طه هادي الحاضري
وكما هو واضح في أحداث التاريخ وفي الأحداث المعاصرة فكلفة وفاتورة وضريبة الجهاد قليلة مقابل كلفة وفاتورة وضريبة الاستسلام والخضوع والهزيمة والخنوع والقعود والتخاذل والتكاسل والتفريط وتمكن العدو حيث سيقتل الناس بكل مهانة وذلة وسيذبحهم بكل برودة أعصاب بل وبكل وحشية وانتقام وسينتهك أعراضهم أمام أعينهم وسيغتصب نساءهم ويدوس على كرامتهم ويمتهنون إنسانيتهم وإذا كان في درب الجهاد يستشهد نسبة قليلة من المجاهدين فقد أدركوا رضوان الله ويتركون وراءهم ما تبقى من العزة والكرامة والنصر لمن خلفهم من رفقائهم وشعبهم وأمتهم، وفي حالة القعود والاستسلام فإن الناس سيقتلون بكثرة وبطرق مهينة ولا يُحسبون شهداء بل يكون قتلهم سخطا من الله تعالى وما ينتظرهم في الآخرة أشد وأنكى وكل التضحيات التي تقدم بالجهاد في سبيل الله رغم عظمتها إلا أنها قليلة مقابل ما سيحصل عليه الناس بالنصر بفضل الله تعالى.
مجالات الجهاد:
الجهاد في سبيل الله مجالاته واسعة وعديدة وأشرفه القتال في ظل العدوان لأن الجهاد شامل ولا يغفل أي جانب من الجوانب وطالما المؤمن قد باع نفسه وماله من الله تعالى والله اشترى فعليه تسخير هذه النفس فيما يرضي الله دون مقابل وان يتعبها في سبيل الله في شتى الأعمال الجهادية كالقتال في الجبهات وكالعمل الجهادي الإعلامي أو التمويني أو اللوجستي أو الأمني أو التوعوي والتعبوي والتثقيفي أو الطبي أو السياسي أو الاجتماعي وكل الجوانب شرط أن يكون ذلك حسب توجيهات القيادة لأن الجهاد ليس حسب المزاج ولا إيثاراً للسلامة ولا هروبا من ساحة الحرب وميدان المعركة.
كما أن الجهاد بالمال واسع أيضا وتربوي حيث أن من يقدم ماله سيقدم نفسه إن اقتضى الأمر والحاجة والظرف والمعركة وفيه وقاية من حب الدنيا والاسترزاق حيث يخرج من ماله في سبيل الله فكيف ينتظر مقابلاً أو كيف يشتريه الأعداء وهو من يبذل ماله ابتغاء مرضاة الله وقد جاء الحديث عن الجهاد بالمال قبل الجهاد بالنفس في أغلب الآيات التي تحدثت عن الجهاد قال تعالى: ” وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” ويقول سبحانه: “وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ”.
وكم أمر الله تعالى بالاتفاق في سبيله كقوله تعالى :” فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ194/2وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”. ويقول سبحانه: “وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ” وعلى العموم فكل عمل في سبيل الله ولصد العدوان هو عمل جهادي حتى الخروج في مظاهرة ضد العدوان وهو أمر متيسر وسهل وبسيط على الإنسان لكنه صعب ومؤثر على نفسيات الأعداء بشكل كبير جداً ويكفي قول الله تعالى:” مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ”.
لا عذر للجميع عن التحرك لمواجهة العدوان
قال تعالى:”لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ91/9وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ” يوضح الله تعالى في هذه الآيات الكريمة ويحصر المعذورين عن القتال في سبيل الله الذين ليس عليهم قتال وهم:
1 – ” لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء” سواء من كبر السن أو ضعف شديد في البدن بحيث لا يقوى على القتال، ويدخل في الضعفاء من ذكرهم الله في قوله:” لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ”.
2 – ” وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ” وهم الذين يمنعهم المرض من القتال وهو عذر إذا ذهب وجب الجهاد.
3 – ” وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ” وهم الفقراء الذين لا يستطيعون تجهيز أنفسهم وإذا وجد من يجهزهم وجب عليهم القتال وسقط عذرهم.
وهذه الأصناف الثلاثة المعذورة عن القتال في سبيل الله يجب عليها النصح والعمل الجهادي – غير القتالي – حسب القدرة والاستطاعة والإمكان فقد شرط الله تعالى عليهم ذلك بقوله :” إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”.
“وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ” وهم الذين لا يمتلكون أو لا يجدون الوسيلة للذهاب إلى الجبهة “أرض المعركة” ولم يوفر أحد لهم ذلك، وتتملكهم الرغبة الجامحة والنية الصادقة والجادة والاستعداد الكامل للقتال فيعودون إلى بيوتهم وهم يبكون من الحزن لأنهم لا يجدون ما ينفقون ولا ما يوصلهم إلى ساحة المعركة.
وغير هذه الأصناف الأربعة لا عذر لأحد عن الجهاد في سبيل الله بمفهومه العام ومجالاته الواسعة وعلى وجه الخصوص القتال والمواجهة في الجبهات والثغور لأنه ليس واجباً على النساء التي تتخلف في البيوت وأصحاب العذر الشرعي الذي وضحه القرآن اما غير ذلك فقد سمى الله تعالى من يتخلف عن القتال بأنه مع الخوالف قال تعالى: “إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ”.
وهنا اسأل نفسك هذه الأسئلة:
1 – هل أنت من الضعفاء؟
2 –هل أنت من المرضى الذين أقعدهم المرض عن القتال؟
3 – هل أنت من الذين لا يجدون ما ينفقون من الفقراء الذين لا يستطيعون تجهيز أنفسهم ولم يُوجد من يجهزهم للقتال؟
4 – هل أنت من الذين لا يمتلكون أو لا يجدون الوسيلة للذهاب إلى الجبهة “أرض المعركة” ولم يوفر أحد لهم ذلك وتتملكك الرغبة الصادقة والنية الجادة والاستعداد الكامل للقتال فعدت إلى بيتك باكيا حزينا لأنك لم تجد ما تنفق ولا ما يوصلك إلى الجبهة وساحة المعركة؟.
1 – هل أنت مكلف بعمل جهادي من القيادة كالعمل الإعلامي ألو التمويني أو اللوجستي أو الأمني أو التوعوي والتعبوي أو الطبي أو السياسي أو الاجتماعي أو التنظيمي أو أي عمل كُلفت به في أي جانب جهادي؟
وإذا لم تكن الإجابة عن أي من هذه الأسئلة الخمسة بـ”نعم” فاعلم أنك ممن قال الله فيهم: رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ “فرضيت لنفسك أن تكون مع النساء الخوالف فتخلفت مثلهن عن القتال على الرغم مِنْ أن كثيرا مِنَ النساء مَنْ يجاهدن بأموالهن ويقمن بأعمال جهادية كبيرة ومتعددة.