التعسف في استعمال الحق
طاهر محمد الجنيد
لقد انزل الله الشرائع السماوية قاطبة وخاتمتها الشريعة الإسلامية لتعريف الناس بحقوقهم وواجباتهم سواء تجاه خالقهم وموجدهم من العدم أو تجاه بعضهم البعض، فإذا عرف الإنسان ربه وما يجب له من
حقوق وواجبات فإن حياته وسلوكه سوف ينسجم مع بقية المخلوقات التي وجدت من أجله ولضمان أن ينتفع بها في تسيير شؤون حياته، فهي أصلا وجدت له ومن أجله قال تعالى “وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأرَضِ جَمِيعًا مِّنْهُ”.
إن قصور الفهم وغياب الوعي في فهم هذه الرسالة السماوية التي جاء بها نبينا وحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قد أدى إلى حدوث كثير من التجاوزات وخلف الكثير من الإشكالات والفوضى.
ولأن الحرية المطلقة بدون قيود هي نوع من الفوضى ولا تتفق في جوهرها مع أساسيات التعايش بين مكونات وأفراد المجتمع، فقد اتجهت القوانين إلى سن الضوابط والمبادئ التي يجب مراعاتها عند
ممارسة الحرية فكما أن لكل إنسان الحرية في كل شؤونه فإن عليه واجبات تجاه المجتمع الذي يعيش فيه وبالتالي فإن ممارسة الحرية يجب أن لا تتعدى إلى الإضرار بالآخرين وكما يقال في المثل: ان
حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين.
ماهية التعسف:
إن التعسف هو إساءة استخدام الحقوق والسعي إلى الإضرار بحقوق الآخرين وهو إخلال يمارسه البعض، فإن كان ذلك، عن جهل فعليه أن يعلم، وإن كان عن علم فعليه أن يعي ويكف عن ذلك وللتمييز بين
الاستعمال المشروع وغيره من الأعمال نتعرف على تعريف التعسف وضوابطه وعلى النحو الآتي: يعرف أ. د عبدالرزاق السنهوري عميد القانون العربي التعسف بأنه استعمال الحقوق كما في إتيان
الرخص يجب أن لا ينحرف صاحبه عن السلوك المألوف للشخص العادي، فإذا انحرف عُدّ انحرافه خطأ بحقق المسؤولية ..”الوسيط في شرح القانون المدني”.
ومن خلال هذا التعريف نجد أن هناك ثلاثة مبادئ يجب مراعاتها عند استعمال الحقوق بحيث لا تخرج تلك عن هذه المبادئ فتتحول الممارسة إلى سلوك يجب مساءلة صاحبه
لتعديه وهي على النحو الآتي:
أ/ إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير.
ب/ إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها.
ج/ إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة.
وبخلاف ذلك فإنه إذا كان استعماله لحقه استعمالاً مشروعا فلا يكون مسؤولا عما ينشأ ( عن ذلك من أضرار وهذه هي المبادئ التي نص عليها القانون المدني المصري في المادتين ( 5،4 منه ونقلت عنه
معظم التشريعات العربية ومنها بلادنا.
إضافة إلى ذلك فإن القوانين الأخرى أضافت إلى تلك المبادئ أخرى تحدد متى يكون استعمال الحق ولاغبار عليه مثل مراعاة احكام الشريعة الإسلامية أو القانون أو النظام العام أو الآداب وايضاً أن لا
تتجاوز هذه الممارسات ما جرت عليه الأعراف والعادات.
فليست الحرية مطلقة في ممارسة الحقوق لأن معنى ذلك الفوضى التي لا تضبط السلوك ولا تضمن بقية حقوق أفراد المجتمع وبالتالي فمتى ما تم تجاوز في هذه الممارسات فإن ذلك سيؤدي إلى المساءلة
والتعويض عن الاضرار التي حدثت.
عوداً على بدء:لقد استغل كثير من ضعاف النفوس الوضع الذي تمر به بلادنا جراء هذا العدوان الهمجي فانطلقوا يمارسون ابشع أنواع الاستغلال ضد اخوانهم وأبناء شعبهم فظهرت كثير من صور الجشع
التي آلمت كل أبناء المجتمع في كل شأن من شؤون حياته ابتداء من رغيف العيش وصولاً إلى الغاز والبترول وأسعار الصرف والمتاجرة بالعملات وغيرها من الممارسات التي ارهقت كأهل المواطنين
ورفعت مستوى خط الفقر لدى طبقات أبناء المجتمع. استهداف القيم والمبادئ.
إن اليمن شعب حضاري منذ قديم الأزل فحضارته ضاربة في جذور التاريخ لا يضاهيه في ذلك أي شعب آخر، هو مخزن للأعراف والتقاليد الحميدة والرائعة والعدوان يعلم ذلك علم اليقين ولذلك فقد سعى
إلى تدمير هذا الارت الحضاري من خلال بعض ضعفاء النفوس والذمم الذين استأجرهم لإتمام مشروعه التدميري الذي لا يستثني أي شيء ولكن إرادة الله هي الغالبة ووعي أبناء اليمن كان له الدور الأكبر
في إفشال مخططات الأعداء وها هو شعبنا اليمني يثبت كل يوم أنه هو ذلك الشعب الذي اختصه رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالدعاء والثناء وأن الأعداء لن يستطيعوا تحطيم تلك المآثر
الخالدة والأوسمة الرائعة التي وضعها الرسول (ص) واثنى بها على أبناء اليمن، وكما قال صلى الله عليه وسلم “الايمان يمان والحكمة يمانية” ولو سلك الناس شعبا وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب
الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار أو كما قال (ص).
إن هذا الثناء والدعاء من الرسول يستوجب منا عملا دؤوباً وتفانيا وإخلاصاً حتى لا نقع تحت طائلة التقصير.. والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم والوكيل.