واحدية الثورة هزت عرش بريطانيافي‮ ‬الجنوب وأسقطت الإمامة في‮ ‬الشمال


شكلت عدن جبهة لاحتواء القوميين العرب كما أصبحت تعز مقرا لمؤتمرات النضال

استطاعت الجبهة القومية أن تنهي‮ ‬حكم السلاطين
وتبسط نفوذها على جنوب الوطن

محمد محمد الفائق

لم‮ ‬يكن الأمر صدفة حينما أشعل الشعب اليمني‮ ‬ثورته ضد الإمامة في‮ ‬الشمال والاستعمار البغيض في‮ ‬الجنوب‮.. ‬بل كان نضالاٍ‮ ‬وطنياٍ‮ ‬امتد لعشرات السنين قدم خلالها الشعب آلاف الشهداء من خيرة رجاله ليحقق انتصاراٍ‮ ‬عظيماٍ‮ ‬في‮ ‬السادس والعشرين من سبتمبر المجيد‮ ‬1962م والرابع عشر من اكتوبر عام‮ ‬1963م‮.. ‬لتبدأ عقبها الخطوات الأولى في‮ ‬العمل السياسي‮ ‬الجماهيري‮ ‬والاتصال الثنائي‮ ‬بين الحركات الوطنية والتحريرية في‮ ‬شطري‮ ‬الوطن آنذاك‮.. ‬ورغم ظهور عدد من العوائق تجاه الحفاظ على ثورة سبتمبر واكتوبر والذي‮ ‬يمثل في‮ ‬محاولة الانقضاض على ثورة سبتمبر واعادة الحكم الإمامي‮ ‬بحشد الدعم الخارجي‮ ‬ماديا ومعنويا إلا أن تضافر أبناء الشعب اليمني‮ ‬في‮ ‬خندق نضالي‮ ‬واحد كان دافعا لتحقيق النجاح من جديد حين انتصر الثوار على فلول الإمامة في‮ ‬عام‮ ‬1967م بعد أن حوصرت صنعاء لمدة سبعين‮ ‬يوماٍ‮ ‬ويزيد‮.‬

