احمد ماجد الجمال *
اقبل شهر رمضان المبارك بجوه الروحاني الجميل الذي يتسرب إلى القلوب المتعبة فيغسلها بماء الرجاء والمحبة والتسامح والكرم فتغدو حينئذ أقرب إلى حقيقتها الإنسانية السامية.
يأتي إنفاق رمضان وليس الإنفاق رمضان، لأن الأول مخصوص سببه الشهر ذاته، أما الثاني فموجود عبر الأشهر كلها دون خصوصية محددة وللتعرف على إنفاق رمضان لا بد من تتبع أحداثه اليومية وما يهمنا هو السلوك الاقتصادي الرشيد.
من المعتاد أن ترتفع أسعار بعض السلع في هذا الشهر بسبب زيادة الطلب على كمياتها، ويلجأ بعض التجار إلى سياسة تخزين سلع يحتاجها الناس في رمضان لتوفيرها عند ازدياد الطلب سواء للمحافظة على استقرار أسعارها أو ارتفاعها مما يزيدهم ربحاً وسوقاً لأعمال التخزين، وقد يزداد الطلب لأسباب غير متوقعة، أما ازدياد الأسعار بسبب احتكار البعض فهذا وجه آخر.
وبالتالي عادة ما تأتي مثل هذه المناسبات الدينية وخصوصا الشهر الكريم شهر رمضان إلا وتجار المناسبات بالمرصاد وأكثر استعداداً وقدرة على تقديم عروض وإغراءات تسويقية ومن جانب آخر وعن طيب خاطر أو الاضطرار يقبل المستهلكون على إفراغ جيوبهم من مدخرات أو إعانات أو أجور ودخول شحيحة أو من القروض التي يحصلون عليها, على كل ما يعرض من سلع وبضائع ومتعلقات الشهر الذي رسخ بحكم العادة وبطريقة استثنائية شراء المواد الأساسية ومتطلبات هذه المناسبة العزيزة على كل مسلم بينما المفترض أنها مواسم عبادة وتقرب إلى الله ,لكن الملاحظ خلال شهر رمضان أن هناك ارتفاعا في نسبة الإنفاق بما قدرة الضعف أو أكثر لدى جل الأسر والعائلات.
ومع ذلك ما زالت تنطوي تحتها أقدم حيلة بترويج منتجات شارفت تواريخ صلاحيتها على الانتهاء, وسوق لعرض بضاعة مزجاة دون وعي ولا إحساس بقيمة الزمان، أو جلال الموسم، أو قدسية الشهر وكأن الزبون في كل مرة لا يتعظ, والسؤال: هل يصنف مثل هذه التصرفات تحت بند الغش والتدليس خصوصاً أن بعض المنتجات تنتهي صلاحيتها خلال شهرين أو ثلاثة؟ وموقف البيع هنا غير واضح للزبون الذي قد يشتري كميات أكبر من احتياجه للشهر الفضيل, ويضطر لتخزينها كما هو الحال مع معظم الأسر, والأكثر إيلاماً هو عندما تشوه مثل هذه المنتجات والعروض جمال الصدقات والتكافل الاجتماعي, التي يساهم المحسنون والجمعيات الخيرية في المجتمع بتأمينها لبعض الأسر المتعففة أو المحتاجة, ليفاجأ هؤلاء بأن تواريخ صلاحية بعض (أغراض رمضان) و(سلال رمضان) التي وصلتهم شارفت على الانتهاء.
وكلما كانت هناك أزمات وحروب كما هو الحال القائم وهي ظروف موضوعية في بلادنا يزداد الموقف صعوبة لدى أفراد المجتمع أمام عروض الأسواق ببقايا ما في مستودعات المخازن من بضائع وسلع ليضطر المستهلك إلى شرائها كضرورة حتمية ,وبالرغم ما يعانيه الجميع من ضعف قدراتهم المالية ,ومع ذلك فإن هذا الهجوم المحموم على كل شيء أصبح كل عام أمراً اعتيادياً, ونتيجته تخلص تلك المستودعات من كل الكميات المخزونة خلال هذه الموجه من الشراء, وهذا ما يسمى ثقافة الأكل الذي يعبر عنه الإحساس بالجوع والذي يؤدي إلى :
– رغبة داخل النفس لشراء مزيد من أصناف الطعام سواء من المطاعم أو المحلات التجارية .
– كثرة العروض المقدمة من المحلات التجارية تغري بالشراء أكثر ما جعل الشهر الكريم مناسبة سنوية للتسوق .
– تجمع العائلات بشكل كبير في المنزل الذي يكثر خلال الشهر الفضيل وما يتبعه من تقديم سفرة أكبر من المعتاد.
ولتقليص وضبط الإنفاق في رمضان يحب ما يلي :
– أن تعلم الأسر بأن الكميات الغذائية التي تحتاجها خلال الشهر الفضيل لن تتغير بشكل كبير عما يستهلك خلال السنة إنما تتم إعادة التوزيع بحسب التوقيت المختلف مع اختلاف بعض الأصناف .
– عدم التورط بعادات صرف فوق دخل الأسرة والابتعاد عن الديون
– وضع قائمة بالمشتريات الضرورية، وتقسيمها إلى فئتين الأولى مشتريات أسبوعية والثانية للشهر كله.
– وضع لائحة باحتياجات الأسرة المختلفة قبل شهر رمضان مقارنة بدخلها أو ما هو متوفر لديها من مال .
– عدم اصطحاب الأطفال للتسوق لأن النتيجة زيادة في الإنفاق عما هو مطلوب في الأساس، وضع رقم لا يتم تجاوزه وان كان أكثر من القدرة المالية يتم التخلص من بعض الأغراض.
– التفكير الجيد قبل شراء مواد وأغراض بدافع أنها عادة في رمضان.
ومن هنا نرى أن هناك خطوات صغيرة كثيرة كفيلة بتغيير تصرفات الناس وعندما تكون مجتمعة تستطيع التأثير, وقد يحدث ذلك تعديلاً إيجابياً يتفاعل مع الانضباط في الترشيد, والتغيير الاقتصادي في الآخر مصدره تغيير تصرفات الناس أفرادا وجماعات، وحان الوقت للتعامل مع الأمور بجدية أكثر كي يسمح للمعاني الطيبة في شهر رمضان بالظهور بصورة جلية.
* باحث في وزارة المالية