لم يكن الجنوب بعيدا عن العدوان والحصار ، بل وضع العدو اليمن بشكل عام تحت دائرة الاستهداف مستهدفا الارض والانسان ومرتكباً أبشع الجرائم بحق اليمنيين ، هذا التقرير يقدم جانباً من التحولات الخطيرة التي شهدها المشهد الجنوبي خلال خمس سنوات من العدوان والحصار:
تقرير / سمير حُميد
من خلال متابعة الاحداث في الجنوب وتوثيقها وتحليلها تبين لنا ان هناك توافقاً بين دول تحالف العدوان السعودية والإمارات على احتلال الجنوب والاستئثار بقراره وتنهب ثرواته وتدمير مقدراته وإذلال أهله ، واستدعاء التنظيمات الارهابية والداعشية إليه لاستخدامها كغطاء للاستعمار الجديد الذي استخدم عناوين مختلفة الاولى كانت إعادة ما يسمى “الشرعية” وتم اقتحام عدن والسيطرة عليها من قبل الإمارات تحت هذا العنوان وتمت تصفية خصوم الاحتلال الإماراتي من علماء وشخصيات دينية وعسكريين وشخصيات اجتماعية وقوى شبابية وسياسية بالاغتيالات في شوارع عدن التي خضبها المحتل بدماء أبنائها واستخدم مرتزقة أجانب لتنفيذ مسلسل الاغتيالات في عدن والمحافظات الجنوبية ، وبالتزامن مع تنفيذه المسلسل الدموي عمل على تفكيك كافة القوى الجنوبية وتمكن بالمال والسلاح من تفكيك الحراك الجنوبي المطالب باستعادة الدولة، وتحويله إلى حراك مسلح ليسخر فيما بعد شباب الجنوب لخدمة أجندته من خلال إنشاء مليشيات لا ولاء لديها للوطن وانما ولاؤها للمحتل الإماراتي ، وخصص مبلغ ٤٨ مليار ريال سعودي لإنشاء تشكيلات عسكرية وأمنية مليشاوية تجاوز عدد أفرادها ٩٠ ألف عنصر ليحولها فيما بعد إلى عصى غليظة يستخدمها لفرض سيطرته على الجنوب والقتال في الساحل الغربي لتحقيق أجندة أمريكية وبريطانية وصهيونية في باب المندب .
وخلال السنوات الماضية تمكن المحتل من إجهاض القضية الجنوبية وحوَّلها إلى أداة ابتزاز وصراع ، حيث يبتز بها صنعاء اثناء الحوارات السياسية ويستخدمها لامتصاص غضب الجنوبيين تارة بإتاحة المجال لها بارتكاب جرائم عنصرية كقتل أبناء الشمال وترحيل الآلاف منهم واستلاب اموالهم وحقوقهم المشروعة في الجنوب .
خلال الفترة الماضية ايضا، استخدم المحتل الإماراتي سياسة ارهاب الدولة والبطش لإخضاع مدينة عدن لسيطرته بقوة السلاح فأنشأ ٢٧ سجناً سرياً واعتقل الآلاف من أبناء الجنوب واستخدم سياسة ترهيب السكان من خلال المداهمات للأحياء السكنية ليلاً واطلاق النار من مختلف الاسلحة الخفيفة والمتوسطة لكي يثير الرعب والخوف في أوساط المدنيين ، ونفذ مخططاً لضرب وحدة الصف الاجتماعي الجنوبي، ففرق القبائل عن بعضها وزرع العداوات والضغائن بينها ، متبعاً سياسة المحتل البريطاني “فرق تسد وتسود على الجميع” ، وخلال نفس الفترة تعمدت الإمارات تدمير سمعة ومكانة وحركة ميناء عدن لصالح موانئها .
وتحت عنوان إعادة ما يسمى الشرعية ، احتلت الإمارات جزيرة سقطرى وعبثت بخيراتها وأقلقت سكينة أهلها واستغلت غياب الدولة في الجزيرة وسلمية اهلها ، لتفرض سيطرتها الكاملة وتقوض السلطات المحلية وتستحوذ على قرار الجزيرة ، ووصل الامر بالمحتل الإماراتي حد تعامله مع سكان وزوار الجزيرة تعامل احتلال كامل الاركان وأصبح يرى أن الجزيرة إماراتية وليست يمنية وسط صمت حكومة الفار هادي .
