*العلامة الباحث والمفكر عدنان الجنيد: (2-2)
*من الشعارات الخادعة للحرب الناعمة نشر حقوق الإنسان والديمقراطية ودعم ملكية السعودية وجرائمها
*الشعوب غير المقاومة التي تتنازعها طوائفها ومذاهبها وليس لها قيادة ربانية ستكون ضحية سهلة للعدو وخانعة
*الأعداء فسروا الإرهاب بالمعنى الأمريكي وليس بالمعنى القرآني لضرب المسلمين وقتلهم
*الشعوب المحافظة على إسلامها وتعاليم دينها والمقاومة للاستكبار العالمي ولها قيادة ربانية لاشك تستطيع حماية نفسها
*أفضل وسيلة للانتصار في الحرب الناعمة تتمثل في وحدة الجبهة الداخلية شعباً وجيشاً وحكومة
*نحتاج إلى استمرار التوعية في جميع المجالات اقتصادياً وعسكرياً وثقافياً ودينياً مع ربطها بالثقافة القرآنية
*مطلوب الاهتمام بالشباب وتحصينهم دينياً وفكرياً وثقافياً وإقامة الدورات الثقافية وورش العمل وعدم التكاسل في ذلك
*إقامة المناسبات الوطنية والدينية تعزز محبة الوطن والوعي وترسخ الهوية والتمسك بمبادئ الإسلام
*الحرب الناعمة لا تؤثر إلا على الشعوب غير المحافظة على إسلامها وغير المتمسكة بنبيها
*أدعو الشعب اليمني بكافة فئاته ومذاهبه إلى أن يلموا شملهم ويوحدوا صفهم في مواجهة الحرب العسكرية أو الحرب الناعمة
*لن نستطيع تفادي الأخطار إلا بالالتفاف حول قائد المسيرة القرآنية السيد عبدالملك الحوثي وتوجيهاته
*الشهيد القائد أعظم من تكلم عن الحرب النفسية أو الناعمة أو غيرها من المسميات التي تتفق معها
الثورة
هي حرب حقيقية داهمة وشرسة هادمة، ليست جديدة لكنها متجددة تستخدم أساليب متعددة خادعة ووسائل متنوعة مارقة، تجعلها أسلحة فتاكة بأهدافها إنما على نار هادئة ومن دون أن يشعر المستهدفون بها غالبا .. وأثبتت مع مرور الوقت فاعلية مارقة في تحقيق نتائج فارقة ونجاحها في التهيئة لما آل إليه واقع الأمتين العربية والإسلامية من تفكك واضطراب، وضعف واستلاب، وفتن واحتراب، وهوان وخراب، رغم امتلاكها كل مقومات القوة والاستقرار والعزة والازدهار.
تلك هي ما تعرف بـ”الحرب الناعمة” التي لفت إليها وحذر منها قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي في خطاباته وأضحت مثار المتابعين والمهتمين .. فما مفهوم هذه الحرب .. وما هي نماذجها القديمة والمعاصرة .. ومن هي جهات شنها .. وما حقيقة أهدافها وغاياتها .. وما أساليبها المتخفية ووسائلها المتعددة وأسلحتها المدمرة .. وما هي مؤشرات نجاحها .. وكيف يمكن التصدي لها ومواجهتها وهزيمتها .. وغير ذلك مما تطرحه “الثورة” على المفكر والباحث العلامة عدنان الجنيد في هذا الحوار:
الحرب الناعمة ترفع شعارات ودعايات تبدو في ظاهرها محقة.. ما شواهد ذلك؟
– نعم ترفع شعارات وعناوين ظاهرها الرحمة وباطنها من قبلها العذاب .. ومن شواهد ذلك أن أمريكا ترفع شعار الديمقراطية بينما هي تدعم الملكية في المملكة السعودية التي تحكمها أسرة آل سعود التي استبدت بالشعب وصادرت حقوقه وحرياته واضطهدت الأقليات ..الخ.
