلت من الدولة نموذجاً للدولة الضعيفة الفاشلة.
وتعزيزا لذلك أطلق الشهيد الرئيس مشروعه الطموح “يد تبني ويد تحمي” في فعالية الذكرى الثالثة للصمود بميدان السبعين، وأكد على الحكومة أن تبذل أقصى الطاقات في سبيل الدفع والارتقاء بتحسين أداء المؤسسات على طريق تحقيق هذا الطموح.
إرث التخلف والهوان والاستلاب من الإرادة واستقلال المصير ظل أمدا هو الماثل الأول في يوميات اليمن، بفعل دسائس الأعداء وتهاون البعض من الداخل، كان طموح الأعداء قويا بأن تبقى اليمن رهن الصراعات ورهن الحاجة لقوت يومها من الآخرين، ولذلك عملوا على رسم أجندات تُبقي اليمن على هذه الوضعية، وتشهد المعطيات أن دول تحالف العدوان وقفت وراء إجهاض كافة المشاريع الوطنية اليمنية الهادفة إلى إحداث تغيير إداري واقتصادي، لتعارض تلك المشاريع مع أهدافها الخفية في اليمن ومطامعها الاستعمارية في ثروات ومقدرات الوطن.
وانطلق الشهيد الرئيس في قيادته للمجلس السياسي الأعلى لليمن من التعاطي مع المنصب باعتباره مسؤولية تفرض على من يشغله أن يكون عند مستوى هذه الثقة بخدمة الوطن والأمة..في اللقاء الأخير في الحديدة قال: “نحن نعتبر المنصب مسؤولية ويجب أن تسود هذه الروحية لدى جميع مسؤولي الدولة في هذه المرحلة، والذي لا يزال يحاول أن ينهب، أو يحاول أن يحصل على أرضية، أو يبنى له بيتًا، ورجال الله يقدمون أعضاءهم في الجبهات ويقدمون أرواحهم في الجبهات، فاكتبوا على جبينه سارق كائناً من كان”.
لقد كان سلوك الشهيد الرئيس نموذجا عمليا لما طرحه، لذلك قال في اللقاء الأخير: “لا يوجد ما نختلف عليه ولن نختلف نهائياً وصالح الصماد لو يستشهد غداً، ليس لدى أولاده مكان ينامون فيه، وليس أمامهم إلا أن يعودوا إلى مسقط رأسهم، وهذه نعمة بفضل الله سبحانه وتعالى.”

مشروع امتلاك القوة
في الفعالية المركزية للذكرى الثالثة للصمود في وجه العدوان بميدان السبعين بالعاصمة صنعاء، جاء إعلانه عن إطلاق مشروع بناء الدولة وإرساء مبدأ العمل المؤسسي بالتزامن مع بداية العام الرابع من الصمود في وجه العدوان.. وقال “في ختام العام الثالث للعدوان وبداية العام الرابع للصمود نعلن عن إطلاق مشروع بناء الدولة، وإرساء مبدأ العمل المؤسسي، بالتوازي مع معركة التصدي للعدوان في مختلف الجبهات، مشروع تسنده الجبهات ويسند الجبهات عنوانه وشعاره (يد تحمي ويد تبني)”
وأضاف “ونحن نطلق هذا المشروع نعرف أن الطريق طويل ومحفوف بالتحديات خاصة في ظل العدوان ولكن كما كنا على قدر التحدي في جبهات القتال وصمدنا وحطمنا أحلام الغزاة والمحتلين فسوف نكون عند مستوى التحدي على طريق بناء الدولة ومشروع بناء الدولة، وإرساء مبدأ العمل المؤسسي، ومحاربة الفساد، تحتاج الكثير من الخطوات والإجراءات.”
وتابع “ندرك أن معركتنا اليوم في الدفاع عن اليمن هي معركة استعادة استقلاله وبناء الدولة التي تعتمد على ركيزتين أساسيتين، تتمثل الأولى في الدفاع عن الأرض والعرض وصد المعتدين والغزاة في مختلف الجبهات وحماية كل ذرة من تراب اليمن ومياهها، فيما تتمثل الركيزة الثانية في معركة بناء دولة حقيقية في ظل نظام مؤسسي منضبط بالقوانين الوطنية التي تمثل إرادة الشعب”.
يومها أيضا جاء تجديده الدعوة إلى السلام لا من ضعف وإنما من حاجة تفرضها قيم التآخي الإسلامي والجوار.. سلام عادل ومشرِّف يضمن حرية وكرامة الشعب اليمني، مبديا الاستعداد لتقديم منتهى التفاهمات والتعاطي “مع أي مبادرات تفضي إلى وقف العدوان ورفع الحصار والجلوس على طاولة الحوار للوصول إلى تسوية سياسية تحفظ للشعب اليمني تضحياته وكرامته واستقلاله”.
كما في الوقت ذاته ومن إيمانه بحاجة اليمن لكل أبنائه المخلصين من اجل بناء الدولة القوية، قال “أدعو القوى الوطنية الداخلية المنخرطة مع العدوان إلى الحوار دعوة الحريصين تعالوا لنتحاور كيمنيين لحل مشاكلنا فأنتم في الأخير مستهدفون فلن يرعى لكم العدوان حرمة ومستعدون للتفاهم ولدينا الشجاعة في طرح مختلف القضايا على طاولة الحوار”.
وهو أيضا ما كان قد أكد عليه في سبتمبر من العام 2017م بالاستمرار في مد يد الإخاء لكل من أراد أن يرجع عن غيه من كل أبناء اليمن ممن وقفوا في صف العدوان .. وقال “هذا تأكيد لدعواتنا السابقة والتي نعلم يقينا أن قرارهم بأيدي غيرهم من دول العدوان ولكن تأكيداً منا على ذلك”.

