المساعدات الإنسانية.. والتضليل الإعلامي لبرنامج الغذاء العالمي
عبد الوهاب الوشلي
يعمل برنامج الغذاء العالمي ظاهرياً كخطوة أولى على جمع بيانات تفصيلية تتعلق بحالة الأمن الغذائي في عموم محافظات اليمن من خلال مسوحات دورية عبر عناصر فنية وتنفيذية، أجنبية وأخرى محلية
ضمن مجموعة الأمن الغذائي في إطار منظومة تنسيق العمل الإنساني بقيادة الأمم المتحدة. وتتعلق تلك البيانات التي يتم جمعها تفصيلاً بالزراعة والمخزون الغذائي والثروة الحيوانية والسمكية والمياه
وسبل عيش الأسرة اليمنية ومؤشرات السوق وبيانات تفصيلية أخرى، تمكنه هذه البيانات بعد جمعها وتحليلها وإخراجها طبقاً لمنهجية مدروسة فنياً، من التحديد الدقيق نسبياً لحالة الأمن الغذائي في جميع
مديريات ومحافظات الجمهورية اليمنية.
وبذريعة تقديم المساعدات الإنسانية، يسوغ برنامج الغذاء العالمي ضرورة إجراء تلك المسوحات الدورية بشكلٍ مستقل عبر شركاء تنفيذين للغذاء العالمي، بزعم الحياد والاستقلال وبحجة معرفة الاحتياج
الفعلي ميدانياً قبل تقديم المساعدة حد تبرير البرنامج.
وفي هذا الإطار، يقوم برنامج الغذاء العالمي بتحديد المناطق الجغرافية المستهدفة في عموم محافظات الجمهورية، ويضع المعايير العامة الفضفاضة لتحديد الأسر المستهدفة، ويصنف جغرافياً حالة انعدم
الأمن الغذائي في اليمن على مستوى المحافظات والمديريات إلى حالات:
شدة، أزمة، طوارئ، ومجاعة، كما يحدد البرنامج دون غيره كمية المساعدات المخصصة لكل محافظة مستهدفة على حده، ويترك للشريك التنفيذي التابع له عملية التحديد الفعلي والتسجيل وإعداد قوائم
المستفيدين على مستوى جميع نقاط التوزيع، وفقاً لمعايير الاستهداف الأسري المطاطية التي يحددها البرنامج.
وفي ذات السياق، يقوم الشركاء التنفيذيين لبرنامج الغذاء العالمي دون غيرهم بعملية توزيع المساعدات المقدمة، تماماً كما يقوم بالاستيراد والنقل والتغليف والتخزين والرقابة والتقييم شركاء آخرين تابعين
للبرنامج من شبكة تجار ومكاتب نقل وشركات خاصة ومنظمات دولية وغيرها. وتعقيباً على تصريحات إعلامية لبرنامج الغذاء العالمي بخصوص المساعدات الإنسانية، ينبغي أولاً تأكيد عدة نقاط نبينها في
التالي:
أولاً: من يقوم بتسجيل وإعداد قوائم
المستفيدين وتوزيع وصرف واستيراد ونقل وتخزين المساعدات المقدمة هم أساساً شركاء برنامج الغذاء العالمي.
ثانياً: يقوم برنامج الغذاء العالمي
بالرقابة مباشرة أو من خلال طرف ثالث شريك، بل أكثر من هذا يقوم مكتب الغذاء العالمي في الأردن بإجراء الاتصالات المباشرة مع المستفيدين من المساعدات الغذائية المقدمة بحجة التأكد من وصول
المساعدات كشكل من أشكال الرقابة الداخلية.
ثالثاً: تقوم الجهات المانحة الدولية
لبرنامج الغذاء العالمي باختيار طرف ثالث للقيام بعملية الرقابة على تقديم المساعدات كشكل من أشكال الرقابة الخارجية، ولا يملك البرنامج أن يختار الطرف الثالث الذي يتم اختياره وفرضه مباشرة من
قبل المانحين من بينهم السعوديين والأمريكيين، ومعلومٌ ما تخفيه كواليس السياسة وغطاء المساعدات الإنسانية.
ربعاً: يتفرد برنامج الغذاء العالمي
بجمع بيانات المستفيدين وإعداد القوائم عبر شركائه، بل لا يتم حتى مشاركتها مع الجهات الرسمية المعنية بحجة سرية بيانات المستفيدين، ويتهرب من تصحيح القوائم التي يشوبها العديد من الاختلالات، كما
يرفض أن تقوم أي جهة كانت رسمية أو غيرها بالتسجيل وإعداد القوائم وتحديد المستفيدين أو الرقابة على ذلك عدا الشركاء التنفيذيين لبرنامج الغذاء، ناهيك عن التوزيع وصرف المساعدات، وذلك بحجة
الحياد والاستقلال، ومعلومٌ للجميع حقيقة أبعاد السرية و المقاصد الفعلية لستار الإنسانية.
