وزارة الأوقاف تتخذ إجراءات قضائية لاستعادة أراضيها
70% من أراضي العاصمة صنعاء تابعة للأوقاف والنهب والتزوير طال مساحات شاسعة حرمة التعدِّي على أملاك الدولة كحرمة التعدّي على مال الوقف
مع تزايد حالات الاعتداء على ممتلكات الأوقاف وجهل البعض بحرمتها وما يتصل بإدارتها قانونيا قامت وزارة الأوقاف باتخاذ بعض الإجراءات لاستعادة أراضي وعقارات وممتلكات الأوقاف بأحكام قضائية للحفاظ عليها والعمل على تطوير مواردها وتصريفها، حيث أشارت العديد من وثائق المسودات الوقفية المحررة منذُ مئات السنين وتحتفظ بها وزارة الأوقاف ومكتبها بأمانة العاصمة إلى أن 70 % من أراضي العاصمة صنعاء تابعة للأوقاف.. إلى التفاصيل:
الثورة / أمل الجندي
تسعى وزارة الأوقاف إلى تصحيح أوضاع المنتفعين واستعادة الأراضي والعقارات المنهوبة والحد من جرائم النهب والاعتداء التي كانت تتعرض لها أراضي الأوقاف في العاصمة صنعاء والمحافظات، فضلا عن جرائم التزوير التي طالت الكثير من املاك الأوقاف، تجاوزا لحدود الله.
احدى صور تلك الجرائم ما تضمنته الوثائق المرفقة طي هذا التحقيق حيث تشير إلى قيام بعض المتنفذين ببيع مساحات كبيرة من الأراضي الموقوفة لصالح الجامع الكبير بصنعاء، وتلك الأراضي تقع في مديرية بني مطر بمحافظة صنعاء، وفقا لمذكرة مدير أوقاف محافظة صنعاء ، حيث طالت هذه الجريمة وغيرها من الجرائم عشرات الآلاف من أراضي وأملاك الأوقاف.
آلاف العقود
قامت وزارة الأوقاف بنشر إعلان عبر صحيفة “الثورة” وعبر الإذاعات تحذِّر من لديهم أراضٍ أو عقارات ينتفعون بها إما بعقود منتهية أو بلا عقود وإعطاؤهم فرصة شهر لتصحيح أوضاعهم مع الوزارة، حيث أكد عبدالله عامر مدير مكتب الأوقاف بالأمانة أنه ولكثرة العقود التي تم تقديمها إلى المكتب والتي تقدَّر بآلاف العقود، عملنا على خطة إنزال عشر لجان ميدانية بمثابة لجنة لكل مديرية في الأمانة وكل لجنة تحوي مكتباً مصغراً متكاملاً فيها المهندس والعامل والمحصل والقانوني وكان لهذا العمل أثر طيب وملموس حيث قفزت إيرادات الأوقاف في الثلث الأخير من العام 2019م، ونأمل أن يكون عام 2020م نقلة نوعية على مستوى أوقاف الأمانة.
استعادة أراض بأحكام قضائية
ولأن العديد من وثائق المسودات الوقفية المحرَّرة منذُ مئات السنين تشير إلى أن 70 % من أراضي العاصمة تابعة للأوقاف فقد تم الكشف من خلال النزول الميداني عن وجود 17 ألف عقد غير مجدَّد وهذا يعود إلى إهمال الجهات ذات العلاقة في الأوقاف وتقصير المنتفعين، كما تم ضبط المعتدين وتسوير الأراضي، وخلال العام المنصرم تم إيقاف وإصدار 273 عقد إيجار لأراضي الأوقاف بمساحة 2.251 لبنة عشاري كما تم مسح وإسقاط مساحات جديدة من أراضي الأوقاف بـ 5.879 لبنة عشاري، تم تجديد عقود بمساحة 1.119 لبنة، وإسقاط مساحات بنحو 1.341 لبنة في مختلف المديريات.
وبين عامر أنه تم إصدار 122 عقد إيجار مبان وقفية ورفع إيجارها الشهري، وأيضا إصدار 25 عقدا آخر منها 18 عقدا أضيفت لأصول مباني الوقف، إضافة إلى استعادة أراض وعقارات تابعة للأوقاف بأحكام قضائية وتأجيرها لمصلحة الأوقاف.
وأكد عامر أن المكتب أحال 146 قضية اعتداء على أموال الوقف للقضاء وتم التنسيق لعقد لقاءات مع وزارة العدل والجهات ذات العلاقة لإلزام الأمناء الشرعيين بعدم تحرير أي مكاتبات بأراضي وعقارات الأوقاف إلا بعد أخذ الإذن من المكتب.
إهمال ومخالفات
وعن المستأجر الذي يؤجَّر بالباطن لشخص آخر بأسعار كبيرة أشار عامر إلى أنه لا يجوز له أن يُأجَّر من الباطن, وإذا صح ذلك فإن العقد يعتبر ملغياً بدون الرجوع إلى أي جهة قضائية أو أي جهة ضبطية.
