غارات جوية وقصف بالمدفعية والدبابات والكاتيوشا، وفضاء يعُجُّ بصراخ الأطفال والنساء
تفاصيل (كربلاء اليمن) واللحظات الأخيرة في حياة “سيد الشهداء”
جرف سلمان.. البقعة التي شهدت اشتعال فتيل المقاومة ضد المشروع الأمريكي الاستعماري الجديد
بكل قوته شن النظام في ذلك اليوم ناره على منطقة مران.. ويحكي الأهالي كيف انه في يوم استشهاد السيد حسين بدر الدين.. اهتزت أرضُ مران وما جاورها جراء قصف القوات العسكرية بالأسلحة الثقيلة وقصفها المدفعي وقصف الدبابات والكاتيوشا، بالإضافة إلى الغارات الجوية، وكيف انه مع دوي تلك الأسلحة كانت مران تعُجُّ بصراخ الأطفال والنساء، فهناك طفل يبحث عن أمه وسط الغبار، وهنا طفلة مغشي عليها، وأم تبحث عن مأوىً لها ولأطفالها، وأسر تحاول أن تتوارى عن القصف وتحتمي منه بكهف أو ببرك المياه، التي كانت تستخدمُ لاستقبال مياه الأمطار، أو صخرة كبيرة تأويهم من نيران القوات العسكرية.. يوم دام من القصف والمعاركُ الشرسةُ.. في سؤال المذيعةُ في إذاعة BBC البريطانية عن الأوضاع التي تعيشها مران في تلك اللحظات، فأجاب السَّـيِّـد حسين بالقول: “الحرب مستمرة في الليل والنهار، ضرب بالطائرات وبالصواريخ وبالمدافع وبالدبابات وبالرشاشات بمختلف أنواع الأسلحة وبشكل مكثف في الليل وفي النهار، الحرب مستمرة، الحصار”.
في حرب ظالمة تشنها الدولة على مواطن من رعاياها بتلك الطريقة التي لخصها الشهيد القائد في إحدى المقابلات الصحفية بقوله: أنهم لم يراعوا حرمة طفل أو امرأة أو مسجد وإنهم صبوا في يوم واحد على منطقة مران أكثر مما ببهّ الأمريكيون على الفلوجة أثناء احتلالهم للعراق.
قاتَلَ سلام الله عليه حتى الرمَـق الأخير.. ولم يستسلمْ أبداً حتى استشهد.. وباستشهاده توقّفت حربُ صعدة الأولى، وظن النظامُ أنه قضى على المنهجِ الفكريِّ القُــرْآني للسيد القائد الشَّـهِيْد، غير أن المشروعَ استمر.
الحقد الأمريكي ظهر هناك بصورته العارية من الرتوش والتجميل، حينها أعطى السفير الأمريكي الحق لنفسه بوصف الوضع بأنه تمرد.. أدموند هول في مقابلة مع صحيفة 26 سبتمبر 22 يونيو 2004، حيث قال بالحرف الواحد: (إن ما يقوم به الحوثي هو تمرُّد مجموعة محدودة ضد الحكومة، ومن المهم السيطرة عليها، وما تقوم به الحكومة واضح ومقبول، وإن تواجد مجموعة مسلحة تقف خارج القانون وخارج سيطرة الحكومة أمر مرفوض والحكومة الـيَـمَـنية تستحق فعلاً دعماً من المجتمع الدولي.
آخر الكلمات
(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) هي آخر الكلمات التي نطق بها السيد حسين بدر الدين الحوثي قبل استشهاده كما روى من حظروا تلك اللحظات المفجعة والمفزعة للقيم الإنسانية والمثل وللمواثيق الموضوعة.
سيروي التاريخ تلك الحكاية باعتبارها واحدة من الشواهد على طغيان الإنسان حين يصير فريسة لأهواء الدنيا مستسلما للشيطان.. سيروي كيف انه لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور..
