حتى الأمس القريب كانت عدن المدينة اليمنية التي توصف بأنها عروس البحر العربي، مضرب المثل بجناتها “جنة عدن”، التي حوّلتها السعودية والإمارات منذ 3 أعوام إلى جهنم حتى أصبحت المدينة الجنوبية تضيق على أهلها الذين أصبحوا غرباء في بيوتهم، مهددين في أرواحهم وأعراضهم وأرزاقهم.
تنوّعت آلة الموت في عدن والنتيجة واحدة، فسكان المدينة لا ينعمون بالأمن والأمان منذ سيطرة قوات التحالف الذي تقوده السعودية على مدينتهم الساحلية وخروج الجيش اليمني منها بعد معارك طاحنة مع تحالف العدوان، فالمسيطرون على عدن، كشفوا عن وجههم الحقيقي لأهالي المدينة الذين باتوا ينظرون إلى قوات المرتزقة التي استباحت مدينتهم وأرزاقهم وأعراضهم على أنها عصابات تمارس القتل والاعتقال بحق المدنيين، وتداهم المنازل ليلاً، وهمّها الأكبر هو كيف تنهب الناس وتستولي على الأموال، حتى أراضي المقابر لم تسلم منها، كل هذا جعل سكان المدينة يفقدون الثقة بالأمن تماماً.
فمنذ سيطرة المرتزقة على المدينة بحماية الطائرات السعودية والإمارات، سُجّل حدوث أكثر من 500 جريمة اغتيال بالإضافة إلى سجن الآلاف من أبناء الشعب اليمني في غياهب السجون بعضها معروف وبعضها الآخر سرّي ودون تهم أو حتى محاكمة صورية، ولا يكاد يمرّ يوم دون أن تُسجّل انتهاكات ترتكبها تلك العصابات التي تدّعي أنها “أجهزة أمن”.
الخلاف على غلّة البيدر في عدن
تعدد الجهات الأمنية والعسكرية في المدينة مع الفوضى المرافقة لها منذ أعوام، مهّدت الأرضية الخصبة لزعماء الحرب، وجعلت من كل شخص يحمل سلاحاً دولة بحدّ ذاته، فضلاً عن أنّ هناك قوات أمن وجيشاً يخضعان لسيطرة عدة أطراف أبرزها ما يسمى “المجلس الانتقالي الجنوبي”، المدعوم إماراتياً وزعيمه عيدروس الزبيدي المحافظ السابق لعدن، بينما تحتل مرتزقة هادي المدعومة من السعودية التي تسمي نفسها “قوات الشرعية” المرتبة الثانية من حيث التمثيل العسكري، أضف إلى ذلك عشرات الفصائل المسلّحة المختلفة الانتماء والتي بعضها مستعد لتغيير البندقية من كتف إلى كتف حسب التمويل والدعم، ما خلق أجواء فوضى كبيرة في المدينة التي تحوّلت إلى غابة لا تخضع لأي رقيب أو حسيب.
وعليه فإن عدن شكّلت صورة حقيقة عكست طبيعة التحالف الإماراتي السعودي الذي يشنّ منذ أكثر من 3 أعوام حرباً متواصلة على اليمن، وكانت نقطة الخلاف الأقوى التي سببت شرخاً كبيراً في المدينة منذ قرار الرئيس الفار الخائن عبدربه منصور هادي، إقالة اللواء عيدروس الزبيدي في (27 إبريل 2017م) من منصب محافظ عدن، وما أعقب ذلك من قيامه بإعلان “المجلس الجنوبي” بدعم إماراتي ككيان سياسي مناهض لحكومته، بينما يتهم هادي وأنصاره عيدروس ومن خلفه أبو ظبي بتصميم إجراءات فعّالة للتحريض على “الحكومة” بين الجنوبيين ودفعها إلى الفشل، ومن ثم إلى الاستقالة بما يسمح بإعادة تشكيل حكومة من الموالين لها، والذين يمكن أن يسهّلوا مهمة الإمارات في وضع اليد على جنوب البلاد ومنشآته الحيوية، إذ لم يرق للإمارات أن ترى السعودية تحصد نتائج طرد الجيش اليمني من عدن واستبداله بقوات “الشرعية” لذلك لجأت إلى المطالبة بتقاسم غنيمة عدن عن طريق الزبيدي أو التهديد بحرق البيدر بمن فيه، واستخدمت أبو ظبي أدواتها الانفصالية والدعاية الإعلامية الكبيرة لحثّ الجنوبين على المطالبة بالانفصال، ما ساهم بشكل كبير في انتشار الفوضى في المدينة وانتشار الميليشيات بشكل واسع على الأرض الأمر الذي انعكس في نهاية المطاف على حياة سكان عدن الذين باتوا مجبرين على دفع فاتورة الخلاف السعودي الإماراتي من أرواحهم وأعراضهم.
وبعد 3 أعوام من “التحرير” كما يصفها الإعلام السعودي والإماراتي، فشلت حكومة هادي في إقناع سكان عدن خصوصاً والجنوب عموماً بأنها قادرة على توفير الأمن والحماية لهم ناهيك عن الحرية والديمقراطية التي تعدّ ضرباً من ضروب الرفاهية، لدرجة أن الأمم المتحدة أعربت أكثر من مرة عن قلقها البالغ من تدهور الوضع الأمني في المدينة موضحة أنها عاجزة عن الوصول إلى المحتاجين لتوفير المستلزمات الأولية لهم، مؤكدة أن النزاع بين الميليشيات في مدينة عدن أثّر بشكل سلبي على سلامة وحماية السكان المدنيين ومواصلة تقديم الخدمات المنقذة للحياة بأنحاء المحافظات الجنوبية منذ 28 يناير الماضي ، حيث أدّى العنف وقصف القذائف في مدينة عدن إلى مقتل وجرح المئات من المدنيين.
ومع استمرار تعنّت أبو ظبي والرياض ونبش خلافاتهما في عدن فإن أفق الحل سيزداد ظلمة، ولعلّ ذلك ما يريده الطرافان فعلاً للتغطية على فشل الحرب وتداعيات خسارتها إلى مرحلة تهيئة البلاد بشكل أوسع لحرب أهلية محتملة لاحقاً، وتوسيع رقعة الفوضى في كل المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة هادي اسمياً وتقويض هيكل الدولة الهشّة ليدخل اليمن مرحلة حرجة، بينما يكتفي حلفاء الأمس بإدارة الأزمة بالوكالة من خلال الجماعات المسلحة وميليشيات متعددة الانتماءات تم إنشاؤها بأسماء مختلفة لهذا الغرض.
قد يعجبك ايضا