رسائل ثقة
وفي رسالته لقوى العدوان، نبههم إلى ضرورة أن لا يتعاطوا مع السلاح الصاروخي اليمني بسطحية دون قراءة الدلالات التي تؤكد على قوة اليمني وعدم قبوله بواقع الحال كيفما يرسمه له الآخرون.. حينها قال بوضوح “إن الرسائل التي أرسلتها القوة الصاروخية إلى دول العدوان هي رسائل سلام، إذا أرادوا السلام فنحن مع السلام كما، أسلفنا وكما قلنا لهم سابقا، أوقفوا غاراتكم نوقف صواريخنا، ما لم إذا استمرت غاراتكم فلنا الحق في الدفاع عن أنفسنا وبكل الوسائل المتاحة “.
رسائل الاعتزاز والثقة بالنفس هذه كان يرسلها تباعا إلى العدو في خطاباته المختلفة، تأكيدا على أن من يحمل قضية ومشروعا إنسانيا لا يمكن أن تخيفه تكالبات التابعين للأجندة الأمريكية والمنتفعين، كما أنها كانت تباعا تستنهض في الشعب اليمني تلك القوة الكامنة فيه التي أراد لها الأعداء أن تبقى كذلك كامنة يطمرها الخنوع والاستسلام لإرادة الآخرين.. في ذكرى ثورة 21سبتمبر 2017م قال الرئيس الصماد موجها حديثه لقوى العدوان “نقول لدول العدوان وفي مقدمتها النظامان السعودي والإماراتي إن عدوانكم مهما كان حجمه ومهما كثر داعموه ومهما غارت جراحه في شعبنا، لن يثنينا عن المضي في مشروعنا التحرري وعليكم أن تدركوا أنكم أنتم من سيخسر في نهاية المطاف وعليكم أن توقفوا عدوانكم، فالدور قادم عليكم، وشعوبكم مهما طال سكوتها نتيجة قمعكم وسطوتكم ستستفيق يوماً ما فتلفظكم إلى مزبلة التاريخ وقد أفقدكم الأمريكان كل تعاطف وقد تسبق أمريكا شعوبكم فتسقطكم غير آبهة بكل ما قدمتموه في سبيل استرضائها”.. رسائل إصرار وتحد لا يمكن أن تأتي من فراغ.
في ذلك اليوم أيضا وجه الرئيس الصماد رسائله إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي كانت تعقد دورتها الـ 72 بحضور رؤساء العالم، وفي يوم السلام العالمي.. وقال “نوجه لهم رسائل بأننا في الجمهورية اليمنية دولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة وكل الهيئات الدولية”.

