*أدانوا الهجوم الإرهابي على مدرسة الشوكاني للبنات في عدن
تحقيق/ محمد إبراهيم
في تركيز واضح وممنهج على العملية التعليمية والبنية التحتية لقطاعات التربية والتعليم في مختلف محافظات الجمهورية أوغلت دول تحالف العدوان السعودي الأمريكي في القصف البربري المباشر والمتعمد للمدارس، ومكاتب التربية والتعليم.. فلماذا يركز العدوان والإرهاب والتطرف على المؤسسات التعليمية وتحديداً المدارس.. ؟! وما حجم الدمار الذي ألحقه قصف العدوان للمدارس.. ؟! وما وراء استهداف الجماعات الإرهابية في عدن لمدرسة الشوكاني للبنات، ومدارس أخرى..؟..
هذه التساؤلات وغيرها سعت “الثورة” إلى معرفة إجاباتها من وجهة نظر أكاديميين وتربويين، فسَّرُوا مغازي العدوان والتطرف والإرهاب، من استهداف المدارس ومؤسسات التربية والتعليم.. مؤكدين أن إدراك دول العدوان لأهمية التعليم الذي كانت اليمن وعبر 50 عاما قد قطعت مرحلة بنيوية كبيرة في تكوين مقوماته وبنيته التحتية والبشرية هو أساس نهضة المستقبل.. وأدانوا ما تعرضت له مدرسة الشوكاني للبنات، ومدرسة أبو حربة في عدن من هجومين إرهابيين خلفا جرحى في صفوف الطالبات وذعراً يقرع أجراس الخطر في نفوس الأسر اليمنية.. إلى التفاصيل:
تضج وسائل الإعلام بالاخبار عن تواصل الفوضى في عدن وامتداد يد الإرهاب لمدرسة الشوكاني للبنات في دار سعد برمي قنبلة إلى فناء المدرسة أثناء تواجد الطالبات في الفصول مسفراً عن سقوط جرحى منهن كن على أبواب تلك الفصول المطلة على الفناء.. وبعدها مدرسة أبو حربة في مدينة إنماء العقارية في عدن.. مؤشر يعبر عن امتداد المؤامرة التدميرية التي يقودها العدوان والمرتزقة ضد مقومات اليمن التربوية والتعليمية.. وهو ما اعتبره تربويون وأكاديميون أحداثا مكملة لحلقات الاستهداف الممنهج للتعليم، بشرياً المعلم والإداري والموجه والطالب، بالقصف المباشر، وماديا من خلال تدمير البنية التحتية من الكتاب إلى المقعد إلى الوسيلة التعليمية، الى هد المدرسة ، ونفسياً من خلال بث الرُّعب في نفوس الآباء والأمهات على أولادهم فيبقونهم في المنازل خوفا على حياتهم،ومعيشياً من خلال قطع المرتبات ومحاصرة البلاد ونقل وتحويل موارد البلد إلى أيدي العدوان والمرتزقة.
خارطة مدرسية
الهجوم على مدرسة الشوكاني للبنات في مديرية دار سعد –عدن، ومدرسة أبو حربة في عدن أيضاً هجومان ارهابيان قد يعكسان الفوضى العارمة وزمن الجماعات المسلحة المرتزقة التابعة للعدوان والغزاة، لكنها تعني الكثير لقضية محورية هي الهدف المباشر لطائرات العدوان ..مدير عام الخارطة المدرسية بوزارة التربية والتعليم رضوان العزي،يؤكد أن خارطة الجمهورية اليمنية المدرسية تعرضت للقصف المباشر أو التحييد التام بفرض وضع إنساني كارثي جعل المدرسة مبنى للنازحين كضرورة لايد منها تقدّم فيها حق الأسر وأطفالها في الإيواء بعد دمار منازلها تحت طائرات المعتدين، على حق الأطفال في التعليم- موضحاً أن إجمالي المدارس المدمرة كليا وجزئيا والمستخدمة لإيواء النازحين 2559 مدرسة في 22 محافظة يمنية)).
العزي قال لصحيفة الثورة: لقد طاول العدوان إلى جانب المدارس نحو 82 معهدا و مكتبا للتربية والتعليم في المحافظات والمديريات، ليصل إجمالي ،استهدافه 2700 منشاة تربوية وتعليمية بين مدرسة ومكتب ومعهد تعليمي تابعة لوزارة التربية والتعليم.. وأردف: (( عدد المدارس المدمرة كليا تجاوز300 مدرسة وتضم 5000 غرفة دراسية وخدمية منها 3656 دراسية فيما بلغ عدد المدارس المتضررة جزئيا 2283 مدرسة تضم 41816 غرفة دراسية وخدمية منها 29144 غرفة دراسية)).
