لا يجيدون سوى الهدم!! 

كان بوسع أحزاب اللقاء المشترك تحقيق الحضور المشرف لنفسها في الساحة الوطنية¡ وأن تصبح لها قاعدة شعبية واسعة بين صفوف الجماهير¡ لو أنها مارست دورها كمعارضة ناضجة وعقلانية ومسؤولة¡ واستوعبت أن المعارضة هي الوجه الآخر للسلطة¡ وأن السبيل الوحيد للوصول إلى الحكم في ظل الديمقراطية والتعددية السياسية هو الحصول على ثقة الناخبين عبر صناديق الاقتراع¡ والتنافس الإيجابي والسلمي البناء في البرامج¡ والاحتكام لإرادة الشعب.
وكان بوسع هذه الأحزاب أيضا◌ٍ اكتساب مكانة أفضل وأن تعزز وجودها في أوساط الناس لو أنها كرست كل جهودها من أجل الارتقاء بالوطن وخدمة أبنائه¡ وصيانة ثوابته والحفاظ على أمنه واستقراره¡ وسخرت كل طاقاتها للبناء وليس الهدم وإنجاز أهداف النهوض بدلا◌ٍ من إهدار وقتها وقدراتها في أساليب التعطيل وإعاقة توجهات التنمية¡ ومسارات الاستثمار والخطوات المبذولة للتغلب على معضلتي الفقر والبطالة.
وكان بوسع أحزاب اللقاء المشترك أن تغدو شريكا◌ٍ فاعلا◌ٍ وأن تجعل نفسها نموذجا◌ٍ رائدا◌ٍ لو أنها اتجهت إلى تقويم ذاتها¡ وإصلاح اعوجاجاتها وتصويب انحرافاتها التي تسببت في عزوف الناس عنها وعدم الاكتراث بها¡ والامتناع عن التصويت لها ومقاطعتها وفقدان الثقة بها¡ بدلا◌ٍ من إيغال هذه الأحزاب في المزايدات والمناكفات¡ وافتعال الأزمات وإشعال الحرائق¡ والتماهي مع الخارجين على النظام والقانون¡ من العناصر التخريبية والإرهابية والانفصالية وقطاع الطرق والقتلة¡ والتحريض على العنف والممارسات الضارة بالوطن وأمنه واستقراره ومصالحه العليا.
وإمعان هذه الأحزاب في تكرار أخطائها وعدم التعلم من الدروس¡ كان كافيا◌ٍ لكي تستنزف من داخلها وتتسع الثغرات في هياكلها وتطغى السلبيات على مجرى أدائها¡ لتتحول إلى مجرد دكاكين سياسية يتحكم بها نفر من المصلحيين والنفعيين وتجار الأزمات¡ الذين استوطنت في نفوسهم الأحقاد والضغائن والعقد المزمنة¡ ولم يعد لهم هدف ولا غاية سوى اللهث وراء مصالحهم الضيقة والأنانية¡ ولو كان ذلك على حساب المصالح العليا للوطن وسمعة أحزابهم¡ التي كانت مع الأسف الشديد المتضرر الأكبر من تلك القيادات¡ التي لا تعلم ماذا تريد¡ وإلى أي اتجاه تسير¡ وإلى أي منزلق أو هاوية تدفع بأحزابها¡ وأي نفق تقود الوطن إليه.
إن نظرة واحدة إلى أداء وتصرفات هذه القيادات الحزبية تؤكد أنها قد اختزلت تلك الأحزاب في شخوصها¡ وصارت تمارس عليها الوصاية بأبشع صور الديكتاتورية والشمولية.
وما من شك أن قيادات بهذه الذهنية عطلت آليات الديمقراطية داخل أحزابها¡ وسلبت قواعدها وكوادرها حق التعبير عن آرائهم ومواقفهم حيال المنهجية التي تدار بها أحزابهم¡ لا يمكن لها أن تمارس الديمقراطية مع غيرها¡ أو تؤمن بأخلاقيات وتقاليد الممارسة الديمقراطية¡ أو يصبح لها نهج واضح تستطيع من خلاله القيام بدورها بعيدا◌ٍ عن أساليب الالتواءات والرقص على الحبال والتقلبات في المواقف¡ والتناقضات التي اعتادت عليها¡ فهي من تدعو إلى الحوار وفي ذات الوقت تنقلب عليه وتطالب بتطبيق الأنظمة والقوانين فيما تحرض الخارجين عليها على التمادي ونشر الفوضى وإقلاق السكينة العامة وزعزعة الأمن والاستقرار¡ وإذا ما قامت الدولة بواجباتها ومسؤولياتها في زجر هؤلاء العابثين¡ كانت أول من يدافع عنهم¡ وأول من يسعى إلى توفير الحماية لهم.
ومن خلال هذين المثالين فقط نتساءل: هل بإمكان قيادات بمثل هذه العقليات أن تبني أحزابا◌ٍ ناضجة ومسؤولة أو تجعل من هذه الأحزاب مدارس تشع بفكر الديمقراطية وثقافة حرية الرأي والتعبير¿.
وهل ينتظر من قيادات حزبية بمثل هذا التفكير أن تبني وطنا◌ٍ أو تصنع إنجازا◌ٍ أو تحمي ثابتا◌ٍ¡ أو ينتظر منها خير◌َ وهي التي أعمتها مصالحها وأهواؤها وأطماعها وماتت ضمائرها وصارت لا ترى إلاø نفسها¡ ولا يهمها الوطن بأي شكل من الأشكال..¿
بالتأكيد أن من لا يجيدون سوى الهدم يصعب عليهم أن يكونوا بناة أو أدوات بناء¡ وهؤلاء هم أول من ينتحر على مذابح نزواتهم ونزعاتهم المغامرة والمقامرة¡ طال الزمن أو قصر.

قد يعجبك ايضا