في الذكرى الـ52 للاستقلال الـ 30 من نوفمبر 1967م: للاحتلال وأدواته: ما حدث في القرن العشرين لن يتكرر في الحادي والعشرين

 

جميل أنعم العبسي
العملاء والمرتزقة والمنافقون بالصراخ والنعيق: “ما الذي جابك إلى سلطنة الحواشب، ما الذي جابك إلى سلطنة العبدلي، ما الذي جابك إلى سلطنة القعيطي، ما الذي جاب (…..) يا شماليين يا جباليا إلى بلادنا عدن”، والاحتلال يتمادى أكثر وأكثر بطمس الهوية العربية لعدن، تارة بضمها إلى مستعمرات الهند الشرقية، وتارة بضمها إلى رابطة دول الكومنولث البريطاني، فأصبح اليمني أجنبياً في وطنه عدن، والأجنبي المحتل والمستوطن الهندي والصومالي والبنغالي والكيني والنيجيري مواطناً في بلادي عدن اليمن، حتى بلغت نسبة السكان اليمنيين والعرب في عدن 30 % والبقية من رابطة الكومنولث البريطاني حسب مذكرات المجاهد المصري المنفي في عدن حينها “سعد زغلول”.

128 عاماً من محاولات طمس الهوية الوطنية اليمنية للجنوب اليمني تارة بمسمى المحميات الشرقية وسلطنة حضرموت وتارة بالمحميات الغربية ومستعمرة عدن وتارة باتحاد الجنوب العربي الفيدرالي بـ23 سلطنة وحرامي خائن، عقود من الزمن والمواطن اليمني عامة ممنوع من التنقل بحرية في وطنه، وفي 30 نوفمبر 67م تحمل بريطانيا العجوز عصاها وترحل من يمن الجنوب، والأرض اليمنية الجنوبية تتكلم عربي يمني ثوري مقاوم للغرب الاستعماري والصهيونية والرجعية السعودية.
احتلال من نوع آخر أيضاً..
احتلال مختلف عن احتلال ما قبل الميلاد وبعد الميلاد بالاحتلال الروماني والحبشي والبرتغالي الهادف للسيطرة على خطوط التجارة العالمية البرية والبحرية ونهب الخيرات دون المساس بوحدة الجغرافيا والهوية الوطنية والقومية العربية، بينما الاحتلال الغربي المسيحي الصهيوني، الاحتلال الخليجي المتصهين بأهداف تقسيم الوطن ومحو الهوية الوطنية، وللعقيدة الإسلامية شأن بالتكفير الوهابي واخوانه كونه احتلالاً مشبوهاً يحمل في أحشائه جنيناً صهيونياً غير شرعي، لقيطاً، غير قابل للاستزراع والنمو والحياة بوجود وحدة يمن التاريخ ونفس الرحمن بوجود وحدة الوطن العربي بوجود إسلام واعتصموا ولا تفرقوا بالاحتلال العثماني والبريطاني اللذين قسما اليمن رسمياً بالقانون الدولي في عام 1914م إلى يمن شمالي تحت الاحتلال العثماني وجنوب عربي تحت الاحتلال البريطاني، والمجاهد المؤمن “يحيى بن حميد الدين” يرفض الحدود الشطرية ولا يعترف بها ويحرر الشمال 1918م وبالهوية الوطنية اليمنية يعلن قيام المملكة المتوكلية اليمنية ويتجه نحو تحرير الشمال حتى عسير، والجنوب كان قاب قوسين أو أدنى من التحرير، حتى وصلت قوات المجاهد يحيى بن حميد الدين إلى يافع والضالع عام 1928م.
البداية كانت من أيام الإمام المجاهد يحيى ونجله الإمام أحمد
الماضي يتكرر في الحاضر بالعدوان الشامل على اليمن ببريطانيا وأدواتها بن سعود وأصحاب المشاريع المناطقية، والعدوان يستمر حتى عام 1934م، والإمام يحيى يتمكن من إخماد فتنة حاشد والزرانيق المتحالفين مع العدوان البريطاني وبعروض استعمارية مناطقية، أما بن سعود فقد ابتلع حلفاءه من أصحاب المشاريع المناطقية آل عايض في شمال عسير والإدريسي في جنوب عسير وجيزان ونجران والساحل الغربي، والكبير كبير، والقزم قزم، والأقزام إلى مزابل اللعن التاريخي والهوان والنسيان، والمفاوضات تبدأ بين الكبار ولينتهي العدوان في عام 1934م بمعاهدة “الاخوة الإسلامية” مع بن سعود لمدة عشرين عاماً، ومعاهدة “الصداقة” مع بريطانيا التي احتفظت بالحدود الشطرية ولمدة أربعين عاماً.