أبرز عوامل القوة
هكذا اعتاد الرئيس الصماد تضمين خطاباته مفردات الثقة بامتلاك الحق، ومفردات الاعتزاز بالذات.
ومن هنا استوعب مشروعه “يد تبني ويد تحمي” أبرز عوامل القوة، فتنفيذَه يحتاجُ إلى إرَادَة وقيادة وطنية قوية، وتحققه على ارض الواقع سيمكن البلاد من امتلاك عوامل القوة، بل والمنافسة أيضا بما يُخرج اليمن من مربع الخنوع والضعف والارتخاء والإرتجاء لما في يد الآخرين، إلى وطن معتمد على نفسه في إنتاج حاجاته، وهذا ما ولّد الخوف لدى قوى الاستعمار القديمة من صحوة هذا الشعب وإرسائه لمداميك بناء دولته اليمنية وفق أسس وطنية شاملة وحديثة والذي سيعني استقلاله بقراره.
وأكد مراقبون أن ما أطلقه الرئيس الصماد يهدف إلى “إقامة دولة قوية ذات سيادة شاملة على كل أراضيها وعلى قرارها الوطني والتخلص من التبعية للخارج والتي كانت طيلة العقود الماضية السبب الرئيسي في الوضع البائس الذي وصل إليه الوطن رغم ما يمتلكه من ثروة بشرية هائلة وبخصائص قلًّما تتوافر في أي شعب أو امة من الأمم الأخرى ولعل العدوان الغاشم وما يفرضه من حصار جائر طيلة الثلاثة الأعوام الماضية قد اظهر تلك السمات والخصائص العظيمة والتي تجلَّت في الصمود والثبات الإعجازي الذي أبداه الشعب اليمني في مقارعة كل أنظمة ودول الاستكبار العالمي وقد تكالبوا عليه في لحظة واحدة..”

لن يكون اليمن إلا حرا
من الشواهد التي أراد الرئيس الصماد من خلالها أيضا إرسال الرسائل بأن القوة والشجاعة في المجتمع اليمني أمر فطري ما يؤهله لتحقيق طموحاته، تلك الزيارات الميدانية التي كان يقوم بها لجبهات القتال فيما العدوان على أشده، من تلك، تفقده لخطوط التماس في محافظة الجوف في سبتمبر 2016م.. وهناك خاطب الأبطال “عندما تحرر الوطن من مراكز القوى التي استثمر فيها العدوان السعودي الأمريكي منذ ستينيات القرن الماضي، مصادرا من خلالها تطلعات الشعب اليمني ببناء الدولة القوية المستقلة المنطلقة إلى المستقبل، تكالبت على اليمن قوى الشر المتحالفة مع السعودية في محاولة يائسة لاحتلال اليمن وتمزيقه.. لتقولوا جميعا ودماء الشهداء الأبرار الذي رووا وقالوا بدمائهم وأرواحهم الكلمة الفصل في المواجهة والانتصار، لن يكون اليمن إلا حرا مستقلا بسيادته وقراره ومستقبله وثرواته”.
خاطبهم أيضا بما يشحذ فيهم استمرار العزيمة والإصرار على تحقيق أهدافهم النبيلة كما دعا إليها الله سبحانه وتعالى في الذود عن الدين وعن حياض الوطن: “إن الصمود الأسطوري الذي تخطُّونه في جبين العالم اليوم صار علامة استفهام كبيرة في وعي العدو قبل الصديق وانتم بأقل القليل من العدة والعتاد والعدد تواجهون جيوش تحالف من أقوى دول العالم ومال مدنس استجلبت به السعودية والإمارات وقطر كل أنواع مرتزقة العالم وقتلته لتسحقوهم جميعا بأقدامكم الحافية وتنقلون المعركة إلى صدور أعداء السلام العالمي وصانعي المجازر، والرحم الذي اخرج القاعدة وداعش”.
وتابع قائلا “فلكم منا ومن كل يمني ويمنية في ارض الوطن الذي يشهد حصارا اقتصاديا ومؤامرة لم يعهدها التاريخ الإنساني .. لكم كل التحية والإجلال والتقدير ولأقدامكم الحافية ولروحكم البطولية المؤمنة الصادقة المدافعة عن كل القيم التي تجمع عليها الأديان السماوية والثقافات والفلسفات والأيديولوجيات بحق الدفاع عن النفس وامتلاك الحرية ومواجهة الشر والانتصار لقيم الخير والعدل والمطالبة بالعدالة والعيش الكريم الذي تسعى له كل شعوب الأرض الحرة وتكافح من أجله”.