خامساً: يقدم برنامج الغذاء العالمي
للشعب اليمني غالباً مساعدات إنسانية ذات قيمة غذائية رديئة وفي بعض الأحيان لاتصلح أن تقدم للحيوانات، ناهيك عن الإنسان. وهناك العديد من الحالات التي تم توثيقها منها على سبيل المثال تلك
المساعدات الفاسدة التي تم توثيقها في محافظة صعدة بحضور مكتب البرنامج.
سادساً: هناك فساد كبير يتعلق
بالتكلفة الفعلية للسلة الغذائية التي لا تتجاوز عشرة الف ريال يمني في الحد الأقصى، فضلاً عن سلسلة التكاليف المضافة لتقديم المساعدة التي تتجاوز القيمة الفعلية للسلال الغذائية بنسبة قد تصل 500
% كأقل تقدير. وعلى سبيل المثال، هناك بيانات موثقة منها بيانات مشروع واحد يتمثل في تكاليف تتجاوز نصف مليون دولار لتوزيع فقط عشرة الف سلة غذائية في منطقة واحدة في محافظة حجة، ولكم أن
تتصوروا تكلفة التوزيع فقط، فما بالكم بالإستيراد والنقل والتغليف وغيرها من تكاليف تقديم الخدمة التي قد يطول سردها.
سابعاً: للأسف يُبدد جزء كبير من
منح المساعدات الغذائية في النفقات التشغيلية، حيث أصبح تقديم المساعدات الإنسانية تجارة أكثر من كونه عملاً إنسانياً، ولكم أن تتساءلوا عن الأثر الفعلي لمخصصات منح تقديم المساعدات الغذائية عبر
برنامج الغذاء العالمي التي تتجاوز مئات ملايين الدولارات والتي لا يصل منها إلى الشعب اليمني سوى فتات وبقايا برنامج الغذاء وشركائه التنفيذيين والقائمة تطول.
وللصحف الدولية والمحلية ووسائل الإعلام المختلفة النزول مباشرة إلى الشارع اليمني لتعاين الحقيقة وتتقصى واقع الحال وأثر المساعدات الغذائية المقدمة، خصوصاً تلك المساعدات المقدمة من قبل
برنامج الغذاء العالمي الذي ينفق الكثير لتحسين صورته إعلامياً.
ثامناً: هناك سوء توجية للمنح
والمساعدات الإنسانية يبدو انه متعمد، ويكفي أن نشير هنا إلى استمرار البرنامج في تقديم مساعدات طارئة لأكثر من أربع سنوات إلى الآن والذي يفترض أنها قد تحولت إلى مساعدات ذات أثر مستدام بدلاً
من توزيع مساعدات غذائية طارئة لا تسمن ولا تغني من جوع، ناهيك عن مساعدات الغذاء التكميلي التي يتم توزيعها للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية والتي تكفي تكاليفها للنهوض بقطاع الصحة
برمته، فضلاً عن برنامج التغذية.
تاسعاً: قام البرنامج في أحيان كثيرة
بتقليل كمية الحصة الغذائية المقدمة للأسر المستفيدة، لزيادة أرقام الأسر وعدد الأفراد المستهدفين بدلاً من زيادة كمية المساعدات هذا من جهة، ومن جهة أخرى يقدم البرنامج خطط شهرية بالكميات
المخصصة للمحافظات، وفي الغالب لا تصل كل تلك الكميات إلى المناطق المستهدفة ونقاط التوزيع وفقاً للكميات المحددة في إطار الخطط الشهرية، وهناك العديد من الحالات الموثقة.
عاشراً: يعلم القائمين على برنامج
الغذاء العالمي بذلك الفساد، كما يعلم البرنامج أيضاً علم اليقين في حالات كثيرة بتدوير المساعدات ذاتها التي يتم استيرادها ليتم توزيعها مرى أخرى، كيف لا وعناصر بذاتها في إطار منظومة عمل برنامج
الغذاء العالمي هي من تدير وتشارك في ذلك بطريقة أو بأخرى، وهناك حالات كثيرة يعلمها البرنامج.
ختاماً، على قاعدة أفضل وسيلة للدفاع الهجوم، تتضح حقيقة تصريحات المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي التي تندرج للأسف في إطار التضليل في محاولة للهروب من مسؤولية فعلية تقع في المقام
الأول على عاتق برنامج الغذاء إزاء تصحيح ومعالجة الفساد المستشري المصاحب لعملية تقديم المساعدات الإنسانية والذي تم تنويه البرنامج به لفترة طويلة، وأخيراً أقر به البرنامج عبر تصريحات
تضليلية لمديره التنفيذي، وما خفي كان أعظم.