كما أن أمريكا – أيضاً- ترفع شعار حقوق الإنسان بينما هي في اليمن تقتل بطائراتها الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ .. وكذلك ترفع شعار السلام ومحاربة الإرهاب وهي من تدعم وتغذي الإرهاب وما “القاعدة” وأخواتها إلا بعض تفريخاتها وأداة من أدواتها.. فأمريكا تفسد الشعوب باسم الديمقراطية وتقتل أبناء الإسلام باسم محاربة الإرهاب. ولم يكتفوا بهذا بل صدَّروا للمسلمين مصطلحات مثل حرية الرأي والرأي الآخر، وحرية الاعتقاد، وحرية الكلمة و…..
(مقاطعا): لكن حريات الرأي والتعبير والاعتقاد مما تحتاجه شعوب المنطقة .. أليس كذلك؟
– لم يصدروها للمسلمين حباً فيهم أو رحمة بهم بل لأنهم يُعِّدون عدتهم لضربهم في جميع المجالات فهم يعلمون أن النتيجة من تصديرهم لهذه المصطلحات والمسميات هو حصول الفرقة بين المسلمين، وبالتالي يسهل مهاجمتهم بمنطق واحد أو بموقف واحد وهو مكافحة الإرهاب، وتجدهم يقولون عن أنفسهم بأنهم دعاة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وهم من ضربوا المسلمين بهذه المسميات وفرقوهم إلى أحزاب متناحرة، وفي الأخير تنكروا لهذه المصطلحات.
هل يفسر هذا انعدام تعريف دولي موضوعي للإرهاب، وترك مفهومه مطلقا؟
– عمد أعداء الإسلام إلى استبدال كلمة جهاد بكلمة إرهاب كي يصبح المجاهد في سبيل الله هو الإرهابي والجهاد هو الإرهاب، ومن ثم يشرعنون لضربه لأنهم فسروا الإرهاب بالمعنى الأمريكي وليس بالمعنى القرآني.. هكذا أعداء الله يحاربون المسلمين في جميع المجالات حتى في المصطلحات والمفردات.
وقال الشهيد القائد، رضوان الله عليه: ” إننا لا نسمح أبداً أن تتحول كلمة (إرهاب) القرآنية إلى سبَّة وإلى كلمة لا يجوز لأحد أن ينطق بها… فلنقل دائماً إن كلمة (إرهاب) كلمة قرآنية مطلوب من المسلمين أن يصلوا إلى مستواها، إن الله يقول “وَأَعِدُّوا لَهُمْ” -أي لأعداء الإسلام، لأعدائكم، لأعداء الله – “مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ” ….. “تُرْهِبُونَ” قد فسرها الأمريكيون تفسيراً آخر، فمن انطلق ليتحرك على أساس هذه الكلمة القرآنية فإنه قد أعطى للأمريكيين شرعية أن يضربوه، والله يقول: “تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ”, وإذا ما سمعنا عن كلمة “جذور إرهاب ومنابع إرهاب” فإنَّ علينا أن نتحدث دائماً عن اليهود والنصارى كما تحدث الله عنهم في القرآن الكريم من أنهم منابع الشر ومنابع الفساد، وأنهم من يسعون في الأرض فساداً، وحينئذٍ سننتصر، وإنه لنصر كبير إذا ما خضنا معركة المصطلحات، نحن الآن في معركة مصطلحات، إذا سمحنا لهم أن ينتصروا فيها فإننا سنكون من نُضرب ليس في معركة المصطلحات بل في معركة النار، إذا ما سمحنا لهم أن تنتصر مفاهيمهم وتنتصر معانيهم لتترسخ في أوساط الناس .