ومحاولة اغتيال اليمن ببريطانيا اليهودية وبن سعود وأصحاب المشاريع المناطقية تفشل في القرن العشرين، ولكنها تنجح في اغتيال الشام والحجاز وفلسطين باستزراع الجنين الصهيوني الذي خرج للنور في مايو 1948م فأسماها العرب “النكبة”، والمد الثوري اليساري القومي والتقدمي يحرر بعض الأقطار العربية من أنظمة الملوك التابعة للغرب والمرحبة باللقيط الصهيوني ومنها مصر وسوريا، ولاحقاً النظام الوطني الملكي الامامي اليمني يتحالف مع مصر وسوريا في إطار الاتحاد الثلاثي “الجمهورية العربية المتحدة” والزعيم جمال عبدالناصر يصدر قوانين التأميم الاشتراكية، الناصرية، الاصلاح الزراعي والإمام أحمد بالهجاء شعراً بقصيدة “لا يجوز مصادرة أراضي الغير”، والزعيم ناصر يغضب ويُخرج اليمن من الإتحاد الثلاثي، وبن سعود يطلق رصاصة الرحمة على وحدة مصر وسوريا عام 1961م، والفقيد عبدالله البردوني وثَّق المرحلة بقوله “بعد قصيدة الإمام أحمد بدأ الحديث عن تغيير نظام صنعاء”، والإمام أحمد يتوفى في 19 سبتمبر 62م، وفي ليلة 26 سبتمبر يُعلن عن الثورة وقيام النظام الجمهوري الثوري المعادي للغرب الاستعماري والصهيونية والرجعية السعودية، والزعيم ناصر يؤيد الثورة ويتفاخر بخطاب علني بأن من هجاه شعراً قد مات وأن الثورة أصبحت على حدود مملكة بن سعود.
وبعد شهر من ثورة 26 سبتمبر المعادية للاستعمار والرجعية وفي شهر نوفمبر وصلت القوات المصرية إلى ميناء الحديدة، وليبدأ فصل سياسي جغرافي في تاريخ اليمن بالتغيير بالمد الثوري القومي الناصري ويسار البعث السوري والتقدمي وحركة القوميين العرب، ولتصبح معاهدات 1914م و1934م جزءاً من الماضي، واثناء عودة ثوار الجنوب من الشمال تندلع ثورة 14 أكتوبر بالكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية لتحرير يمن الجنوب بالاعتماد على الشمال الجمهوري الثوري، والبدايات كانت من أيام الإمام المجاهد يحيى الرافض للحدود الشطرية، والبداية كانت من أيام الإمام أحمد بدليل صدور صحيفة الطليعة اليسارية الماركسية للمناضل عبدالله باذيب من تعز عاصمة الإمام أحمد، بدليل مطالبة مندوب المملكة اليمنية في الجامعة العربية وحركة عدم الانحياز وآخرها كانت مذكرة لمجلس الأمن الدولي تطالب برحيل الاستعمار من جنوب اليمن قبل شهر فقط من وفاة الإمام أحمد، بدليل برنامج “ركن الجنوب” من إذاعة صنعاء الإمام من إذاعة صنعاء النظام الجمهوري الثوري وبزخم ثوري وطني قومي تقدمي انتكس سريعاً بانشقاق المشائخ عن جمهورية 26 سبتمبر ووصولهم إلى السعودية وعقد مؤتمر جدة في 1965م والذي أعلن قيام الدولة الإسلامية بدلاً عن النظام الوطني الملكي الامامي والنظام الجمهوري الثوري، والذي عرف لاحقاً بالطرف الثالث.
