تجارة الأعضاء البشرية.. الجريمة الكاملة


إخلاص القدر ..كنية لفتاة هي إحدى الضحايا التي أجبرتها صعوبة الحياة وقسوتها على بيع إحدى كليتيها التي باعتها بالفعل لتتحول بعدها إلى مجرمة حملت على عاتقها مهمة الترويج لعصابة تبيع الأعضاء البشرية. واستسهلت خداع الناس واستغلت حاجتهم المادية لتلقي بالآلاف من أبناء جلدتها في براثن عصابة لا تعرف الرحمة طريقا إلى قلبها .. وبهذا النهج أصبحت إخلاص وهو اسمها الحركي من أهم وأكبر سماسرة المتاجرة بالأعضاء البشرية في اليمن.

**البداية ..كانت عندما استغلت «إخلاص» القدر اضطرت لبيع إحدى كليتيها لتتمكن من سد حاجتها المادية لتطمع بعدها بالمزيد فتتحول إلى عضو فاعل في أفراد العصابة من خلال استغلال جهل الناس وفقرهم وإقناعهم بأن هذا العمل ليس بحرام ولا عيب وكلية واحدة تكفي للعيش.
وتبدأ بسرد قصتها وكيف أنها سافرت وقامت ببيع كليتها واستلمت مقابل ذلك المال ومن خلاله استطاعت أن تودع الفقر للأبد وبهذا الأسلوب الذي يبتعد كل البعد عن معاني الإنسانية, استطاعت إخلاص أن ترسل الكثير من الضحايا إلى مستشفى وادي النيل بحدائق القبة بجمهورية مصر.
وفي آخر عملية حاولت إرسال صاحبها إلى ذات المستشفى تم إلقاء القبض عليها بعد فشل الضحية الأخير في خلق مبرر مقنع لسفره أمام رجال أمن المطار كما فعل من سبقه من الضحايا والذي احتجزت معه إخلاص القدر وزوجها ليتم تحويلهم بعدها للبحث الجنائي وما هي إلا عشرة أيام حتى أفرج عن أفراد تلك العصابة بحجة عدم وجود قانون يسمح بحجزهم وتجريمهم¿!!
مصير مشترك
( صقر ) رب أسرة أنهكه الفقر وأتعبه أكثر عدم حصوله على عمل يسد من خلاله حاجيات أسرته المعيشية فاضطر للعمل في إحدى فرزات الباصات لاستقطاب الركاب .
(أ-أ ) طفل في ربيعه الرابع عشر من عمره ترك مدرسته التي كان يحبها ويتفوق في صفوفها حتى يتم مخطط والده .
(صقر) و( أ-أ ) بالرغم من فارق السن الذي بينهما وتباعد المسافات التي تربط بينهما إلا أن الفقر جمعهما في خندق واحد ليجدا نفسيهما في الأخير بكلية واحدة وحالة نفسية متعبة بعد أن استطاعت تلك الأيادي الآثمة النيل منهما وإغرائهما بالمال مستغلين حاجاتهما الإنسانية للعيش بكرامة .
صقر وقع ضحية لإحدى عصابات الاتجار بالبشر حين أقبل عليه رجل استغل حاجته المادية فهو كما علمنا رب أسرة ووعده بشراء باص له شريطة أن يسافر إلى مصر وأن يتوجه إلى مستشفى وادي النيل ليلتقي بالدكتور أحمد…..) الذي سيستأصل كليته مقابل خمسة آلاف دولار!!
سافر صقر إلى مصر واستقبله هناك ( أبو ثائر )كما هو معروف بين متاجري الأعضاء (أردني الجنسية) وهو المسئول الأول عن استقبال الضحايا في المطار وتوفير المسكن لهم مصطحبا صقر إلى منطقة كفر بشارع الهرم بالقاهرة حتى تتم العملية التي أجراها صقر ويحصل على المبلغ المتفق عليه ثم العودة إلى اليمن لشراء الباص الخاص به .,
تزوير الجوازات
وعلى العكس تماما من صقر فقد أجبر (أ-أ) على السفر وترك دراسته لحين عودته من مصر بعد أن تكفل الوالد بتزوير جواز سفر ابنه الصغير من خلال زيادة عمره إلى 18 عاماٍ ليتمكن من السفر بمفرده ويبيع إحدى كليتيه التي سبق لوالده أن باعها قبل ذلك وبنفس الطريقة التي سافر بها صقر وبنفس الإجراءات وحتى قيمة الكلية التي باعها صقر باع الطفل ذو الرابعة عشرة عاما كليته بعد أن اجبره والده على ذلك !!
و كما جمعهما الفقر في البداية ليبيعا إحدى كليتيهما, جمعهما المرض في النهاية بعد أن باعا إحدى كليتيهما وتقاضيا المال مقابل ذلك.
