مثّل نموذجاً مشرّفاً للمسؤولية وقدوة لكل من حوله في التواضع والشجاعة والإنسانية
الشهيد صالح الصمّاد.. رئيس من الشعب للشعب
كرّس كل جهده وبذل طاقته وسخّر وقته لخدمة الناس وسماعهم والدنوّ منهم لتلمّس أوضاعهم
عمل على بناء دور القبيلة اليمنية في الوقوف إلى جانب الدولة ضد أعداء الوطن
منذ انطلاقته في المسيرة القرآنية، حمل الشهيد صالح علي الصمّاد، على عاتقه، هموم الناس وقضاياهم، وأعطاها الأولوية في كل جهد وعمل قام به من منطلق المسؤولية التي تعاظم دورها وزادت اتساعاً مع وصوله إلى رئاسة المجلس السياسي الأعلى في أغسطس من العام 2016م، حيث مثّل المنصب بالنسبة له “مسؤولية” يجب أن تسود كروحية لدى كل مسؤولي الدولة.
تلك النظرية الواقعية التي خطا الصماد عليها لم تكن قبل في قاموس من تدفع بهم الأقدار أو سواها للوصول إلى المكان الذي حمله الشهيد لـ 17 شهراً في ظروف هي الأصعب والأحرج في تاريخ اليمن؛ فقد كان السائد لدى الجميع أن الوصول إلى هرم السلطة مكانة تتيح لصاحبها وحزبه وعشيرته وزمرته العبث بمقدرات وثروات وسيادة الوطن وتسخير الشعب لخدمة السلطة في الوقت الذي ينال أبناؤه الأذى والقمع والتسلط.
الثورة /عبدالقادر عثمان
ليس كسابقيه
بالنسبة للصمّاد كان الأمر مختلفاً؛ إذ كرّس، خلال مدة توليه رئاسة البلد، كل جهده وبذل طاقته وسخّر وقته لخدمة الناس وسماعهم والدنوّ منهم لتلمّس أوضاعهم، والنهوض بالبلد من الحالة البائسة التي أوصلته إليها أنظمة الحكم السابقة وما تلى الثورة عليها من عدوانٍ يهدف إلى إعادتها بشكل أسوأ، كما حرص على رفع مستوى البلد عسكرياً ومعيشياً واقتصادياً وعلمياً وثقافياً وبناء الوعي وإعادة تماسك المجتمع الذي فككته الأنظمة المتعاقبة، وكسر حاجز الرعب والإذلال السابق بين المجتمع والدولة.
لم يكن ذلك بالأمر السهل، خاصة أن الدولة إلى ما قبل ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014م، كانت رهينة قرارات سفارات الدول التي لم تكتف بتجنيد المسؤولين لخدمتها، بل عملت على زرع خلاياها في كل مفاصل الدولة، وكانت مهمّة الحفاظ على سير المشروع التصحيحي دون إخلال تتطلّب ذكاءً وحنكةً وجهوداً مضاعفة، كما تحتاج إلى أن يكون الرئيس على اطلاع عن قرب بكل شيء، وأن يحمل من صفات التواضع والشجاعة ونبل الأخلاق ما يجعله نموذجاً للمسؤولية وقدوة لكل من حوله، وهو ما جسّدته صفات “أبو الفضل”.
عطاء وعطاء
كان الصمّاد قبل التحاقه بالمسيرة القرآنية في فجرها عام 2002م، معلّماً لعلوم القرآن الكريم وخطيباً في قومه، ثم أصبح قائداً ميدانياً يحمل همّ أمته ويحظى بمحبة واحترام كل من حوله، ويملك من الاندفاع والمسؤولية ما أهّله لأن يكون ذات يوم رئيساً للبلد، بيد أن المهمة التي حملها أخذت منه دون أن تعطيه شيئاً، عدا محبة اليمنيين، سوى ذلك فقد شغلته حتى عن أبيه وأمه وجميع أهله، كما تحدّث والده، علي محمد الصمّاد، في آخر حوار له، وهو الذي لا يشغله عن أسرته شيء هامشي، بل يشغله أمر عظيم في خدمة وطنه وشعبه والدفاع عنه، كما يضيف أيضاً.
في وصيته وهب الصمّاد كل شيء في سبيل الله، فجاء نصّها “أنا وما معي وما أملك في سبيل الله. وهذه وصية لأبي وأمي وإخوتي وأولادي، وأطلب المسامحة منهم وسيغنيهم الله من فضله”، وكان قد دمّر العدوان منزل والده وفقد ستة من نساء أسرته واثنين من إخوته، وبات يقطن منزلاً بالإيجار في صنعاء كغالبية سكان اليمن الفقراء، حتى أنه تحدث في آخر كلماته، عن أنه لو استشهد يوماً لن يجد أبناؤه نهاية الشهر مكاناً ينامون فيه.
