خاشقجي.. والنفاق الدولي
أحمد يحيى الديلمي
حدث شبه إجماع دولي على رفض واستهجان الأحكام التي صدرت عن محكمة سعودية بشأن أبشع جرائم العصر ممثلة في جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية النظام بمدينة اسطنبول التركية خلال شهر أكتوبر عام 2018م.
كما يقول المثل ( أراد أن يكحلها أعماها ) ففي حين أراد النظام السعودي إغلاق ملف القضية والتخفيف من التبعات وردود الأفعال الساخطة إذ به يقع في شر أعماله ويكشف الستار عن قضاء هُلامي خاضع لإرادة النظام يترجم الأمزجة النفعية لرموز الحكم ورجال البلاط ، كامتداد لثقافة طاعة ولي الأمر وتكييف أحكام القضاء مع الإسقاطات النفسية لقضاة الذهنيات الدينية المتحجرة التي جعلت القضاء في بلاد الحرمين الشريفين مجرد واجهة لشرعنة جرائم النظام وتمكينه من ممارسة أبشع أنواع القمع السياسي واستهداف كل مواطن يرفع صوته بالنقد أو مواجهة الأخطاء ، تحت هذا الغطاء المؤيد بأحكام الشرع القويم بعد تأويلها ومدها بأفكار بعيدة عن المضامين الثابتة فيها ، تقوم المحاكم بتوظيفها لانتهاك الكرامات والأعراض واستباحة الدماء بدعوى الانتصار للدين وإقامة الحدود.
تحت هذا الشعار الزائف كم سقطت رؤوس وقُطعت أيدٍ وأقدام وتعرض آلاف الرجال والنساء للجلد تحت يافطة النهي عن المنكر ، هذه اليافطة الظالمة أتاحت لما كان يُسمى بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التدخل في أبسط خصوصيات الناس واقتراف أعمال غاية في البشاعة والوحشية ضدهم ، وكما يقول المثل ( رب ضارة نافعة) فها هي نتائج المحاكمة الهزلية حول قضية خاشقجي تعري النظام وتكشف سوءة القضاء بعد عقود من التآمر على الشعب المظلوم في نجد والحجاز ومفهوم العدل في نظر هذا النظام المنغمس في الخطيئة تعني الإبادة الصامتة والإدمان المفرط في استهداف البشر والإسراف في الاستغفال والتلهي بعواطف ومشاعر البسطاء من الناس .
إضافة إلى إنفاق فائض ثروة النفط في شراء ضمائر القادة والزعماء ووسائل الإعلام للتغطية على فضائع هذا النظام المغرق في العُهر السياسي والترف الفكري واعتبار كل جرائمه فضائل ومكرمات يُثاب عليها .
اليوم بعد صدور الأحكام بأسلوب عبثي يخالف أبسط قيم العدالة الإنسانية بأحكامها وقواعدها الإلهية وأنظمتها الوضعية فإنها بقدر ما فضحت النظام والقضاء في هذا البلد بالمقابل وضعت العالم في قلب مشهد مختلف تماماً وأمام محك عملي إما أن يثبت المصداقية والاستعداد لعمل أي شيء من أجل حماية حقوق الإنسان والانتصار لقيم العدالة ، أو أن يظل يراهن على المكاسب المادية المأمولة فينغمس في النفاق والإمعان في تبرير جرائم النظام على شاكلة ردود الفعل المخزية تجاه أعمال الإبادة الشاملة وجرائم الحرب بحق الشعب اليمني، ومواقف العالم التي لم تتعدى خانة القلق أو الإدانة والشجب في أحسن الحالات رغم فداحة الكوارث وبشاعة الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية ، ونفس الشيء حدث مع جريمة خاشقجي عقب وقوعها حيث أتسمت مواقف الرئيس الأمريكي بالديماغوجية والتناقض الصارخ وتحولت إلى مدخل جديد للابتزاز ، ناهيك عن البراعة الشيطانية والانتهازية في تعدد المواقف واختلاف ردود الأفعال في نطاق الدولة الواحدة ، وهذا للأسف قد تكرر مع الأحكام اليوم فلقد أثارت موجه من الغضب والسخرية وقالت عنها سكرتارية التحقيق في الأمم المتحدة عن جرائم القتل خارج نطاق القانون أنها أحكام مثيرة للسخرية وأبعد ما تكون عن تحقيق العدالة إضافة إلى ردود أفعال عدة دول أتسمت بالنزق والسخط ، لكن الخشية أن تظل في ذات النطاق وبالتالي لا نستبعد أن ينبري الرئيس الأمريكي ترامب للدفاع عن محمد بن سلمان ويردد القاعدة الفقهية المعمول بها في السعودية بنصها القائل ( لا شيء على الآمر مع وجود المباشر ) هنا فقط ستكتمل صفة النفاق والمحاباة بأبعادها الكارثية وتسقط كل القيم والأخلاق في وحل المال المدنس .. والله من وراء القصد..