وخلال السنوات الماضية عملت الإمارات على إثارة الصراعات والخلافات في شبوة وحضرموت وأبين وحاولت ان تفرض سيطرتها على السواحل الجنوبية والشرقية ، حتى وصل الامر إلى تصادم مصالحها مع مصالح السعودية في شبوة وحضرموت والمهرة وهي المحافظات التي للرياض مطامع قديمة فيها، فشل الملك فيصل بن عبدالعزيز في ستينيات القرن الماضي بتنفيذها وحاول ان يوقع اتفاقيات لإقامة ما يسمى بالإقليم الشرقي الذي يعد اليوم هو نفسه اقليم حضرموت والذي تم إقراره بمؤتمر الحوار الوطني بصنعاء عام ٢٠١٤م برعاية سعودية، والاقليم الشرقي الذي عملت الرياض على إحيائه بعد خمسين عاماً من فشله يضم شبوة وحضرموت والمهرة، ولأن المهرة محافظة قبلية ترفض الخنوع والاحتلال وكانت سلطنة آل عفرار مثلها مثل سلطنة عمان التي كانت ولاتزال تحت حكم اسرة آل سعيد ، قاوم المهريون المطامع السعودية بشدة خلال العقود الماضية فسعت الاخيرة إلى استغلال ضعف وخنوع حكومات صنعاء إلى السيطرة على ٤٠ الف كيلو متر من اراضي المهرة فضمت اكثر من ٣٥ الف مهري يتحدثون اللغة المهرية إلى ارضها وقضت على منطقة الخراخير التي كانت منذ الأزل يمنية الهوي والهوية والتاريخ، وخلال فترة العدوان استخدمت الرياض عنواناً مختلفاً عن عنوان الإمارات في عدن ، وتدخلت عسكريا في المهرة تحت ذريعة إعادة الاعمار وفي الوقت الذي لم تنشئ حتى اليوم مشروعاً واحداً منذ عامين أنشأت ٣٣ معسكراً وأسست مليشيات موالية لها ، وواجهت رفض قبائل وابناء المهرة لوجودها العسكري بالقوة والتحدي.
وخلال العام الخامس للعدوان عملت السعودية على تعزيز حضورها العسكري في جنوب اليمن ،من خلال استغلال الخلافات والصراعات بين اطراف الارتزاق في عدن بعد حرب أغسطس التي اشعلتها الإمارات ضد مرتزقة حكومة الفار هادي ومليشيات حزب الاصلاح في عدن وأبين وشبوة ، وبعد احتلال عناصر مليشيات الانتقالي في عدن لعدن وتمكنها من السيطرة على كافة معسكرات حكومة الفار هادي والسيطرة على قصر المعاشيق وطرد تلك الحكومة والسيطرة على أبين وشبوة دفع الاصلاح بالآلاف من ميليشياته لمقاتلة عناصر الانتقالي بتوجيهات سعودية واستعادة محافظة شبوة التي تعد محافظة نفطية وترى الرياض أن دخول الانتقالي اليها والسيطرة عليها يعد تحدياً لمطامعها القديمة في تحقيق أهدافها الاستعمارية وضم الاقليم الشرقي الى اراضيها.
ولذلك بعد احداث وحرب عدن وابين وشبوة الاخيرة التي جرت أواخر العام الماضي تمكنت السعودية من الحصول على غطاء جديد لتواجدها العسكري في الجنوب وانتقلت ظاهريا من دور إعادة ما يسمى الشرعية وإعادة الاعمار إلى الوصي وصاية كاملة وفق بنود ما يسمى اتفاق الرياض الموقع في الخامس من نوفمبر عام ٢٠١٩م بين مرتزقة الامارات ومرتزقة السعودية والذين وافقوا علنا على ان يتنازلوا عن اي قرار لهم وان يتحولوا إلى مجرد منفذين يؤمرون وليس لهم اي قرار او خيار غير التنفيذ لما تمليه عليهم الرياض تحت ذريعة تنفيذ اتفاق الرياض الذي تحوَّل إلى غطاء كبير لإدخال عشرات الشحنات العسكرية السعودية إلى مدينة عدن وتشديد الخناق على ابناء المهرة والتوسع عسكريا فيها والبدء بإنشاء انبوب نفطي لمد النفط السعودي إلى بحر العرب ، ولعل قيام القوات السعودية المحتلة بالسيطرة الكاملة على ميناء نشطون التابع للمهرة يمثل دليلاً على اصرار الرياض بتنفيذ ذلك المشروع السعودي الذي ينتهك السيادة الوطنية .
خلال خمس سنوات من العدوان ارتفعت فاتورة الاحتلال في المحافظات الجنوبية ، فتدهورت الخدمات العامة وازداد الوضع الإنساني سوءاً، وغابت سيطرة حكومة الفار هادي الحقيقية وانتقلت من شكلية منزوعة القرار إلى غائبة لا وجود لها في الجنوب .
ولذلك يمكن القول ان عاصفة الحزم التي انطلقت عام ١٩٦٧م في شرورة والوديعة بقيادة الامير سلمان بن عبدالعزيز هي نفسها اليوم تعود للجنوب في عهد مملكته .
فتحالف العدوان يتواجد اليوم في الجنوب كمحتل وليس كحليف لأبناء الجنوب او ما تسمى بحكومة الفار هادي .