اهتمام بالشعب
لقد حرص الصمّاد على الاهتمام بالشعب اليمني؛ فكان المبادر لمحاربة الفساد في مختلف الجهات الرسمية والحازم في ضبط المتلاعبين والجشعين من التجّار والاستغلاليين؛ للتخفيف من معاناة الناس، والناصح في كل خطاباته بالعودة إلى الله والتمسّك بهديه، كما كان له السعي الحثيث في تأسيس دولة النظام والقانون التي تنعكس بشكل إيجابي على المواطن؛ فقد كان يرى أن اليمن في أمسّ الحاجة إلى بناء حقيقي للدولة، من منطلق معناها الحقيقي من “أنها دولة للشعب وليس شعباً للدولة”، وهو البناء الذي يمكن من خلاله تحقيق الاكتفاء الذاتي للبلد.
وفي الوقت الذي كان ينسب فيه كل الصمود والانتصارات إلى تضحية الشعب، كان أيضا يرى أن الدولة لم تقدم له شيئًا سوى مواجهة للعدوان؛ “لأننا تبنينا موقف الشعب ووقفنا موقف الشعب الذي ضحى بأغلى ما يملك، والشعب هو الرافد الكبير، وعندما تلاحم الشعب والدولة صمدنا وصنعنا هذا الصمود الأسطوري”، بحسب ما جاء في أحد خطابات أبريل الأخير للشهيد، وهو بذلك يرفض أن يكون اليمني محل استغلال أي مسؤول في الدولة كما أضاف خطاباته “الذي لا يزال يحاول ينهب، أو يحاول أن يحصل على أرضية، أو يبنى له بيتًا، ورجال الله يقدمون أعضاءهم في الجبهات ويقدمون أرواحهم في الجبهات فاكتبوا على جبينه سارقاً كائناً من كان”.
مشروع الدولة
خلال مدة توليه السلطة، بقي الصمّاد في سباق مع آلة العدوان المدمّرة، غير أنه كان يمضي في الاتجاه المعاكس لها؛ فكان أول المتفقدين لأحوال المواطنين المتضررين من غارات الطائرات، وأول المساهمين في التخفيف من آلامهم وأوجاعهم، والمتفقّد لسير العمل في مؤسسات الدولة والمرابط في جبهات القتال على الحدود وفي البحر، والمتنقل بين المحافظات والمدن للاختلاط بالمواطنين وتلمّس معاناتهم، والساعي لتطوير القدرات العسكرية والمحفّز على الصمود والفاتح طرق الوصول إليه لكل أبناء الوطن، والحريص على توفير مرتبات الموظفين بقدر المستطاع.
لم يكتف الصمّاد بالحال الذي صمدت اليمن عليه لثلاثة أعوام في وجه العدوان، بل ظل يعمل من أجل النهوض والتحوّل الاستراتيجي المبني على المنهجية المدروسة المزمّنة؛ فانبثقت من زروع كفيه الرؤية الوطنية لبناء الدولة (يد تبني ويد تحمي)، كخطة عمل تكون بمثابة اللبنة الأولى لبناء اليمن الحديث، الذي يلبي طموح وتطلعات الشعب على المستوى الأمني والعسكري والاقتصادي والزراعي والمعيشي والعلمي والطبي، وكل مناحي الحياة.
مع الشعب
لقد حافظ الصماد على علاقته المتينة بالشعب من خلال انتمائه إليهم، وكان له الدور الأمثل في حل نزاعات وثارات القبائل المتناحرة، والتي ظل النظام السابق يغذي صراعاتها لعشرات السنين، كما عمل على بناء دور القبيلة اليمنية في الوقوف إلى جانب الدولة ضد أعداء الوطن، بعد أن كادت القبيلة تفقد مكانتها وتأثيرها الإيجابي وتتحول إلى أداة بيد الخارج.
ومن أهم ما امتلكه الشهيد صالح الصماد من الصفات، السماحة والحلم والعفو عند المقدرة، ولعل قرارات العفو التي أعقبت فتنة ديسمبر 2017م– وما سبقها وما تلاها من أحداث ممولة من قبل دول العدوان – بحق المرتزقة المتورطين في الأحداث الدامية، لخير دليل على ذلك.
بطاقة ووطن
جاء الصمّاد من رحم المشروع القرآني مستشعراً مسؤوليته حاملاً قضية أمته وثائراً مع شعبه وصادقاً مع نفسه؛ فاصطفاه الله شهيداً، بعد أن خلّد اسمه في أنصع صفحات التاريخ كأيقونة ثورة تعانق النقوش الحميرية القديمة، وترك أثراً في قلوب كل اليمنيين رئيساً منهم ولهم.