أي الشعوب تستطيع حماية نفسها من هذه الحرب؟ ومن الشعوب التي باعتقادك ستكون ضحية سهلة للعدو؟
– الشعوب المحافظة على إسلامها وقرآنها وتعاليم دينها والمقاومة والمناهضة للاستكبار العالمي والتي لها قيادة ربانية واعية مدركة للأخطار التي تهدد هذه الأمة لاشك أنها تستطيع حماية نفسها طالما تسير وفقا لتوجيهات قيادتها الربانية، ولن تنطلي عليها تلك الأساليب اللعينة والخطط اللئيمة والطرق الشيطانية التي يخطط لها الأعداء لإفساد الأمة وإثارة الفوضى بين أبنائها وإماتة الإيمان من قلوبهم لأن هذه الشعوب أدركت كل وسائل الأعداء وأخطارهم من خلال التوجيهات الربانية التي أتتها من قبل قيادتها الحكيمة.
بينما الشعوب غير المقاومة والتي هي متنازعة بين طوائفها ومذاهبها وليس لها قيادة ربانية تحتويها فإنها ستكون ضحية سهلة للعدو، يأكل ثرواتها وينهب خيراتها ويفسد إيمانها ويشتت شملها ويفرق صفها ويقتل ضمير الإيمان من قلوب أبنائها، وتصبح شعوبا خانعة ذليلة لا ضمير يعيدها ولا زجر يفيدها بل قائد الشر يقودها إلى ضياعها وهلاكها.
برأيك ما أفضل وسيلة للانتصار في الحرب الناعمة.. وما الفائدة من هذه الانتصارات؟
– أفضل وسيلة للانتصار في الحرب الناعمة يتمثل في وحدة الجبهة الداخلية شعباً وجيشاً وحكومة لأن وحدة الصف ولم الشمل والوقوف صفاً واحداً ضد العدوان العسكري والحرب الناعمة يُفشل جميع مخططات الأعداء، وإذا كان الله قد أخبرنا بأن التفرقة سبب الفشل فهذا يعني أن الوحدة سبيل النجاح والنصر. قال تعالى:”وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ * وَاصْبِرُوا * إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”.
كما قال تعالى: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا * وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى* شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا * كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”. والتمسك بكتاب الله والعمل به يعطي الأمة مناعة وتحصينا من أي غزو فكري ويعطيها قوة للانتصار على الأعداء في كافة حروبهم العسكرية والناعمة.
كذلك التوعية المستمرة في جميع المجالات، اقتصادياً وعسكرياً وثقافياً ودينياً، مع ربطها بالثقافة القرآنية.. والتوضيح المستمر للشعب عبر وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة مع تكثيف الخطب والمحاضرات والندوات وغير ذلك … والتوضيح للشعب بخطر هذه الحرب الناعمة وتعرية وفضح أهدافها ومخططاتها ليكون الشعب على بصيرة منها فلا تنطلي عليه تلك الشعارات الكاذبة والعناوين الزائفة ولا المناهج المستوردة الخارجة عن دائرة الثقلين.
أيضاً، الاهتمام بالشباب وتحصينهم دينياً وفكرياً وثقافياً وإقامة الدورات الثقافية وورش العمل وعدم التكاسل عن ذلك .. والحث على استمرار إحياء المناسبات الدينية بكافة أنواعها المرتبطة برسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم أو بالإسلام أو بآل البيت أو بأولياء الله تعالى، وإقامة المناسبات الوطنية التي تعزز محبة الوطن لأبناء الشعب… فإحياء المناسبات الدينية تعزز الوعي وترسخ الهوية وتربط الجيل الحاضر بماضيه وتعزز فيهم روح التمسك بمبادئ الإسلام وبتجديد الولاء لنبيهم وبأعلام الهدى وبالتالي يكون جيلا محافظا من الصعب أن يتم اختراقه من قبل أعداء الإسلام ولن تؤثر فيه الحرب الناعمة ، لأن الحرب الناعمة لا تؤثر إلا على الشعوب غير المحافظة على إسلامها وغير المتمسكة بنبيها، صلوات الله عليه وآله وسلم.
وأما الفائدة من هذه الانتصارات، فهي استتباب الأمن وتحصين الشعب وفضح مخططات الأعداء وبالتالي إظهار هدى الله وبذلك يتحقق قوله تعالى: “لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ”.