ذلك الانتصار قابله انتصار آخر في‮ ‬الجنوب حين أعلنت بريطانيا تقديم اتفاقية سحب جنودها من الأراضي‮ ‬اليمنية في‮ ‬الـ30‮ ‬من نوفمبر‮ ‬1967م بعد أن كان محدداٍ‮ ‬في‮ ‬1968م‮.. ‬ويروي‮ ‬ثوار سبتمبر وأكتوبر أن الفضل في‮ ‬ذلك‮ ‬يعود إلى استمرار النضال الوطني‮ ‬من الجبهات القومية والحركات الوطنية في‮ ‬الشمال والجنوب فضلاٍ‮ ‬عن الضغط العربي‮ ‬والتحرك السياسي‮ ‬من قبل الجامعة العربية وفي‮ ‬الطليعة مصر التي‮ ‬كان لها دور بارز ومساند في‮ ‬إنجاح ثورة سبتمبر وأكتوبر وخروج آخر جندي‮ ‬بريطاني‮ ‬من عدن‮.‬
لقد كانت اليمن مجزأة بين الإمام والاستعمار الذي‮ ‬احتل عدن منذ العام‮ ‬1839م‮ ‬غير أن الهوية والهدف أرضاٍ‮ ‬وإنساناٍ‮ ‬جعل‮ ‬الأحرار في‮ ‬الشطرين‮ ‬يحملون هما مشتركا ويجمعهم هدفا واحداٍ‮.‬
احتضنت عدن في‮ ‬منتصف الأربعينيات حركة الأحرار والذين شكلوا حزب الاحرار والاتحاد اليمني‮ ‬والجمعية اليمانية الكبرى واصدروا صحيفتهم‮ (‬صوت اليمن‮)‬‮ ‬فضلاٍ‮ ‬عن المشاركة في‮ ‬صحيفة فتاة الجزيرة التي‮ ‬كان‮ ‬يترأسها محمد علي‮ ‬نعمان فكانت سندا لإحياء الروح الوطنية شمالا وجنوبا إلى جانب النوادي‮ ‬الثقافية التي‮ ‬احتضنتها عدن مثل نادي‮ ‬الأغبري‮ ‬والذبحاني‮.‬
لقد شكل الزبيري‮ ‬والنعمان ومحمد عبده نعمان والحكيمي‮ ‬وجرادة والصوفي‮ ‬وغيرهم من المناضلين أعمدة متماسكة شامخة خلال تحركهم النضالي‮ ‬في‮ ‬عدن وصنعاء وتعز والقاهرة‮.. ‬ليؤسسوا حركة وطنية‮ ‬يمنية واحدة جمعت مختلف التيارات الحزبية والسياسية من أبناء اليمن من مختلف المناطق شمالا وجنوبا‮.‬
‮ ‬وبعد نجاح ثورة سبتمبر التي‮ ‬شارك فيها الآلاف من أبناء الجنوب كان الآلاف أيضاٍ‮ ‬من أبناء المناطق الشمالية‮ ‬يقارعون الاستعمار البريطاني‮ ‬في‮ ‬عدن مدافعين عن كينونة اليمن وأرضها‮.. ‬ترابطت صفوف الثوار جميعهم كانوا‮ ‬يناضلون من أجل اليمن الواحد‮.‬
تأسيس الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن
شهد اندلاع ثورة اكتوبر تأسيس الجبهة القومية وصعود نجمها حيث كانت المحرك الحقيقي‮ ‬للنضال المسلح في‮ ‬ردفان ولأحداث الثورة بشكل عام فقد استطاعت الحفاظ على مكانتها فتوسعت كثيرا في‮ ‬صفوف العمال والجيش‮.‬
لقد خاضت الجبهة القومية عدة مواجهات مع جنود المحتل وتبنت عدة عمليات مسلحة اربكت منظومة المستعمر البريطاني‮ ‬مع تزامن ضغط الأمم المتحدة والجامعة العربية‮.. ‬وشهد العام‮ ‬1967م ثورة عمالية إلى جانب أبطال الجيش والأمن ضد المحتل والسلاطين حتى استطاعت الجبهة القومية السيطرة على مدينة عدن في‮ ‬عام‮ ‬1967م بشكل كامل‮.‬
ورغم الكفاح المسلح الذي‮ ‬انتهجته الجبهة القومية والانتصارات التي‮ ‬حققتها في‮ ‬خنادق الحروب والملاحم البطولية إلا أن الجبهة كانت تواجهه معارضة قوية من الداخل والخارج من قبل الحركات والجبهات السياسية الأخرى ومنها جبهة تحرير الجنوب التي‮ ‬تأسست عام‮ ‬1965م والتي‮ ‬كانت تتمتع بنفوذ خارجي‮ ‬أقل منه داخلي‮ ‬والتي‮ ‬استطاعت أيضاٍ‮ ‬اضعاف الدعم الخارجي‮ ‬المقدم للجبهة القومية من الجامعة العربية‮.. ‬كما نصبت نفسها الممثل الوحيد باسم جنوب اليمن‮ ‬إلا أنها سرعان ما فقدت تطورها نتيجة الحرب الإسرائيلية التي‮ ‬شنتها ضد الجمهورية العربية المتحدة والتي‮ ‬كانت تعد الداعم الرئيسي‮ ‬لجبهة التحرير‮.. ‬وفي‮ ‬المقابل كان ذلك الضعف هو مصدر قوة لدى الجبهة القومية داخل البلاد‮.. ‬ورغم محاولة جبهة التحرير استعادة توازنها من خلال بحثها عن الاستيلاء على الدول الأميرية والسلاطينية إلا أنها باءت بالفشل وإن بسطت نفوذها في‮ ‬بعض القبائل العوذلية إلى جانب عدد من العناصر التقليدية في‮ ‬سلطنتي‮ ‬الواحدي‮ ‬والكثيري‮ ‬التي‮ ‬أعلنت انتماءها لجبهة التحرير‮.‬>>>>>>>