واعتبر(( استهداف المدارس اليمنية سواء بالقصف المباشر المدمر أو بالهجوم الإرهابي كما حصل في مدرسة الشوكاني للبنات في عدن وغيرها أو غير عدن هو استهداف للعملية التعليمية التي تعد رهان المستقبل في تكوين الأجيال معرفيا وعلمياً، وذلك سعيا من العدوان وجماعات الإرهاب والتطرف المسلحة للقضاء على المقومات التعليمية في اليمن سعيا للقضاء على الانسان، وإعادة الشعب اليمني إلى عصور الجهل التي تضمن لدول العدوان تبعيته وخضوعه لقوى الاستكبار والاحتلال)).
لكن العزي يرى أن صمود العملية التعليمية وصمود قياداتها وكوادرها كل في موقعه، وكذلك استمرار المعلم في أداء رسالته التنويرية انتصار كبير وغير مسبوق لم يكن في حسبان العدوان، رغم إيقاف مرتباته منذ تنفيذ قرار نقل البنك المركزي من العاصمة التاريخية صنعاء، ذلك القرار المشؤوم من العدوان ومرتزقته بهدف شل مؤسسات وأجهزة الدولة بما فيها المؤسسة التعليمية..
وأضاف ((كذلك الطلاب كان لهم دور في الصمود والمتمثل بحضورهم وتمسكهم بحقهم في التعليم في ظروف قاسية محكومة بواقع استثنائي (فلا كتاب، ولا راتب، لا مستلزمات دراسية، لا وسائل إيضاحية)، وبرغم كل ذلك نجد تحدياً إصرارا على مواصلة التعليم لينتصر أبناؤنا وشعبنا على أقوى الأسلحة في العالم فتكا وأغبى تحالف سعودي إماراتي أمريكي إسرائيلي يحاول إخضاعنا قتلاً وحصاراً وإرهاباً)).
جرائم حرب
استهداف المدارس بالقصف أو الهجمات الإرهابية لترويع الطلاب وبث الرعب في أهاليهم ووقف العملية التعليمية، ليست هي كل ما يرتكبه العدوان السعودي الأمريكي، بل ثمة أساليب أخرى، أكثر بشاعة واجزاماً لم يشهدها التاريخ من قبل، كفرض واقع معيشي لا تطيقه الأسرة يجعلها عاجزة عن الإنفاق على أطفالها لتعليمهم فينتصر حق الغذاء لمواصلة الحياة مقدماً على حق التعليم كمصدر للتنوير والنهضة والبناء والصحة..
هذا ما ألمح إليه التربوي خالد مسعود عميد المعهد العالي للمعلمين في محافظة عمران، مؤكداً أن نقل البنك إلى عدن فرض أيضاً واقعاً معيشياً صعباً على المعلمين والمعلمات بسبب توقف الرواتب، بعد أن ظلت صنعاء تصرفها حتى وهي تحت العدوان والحصار، لموظفي الدولة في جميع المحافظات اليمنية من سقطرى حتى صعدة ومن جزر البحر الأحمر والحديدة حتى حضرموت.
تعجيز متعمد
وأصبح معظمهم غير قادر على مواصلة مهنتهم خصوصاً المعلمين النازحين بعد دمار منازلهم. كما أن العدوان قتل نحو 42 تربويا وجرح العشرات من التربويين والإداريين، في محافظة عمران كمثال لما جرى ويجري للتربويين في كل محافظات الجمهورية، جراء استهداف طيران العدوان للمنازل والمدارس والمكاتب الإدارية التابعة لوزارة التربية والتعليم في المحافظة، فقد استهدف العدوان في محافظة عمران وحدها نحو 80 مدرسة منها تسع مدارس دمرت دمارا كليا كان يدرس فيها نحو 20 ألف طالب وطالبة، معظمهم لم يستطيعوا مواصلة التعليم في مدارس أخرى وهناك 71مدرسة تضررت،يدرس فيها ما يقرب من 40 ألف طالب وطالبة.
مع ذلك ،أكد مسعود أن ((الإرهاب والعدوان والحصار وغيرها من الأساليب القمعية والهمجية، كما فشلت وللعام الرابع على التوالي في تركيع اليمنيين، ستفشل في المستقبل في حرف الأجيال عن مسار المستقبل المعرفي مهما فرضت عليهم من ظروف))..وقال: الدليل صمود المعلمين اليمنيين في كل محافظات الجمهورية واستمرارهم في التعليم، كما صمدت الأسرة اليمنية والطالب نفسه في وجه عدو النور والعلم والمعرفة، العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي)).
مدرسة واحدة
وفي سياق الحديث عن صمود المؤسسة التعليمية يؤكد التربوي محمد الغويدي- مدير مكتب التربية بمديرية الوحدة بأمانة العاصمة أن ((الاستهداف والتدمير للمنشآت التعليمية بتلك الهجمات البربرية لم يؤثر كما أراد العدوان على طلابنا وعلى الكادر التربوي، بل زادهم إيمانا بعدالة قضيتهم)).