الاحتلال للرحيل جنوباً أثناء اغتيال الجمهورية “الثورية” بجمهورية “الاعتدال” شمالاً
والزعيم ناصر يطير إلى السعودية وبعد 15 يوماً فقط من مؤتمر المنشقين، الطرف الثالث يوقع اتفاقية جدة في أغسطس 1965م مع السعودية لإنهاء حرب اليمن والبنود السرية الملحقة تنص على إلغاء النظام الجمهوري الثوري والنظام الملكي الوطني ولمصلحة الدولة الإسلامية بالطرف الثالث ثم الاعتدال الجمهوري شمالاً، وجنوباً إلغاء الكفاح المسلح واعتماد النضال السلمي لنيل الاستقلال بدمج الجبهة القومية المسلحة مع السلاطين والعملاء والخونة من وزراء حكومة ما يسمى الجنوب العربي، والمناضل “علي أحمد ناصر عنتر” يصرخ في وجه ضباط المخابرات المصرية قائلاً: “لا يمكن مطلقاً أن نتحد مع الخونة عملاء الاستعمار”، والكفاح المسلح يستمر بالاعتماد على الإمكانيات اليمنية المتاحة، وخلال عامين فقط يتم القضاء على مفاعيل 128 عاماً من الاحتلال الصهيوني والمتصهين، فتم اقتلاع السلاطين والكيانات المناطقية كما يتم اقتلاع البصل من الحقل حسب تعبير الفقيد عبدالله البردوني، ثم تلتحم جبهات الريف مع جبهة فدائيي عدن في عدن المحررة بسواعد أبناء اليمن شمالاً وجنوباً، وليتم إنزال علم الاحتلال ورفع علم الهوية الوطنية اليمنية الجنوبية وإعلان قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية وقحطان محمد الشعبي رئيساً.
مفارقات.. “اليمن شيء مختلف بالتاريخ والإيمان”
تحرر يمن الجنوب في زمن اعتدال جمهورية 26 سبتمبر والتبعية للرجعية السعودية.. تحرر يمن الجنوب في زمن هزيمة العرب في حزيران 1967م من اللقيط الصهيوني هزيمة أسموها “نكسة” بعد “نكبة” 1948م، والسعودية تتربع على العرش العربي وتعمل على إفراغ ثورة اليمن ومصر من أهدافها بالاعتدال الجمهوري في صنعاء وبالانفتاح والسلام في القاهرة، واليمن هو اليمن في زمن الاعتدال والنكبة والنكسة والانتكاس ثم الانبطاح بصفقة قرن الشيطان السعودي، وما لم يتم تحقيقه في القرن العشرين يُراد تحقيقه في القرن الحادي والعشرين، اغتيال اليمن بعد الحجاز والشام وفلسطين، فهناك جنين لقيط صهيوني يريد استزراع يهودية وعبرية فلسطين بنفس الأدوات الموالية للغرب واليهود وبالعروض المناطقية والتكفيرية والخلافة الإخوانية والداعشية.
الماضي يتكرر في الحاضر بالسالب والموجب
تقسيم اليمن بمعاهدة 1914م بين العثمانيين وبريطانيا يتكرر في دستور الأقاليم الفيدرالي المولود دماً، والكهنوت الروافض للتقسيم بالتكرار بثورة 21 سبتمبر الرافضة لتقسيم اليمن إلى أقاليم مناطقية تماماً كما رفض المجاهد يحيى حميد الدين تقسيم اليمن إلى شطرين عام 1914م.
وعدوان القرن العشرين يتكرر بعدوان القرن الحادي والعشرين بعد وصول قوات الإمام يحيى إلى الضالع ويافع، بعد وصول الجيش واللجان إلى عدن، “وما الذي جاب (…) إلى سلطنة العبدلي” يتكرر اليوم في “ما الذي نزل (…) إلى تعيييييز”.
في الماضي كانت انتفاضة فتنة حاشد والزرانيق.. والحاضر فتنة جمهورية الخوخة وبيت غوبر.. بالأمس كانت إمارة الإدريسي وإمارة آل عايض واليوم الكيان الحضرمي ولاحقاً كيان مارب والجوف.
بالأمس بن سعود ابتلع حلفاءه آل عائض والإدريسي ثم سلخ عسير وجيزان ونجران من الوطن الأم اليمن.. واليوم بن سعود سيبتلع حلفاءه شرعية العدوان ويريد سلخ حضرموت ومارب والجوف من الوطن الأم “اليمن” حتى المهرة في خطر الابتلاع بالشقيقة سلطنة عُمان، واللعاب الاستعماري يُصاب بالإسهال والسيلان ومؤخراً صرَّح مُحلل سياسي صومالي لوكالة “سبوتنيك” بأن جزيرة سقطرى تقع في المياه الصومالية، وقوات الخليفة أردوغان المتواجدة في الصومال تنفي أخباراً متداولة عن نيتها ضم جزيرة سقطرى للصومال، وتركيا العثمانية الجديدة على خطى السلف العثماني الذي منح بريطانيا يمن الجنوب سابقاً، واليوم أردوغان العثماني يريد منح جزيرة سقطرى للصومال.