صقر اشترى الباص وباشر العمل فيه لكنه تفاجأ بكثرة الأعطال الميكانيكية والحوادث التي لازمته طيلة فترة عمله بالإضافة إلى الآلام التي لم تفارقه من بعد إجرائه عملية الاستئصال ليظل يتخبط بين المهندسين ليصلح الباص الذي تخلى لأجله عن كليته وبين الأطباء لعلهم يخففون من الآلام التي ظلت تلازمه ليبقى كما كان فقيراٍ بالإضافة لكونه أصبح عليلاٍ.
أما الطفل (أ-أ) فبعد عودته رمى المال في وجه أبويه وقال لهما: (خذوا المال الذي بعتموني لأجله), ومنذ عودته وهو يعاني من أزمة نفسية وشعور بالنقص وعدم قدرته على مجاراة أصدقائه كل هذا ألزمه المنزل ليعيش وحيداٍ بين أربعة جدران .
زلة لسان
الذاهبي شاب يبلغ من العمر 20 عاماٍ يعمل سائقاٍ لإحدى الدراجات النارية بأمانة العاصمة يقول: بعد أن صعد معي على متن دراجتي لأنقله إلى بغيته بدأ يتكلم معي عن ظروفي المادية وأخبرته حينها أني مستأجر لهذه الدراجة لكي أساعد أسرتي على توفير لقمة العيش ليسكت قليلا ثم يقول لي: إني قد أعجبته لقوة جسدي ونشاطي وأنه بمقدوره أن يوفر لي وظيفة أحصل من خلالها على ثلاثة آلاف دولار شهرياٍ ففرحت حينها وطلبت منه أن يعطيني تفاصيل أكثر عن هذه الوظيفة فقال لي إنها في ليبيا ولكن يجب أن نسافر أولاٍ إلى مصر ومن ثم نعبر براٍ لنقصد ليبيا وأن الوظيفة هي أن أقاتل في صفوف كتائب القذافي.
المفاجأة
وقال إنه على استعداد أن يعطيني مرتب الشهر الأول مقدماٍ لأتمكن من استخراج جواز سفر وهو سيتكفل بالباقي شريطة ألا أخبر أحداٍ بذلك وافقت حينها وجعلت الأمر طي الكتمان وتوجهت إلى المطار برفقته وقلبي مشغول بأسرتي ويضيف بالقول: تفاجأت حينها بوجود أحد أصدقاء الدراسة في المطار وجلست معه لأخبره بأني مسافر بعد نصف ساعة إلى مصر, وسردت له بقية التفاصيل وطلبت منه أن يخبر أسرتي بعد سفري ولكنه لم يفعل بل على العكس تماماٍ توجه مسرعاٍ إلى الضابط في المطار وأخبره بالأمر ليأتي إلي والضابط بصحبته ويلقي القبض علي وعلى الرجل الذي دعاني للسفر وبعد التحقيق معنا اكتشفت أن الرجل يعمل في إحدى عصابات الاتجار بالأعضاء البشرية لأحمد الله عز وجل بعدها حدثت نفسي: لولا زلة لساني هذه لكنت في علم الغيب.
ديون طائلة
بعد أن توفي ابنه الوحيد بسبب داء السرطان وتحمله لديون مالية تجاوزت النصف مليون ريال ودخل حالة لم يتمكن من سداد دينه قرر عبد الرحمن بعد تفكير طويل أن لا يقف مكتوف الأيدي.
وهاهو ناصر يتخذ نفس القرار بعد حادث مروري أجبر على إثره على دفع دية قدرها مليونان ومائتا ألف ريال ناهيك عن تكاليف العلاج التي دفعها لتغلق إزاء ذلك جميع المنافذ في وجهه.
عبد الرحمن وناصر كلاهما ضحيتان لضغوط مالية فإما أن يدفعا ما عليهما أو يسجنا لذا قرر كل واحد منهما بيع إحدى كليتيه ليسددا بثمنهما الديون التي تلاحقهما والأخرى كفيلة بأن يعيشوا بها بقية حياتهم سعداء. سافر كل واحد منهما لإجراء العملية في مصر ليشاهدوا بنفسيهما مدى بشاعة المنظر.
ضحية رقم (16)
عبد الرحمن لم يكن يعرف أنه الضحية رقم (16) فهناك كما يقول (15) شخصاٍ من جنسيات مختلفة أغلبهم من السودان ولبنان وسوريا والأردن أما النسبة الأعلى فهي لليمنيين حسب تقديره ويكمل حديثه بالقول: إن هذه العصابات مْنظمة وتقوم بتغيير أماكن السكن كل أسبوع مما جعله يشعر بأنه ضحية وقد تم استغلاله.
وهذا ما أكده ناصر – سائق التاكسي حين قال: إن هذه العصابات تمتلك أجهزة حديثة أثناء إجراء عمليات استئصال الكلى عن طريق إحداث شرخ طفيف على هيئة مربع للمنظار والضوء وللاستئصال وللتنظيف ثم تفتح من أسفل البطن ليتم استئصال الكلى .