تلك المساعي‮ ‬الخطيرة من قبل الجبهتين‮ (‬القومية‮ ‬والتحرير‮) ‬اذكر الحروب الأهلية بين أبناء الجنوب حيث شهدت عدن صدامات عنيفة سيطرت خلالها الجبهة القومية على عدن الصغرى أما المنصورة فكانت تحت سيطرة جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل‮.. ‬بينما كان الشيخ عثمان عرضه للتقاسم بين المنظمتين‮.‬
سببت الصدامات حزناٍ‮ ‬عاماٍ‮ ‬لدى اليمنيين واستاءت منها كل قطاعات الوطن‮.. ‬وشرع رجال الدين والعسكريون من شمال الوطن وجنوبه بمساع عديدة لدى الزعماء منهم جمال عبدالناصر لوقف التصادم الأخوي‮.. ‬وفي‮ ‬هذه الظروف المأساوية واخفق الجبهتين على اجراء محادثات فيما بينهما فشلت كل المحاولات والجهود لاحتواء الصراع القائم بين الجبهتين حتى إعلان الدمج بين الجبهتين وكافة المنظمات والحركات القومية والسياسية والعمالية وتسميتها في‮ ‬تنظيم واحد‮ (‬جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل‮).. ‬كان ذلك في‮ ‬اليوم الـ13‮ ‬من‮ ‬يناير‮ ‬1966م بمدينة تعز عقب اجتماع ممثلي‮ ‬الطرفين واختير حينها عبدالقوي‮ ‬مكاوي‮ ‬أمينا عاما للجبهة‮.‬
وقد تم تشكيل المجلس القيادي‮ ‬لجبهة التحرير برئاسة الأمين العام عبدالقوي‮ ‬مكاوي‮ (‬مستقل‮) ‬وعضوية ثلاثة من منظمة التحرير وهم عبدالله الأصنج ومحمد سالم باسندوة وعبدالله علي‮ ‬عبيد وستة من الجبهة القومية وعم علي‮ ‬أحمد السلامي‮ ‬وعبدالفتاح إسماعيل وطه مقبل وسيف الضالعي‮ ‬وعبدالله المجعلي‮ ‬وسالم زين بالإضافة للسلطان أحمد الفضلي‮ ‬والسلطان العوذلي‮ ‬واللذين تم فصلهما في‮ ‬نهاية مارس‮ ‬66م لعدم مصداقيتهما‮.‬
مثلت الوحدة الوطنية في‮ ‬قيام جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل في‮ ‬يناير‮ ‬1966م نقطة تحول هامة في‮ ‬نضال الثورة اليمنية لتحرير الجنوب من الاستعمار‮ ‬حيث عمل توحيد الصف الوطني‮ ‬إلى تعقيد النضال المسلح والسياسي‮ ‬بشكل كبير كما ضاعفت مصر دعمها للنضال المسلح‮.. ‬واعترفت الجامعة العربية بجبهة التحرير من الأمم المتحدة‮.. ‬وتم الضغط على بريطانيا والتي‮ ‬أعلنت في‮ ‬فبراير من العام‮ ‬1966م استعدادها للانسحاب من الجنوب بعد سنتين ويعود ذلك إلى رغبتها في‮ ‬كسب الوقت لحماية مشروعها في‮ ‬المنطقة‮.‬
غير أن عدد من أنصار الجبهة القومية رأت أن في‮ ‬عملية الدمج محاولة لتهميش دورها في‮ ‬مقارعة الاستعمار ونضالها الوطني‮ ‬وهو ما دفعهم إلى عقد مؤتمر سري‮ ‬في‮ ‬مدينة جبلة بمحافظة إب وذلك في‮ ‬يوم الـ11‮ ‬يونيو‮ ‬1966م وأقروا فيه الحفاظ على البنية التنظيمية للجبهة القومية وإعادتها مع الاستمرار في‮ ‬جبهة التحرير كمظهر للوحدة الوطنية‮.. ‬كما قاموا بتشكيل قيادة عاجلة للجبهة القومية وكان من أنصارها سالم ربيع علي‮ ‬وعبدالفتاح اسماعيل وعلي‮ ‬سالم البيض‮.. ‬فيصل العطاس ومحمد علي‮ ‬هيثم
