لماذا تتصدّر الإمارات معركة الساحل الغربي؟
علي مراد
تتوالى هزائم الغزاة على أبواب مدينة الحديدة ومدرج مطارها، في استماتة لتحقيق نتائج يصبو إليها الإماراتيون والسعوديون ومن خلفهما تكتّل من قوى الاستعمار الذي تتزعّمه واشنطن. أكثر من شهر على بدء معركة الساحل الغربي اليمني، وقوى العدوان لم تنجح إلاّ في وضع قواتها من المرتزقة في مصيدة الحصار والاستنزاف. لكن لماذا هذه الاستماتة للسيطرة على الحديدة ومينائها؟
منذ العام الماضي يحاول تحالف العدوان على اليمن انتزاع أي انتصار لتثميره على طاولة المفاوضات مع حركة انصار الله، وقد ترجمت ذلك الزيارات المشبوهة للمبعوث الأممي السابق ولد الشيخ أحمد ثم سلفه مارتن غريفيث عند كل هجوم شنّته قوات أبوظبي والرياض. موظف الامم المتحدة كان يحط في صنعاء على وقع فوّهات المدافع والغارات الجوية والزحوفات البرية. الواقع أن غريفيث في زيارتيه الأخيرتين لم يكن يحمل عروضاً تفاوضية كما تؤكّد مصادر يمنية مطّلعة، بل شروط دول العدوان المطلوب تنفيذها، وإلا استمرار القصف والحصار والتجويع.
اللافت في معركة الساحل كان تصدّر الإمارات المشهد القيادي أكثر من السعودية هذه المرة. يبدو أن واشنطن قرّرت إيكال مهمة الهجوم على الحديدة لأبوظبي لعدّة اعتبارات، اهمها علاقة الاماراتيين وتنسيقهم عالي المستوى مع الاسرائيليين، وأيضاً بسبب خيبة الأمل الاميركي من الأداء السعودي العسكري الضعيف في العدوان. الواقع أن أبوظبي تعتبر معركة الحديدة معركتها، رغم أنها فضّلت منذ بداية العدوان على اليمن العمل في مناطق الجنوب اليمني، وهي سارعت مبكّراً لوضع يدها على الموانئ الساحلية الجنوبية مع انسحاب قوات الجيش واللجان الشعبية في ربيع 2015، وشرعت ببناء منشآتها الخاصة في أكثر من ميناء على امتداد الساحل الجنوبي من الحدود مع سلطنة عمان شرقاً الى ميناء عدن غرباً، وحرصت على السيطرة على الجزر اليمنية المنتشرة في بحر العرب وأهمها جزيرة سقطرى وصولاً الى جزيرة ميون عند مضيق باب المندب. على الجهة الأخرى من سواحل القرن الأفريقي، عملت الامارات على بناء قواعد عسكرية ووضعت يدها على موانئ مهمة في اريتريا وجيبوتي والصومال (مؤخراً وقع خلاف اتّهمت فيه مقديشو الإماراتيين بمصادرة السيادة الصومالية). إذاً يتّضح ان الإماراتيين يهدفون لوضع يدهم على ساحلَي اليمن شرقاً والقرن الإفريقي غرباً لما تمثّله المنطقة من موقع جيوستراتيجي للتجارة الدولية وحركة الملاحة العالمية.