كيف أنهم في الأيام الأخيرة من الحرب الأولى عام 2004م حوصر السيد وأطفاله ونساؤه ومن تبقى معه من الجرحى في جرف سلمان في ظل انعدام تام للغذاء والدواء مع قصف وحشي وهمجي بالطائرات والمدفعية والصواريخ ثم قاموا بضرب الجرف بأنواع مختلفة من الغازات المحرمة واستخدموا الألغام شديدة الانفجار وقطعوا أنبوب الماء وضخوا مادة البنزين إلى داخل الجرف ثم قاموا بتفجيره وإشعال النار فيه وخلال ذلك سقط عدد من الشهداء والجرحى من الأطفال والنساء كما أصيب السيد بجراحات مختلفة جراء سقوط الصخور داخل الجرف .. ولولا رعاية الله ولطفه الله لمات كل من بداخل الجرف من النساء والأطفال والجرحى وبعد أن أعطوه الأمان خرج السيد وهو مثخن بالجراح لا تحمله قدماه وإنما يعتمد على بعض مرافقيه وخرج أطفاله ونساؤه ثم قاموا بإطلاق الرصاص على السيد من كل جهة وأعلنوا قتله ومعه عدد ممن كانوا معه من المؤمنين وذلك في يوم 26 من شهر رجب عام 1425 هـ الموافق 10 من سبتمبر 2004م.
ولم تكتفِ السلطة الظالمة بهذه الجريمة المروعة بل عمدت إلى إخفاء الجثمان ونقله فوراً إلى القصر الرئاسي بصنعاء وظلت ترفض تسليمه أو الإفصاح عن مكان جثمانه في تصرف مناف للأخلاق والقيم الإنسانية التي يدّعونها، وهو الأمر الذي فسره الكثير بأنه جرى نزولا عند رغبة الأمريكيين وبعض الدول والأخرى التي تسير في فلك المشروع الأمريكي، واستمرت السلطة في مماطلتها، وظل جثمان السيد الشهيد حبيساً في سجونها حتى انفجرت ثورة الشعب السلمية المباركة في العام 2011م وبعد جهود مضنية ومساع حثيثة كشفت السلطة عن مكان الجثمان.. حسب ما جاء في بيان نعي الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي.
في الثامن والعشرين من ديسمبر للعام 2012م سلمت السلطة جثمان الشهيد، ليتم بعد ذلك التأكد منها عن طريق أولاده وأقاربه ومن كان معه في اللحظات الأخيرة في جرف سلمان ومن خلال الملابس التي كان يرتديها قبيل استشهاده، ثم عن طريق فحص الحمض النووي التي أثبتت جميعها أنها مطابقة.. جاء في بيان النعي: محتسبون ذلك في سبيل الله ومن أجل إعلاء كلمته ننعي شهيد الأمة إلى كل المسلمين في العالم مؤكدين أن الأمة الإسلامية خسرت خسارة فادحة بفقد هذا الرجل العظيم الذي يمتلك رؤية حكيمة مستوحاة من القرآن الكريم فيها الحل والمخرج لمعاناة الأمة الإسلامية في مرحلة الأمة أحوج ما تكون إلى من يقدم لها المواقف القوية في مواجهة البغاة والمعتدين.. حقا لقد فقدت الأمة الإسلامية أحد رجالها العظماء ممن حملوا مسؤولية الدين وهم المستضعفون ومعاناتهم وعلى رأسها معاناة الشعب الفلسطيني واحتلال القدس الشريف ولاقى في سبيل ذلك كل الصعاب محتسبا ذلك لوجه الله وابتغاء مرضاته حتى وصل به الحال إلى التضحية بالنفس والمال والأهل من أجل الحق، إننا نؤكد أن أمريكا والنظام الظالم ومن تعاون معهم .. لم يكسبوا من وراء حقدهم على هذه المسيرة القرآنية وقتلهم لقائدها العظيم سوى الخسران والبوار فقد تكلل مشروعه القرآنية بالنجاح وأصبح الكثير من المسلمين يسيرون خلف هذا المشروع العظيم ويلمسون صدق ما تحدث به الشهيد القائد من خلال القرآن الكريم في مواجهة الاستكبار العالمي والأنظمة المستبدة وسيبقى هذا التوجه قائما منتصرا وظافرا بمشيئة الله تعالى القائل في كتابه الكريم (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين) وستظل دماؤه الزكية تجري في عروق الأحرار لتتحول إلى بركان غضب تقضّ مضاجع الطغاة والمستكبرين حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وصدق الله القائل (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).
وفي اليوم الموافق لليوم الذي استشهد فيه في تاريخ 26 من شهر رجب 1434هـ الموافق 5 من يوليو 2013م جرى تشييع جثمانه الطاهر.