> بين طموحات خريجي الثانوية العامة ورغبات الآباء
> استبيان : 43 % من طلاب جامعة صنعاء اختار آباؤهم تخصصاتهم و21 % منهم يحلمون بتخصصات مختلفة و 31 % اختبروا القبول في تخصصات عدة
> نهايات تتكرر: ترك الدراسة.. دراسة تخصصين.. انعدام الرغبة وتبعا المعرفة بعد التخرج
> د. حميد الدين: انعدام التهيئة في الثانوية ولغة حوار بناء بين الآباء والأبناء أبرز أسباب الظاهرة
> زيد الفقيه: المشكلة تنعكس سلبا على الوطن بإنتاجها كوادر فاشلة ومهملة وعاجزة وفاسدة
الثورة / أحمد السعيدي
يكمل الطالب دراسته الثانوية ويشرف على الالتحاق بالجامعة لإكمال مسيرته العلمية نحو المستقبل والحياة العملية وهنا تتدخل رغبات وقرارات الآباء التي تفرض على الأبناء اختيار تخصصات جامعية لا توافق مواهبهم أو قناعاتهم أو طموحاتهم ولكنها تناسب وجهة نظر الاب الذي يعتبره الأبناء الخبرة في الحياة والحكمة في اتخاذ القرار وبعد مرور الوقت يكتشف الطالب انه في التخصص الخطأ ويجد نفسه غير قادر على التميز والمواصلة بسبب التناقض بين التخصص وشخصية الطالب ومهاراته وينتج عن ذلك ترك بعض الطلاب الدراسة الجامعية والبعض الآخر يعجز عن اكمال سنوات التخصص بسبب الرسوب والتوقف المستمر وهناك نموذج يضيع من عمره ما يقارب عشر سنوات في دراسة تخصصين ومؤهلين مختلفين لإرضاء والده ولتحقيق طموحه والبعض يتسبب لأهله وللمجتمع بالمشاكل المستمرة والبعض يتخرج لا يفقه شيئا فيكون عبئا على المجتمع والقطاع الذي يعمل فيه وغيرها من المشكلات التي تنتظر الابناء نتيجة هذه الظاهرة المنتشرة.
« الثورة « تطرح هذه الظاهرة من خلال بعض الأرقام والاحصائيات وتستعرض نماذج لضحاياها وأسباب حدوثها وتأثيرها على المجتمع والحلول الممكنة للحد منها،
نتائج صادمة وباعثة على القلق خصلت إليها دراسة مسحية أعدها مجموعة من طلاب كلية الاعلام بجامعة صنعاء العام الماضي حول مشاركة الآباء في اختيار التخصص الذي يختاره الابناء للدراسة الجامعية.
ابرز هذه النتائج التي اظهرها استبيان الدراسة ان 43% من اجمالي طلاب الجامعة في ذلك العام ومن جميع الكليات اختار الآباء التخصص المطلوب لهم عن طريق الاقناع أو الفرض!!
الدراسة بينت أن 21% من الطلاب يحلمون في دراسة تخصصات اخرى و9% منهم وافقت اختيارات آبائهم رغباتهم وطموحاتهم والباقي لم يكن لهم أي طموح لدراسة تخصص معين وأوكلوا مهمة الاختيار إلى ابائهم بسبب خبرتهم في الحياة وحكمتهم في اتخاذ القرار.
المشرفة على هذه الدراسة المعيدة بلقيس الوادعي , أكدت أن 31 % من طلاب جامعة صنعاء لذلك العام سجلوا في عدة كليات واختبروا القبول فيها جميعها وانتظروا قبولهم في أي كلية حسب نصائح آبائهم في الحصول على أي شهادة بأي تخصص من جامعة صنعاء بدلا من دراسة التخصص الذي يميلون إليه.
وأضافت الوادعي أن عددا كبيرا من طلاب كليتي الحاسب الآلي والآداب قسم انجليزي وجدوا معارضة كبيرة من آبائهم الذي لم يقتنعوا بهذين التخصصين لانعدما درايتهم أو خبرتهم فيهما واعتبروهما مضيعة للوقت والسبب في ذلك انعدام أهمية الحاسوب واللغة في الزمان الذي عاش فيه الآباء بعكس الوقت الحاضر الذي أصبح من لا يجيد الحاسوب واللغة أميا.
نماذج معاناة
ومن خلال التحقيق في هذه المشكلة عن طريق البحث والسؤال تعرفنا على عدد من النماذج التي اكتوت بنار هذه المشكلة وغيرت ملامح مستقبلها ودفنت طموحاتها.