لمدينة الحديدة ومينائها أهمية كبيرة في قلب مشروع الهيمنة الذي تسعى الإمارات فيه لتكون وكيلة كل من واشنطن و”تل أبيب” في الجزء الجنوبي من غرب آسيا. لم يستطع رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو قبيل بدء العدوان على اليمن أن يخفي قلقه من وجود حركة أنصار الله عند مضيق باب المندب وقد حذّر هو وجيشه من خطورة ذلك على مصالح “الكيان الاسرائيلي” الجيوستراتيجية. يضاف إلى الأهداف الاستراتيجية للسيطرة على الحديدة ما جاء على لسان الجنرال السعودي المتقاعد أنور عشقي في لقائه عام 2015 مع دوري غولد مدير عام وزارة الخارجية الاسرائيلية السابق، خلال ندوة نظّمها مجلس العلاقات الخارجية الأميركي. في حينه تلا عشقي خطة سمّاها “خطة العمل المشتركة الاسرائيلية السعودية”، وفي بنود الخطة السبع بند أشار فيه الى جسر يصل قارتي آسيا وأفريقيا من ميناء النور في جيبوتي الى ميناء الحديدة، الذي سيربط اتحاداً في القرن الإفريقي مع اتحاد في شبه الجزيرة العربية (الاتحاد الخليجي).
قبل ستة أيام نشر وزير الدولة الاماراتي أنور قرقاش مقالاً في صحيفة “التلغراف” البريطانية بعنوان “لهزيمة الحوثيين في اليمن، يجب أن نحرر الحديدة”. في مقاله يقول قرقاش بوضوح أن “خيار السيطرة على الحديدة يعدّ الأخير المنطقي المتبقي”، ليتّهم بعثة الأمم المتحدة لمراقبة وتفتيش السفن في ميناء الحديدة بالتقصير و”عدم قدرتها على وقف عمليات تهريب السلاح للحوثيين”. وعاد قرقاش قبل يومين ليغرّد من حسابه على تويتر بأن “السيطرة على الحديدة ستؤدّي إلى تقصير مدة الحرب”. هنا يتّضح الهدف المباشر لمعركة الحديدة، بحيث يتأكّد الرأي القائل بأن تحالف العدوان يسعى لاستعمال السيطرة على الميناء (شريان الإغاثة والمساعدات الوحيد لمناطق سيطرة المجلس السياسي الأعلى) والتحكّم بتوزيع شحنات الدواء والغذاء والوقود لابتزاز أنصار الله في صنعاء ودفعهم للاستسلام. بكل وضوح يعبّر قرقاش عن نوايا استعمال التجويع كسلاح حرب وهو من أكبر الجرائم بموجب القانون الدولي الانساني. لكن كلاً من أبوظبي والرياض تعرفان مسبقاً عواقب هذه الخطوة على المستوى الدولي، لذلك قامتا بالاعلان في مؤتمر صحفي الاسبوع الماضي عن ما سمّتاه “مبادرة إنسانية وجسر إغاثي جوي وبحري لمساعدة سكان الحديدة”، مدّعيتين انهما بصدد إغاثة نحو 660 ألف يمني، دون إغفال تحميل حركة انصار الله مسؤولية الجوع والأمراض وسوء الأحوال الإنسانية في الحديدة وباقي المناطق اليمنية.
الإمارات التي جنّدت قوات سلفية قاعدية (ألوية العمالقة) من الجنوب اليمني وفلول قوات علي عبدالله صالح ومرتزقة من السودان وشركات أمنية متعددة الجنسيات، تبدو مرتاحة لجهة عدم تحمّلها خسائر مباشرة من جنودها في المعركة، فبالنسبة لها اليمنيون يقتلون بعضهم بعضاً في هذه المعركة، وهي تجد نفسها غير مضطرة لتحمّل أعباء أخلاقية ونفسية أمام المرتزقة الذين جندتهم، فجثث هؤلاء المنتشرة على طول الخط الساحلي تتحلّل على الاسفلت وعلى جوانب الطرقات دون أي اكتراث باسترجاعها. لكن ليس من مصلحة ابوظبي ولا الرياض ولا واشنطن من خلفهما أن تطول مدّة هذه المعركة، لأن الرأي العام الدولي هذه المرة يصرخ ويحذّر من تبعات هذه المعركة على الجانب الإنساني منذ ما قبل بدايتها، والأكيد أن منسوب الاعتراض حتى داخل واشنطن نفسها سيزيد في الأيام القادمة.
*كاتب متخصص في الشأن الخليجي