عقبها وبالتحديد في‮ ‬أواخر‮ ‬يونيو من العام‮ ‬1966م أعلن محمد سالم باسندوة عقد المجلس الوطني‮ ‬لجبهة التحرير وأن المجلس سيشكل من‮ ‬30‮ ‬عضوا الأمر الذي‮ ‬أدى إلى استياء الكثير منهم أيضا الجبهة القومية‮ ‬وهو ما جعلهم‮ ‬يقومون بإصدار بيانات تنديدية ورفعوا برقيات إلى الرئىس عبدالناصر تشير إلى أن الوحدة الوطنية تتعرض للخطر‮.. ‬وبسبب تلك الأزمة انعقد اجتماع الأسكندرية في‮ ‬الثامن من أغسطس عام‮ ‬66م‮.. ‬كما شهد شهر سبتمبر من العام نفسه اجتماعا لحركة القوميين العرب والجبهة القومية لمناقشة الانسلاخ من جبهة التحرير‮.. ‬وقد استمر الاجتماع عدة أيام تحت مسمى المؤتمر الثالث للجبهة القومية‮.. ‬واعتبر المؤتمر أن الأزمة سببها الحقيقي‮ ‬هو عجز جبهة التحرير عن تحقيق الوحدة الوطنية‮.‬
وخرج المؤتمر الثالث للجبهة القومية والذي‮ ‬عقد في‮ ‬منطقة حمر قعطبة بعد قرارات إعلان انسلاخ الجبهة القومية عن جبهة التحرير ومزاولة نشاطها بصورة مستقلة واستعداد الجبهة القومية لتحقيق الوحدة الوطنية على أسس ثورية وسلمية كما تم في‮ ‬المؤتمر الثالث تشكيل قيادة جديدة للجبهة القومية‮.‬
مع بداية العام‮ ‬1967م كانت الأجواء في‮ ‬عدن تشهد توترا‮ ‬غير معهود بين جبهات النضال وتصاعد ذلك التوتر حتى الـ24‮ ‬من سبتمبر‮ ‬1967م انتهاءٍ‮ ‬بالثاني‮ ‬من نوفمبر‮ ‬1967م والذي‮ ‬عادت فيه المنازعات بعنف في‮ ‬عدة أماكن في‮ ‬عدن وأدت إلى سقوط عشرات الضحايا وهيمن الخوف واليأس على أبناء الجنوب وبعد المعارك الضاربة من الجبهة القومية وجبهة التحرير تدخل الجيش لوقف الصراع الدائر بين رفقاء النضال إلا أنه لم‮ ‬ينجح في‮ ‬إيقاف المعارك‮.. ‬مما أخطره باصدار قرار بوقف إطلاق النار ومنع التجول في‮ ‬المناطق المضطربة‮.‬
وفي‮ ‬4‮ ‬نوفمبر وجه قادة الجبهة القومية وجبهة التحرير نداء مؤثرا من القاهرة إلى أنصارهم‮ ‬يدعونهم فيه إلى وقف الاقتتال وبعد هدنة دامت بضع ساعات عادت الصدامات إلى الظهور برعب‮.. ‬وكانت نتيجة تسمم الجو أكثر مما كان عليه واتهمت الجبهة القومية جبهة التحرير بانتهاك وقف إطلاق النار وطلبت من وفدها في‮ ‬القاهرة أن‮ ‬يوقف المباحثات وأن‮ ‬يعود إلى البلاد‮.‬
وبالمثل حمل الجيش وجبهة التحرير مسؤولية الرجوع إلى المخاصمات وبناء على ذلك قرر المندوب السامي‮ ‬في‮ ‬6‮ ‬نوفمبر‮ ‬67م الاعتراف بالجبهة القومية كممثل شرعي‮ ‬وحيد لجنوب اليمن‮.. ‬ولذلك طلب الجيش من الجبهة القومية ومن حكومة الاحتلال بدء المحادثات في‮ ‬أقرب وقت‮.‬
‮> ‬المراجع
‮- ‬الحركة الوطنية اليمنية من الثورة إلى الوحدة‮- ‬سعيد الجناحي
‮- ‬اليمن الجنوبي‮- ‬الدكتور محمد عمر الحبشي‮ ‬ترجمة خليل أحمد خليل
‮- ‬شهادات عدد من أعضاء الجبهة القومية وجبهة التحرير

قد يعجبك ايضا