من هؤلاء الطالب وديع مغلس الذي اجتاز الثانوية العامة بمجموع 88% أجبره والده على دراسة الهندسة التي اعتبرها والده مصدرا للرزق الكبير بينما كان حلمه ان يصبح طبيبا وان يدرس الطب وبعد امتثاله لوالده ترك الدراسة الجامعية في السنة الثانية من الالتحاق ويتحول للعمل في احد الافران في امانة العاصمة.
وليد العرشي – هو الآخر وجد صعوبة كبيرة في دراسة الطب الذي اجبره والده وعمه على دراسته وهو الان يعاني في اكمال دراسته في السنتين الاولى والثانية وقد ابقى عددا من المواد وأوقف القيد مرتين وهو الآن عاجز عن مواصلة دراسته.
دراسة تخصصين
الطالبان انور السراجي ومحمد محبوب بعد أن أكملا دراسة البكالوريوس في كلية التجارة جامعة صنعاء إرضاء لوالديهما هاهما اليوم يلتحقان بجامعة المستقبل للحصول على شهادة البكالوريوس ايضا لكن في التخصص الذي يهويانه ولهما ابداعات ومواهب فيه وهو الاعلام لتضيع من عمريهما أربع سنوات في دراسة تخصص فرضه والدهما عليهما للاستفادة منهما في تجارتهما.
اما الطالب وسيم عزالدين فقد وجد نفسه مفصولا من جامعة صنعاء نهائيا بسبب كثرة مشاكله واعتداءاته على زملائه الطلاب واخيرا على دكتور في كلية الشريعة كل ذلك بسبب ارغامه من قبل والده على الالتحاق بكلية الشريعة والقانون التي لم يحبها يوما ما, كما يقول.
وهناك من النماذج الكثير والكثير وقصص مختلفة من نفس المعاناة التي يتسبب فيها الآباء بغير قصد في حق أبنائهم الطلاب ومستقبلهم وهناك من يتسول بشهادته الجامعية واخر يعرض شهادته في العربة التي يسرح بها في الشوارع .
أسباب وحلول
عند البحث في أهم الأسباب لمثل هذه الظاهرة وتأثيرها على مستقبلهم ومستقبل اوطانهم التقينا الاخصائي الاجتماعي واستاذ علم النفس في جامعة دار السلام / محمد حميد الدين حيث قال :
« يتخرج عدد كبير من ابنائنا الطلاب من مرحلة الثانوية العامة ويقفون على أبواب الجامعات الحكومية والخاصة وهم غير مدركين أهمية التخطيط للمستقبل من خلال اختيار المجال والتخصص الذي يناسب طموحاتهم ومهاراتهم وتنعدم لديهم الرؤية الشاملة عن ابرز التخصصات الجامعية بايجابياتها وسلبياتها ولذلك تجدهم مستسلمين لقرارات ورغبات الآباء وأولياء امورهم في اختيار التخصص والكلية التي لابد ان يلتحق بها.
ويرى الدكتور حميد الدين أن سبب هذا القصور المعرفي والتخطيط للمستقبل لدى الطلاب خريجي الثانوية العامة ناتج عن عدم وجود اي اهتمام في مرحلة الدراسة الثانوية بهذا الجانب وقد طالبنا سابقا وزارة التربية والتعليم خلال مؤتمرات وندوات ان تكون هناك مادة دراسية ومدرس متخصص يعرف الطلاب أهمية التخطيط للمستقبل وكيفية اختيار التخصص الجامعي عبر معايير وأسس تتعلق بشخصية الطالب ومواهبه وهواياته ومهاراته وايضا تشرح كافة جوانب التخصصات والكليات الموجودة في الجامعات اليمنية ليعلم ماذا سيصبح وكيف سيكون في عمله بعد التخرج من الجامعة وايجابيات وسلبيات كل تخصص والمواد التخصصية ايضا وغيرها من الأشياء التي تساعد الطالب على اتخاذ القرار المناسب مستقبلا.
غياب الحوار
كذلك الطلاب الذين لديهم طموح ورغبة في الالتحاق في تخصص معين يوافق مهاراتهم وقدراتهم وعندهم رؤية عن المستقبل والدراسة الجامعية ولكنهم يجدون أنفسهم مرغمين من قبل آبائهم وذويهم على الالتحاق بتخصصات ليست من اختيارهم ولا تناسبهم يرجع الدكتور محمد حميد الدين السبب هنا الى انعدام لغة الحوار بين الأبناء والآباء.