إذاً، ما هي رسالتك إلى الشعب اليمني للتصدي والانتصار في هذه الحرب الناعمة؟
– أدعو الشعب اليمني بكافة فئاته ومذاهبه إلى أن يلموا شملهم ويوحدوا صفهم في مواجهة هذه الحرب سواء الحرب العسكرية أو الحرب الناعمة، وعليهم أن يحيوا في نفوسهم قيم الإسلام وما جاء به النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وأن يستمروا في إحياء المناسبات الوطنية والدينية التي تربطهم بإسلامهم وبنبيهم وقرآنهم ووطنهم وبرموزهم الدينية وأعلام هدايتهم ويستمروا على ذلك جيلاً بعد جيل..
وعليهم – أيضاً – أن يتصدوا لكل من أراد أن يبعدهم عن دينهم أو يشوه إسلامهم أو يحرفهم عن مبادئهم وأن لا يقبلوا بتلك الثقافات المغلوطة والأفكار المنحرفة التي تتنافى مع روح الإسلام ومبادئه السامية ولن يتمكنوا من تفادي هذه الأخطار إلا بالالتفاف حول قائد المسيرة القرآنية السيد عبدالملك الحوثي – حفظه الله – والعمل على ضوء التعليمات التي وضعها والإرشادات التي طرحها ..
إن التمسك بأعلام الهدى والتثقف بالثقافة القرآنية هو الأمان لهذه الأمة من الوقوع في أوحال الأفكار والمناهج التي يصدرها الغرب للمسلمين كي يقضي على عقولهم وعلى إسلامهم ودينهم.. وإن أعظم من تكلم عن الحرب النفسية أو الناعمة أو غيرها من المسميات التي تتفق معها في مضمونها ومعناها هو الشهيد القائد – رضوان الله عليه – فقد بين في محاضراته خطر اليهود والنصارى وفضح مخططاتهم وبين أهدافهم وكشف أساليبهم وطرقهم وبرامجهم والتي من خلالها يحققون أهدافهم..
وأصبحت كل تلك المحاضرات التي كان الشهيد القائد يلقيها على مسامع الناس موثقة في ملازمه، وعلى أبناء الشعب اليمني أن يقرأوا هذه الملازم وسوف يجدون فيها ماذا يجب عليهم تجاه أعداء الأمة، وسيجدون أيضاً الحلول التي لو عملوا بها لسوف ينتصرون في هذه الحرب الناعمة، فالملازم هي منبثقة من روح القرآن الكريم ، ولا سعادة لهذه الأمة ولا رقي لها إلا بالعمل بهذا القرآن الكريم والسير على منهجه العظيم .
وما دور العلماء في مواجهة هذه الحرب ؟
– مهمة العلماء كبيرة في إرشاد الناس وتوعيتهم التوعية الدينية الإسلامية من خلال جميع الوسائل المتاحة لهم مثل المحاضرات والخطب والمجالس والاجتماعات وإقامة المناسبات الدينية والحث على إحيائها وكتابة المقالات وتأليف الكتب والكتيبات والنشاط في كل ما من شأنه أن يحصن المجتمع من خطر هذه الحرب وما تهدف إليه..
ومن تقاعس من العلماء عن أداء واجبه فهو مؤاخذ لأن العالم الحق هو الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولا يخشى إلا الله. قال تعالى: “الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله…” ومن رسالة الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهل هناك منكر أكبر من هذه الحرب الإعلامية والنفسية التي تفتك بعقول شعبنا وتقتل نفسياتهم وتثبط عزائمهم ؟!
لكن هناك من العلماء من يلتزم الصمت بدعوى أنها فتنة؟
– العالم الذي لا ينهى عن المنكر يكون مشاركا للمنكر بسكوته… وهناك آيات في سورة الأعراف تبين عاقبة الساكتين عن المنكر والمحايدين. قال تعالى: “وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ، كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴿١٦٣﴾ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّـهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا، قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴿١٦٤﴾ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ”.