موضحا أن هذا الإجراء غير معروف في المستشفيات الأخرى مما أثار خوفه خاصة على الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12- 16 عاماٍ والذين يتم تزوير جوازاتهم ليتمكنوا من السفر .وأضاف ناصر إن هؤلاء الأطفال يتعرضون لأسوأ الاستغلال الإنساني .
ما شاهده عبد الرحمن وناصر أثناء رحلتهما إلى مصر لبيع أعضائهما جعلهم يعودان مذهولان ومتخوفان من انتشار هذه العصابات. أما عن الألم الذي باغتهما غالباٍ بعد العملية فهو ضريبة ما قاما به .
اتصال هاتفي
بمجرد اتصال هاتفي من جمهورية مصر إلى زعيمة عصابة المتاجرة بالأعضاء البشرية والتي حصلت الثورة على نسخة من تسجيل هذه المكالمة .. أم الهناء وهو اسمها المستعار تتصل بالطبيب في مصر ليقول لها مخاطبا ( عاوز العروسة ) ..المقصود بالعروسة هو الضحية لترد عليه أم الهناء بالقول (خلال أيام طلبك جاهز) وتنتهي المكالمة.
وبالفعل ما هي إلا أيام لتجد أم الهناء ضحيتها من بين الفقراء لترسلها إليه ولا يتطلب الأمر منها جهدا كبيرا لإقناع الضحية بالسفر لتأخذها بعدها للمطار بنفسها كي تتأكد من سفرها والحصول على نسبتها من أفراد العصابة ولا يقف الأمر بها عند هذا الحد بل إنها تذهب لاستقبال الضحية وتأخذ منه نسبتها بعد عودته من السفر وحصوله على المال.
عمليات تقليدية
انتزعوا الكلية من الضحايا عبر الخزف من منطقة الصدر وإخراج الكلية من العانة وكل الضحايا أجمعوا لنا بالقول بأنه بعد بيع كلاهم لم يعودوا قادرين على بذل جهد كما كانوا سابقا وأنهم لم يتلقوا فحوصات طبية قبل العملية والبعض اشتكى بأنه باع كليته من أجل الزواج ولكنه بعد الزواج لم يستطع من الممارسة الجنسية .
وحول هذه الإشكاليات يفيد الدكتور/ سالم الحامدي – استشاري أمراض الكلى / أنه قبل إجراء العملية يتم فحص دم المريض للتأكد من صحة جسده من الأمراض المعدية ومن باب الاحتياط معرفة فصيلته الدموية في حالة تعرض المريض لنزيف دموي شديد يتطلب نقل دم بصورة عاجلة عند استئصال كليته .
شق البطن
وبين الحامدي أن هناك طريقتين لإجراء عملية الاستئصال إحداهما هما الجراحة التقليدية والأخرى عن طريق المنظار. ففي العملية الجراحية يقوم الطبيب بفتح شق في البطن من جهة الكلية المراد استئصالها من تحت القفص الصدري وهو شق كبير يحتاج إلى وقت طويل لكي يلتئم ويعاني المريض بعده من آلام شديدة وقد يمتد الشق من البطن إلى الصدر ونتيجة لشق عضلات البطن يتعرض المريض إلى فقدان الكثير من دمه ناهيك عن الطريقة الحديثة لاستئصال الكلى عن طريق منظار البطن عن طريق فتحات صغيرة تْستخدم فيها عدسات تقنية ويضخ المنظار معها غازاٍ للتقليل من النزيف وآلام العملية ولا يؤدي المنظار إلى تشويه الجلد لأن الفتحات التي يحدثها لا تتجاوز سنتيمتراٍ واحداٍ وهي التقنية التي تستخدمها عصابات الاتجار بالأعضاء .
فحوصات مخبرية
ومن جانبه يضيف الدكتور عاطف عباد – استشاري أمراض الجهاز الهضمي والكبد – من جامعة المنصورة بجمهورية مصر العربية /أن عملية استئصال الكلي تجرى لأسباب طبية معتبرة كوجود أورام بالكلية أو تهتك نتيجة لحادث مثلا أو حصوات تعيق عملها أو فشل كلوي أو تكيس الكلى ولابد من إجراء فحوصات للتأكد من سلامة الكلية الأخرى وقد تجرى لكلية سليمة بغرض التبرع لمريض آخر وفى كل الحالات يقوم بإجرائها جراحون متخصصون وفى مراكز متخصصة بعد أخذ موافقة المريض أو أحد أقاربه والعملية ليست خطيرة لاسيما هذه الأيام ومن المهم أيضاٍ التأكد من سلامة الأعضاء الأخرى كالقلب والكبد والرئتين .
هذا ما طرحه الضحايا وكذلك الأطباء … ولمتابعة خيوط القضية حاولنا التعمق أكثر بوضع القضية على طاولة المسئولين, تفاصيل أكثر في الحلقة الثانية والأخيرة,

قد يعجبك ايضا