القرصنة الأمريكية الصهيونية ٢-٢
محمد ناجي احمد
الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تقودان عملية رفض لأية عملية سلام حقيقية في المنطقة العربية ،بحسب ما يورده تشومسكي في كتابه آنف الذكر . وهاهم اليوم يتخلون بشكل فعلي عن الاتفاقيات الموقعة مع الأردن والسلطة الفلسطينية ،والأردن والسلطة الفلسطينية يلهثان وراء الاتفاقيات ،ويقبلون بالتوقيع عليها ،ويقبلون برفض الكيان الصهيوني لها !
عندما قصفت إسرائيل مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في تونس منتصف الثمانينات ،وجد أحد الصحفيين بين الأنقاض صورة لياسر عرفات مكتوب تحتها ” لقد أرادوا قتلي بدلا من التفاوض معي ” هنا كعب أخيل العرب ،اللهاث خلف المفاوضات ،وبشروط مهينة واستسلامية .
ظل ياسر عرفات منذ خروجه من لبنان بداية الثمانينات يصرح بأنه يريد الاتفاق مع إسرائيل والسلام معها ،لكن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل كانتا ترفضان تصريحاته ولا تعير انها اهتماما !
إنها القرصنة الإمبراطورية تلك التي تجعل السعودية تقدم المال للقرصان مقابل الحماية ،بل وتستعين بشركة أمريكية متخصصة لتحسين صورتها في الإعلام الأمريكي وأمام دوائر الكونجرس ، وتقدم أموالا لأعضاء في الكونجرس مقابل الدفع بهم للتصويت لصالح بعض القوانين التي تخدم هذا الرئيس أو ذاك كما حدث في عهد الرئيس كارتر حين أراد تصويتا لقانون ما فتفاجأ بتدخل السعودية لدى بعض الأعضاء ،كما يشير إلى ذلك الرئيس جيمي كارتر في مذكراته . ولكي لا نذهب بعيدا في التأويل وتضخيم دور المال السعودي في صناعة القرار الأمريكي فمن اللزوم أن نوضح أن تعامل قراصنة أمريكا كمؤسسات وأفراد مع المال السعودي يتم بضوء أخضر ،وفي حدود الهامش الذي لا يضر بالأمن القومي الأمريكي ، وفي نفس الوقت يدر لهم أموالا من مشيخات النفط الخليجية !
يستعين القرصان الأمريكي ببريطانيا في ما يخص المنطقة العربية والشرق أوسطية ،فلقد كان كسينجر في أعقاب حرب 1973م عندما يتنقل بين عواصم الشرق الأوسط و “واشنطن ” يتخذ ” لندن ” محطته في الذهاب والإياب طلبا للنصيحة واستطلاعا للرأي .ص44 –محنة أمة –مصطفى الفقي – دار الشروق 2003م .
تتحدد رؤية القرصان الأمريكي نحو فلسطين بما عبر عنه ” إدوارد جورجيان ” الأرمني الأصل وسفير الولايات المتحدة الأمريكية السابق في دمشق ،ومدير معهد “جيمس بيكر ” بطرح فكرة أن يتنازل الفلسطينيون عن حق العودة في مقابل تنازل إسرائيل عن حلم ” إسرائيل الكبرى ” ص44-المرجع السابق ؛ أي تنازل عن الحق في مقابل تنازل عن أوهام وأحلام ، هذه هي مقايضة القرصان ،يأخذ منك كل شيء مقابل اللا شيء !
حين بدأ القرصان الامبراطوري الأمريكي في عهد الرئيس ” إيزنهاور” في ما عرف ب”مبدأ إيزنهاور ” بالحديث عن “نظرية الفراغ ” لربط المنطقة العربية والشرق أوسطية بسياساته وأحلافه الموالية له لم يقترب من المنطقة العربية بطريقة البريطانيين والفرنسيين وإنما اكتفى بالرصد البعيد للمنطقة مع استقبال لتدفق المعلومات منها ،بينما أسلوب البريطانيين يقوم على الاهتمام بالرأي العام ،واحتواء الأنظمة والتعايش مع الجماعات وتفهم العقلية السائدة ،بحيث تكون قراراتها متفهمة ومستوعبة لروح كل قطر في الشرق الأوسط . أضف إلى ذلك بحسب الدكتور مصطفى الفقي في كتابه آنف الذكر –أن الأمريكيين لم يعرفوا المنطقة من خلال ظاهرة “الاستشراق “على النقيض من بريطانيا وفرنسا ،وبالتالي لم يتعمقوا في ثقافة المنطقة ومكوناتها الاجتماعية . إضافة إلى أن رؤية الأمريكي للمنطقة بعد حادثة 11سبتمبر 2001م أصبحت محكومة بهاجس الإرهاب والتطرف وتعزيز الكراهية ضد المسلمين ؛ أي محكومة بما نظر له صمويل هنتجتون من صراع الأديان والثقافات ” صراع الحضارات ” .
التباين بين الموقف الأمريكي والموقف الأوروبي من المنطقة هو اختلاف تكامل وليس صراع أضداد، فمع اتخاذ أمريكا قرارها لغزو العراق كان التباين والخلاف وحدة التصريحات بين الإدارة الأمريكية من جانب وفرنسا وألمانيا من جانب آخر . وهاهم اليوم يختلفون بخصوص الاتفاق النووي الذي وقعوه مع إيران . لكن هذا التباين ينبغي ألاً يراهن عليه وعدم تحميله أكثر مما يحتمل ،فالإفراط في تفسير الاختلاف بأنه صراع أضداد ليس صحيحا ،لأن مظلة الاطلنطي تحتوي الجميع ،وهناك كما يرى مصطفى الفقي في كتابه “محنة أمة” حماس غربي يستند إلى تقاليد حضارية استعمارية ثابتة ،تمثل القاسم المشترك على ضفتي المحيط ،ينطلق من الفكر الغربي المسيحي ،وهو تحالف ولد من حربين عالميتين ،وعن تماسك في الجبهة الغربية إزاء الشرق الأوسط ومرحلة الحرب الباردة ،وأهمية التجانس الحضاري والتقارب الثقافي بحسب مصطفى الفقي “يجعل الأسس التي يقوم عليها التحالف الغربي منطلقة من التاريخ أكثر من اعتمادها على الجغرافيا ،فالأصول متباينة واللغات مختلفة لكن الغطاء الحضاري واحد والنسيج التاريخي مشترك ،ولقد شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في أوروبا في فترات مختلفة ما يمكن تسميته بخلاف الأصدقاء ” ص192- محنة أمة.