فالله تعالى في هذه الآيات الكريمات أخبرنا عن ثلاث طوائف. الأولى: وهم الذين كانوا يعتدون في السبت ويتجاوزون حكم الله بالصيد المحرم عليهم فيه، والثانية: وهم الواعظون الناهون عن المنكر فقد نهوا العادين عن العدوان ومخالفة أمر الله ولم ييأسوا بل استمروا بوعظهم ونصحهم. الطائفة الثالثة: وهم الساكتون المحايدون وقد كانوا يلومون الناهين عن المنكر قائلين لهم “لمَ تعظون قوماً الله مهلكهم” أي لماذا تتعبون أنفسكم بوعظ العصاة ونهيهم عن المنكر وقد قضى الله عليهم بالهلاك والعذاب… فكان جواب الناهين عن المنكر هو “معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون” أي نحن نقيم عليهم الحجة ونبين لهم المحجة ووعظنا لهم وعظ عذر نعتذر به إلى ربكم عن السكوت عن المنكر.
ثم بين الله تعالى عاقبة هذه الثلاث الطوائف وهي أنه نجّى الطائفة الثانية وهي التي تنهى عن المنكر بينما الطائفة الأولى والثالثة أخذهم بالعذاب. يقول الله “فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئس ….” فالطائفة الأولى أخذهم الله بظلمهم بالعصيان، والطائفة الثالثة أخذهم الله بظلمهم بالسكوت والمحايدة فكانوا شركاء للعصاة بسكوتهم عن المنكر…
ماذا عن الحرب النفسية .. هل تتلاقى مع الحرب الناعمة؟
– كذلك من أبرز الطرق التي يستخدمها العدو في الحرب الناعمة للسيطرة على الشعوب هي الحرب النفسية، وهي أكثر خطورة من الحرب العسكرية لأنها تستخدم وسائل متعددة ومعناها العام الشامل الحاوي لجميع تعاريفها هو تحطيم الوحدة النفسية والعقيدة للعدو، إذ تتجه هذه الحرب إلى الفكر والعقل والشجاعة والثقة والرغبة في القتال وهي بذلك نوع من القتال النفسي، وتؤثر في العقول بقصد تدمير موقف معين للعدو وإحلال موقف آخر مكانه يتفق مع مصالح الطرف الآخر كما أنها تهدف إلى فرض إرادة المهاجم على إرادة العدو…
والحرب النفسية – أيضا – هي من الوسائل القديمة التي يستخدمها العدو ضد خصومه وهي تتطور بتطور وسائل الإعلام، وقد استخدمها اليهود وعملاؤهم من المنافقين ضد المسلمين في العهد النبوي لاسيما في معركة الخندق وكشفهم الله في كتابه المبين وفضحهم في قرآنه الكريم فقال: “وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا”. وقال “الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”.
كان المنافقون يُخَوِّفون المسلمين بكثرة عدد العدو وعدته ويثبطونهم عن التصدي للتحالف الشركي اليهودي الذي أطبق حصاره على المدينة بغرض إضعاف عزائمهم وضرب نفسياتهم وتشكيكهم بوعد رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – الذي وعدهم بالنصر والظفر..
وإن المنافقين والمرجفين مازالوا موجودين في كل عصر وأصبحوا في عصرنا الحاضر هم أداة العدوان في حربه العسكرية والناعمة على اليمن، بل يوجد في بلادنا المنافقون والمرجفون الذين يساعدون العدوان في حربه الناعمة على شعبنا..