ولكن في الواقع تحصل مخالفات كثيرة نتيجة ازدياد عدد القضايا والإهمال إمّا من قِبَل الأوقاف ومكاتبها أو من قِبَل الجهات الأمنية بعدم تجاوبها في ضبط من يُخالفون عندما تطول الإجراءات القضائية حتى تُرهق مكتب الأوقاف ووزارة الأوقاف من المتابعة.
عقود منتهية
ولفت عامر إلى وجود كم هائل من العقود المنتهية تماماً منذ عشرين إلى أربعين سنة, وأحياناً قد يكون صاحب العقد الذي تم عقده مع وزارة الأوقاف قبل إنشاء مكتب الأمانة لم يجدِّد العقد وقد نقلها لواحد أو اثنين أو ثلاثة, وهناك من قام بتجزئة الأرض التي كانت مؤجَّرة له في السبعينيات.
على سبيل المثال: شخص أُجِّر له أكثر من 500 لبنة- وكان شخص نافذ في ذلك الوقت – على أساس أرض زراعية وعمل على تجزئتها وبيعها وكأنها ملكه, فقط إنما يحتاط في نهاية الأمر أنها وقف وعليه أن يراجع وزارة الأوقاف، وهكذا تنازل هذا الذي تنازل له لواحد آخر إلى أن وصلت لعدد من التنازلات, مع أنه مخالف لقانون الوقف الشرعي, ومخالف لشريعة الإسلام، لأنه لا يجوز للأجير أن يتصرَّف في العين المؤجَّرة بهذه الطريقة.
فيما للأسف الشديد هناك من يتصرف في أموال الأوقاف وليس له أي عناء, أحياناً أرض بيضاء كانت مزرعة, وقد عمل على تدميرها, ولم يعد فيها شيء من الزراعة لعشرات السنين, وما إن يأتي مشتر يريد أرضاً للبناء يبيعه بمائة مليون, أو مائتي مليون, وكأنها ملك أو إرث ورثها.
الأمناء ودورهم
لقد كان دور الأمناء حاضراً سواءً المعتمدين لدى وزارة العدل أو الذين يحرِّرون وهم غير معتمدَين حيث ساهمواْ مساهمة كبيرة في السطو وتيسير وتسهيل للنافذين وللباسطين على أراضي الأوقاف بالمحررات التي كانواْ يحررونها فيما بينهم.
وأوضح عامر أنه منذُ إبريل 2019م تم عقد لقاء موسع كبير بالتنسيق بين وزارة الأوقاف ووزارة العدل كخطوة أولى فيما يتعلق بأمانة العاصمة ومحافظة صنعاء بالأمناء الشرعيين والتعميم عليهم بأدبيات قانون الوقف الشرعي ولائحة التأجير الصادرة بقرار جمهوري ينظم شؤون إجراءات التأجير وأدبيات متكاملة ونماذج عمَّمت عليهم ليلتزمواْ بها, على الأقل من الآن وما بعد, وحتى نعيد للوقف أهميته واحترامه وقدسيته.
وقال: لقد تم تنفيذ خطوات إجرائية للحفاظ على حقوق الأوقاف وتصحيح أوضاع المنتفعين وتحصيل العائدات واستعادة أعيان الوقف المغتصبة وتحقيق مقاصد الواقفين، وحصر الوثائق إلكترونيا والنزول لمسح مساحات الأراضي غير المسجَّلة.
عقوبات قانونية
وعن العقوبات التي يفترض أن ينالها من يتعدى على أراضي وعقارات الوقف أوجز لنا كمال العميسي في القضاء اليمني أمين سر بعض المواد المحددة قانونيا حيث قال: لقد حدَّد القانون رقم 21 لسنة 1995م العقوبات على كل من قام بالسطو أو الأخذ أو المخالفة والاستغلال للوظيفة العامة بغرض الاستيلاء على أي جزء من اراضي وعقارات الدولة كونها ملكاً عاماً ومصلحة عامة ونظم القانون ذاته القواعد المنظمة لتملّك تلك العقارات.
وبينت مادة (4) : أن “كل عبث أو عدوان يقع على أراضي وعقارات الدولة يعتبر اعتداء على حق الدولة والمجتمع وعلى كافة أجهزة الدولة وسائر أفراد المجتمع والجهات غير الحكومية كل في ما يخصه طبقاً للقوانين النافذة صيانة وحماية أراضي وعقارات الدولة ويعاقب كل من ينتهك حرمتها وفقاً لأحكام هذا القانون”.
