الثورة | يحيى الشامي
من حجم زحوفاتهم وزخمها البشري والآلي الكبير يتأكد لنا أن العدوان خسر في جبهة المتون – الجوف منطقة استراتيجية بالغة الأهمية، وقد تكون هذه الخسارة الضربة المباغتة التي أجهزت على خططهم العملياتية وتخطيطاتهم الميدانية المعدّة من أشهر سبقت العملية، وفق حسابات تشبيك الجبهة ومد خطوط النار من قُبالة منفذ الخضراء- نجران مروراً بصحراء خب والشعف وجبال وخبوت صبرين وصولاً الى الحزم مركز المحافظة، لأشهر تجاوزت الثلاثة جرى ترتيب الوضع من قبل المنافقين ولساعات لم تتجاوز الـ 24 ساعة أسقط المجاهدون مخطط العدو، وأهداف العدوان، ما يجعل العملية برمتها نجاحٌا يتجاوز -جغرافية المعارك وحساباتها الراهنة الى التساؤل عن مدى قدرة العدوان بجيوشه ومشاريعه – إن وجدت- على الاستقرار في ظل دراماتكية التغيرات السريعة التي يصنعها المقاتلون اليمنيون بين لحظة وأخرى.
-تفاصيل ما قبل العملية:
في العملية الأخيرة التي نفذها مجاهدو الجيش واللجان الشعبية في مديرية المتون محافظة الجوف تفاصيل عسكرية تستحق تسليط الضوء عليها من أكثر من زاوية وجانب.
ولفهم جانب منها ينبغي أن تُفهم جغرافية التوسع وخرائط خطوط النار في الجوف وخاصة في صحاري خب والشعف، كما أن تفسير ردود الفعل المندهشة والمصدومة من جانب قوى العدوان ومنافقيهم يجب أيضاً أن تعرّف المعركة هنالك بلغة الأرقام وهي – للأسف- لغة تغيب في أغلب الأخبار عن معظم الجبهات وتفاصيل المعارك فيها.
ما يعنينا هنا أن ننوّه الى أن معارك المرتزقة والمنافقين امتدّت طيلة أكثر من تسعين يوما عاود فيها المنافقون الزحف على المتون من عدة محاور والتفوا عليها من أكثر من اثنتي عشرة منطقة، وكل هذه الزحوفات حشد لها العدوان مئات المُدرّعات بأنواعها، وجلب لها المرتزقة بعد تجميعهم من عشرات الجبهات ومعسكرات التدريب التابعة لقوى العدوان، أما بالنسبة لغطاء الجو فيبدو من كثافة التحليق واشتداد القصف والعدد المهول للغارات المُساندة للزحوفات أن غُرفَ عمليات العدوان خصّصت سرباً من طائرات الأباتشي والطيران الحربي والتجسسي في مهمة مساندة المنافقين أثناء زحوفاتهم على الجوف صوب مديرية المتون، وعن أعداد الهلكى والمصابين في صفوف المنافقين فذاك أمرٌ تُنبيك به صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بما تطفحُ به من أخبار غير منتظمة ولا مضبوطة تأتي من مشافيهم ومراكزهم الصحية وأخبار وقصص جرحاهم.
كل تلك التضحيات الكبيرة قدّمها العدوان في سبيل تحقيق الخرق المنشود بالنسبة له والذي يقصد تأمين الطريق الواصل بين منفذ الخضراء وحتى مركز مديرية الحزم، وقد توسع العدوان كثيراً في فيافي الصحراء ونشر الآلاف من المنافقين فيها، وعمد الى تنفيذ عشرات الالتفافات حتى باتت الحرب هنالك تُعرف بـ”حرب الالتفافات”.
لم يكن أمام قادة العدوان خيار سوى اجتياز مسافات كبرى قد لا تخطر على بال مراقب عسكري ولا خبير، إحدى هذه الالتفافات استهدفت المتون قبل ثلاثة أشهر عبر اختراقات متعددة، لكنها فشلت بثبات وصمود أبناء المديرية، ومجاهديها من الجيش واللجان الشعبية، عاود المنافقون الزحف مرات عدة وتمكنوا بفعل أعداد مقاتليهم الكبيرة من احداث اختراق تصوّروه كنصرٍ استراتيجي بالغ الأهمية لا لأهمية المنطقة ولكن لضخامة التضحيات المقدمة من أجله، عاش المنافقون وهم الانتصار لأيام قليلة، وقبل أن يُفكّروا بالتالي أو يُخططوا للعملية القادمة، أو حتى يؤمنوا محيط “الخرق” باشر مجاهدو الجيش واللجان الشعبية يُساندهم أبناء المتون في تنفيذ عملية مباغتة و واسعة في حصيلتها إنهاء لجهود ثلاثة أشهر من الجهود والخسائر التي بذلها العدوان، العمليّة أخرجت المنافقين من مناطق واسعة من تلك التي كانوا سيطروا عليها، وذلك في الجزء الأول من العملية المرتدة للمجاهدين والتي استمرّت اثنتي عشرة ساعة تقريباً، تواصلت العملية مستفيدة من حالة الإرباك الكبير في صفوف المنافقين مشكلة ضغطاً عسكرياً وملاحقة أخرجتهم من آخر مواقعهم في مزوية وهي المنطقة الأشد تحصينا والأكثر تأمينا بالنسبة للمنافقين، وهي – مزوية- كانت أشبه بنقطة تجمّع أخيرة حُشد اليها المنافقون بعد فرارهم من بقية المواقع في المتون، انتهت العملية ليلاً لكن أخبار الانهيارات الضاربة في أساط المنافقين تواصلت حتى أيام، وفيها انسحاب أعداد كبيرة من الآليات والعتاد الحربي جرى نقله الى مواقع أخرى في مناطق المنافقين سواء في الحزم أو في مناطق من صحراء خب والشعف، والنتيجة الأهم للعملية هذه انهيار المخطط والعودة إلى مربع الصفر بالنسبة للهدف المتعلق بتأمين خط من منفذ الخضراء مروراً بصحراء خب والشعف وحتى المتون فمديرية الحزم وربما كان يهدف فيما يهدف اليه أيضأً بلوغ مديرية نهم وبالتالي إسناد مقاتلي العدوان هنالك بالآليات المدرعة التي يتعذّر إدخالها من مناطق أخرى، وهكذا بضربة واحدة ولساعات قليلة تلاشت جهود أشهر وركام من انتصارات وهمية مجمّعة بخروقات ميدانية خلال ساعات قليلة، أعادت إلى الأذهان أخبار عمليتي نهم الأخيرتين واللتين تشبهان عملية المتون من ناحية التخطيط والتنفيذ زمناً وإدارة.