هلا أوضحت للقراء هذا بتفصيل أكثر؟
– المرجفون في المُدن اليمنية كُثر وهم معروفون وبعمالتهم للخارج موصوفون، وهم الذين يقومون بمساعدة العدو في حربه الناعمة والصلبة (العسكرية) على شعبنا وذلك من خلال نشر الأكاذيب والافتراءات بين الناس لإثارة الفوضى ونشر الفساد، فهؤلاء وأمثالهم موجودون في كل زمان ومكان حتى في الأمم السابقة وكان لهم الحضور الفتنوي في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنزل الله فيهم آيات من القرآن فضحتهم وبينت كيفية التعامل معهم سواء الذين كانوا في عصره صلى الله عليه وآله وسلم أو الذين سيأتون في العصور والأزمنة اللاحقة، فاسمع إلى قوله تعالى: “لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورنك فيها إلا قليلاً ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتِّلوا تقتيلا”.
الآية تتضمن أصنافاً أو فئات عدة .. ما هي أمثلتهم اليوم؟
– ذكر الله لنا في هذه الآية ثلاثة أصناف، وهم: المنافقون، والذين في قلوبهم مرض، والمرجفون. الصنف الأول المنافقون: هم الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر بل وكل من جعل الإسلام شعاراً له وأعماله وسلوكه نفس أعمال أهل الكفر والطغيان، يدخل في دائرة النفاق والبهتان وما يقوم به آل سعود أكبر شاهد على ذلك فهم سادات المنافقين في هذا العالم ومن بلادهم صدروا النفاق إلى عملائهم في دول العالم الإسلامي والعربي بصور مختلفة ووسائل مستحدثة حيث تفننوا في نفاقهم وأبدعوا في فسادهم .
الصنف الثاني الذين في قلوبهم مرض: هم ضعفاء الإيمان والذين لم تكتمل ثقتهم بالرحمن وهؤلاء تراهم تحت تصرف الصنف الأول وأحياناً قد يتشابهون ببعض الصفات مع الصنف الأول وإن كانوا ليسوا بالمنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر.
أما الصنف الثالث المرجفون: فهم الذين يقومون بإشاعة الباطل وبنشر الأكاذيب عبر وسائل إعلامهم بغرض إلقاء الاضطراب بين أبناء شعبهم لكي يصاب بعض أصحاب النفوس الضعيفة بالخور ولكي تنهار عزائم المجاهدين، وهؤلاء هم الذين قاموا بتأييد السعودية وحلفائها في ضرب بلادهم بل وأصدروا بياناً بلا خجل ولا حياء من الله ولا من شعبهم وهؤلاء يتشابهون مع الصنفين السابقين ببعض الصفات، وهذا الصنف يتبع الصنف الأول وتحت تصرفه.
وكيف ينبغي التعامل معهم وفق معنى الآية؟
– معنى الآية هو أن الله تعالى أقسم لئن لم يمتنع المنافقون والذين في قلوبهم مرض عن الإفساد والمرجفون الذين يؤلفون الأخبار الكاذبة والحكايات الزائفة ليثبطوا العزائم ويضعفوا الهمم.. إن لم ينتهوا عن ذلك وإلا سوف يأمر( نبيه – صلى الله عليه وآله وسلم- وأهل الحق من بعده) كي يُجري عليهم العقاب الرادع لهم، ثم يقوم بنفيهم لأنهم لا يصلحون لمجاورته- صلى الله عليه وآله وسلم- بسبب فسادهم وحتى لو جاوروه فهم “ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتِّلوا تقتيلا”.
ثم قال تعالى عقب هذه الآية : “سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً “، يعني هذه طريقة الله في التعامل مع المنافقين والذين في قلوبهم مرض والمرجفين من الأمم السابقة فقد جرت سنته فيهم بنفيهم وقتلهم وكلما بالغوا بالفساد والإفساد وتضليل الرأي العام وإلقاء الاضطراب بين الأنام أخذهم الله كذلك، ولن تجد لسنة الله تبديلا فتجري فيهم كما جرت في الأمم السابقة من قبلهم.
