مشاهدات اليوم الرابع في الحديدة

عبدالجبار الحاج
مستوى معيشة السكان في كل جهة من أرضنا وأوضاعهم المعيشية هي التي تحدد إن كانت هذه الجهة أو تلك هي الخاصرة الرخوة أم لا . وهي ثغور اليمن البحرية والبرية التي يمكن أن يتحول سكانها إلى سور عالٍ منيع أو أرض مفتوحة . فعلى قول الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز في رده على أحد عماله أو ولاته الذي طلب منه مالا لتسوير المدينة التي يتولاها. فرد عليه بكلمتين :
..)حياكم الله .. سورها بالعدل(
كثيرا ما نظرت واعدت النظر في مشكلة الفقر المدقع في تهامة الحديدة خاصة وفيما لو وضعت نفسي في موضع القرار فإنه لاحل أمامنا إلا ببرنامج شامل للإصلاح الزراعي وقانون تحرير الأراضي كحل وحيد لمشكلة الفقر والفاقة والاكتفاء واستعادة موارد خزينة الشعب ..
تلك هي الوجهة الحتمية لحل مشكلة الأرض في تهامة خاصة واليمن عامة عاجلا .. وهو حل جذري يعيد للدولة حق مهدور وموارد تنتهب ..
لابد من تأمين لقمة البطون الخاوية للملايين لشد الضمور في الجسد المهترئ إذا أردنا استعادة القوة في الخاصرة الرخوة فيعود الجسد الوطني صلبا منيعا أمام عاتيات الأطماع والاحتلالات ..
البداية تكمن في حل مسألة الأرض الزراعية والأرض العقارية في تهامة أولاً وفي عموم وديان اليمن عامة.. هو الحل الأوحد والآن في ظل العدوان نعم ..
وكل خطاب يدعو للتأجيل أي تغيير في أي مجال خطاب مخادع وزائف بغيته إبقاء الحال على ما هو عليه ..
حل مسألة الأرض في اليمن هو الجذر في تشعبات المشكلة الاقتصادية والأوضاع المعيشية البالغة الصعوبة والسوء والعدم ..
هو الخيار الذي لا مناص عنه إذا أردنا أن نعيد للشعب حقوق اغتصبها ويغتصبها سماسرة النهب والاستثمار والخصخصة بكل مجالاتها خلال عقود وأجيال العدالة هي مفتاح كل الآفاق المغلقة …. والعدالة مقترنة بكرامة العيش في كل مجال يناسب ويليق بكل إنسان خلق لينتج على عمل بعينه ومنها كل الفنون والعلوم والحرف والمهن ومنها الزراعة والصيد والعمل مع مبدأ ضمان حق التعليم والصحة بكفالة الدولة وإلا ما هي ماهية الدولة وما أهليتها وما شرعيتها وما معنى حماية الدم والعرض فحماية المال لاتعني حماية المال حراسة اللصوص والنهابة وممتلكاتهم الفيدية بل مال المساكين وممتلكاتهم التي يجب أن تؤمنها دولة ما ..وهذا لايمكن أن يتأتى إلا بحكومات شعبية وبرامج جذرية…
تحتضن تهامة الحديدة أهم الأودية الخصيبة في اليمن هي سلتنا الغذائية بحق وهي مفتاح الحل لمشكلات اقتصادية اجتماعية مستفحلة وهي مساحة مفتوحة لأن تستوعب عمليات إعادة توزع ديمغرافي وفق ظروف وشروط عمل إنتاجي قوامه الفلاحون تعيد توزيعه إرادة الناس المحضة وأرزاقهم وليس بإعادة توزيع قسري للسكان .
.. بيد أن هذه الوديان تحولت على مر مراحل الأنظمة التي تقلبت على حكم اليمن خلال قرن .. إلى فيد مفتوح لأيادي النهب الرسمي المنظم وتشكلت إقطاعيات سيطرت على الأرض وأحرمت الملايين من حق الارتباط في الأرض وهي من الأسباب التي تجعل الناس عازفين عن القضايا الكبرى ليس كلهم بل الغالب لكن الأمر ليس رغبة أو إرادة محضة إنها سياسات وبيئات تنتجتها التوجهات وتطبيقاتها على الأرض ..
الذي يجبر هؤلاء على امتهان التسول ليست رغبة الإنسان أو اختياره بل عوامل بيئية قد تبدأ من الأسرة ومن المحيط الصغير إلى المجتمع الأوسع إلى نظام سلطة الحكم هي وممارسات أدواتها تنتج العوز والفاقة والجوع والتسول ليس سوى ظاهرة لدى الأقل بينما نصيب الأغلبية ممن آثروا الهلاك أو الهجرة بعزة النفس ليلاقوا مصائر حياتية قاتمة .
كل نظام أو حكومة كانت أو هي قائمة سلبت عنوة، هؤلاء المعدمون والجياع حقهم في العيش الكريم والعمل اللائق والمنتج من الزراعة أو الصيد أو المهن وانتزعتهم حق الحياة الكريمة ووسائلها وعاشوا مسلوبي المشاعر تجاه ما يجري حولهم وغير آبهين بمخاطر حاقت وتحيق بوطنهم فالحكومات التي سلفت مسؤولة عن حال الناس وما هو عليه اليوم والحكومات الراهنة مسؤولة عن عدم القيام بأي إجراءات جذرية تنقل الشعب من حالة البؤس والتبطل بتشغيل الموارد بإجراءات بقوانين وأنظمة وإجراءات جديدة وجذرية كليا وليس بذات النظم والأدوات السالفة التي هي من صنعت المشكلة ..
فكيف نرجو منها الحل؟؟!
وحينما جعلت السياسات من الإنسان اليمني عامة مجرد حالة منهمكة ومنهكة دوما في البحث عن قوت ساعته أو يومه فقط ، فإنها راكمت أسباب العزوف والسلبية تجاه المجتمع والوطن ولا تأبه بما يحيق بالجميع
ليس ابن تهامة ذليلا أو جبانا بالغالب كما يحلو للبعض وصفه، إن الأنظمة المتتابعة خلال عقود وأجيال هي من راكمت عليهم جيلا بعيد جيل أسباب الذل والهوان وهي ظاهرة تمضي في طريقها لتسود اليمن عموما ..
هذا هو مربط الفرس في العلاقة بين المواطن والوطن عبر الأرض والوطن .. عبر ارتباطه بخيراته ونصيبه من حق المواطنة بمعناها المعيشي الاقتصادي الاجتماعي ..
تراكمت ومازالت ممارسات جردت وتجرد الإنسان من كل أسباب العيش الكريم وحولته إلى حالة من العوز والفاقة والجوع ووضعته أمام مصير محتوم يواجه فيه الموت جوعا .. ثم تناشده أن يدافع ويستميت دفاعا عن إقطاعيات اللصوص ..
أتدافع عن عشرة آلاف هكتار بحوزة نافذ أو شيخ واحد وأنت لاتمتلك منها لبنة هنا أو معاداً أو هكتاراً أو فداناً واحداً ثم يكون هؤلاء النهابة في صف الجبهة العدوانية وأشرف أشرفهم من تحت الطاولة وجاهز للانقضاض علينا إن مال الميزان للعدو في أي لحظة ؟؟!!

قد يعجبك ايضا