التحفيز إلى الأمام
استشعار القوة التي تمتلكها اليمن واستنهاض مقوماتها في الأمة عكسها الرئيس الصماد للناس منذ اللحظة الأولى لتوليه منصب رئاسة المجلس السياسي الأعلى كما نجد ذلك في حديثه يوم أدائه القسم الجمهوري: “نؤكد أن اليمن دولة مستقلة ذات نظام جمهوري ووطن قومي لكل اليمنيين، يخضعون فيه لحكم النظام والقانون ودولة تسعى لأن تكون علاقاتها الثنائية مع دول الجوار ومحيطها العربي والإسلامي وجميع دول العالم قائمة على أساس الندية والاحترام المتبادل واحترام السيادة والتعاون وتبادل المنافع الاقتصادية وتعزيز الأمن والسلم الدوليين، لكنها لن تكون ولاية داعشية ولا إمارة سعودية ولا ذات ولاءات شرقية أو غربية بل يمنية خالصة”، “على أساس الندية”.. لم نكن في السابق أبدا نخاطب الآخرين بهذه العبارة خشية أن تثير فيهم التوتر، فنحن كما يريدون لا بد أن نبقى تابعين ومسلوبين الإرادة والقرار، بلا حاضر وبلا مستقبل.
التحفيز في اتجاه بناء الدولة القوية لم يكن غائبا عن كثير من خطاباته وكلماته وتوجيهاته، ويتضح من قراءة تلك الخطابات كيف انه كان يحاول وضع بصمة تؤكد على استثنائية اليمني في استبساله وفي طموحه وفي قدرته على صنع الإعجاز في زمن مليء بالتحديات وتكالب المثبطين.
إثارة الحماس في نفوس اليمنيين تجسَّد بدوره في سياقات مختلفة تضمنتها خطاباته، في نوفمبر 2016م يقول الرئيس الصماد في حديث قوي إن “اليمنيين سيدفنون كل من انتهك سيادتهم مهما كانت المبررات عاجلا أم آجلا، وسيأتي اليوم الذي تتحرر فيه كل ذرة من جغرافيا اليمن من آل سعود وحلفائهم وأربابهم الأمريكان”.

البداية من الداخل
إدراكه بأن بناء الدولة القوية ينبغي أن يبدأ من إصلاح الإعوجاجات في داخل المؤسسات ذهب به إلى التأكيد دائما، وفي أكثر من مناسبة، على أهمية تفعيل الجانب الرقابي واستخدام التكنولوجيا الممكنة للحد من السلبيات الموجودة، والاستفادة من الدراسات والأبحاث العلمية التي لا يجب أن تبقى حبيسة الأدراج لإيجاد أنظمة متطورة ومواكبة للتقدم العلمي الذي وصلت إليه بلدان العالم الأخرى.
وقال”إن ظروف العدوان والحصار خلقت معاناة كبيرة وهو ما يحتم علينا الاعتماد على النفس وإيجاد أنظمة رقابية أكثر فعالية في محاربة الفساد.
أول معالم الدولة القوية التي نشدها الشهيد الرئيس كانت مع منتصف 2018م، قبلها وتحديدا في 9 أبريل 2018م لفت الرئيس الصماد إلى أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة إطلاق صواريخ باليستية كل يوم باتجاه السعودية وأكد أنه سيكون عاما باليستياً بامتياز”، وأن السعودية لن تسلم من الصواريخ مهما حشدت من منظومات دفاعية.
ثلاثة مقومات رئيسية اعتمد عليها الشهيد الرئيس في تثبيت مشروع بناء الدولة، تمثلت في الاستقلال والخروج من التبعية التي أضرت اليمن طوال العقود الماضية، والمصالحة والاستقرار السياسي من خلال تعزيز الشراكة في إدارة الدولة، وثالثا الاعتماد على الذات في تقوية مؤسسات الدولة بمختلف قطاعاتها.

قد يعجبك ايضا