كيف يمكن تمييز هؤلاء اليوم .. ما هي علاماتهم أو شواهد أفعالهم وأقوالهم؟
– إن من أظهر وأبين علامة هؤلاء المرجفين هو أنهم يرحبون بالعدوان السعوأمريكي على بلادهم، بل وبلغت الجرأة ببعضهم أنه طالب باستمرار هذا العدوان الغاشم على بلاده من خلال بيانهم الذي أصدروه في الأشهر الأولى من العدوان على بلادنا، ومن علامتهم قول الله عنهم: “إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون”، فالمراد من الحسنة والسيئة في الآية ما تتعقبه الحروب لأهلها من حسنة النصر والغنيمة ومن سيئة القتل والهزيمة بدليل قرينة سياق الآية والنظر إلى ما قبلها وما بعدها.
ومعنى الآية أن هؤلاء المنافقين والمرجفين وأصحاب القلوب المريضة يستاؤون إن حصل الظفر للشعب اليمني على أعدائه من خلال الانتصارات التي يحققها الجيش واللجان الشعبية المساندة له مع حصوله على الغنائم التي يخلفها العدو… بينما إذا هُزم الجيش أو أُصيب أفراده بجراحات أو دمرت المنازل والبيوت تجد هؤلاء المرجفين يقولون قد احترزنا عن الشر وأصدرنا البيان وتولوا وهم فرحون.
يقول الله “قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون” إنكم أيها المرجفون تتربصون بشعبكم وتنتظرون نهايته من خلال ما يتعرض له من هذا القصف غير أن تربصكم به إحدى خصلتين كل واحدة منهما خصلة حسنى وهما : انتصارهم على عدوهم مع الغنيمة والشهادة في سبيل الله بينما الشعب يتربص بكم أن يعذبكم “الله بعذاب من عنده” يجريه على أيديهم…
ما ردك على من يحصر هذه الآية فيما واجهه رسول الله دون ما يعتمل اليوم؟
– هذه الآيات وإن كان نزولها في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنها ليست موقوفة على أولئك المرجفين بل هي تحكي عن المرجفين في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة، فالقرآن الكريم عالمي لما بقي من الزمن. وهذه الأصناف الآنفة الذكر هي موجودة في عصرنا الحاضر كما كانت موجودة في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي التي تقوم حالياً بإثارة الفتن وإلقاء الاضطراب بين أبناء الشعب ونشر الأكاذيب وتزييف الحقائق وفبركة الصور عبر جميع وسائلها الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة.
وفي الوقت الذي يجب على أبناء الشعب اليمني أن يقفوا صفاً واحداً في مواجهة العدوان السعوأمريكي نجد المرجفين في المُدن اليمنية يقومون بنشر الطائفية ويستخدمون كل وسائل الكذب والتضليل والتزييف لقلب الحقائق ولجعل الشعب اليمني بأنه منتهٍ وتمت تصفية معسكراته ولتضخيم الانتصارات(الوهمية) للعدوان السعودي، كل فعلهم هذا كي يرعبون أبناء شعبهم ويهزون ثقتهم بالله تعالى وكي يقلقون سكينتهم، ليس هذا فحسب بل وحتى يتقاتل الشعب بعضه بعضا.
هؤلاء المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في جميع المُدن اليمنية، هم من يُسهل للأعداء ضرب الأهداف التي يريدونها ويساعدونهم أيضاً في حربهم الناعمة وذلك بتفكيك وحدة الصف اليمني من الداخل ومن ثم تتسهل المهمة للعدو في غزوه البري، ولكن هيهات لهم ذلك، ومن فكر أن يحتل اليمن فهو هالك.
وهنا نطالب اللجنة الأمنية العليا بأن تقوم بواجبها بوقف هؤلاء المنافقين والذين في قلوبهم مرض والمرجفين عند حدهم واتخاذ العقوبات الرادعة لهم حسب ما تقتضيه مصلحة البلد لأن الذي يقومون به من إسقاط بلدهم بيد الأعداء يعتبر خيانة عظمى يعاقب عليها بنص القانون اليمني كما جاء في المادة (126) من دستور الجمهورية اليمنية ناهيك عن الدستور الإلهي وقد ذكرنا الآيات سابقاً.. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.