ويقول: هذا مما لا شك يوثر على مستقبل الابناء ليس في هذه النقطة فحسب بل من نواح مهمة آخرى تتعلق بمستقبل الشاب كالزواج واختيار الأصدقاء وطاعة الوالدين وغيرها ومع ثقتنا أن الآب دائما يحب مصلحة ابنه ويريد له الخير والتوفيق في حياته ولا يوجد أب يكره مصلحة ابنه إلا أن هذا الحب والمساعدة تكون بطريقة خاطئة قليلا فهو يرغمه على الالتحاق بكلية معينة تحت مبررات عدة وليس بشكل عشوائي.
مبررات الآباء
من هذه المبررات يذكر حميد الدين رغبة الأب أن يجعل من الابن نسخة منه ليساعده في دراسته وتوفير فرصة عمل له بسهولة فالمهندس يتمنى ان يصبح ابنه مهندسا لانه وجد النجاح في هذا التخصص ولم يجرب غيره وكذلك مع بقية التخصصات, وهناك من الاباء من يريد ابنه مثل فلان أو علان ونوع آخر من الاباء يفكر في ارغام ابنه الدخول في تخصص معين ليدير ممتلكاته في المستقبل بعد وفاته ولا يضيع ما بناه الأب وبعض الآباء يتمنى أن يعوض ابنه ذلك الطبيب الفاشل او التاجر الشجع, أو المهندس المخادع الذين رآهم في حياته وغيرها من الأفكار التي تخطر على بال الاباء .
كل ما سلف يعود بالدكتور محمد حميد الدين إلى الحاجة إلى إيجاد لغة حوار بناء بين الآباء والأبناء قائلا: هنا أهمية وجود لغة الحوار بين الأبناء والآباء وتعريف الاباء بمفاهيم ومعايير وأسس جديدة لم تكن موجوده في زمانهم عند اختيار التخصص المناسب والتخطيط الجيد للمستقبل .
أضرار عامة
لا تقتصر أضرار هذه المشكلة الظاهرة على الطلاب وحدهم بل تتجاوزهم تداعياتها إلى إلحاق اضرار كارثية عامة تطال المجتمع والوطن بأكمله جراء تخرج اعداد من حملة الشهادات الجامعية غير أكفاء أو غير متمكنين من تخصصاتهم ويشغلون وظائف مهمة بحسب الاستاذ زيد الفقيه.
يقول الاستاذ / زيد الفقيه – الذي يعمل في الهيئة العامة لمكافحة الفساد:
« تبدأ الحكاية عندما يلتحق الطالب بكلية لا يرغب فيها ولا يجد فيها نفسه ويظل يصارع فيها ارضاء لمن شار عليه أو ألزمه بالالتحاق بها وهكذا حتى تنقضي سنين الدراسة وينال شهادة البكالوريوس بتقدير ضعيف أو متواضع وبفائدة علمية تكاد تكون معدومة ودراية وخبرة محدودتين بسبب انعدام الرغبة في دراسة هذا التخصص وتضييعه الوقت في دراسته.
يضيف الفقيه: بعد التخرج من الجامعة يقوم الأب بإيجاد وظيفة حكومية أو خاصة للابن ويصبح ذلك الابن مسؤولاً عن رعية من ابناء الشعب ونتيجة لتقصيره في التحصيل العلمي في دراسته الجامعية يكون التقصير في اداء عمله ويتحول هذا التقصير الى خيانة للأمانة وفساد مالي واداري واستهتار بمصالح المواطنين وقد يتدرج هذا الفاسد في مناصب عليا بقليل من الوساطة واللباقة ليتجرع الوطن والمواطن نتيجة هذا الخطأ الذي يراه الآباء بسيطا ويشاركهم الابناء في ذلك.
تبدو المشكلة الظاهرة خطيرة جدا بنظر الفقيه وغيره كثيرون فهي بحسب الفقيه تتسبب في انتاج الفساد العام في المجتمع.
يقول مختتما حديثه :عندها سيعم الفساد انحاء البلاد ويتسبب في اضرار كارثية على الوطن والمواطن لأننا سنجد المهندس الفاشل والتربوي المرتشي والطبيب المهمل والمحاسب الفاسد والوزير الغشيم وغيرهم من النماذج التي تضطلع بأعمال تتعلق بمصالح الشعب وحياته «.