في الماضي انتهى العدوان بتثبيت معاهدة 1914م بالحدود الشطرية، والإمام يحيى بن حميد الدين وعبر معاهدة الصداقة يؤجل البت في الحدود الشطرية ويُرحِّلها للجيل القادم بعد أربعين عاماً، وثوار 14 أكتوبر ومناضلو حرب التحرير والاستقلال يدفنون الحدود الشطرية بواحدية الوطن اليمني في 30 نوفمبر 1967م، واليوم يُراد بشكل أو بآخر إرساء الحدود الشطرية بالجنوب العربي، يراد تثبيت الحدود المناطقية بدستور الأقاليم ثم التفكيك بالطرف الثالث المناطقي الواعد.
بين لغة الاستعمار والصهيونية ولغة الهوية الإيمانية
نحتفل اليوم بالذكرى الـ52 لتحرير يمن الجنوب، ويمن الجنوب يرزح تحت احتلال متصهين خليجي يمني.. نحتفل بذكرى تحرير الأرض الجنوبية والأرض الجنوبية تتحدث بلغة الاستعمار والصهيونية والتكفير والمناطقية بالطرف الأول شرعية هادي والقوات الموالية، بينما يمن الأنصار يتكلم يمنياً عربياً إسلامياً ثورياً مقاوماً للغرب الاستعماري والصهيونية.
نحتفل بذكرى استقلال الجنوب في ظل عدوان وحصار ودمار وخطاب كراهية، وبعد خمس سنوات من عدوان الطرف الثالث المناطقي للواجهة الطرف المعتدل الجديد ولسان حاله إنساني بخطاب مناطقي يتحدث عن مظلومية منطقته فقط ولا يتحدث عن مظلومية اليمن من العدوان الخارجي، بل يتحدث بأن السبب داخلي بحت، فالشرعية هي السبب، الحوثي هو السبب، والحل مناطقي بتثبيت الأقلمة كمرحلة انتقالية تؤسس للتفكك ثم اغتيال اليمن في القرن الحادي والعشرين بعد اغتيال الشام والحجاز في القرن العشرين.
اليوم نحتفل بالذكرى الـ52 لاستقلال الجنوب وسكاكين الغدر المناطقي والسعودي الإماراتي والأمريكي وحتى التركي العثماني تُشحذ ليس لتقسيم يمن الجنوب بل الشمال وكل اليمن أيضاً.
اليوم نحتفل بذكرى استقلال الجنوب ويمن الأنصار تحتفي بأكبر احتفال في العالم بمناسبة المولد النبوي الشريف، وتلك لها دلالات لا يفقهها البعض، ويفهمها أهل اليمن يمن التاريخ ويمن نفس الرحمن وبهم ومعهم تحرر يمن التاريخ من الاحتلال الحبشي وسيتحرر اليوم من الاحتلال الإعرابي المتصهين، بل ان من أراد تقسيم واغتيال اليمن سيتفكك هو وقد تزول ممالك وإمارات العدوان.. وكما تحرَّر يمن الجنوب في زمن النكسة والانتكاس سيتحرر الجنوب اليمني في زمن انبطاح قوم بني سعود لليهود والامريكان، وكما تحرَّر يمن الجنوب بالسواعد اليمنية الأصيلة في زمن تآمر العرب والأعراب على يمن الجنوب والشمال سيتحرر الجنوب والوسط والساحل وكل اليمن بالسواعد اليمنية الأصيلة، سواعد تنتمي إلى زمن ما قبل عام الفيل، إلى زمن ما بعد عام الفيل، إلى زمن يمن التاريخ، إلى زمن يمن نفس الرحمن، وما قبل وما بعد كان عام الفيل، عام مولد سيدنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم سيد الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين، المجد كل المجد لذكرى تحرير واستقلال يمن الجنوب من الاحتلال الغربي الصهيوني وبواجهة بريطانيا في ذكراها الـ 52، الخلود الخالد لكل شهداء التحرير والاستقلال الوطني من الاحتلال العثماني والبريطاني والسعودي والإماراتي والسوداني، الحرية للأسرى والشفاء للجرحى، وإن غداً لناظره قريب.

قد يعجبك ايضا