أما المادة (47) : “مع عدم الأخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على أربع سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرين الف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يعتدي بأي وجه من الوجوه على أراضي وعقارات الدولة المخصصة والمراهق العامة الواقعة في نطاق المدن وتكون العقوبة هي الحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات إذا صاحب الاعتداء استعمل القوة أو التهديد باستعمالها، أو تم ذلك اعتماداً على سلطة وظيفية أو استغلال للنفوذ أو الوجاهة وتتعدد العقوبات بتعدد الأفعال وتضاعف العقوبة في حالة العودة” .
كما أوضحت المادة (48): “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من حرَّض أو سهَّل أو أعان غيره على الاعتداء على أي من أراضي وعقارات الدولة وتم الاعتداء بناءً على ذلك، وتضاعف العقوبة إذا كان التحريض أو التسهيل أو الإعانة صادراً من موظف أو أكثر من موظفي المصلحة” .
وتنص المادة (49) على: “كل من منع أو أعاق موظفي المصلحة عن أداء واجباتهم أو اللجان المشكلة لأغراض تنفيذ أحكام هذا القانون أو عمد إلى اهانتهم أو أدلى بقرارات كاذبة أو مضللة أو بيانات غير صحيحة يترتَّب عليها الإضرار بممتلكات الدولة أو مستحقاتها يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين” .
أما المادة (50) فتؤكد أنه: “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين أو بغرامة لا تقل عن خمسة عشر الف ريال كل من أتلف أو نقل أو أزال أي محيط أو علامة معدة لضبط مساحات أو تسوية لأي أراضي وعقارات الدولة أو لتعيين الحدود الفاصلة بين هذه الاملاك وغيرها من الاملاك الخاصة وتكون العقوبة هي الحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات إذا صاحب ارتكاب الفعل استعمال القوة أو التهديد باستعمالها أو بقصد اغتصاب الأرض، ويلزم الفاعل في الحالتين بتحمل نفقات اعادة المحيط أو العلامة”.
مادة (51) : “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن ثلاثين الف ريال فضلا عن الفصل من الخدمة كل موظف تابع للمصلحة أو عضوا في لجنة مشكَّلة لتنفيذ أحكام هذا القانون عمد بحكم وظيفته أو المهام المناطة به إلى :
أ- تقديم أو اعطاء تقارير أو الأدلاء ببيانات أو معلومات كاذبة من شأنها الإضرار بممتلكات الدولة المشمولة بأحكام هذا القانون او مستحقاتها .
ب- طلب أو أخذ ما ليس مستحقا للدولة أو ما يزيد على المستحق لها مما انيط به تحصيله مع علمه بذلك”.
قانون الوقف المعدَّل
ومن جانبه أكد المحامي نشوان الباردة أنه من الواجب على الإنسان الشعور بالمسؤولية والخوف من الله تعالى وعقوبته، قبل العقوبة الدنيوية والقانون الوضعي أولاً، وثانيا إن قانون الوقف اليمني المعدل شدَّد العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد عن سبع سنوات كل من استولى بالقوة على عين موقوفة أو اعتدى بالهدم أو البناء في أرض أو ممتلكات الوقف وكل من تصرف تصرفاً ناقلاً للملكية عين من الأعيان الموقوفة ببيعها حراً أو غيره من التصرفات أو ساهم بكتابة عقد عن علم أو محرر بذلك.
وتابع: كذلك من أخفى أو أتلف أو غير أو اختلس أو سرق مستندا من مستندات الأوقاف التي يحتج بها أمام القضاء أو امتنع عن تسليمه إلى الجهة المختصة وكل من استولى بدون وجه حق على وثيقة من وثائق الأوقاف بالقوة أو النفوذ أو استغلال سلطته الوظيفية، وكذا كل من حرَّض أو أعان أو سهَّل للغير الاستيلاء على وثائق أو أعيان الوقف، وهو ما نصت عليه المواد 87 مكرر “1 ، 2” من قانون الوقف المعدل والمادة 88 و 88 مكرر والمادة 89.
حرمة التعدي على أملاك الوقف
وتعتبر حرمة التعدي على أملاك الدولة كحرمة التعدي على مال الوقف حيث أوضح العلامة حسين بن أحمد السراجي أنه على مدى عقود اشتهرت ثقافة البسط على أموال الأوقاف والدولة وكأنهما فيد حتى صارت ظاهرة وهذا من الجهل والتجهيل الذي نسأل الله البصيرة منه والهداية لمن يمارسه .
حيث لا يمكن أن يكون فساد الحكومات والأنظمة مبرراً لنهب أملاك الدولة والتعدي عليها والله يقول (( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ )) آل عمران 161، والغُلُول أخذ المال العام ونهبه وبالتالي فهو غاصب وقد ورد عن النبي صلوات الله عليه وعلى آله ما يكفي ويشفي .
وقال السراجي: من يعتدي على أملاك الدولة كأنما يأكل لحمه ويشرب دمه، فليتق الله اليوم دنيا وغداً آخرة ، وعلى الدولة فرض هيبتها واستعادة حقها وممارسة سلطاتها في هذا الأمر.