لقد تعامل التربويون والاداريون والقيادة التربوية في هذا الظرف مع معضلة النزوح بروح المسؤولية جاعلين من اليمن مدرسة واحدة حيث تم استيعاب الطلبة في أماكن بديلة. واستوعبت المدارس الحكومية اكبر عدد ممكن منهم فمثلا أمانة العاصمة استقبلت ما يزيد عن سبعين ألف طالب وطالبه من الطلبة النازحين العام الماضي (٢٠١٦/٢٠١٧م) رغم تسرب عدد كبير من الطلبة جراء استهداف المدارس بالقصف أو تضررها غير المباشر ،وترك بعض المعلمين لها جراء انقطاع الراتب منذ سنتين وهو أحد نواتج العدوان.
وأضاف: ورغم كل الظروف والتحديات إلا أننا حددنا المدارس المتضررة وعملنا على إعادة تأهيلها المتضررة وترميمها وكان لمنظمة اليونيسف الدور الريادي والكبير في ذلك، إضافة لتقديم دورات تدريبيه في الدعم النفسي للطلبة النازحين وللمدارس المتضررة بتعاون قطاع التدريب والتأهيل في الوزارة وبالتنسيق مع بعض المنظمات والمبادرات)).
سلوك واحد
مستشار رئاسة الجمهورية ومدير مكتب حقوق الإنسان في تعز الاستاذ عبد الحميد سلطان.. قال لصحيفة “الثورة” في تعليق -على حادثة الهجوم الإرهابي على مدرسة الشوكاني للبنات في دار سعد بعدن، إن ((استهداف المدارس سواء بالقصف المباشر أو بالهجوم الإرهابي أو بالتطرف وبالحصار ومصادرة ثروات اليمن هو استهداف للمستقبل، وما حصل في عدن هو في ذات السياق)). مؤكدا أن(( الإرهاب والعدوان وجهان لعملة وسلوك واحد)).
عقد نقص
أما الدكتور احمد العرامي أستاذ التاريخ في جامعة عمران، فيرى أن ((العدوان يسعى إلى تدمير كل مظاهر الحياة ولم يترك أي مكان يتواجد فيه المدنيون إلا واستهدفه ضاربا عرض الحائط بكل المواثيق والقيم الإنسانية ومرتكبا جرائم غير مسبوقة في التاريخ)).
وقال : في إطار سعي العدوان لكسر إرادة الشعب وتدمير سبل الحياة قصف كل المؤسسات المدنية وعلى رأسها مؤسسات التعليم بهدف تركيع الشعب اليمني ونشر الجهل لأن حكام دول العدوان يعانون من عقد النقص التي تتحكم بهم تجاه اليمن أرضا وإنسانا بما يمثله من امتداد حضاري وثقافي وعلمي عبر التاريخ ))..مشيرا إلى أن استهداف الإرهاب لمؤسسات التعليم في عدن وتفجير المدارس ((يأتي في سياق أهداف العدوان لتعطيل التعليم في اليمن ولأن العدوان والإرهاب وجهان لعملة واحدة)).
كلفة باهظة
الأسئلة ستظل مفتوحة على مصاريع الغرابة والاستهجان، عن ما هية الخطر الذي تشكله مدارس أطفال اليمن على السلم الدولي والإقليمي ومتى كانت مشاعل النور والمعرفة تشكل خطرا على أحد.. ؟ وكيف لها اليوم أن تخيف بارونات المال الخليجي التي تشتري بثروة الحاضر والمستقبل العربي والخليجي أفتك أسلحة العالم لتدمر بنية التعليم التي بناها اليمنيون على مدى خمسين عاما..؟ وما كلفة هذا الدمار من الوقت والمال والجهد الذي بذلها اليمنيون ؟..
هذه الأسئلة فرضت علينا طرحها على الخبير الاقتصادي مستشار رئاسة الجمهورية والمجلس السياسي الأعلى البروفيسور عبد العزيز الترب الذي رد باقتضاب شديد، فاختزل الإجابة بالنفي القاطع لإمكانية تقدير كلفة هذه البربرية والهمجية على مدارس اليمن.
وقال البرفسور الترب:إن الإحصائيين قد يصلون إلى تقديرات كلفة المباني كمنشآت أنفقت اليمن على تشييدها مليارات الدولارات، لكن سيصعب عليهم قياس كلفة الزمن عبر خمسة عقود في بناء هذا الكم من المدارس))..
إرادة خسيسة
وأضاف البرفسور الترب : إن دول تحالف العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي يؤكدون باستهدافهم المدارس أنهم لا يملكون حضارة ولا تاريخا حتى يعول عليهم أن يحاربوا بقيم ويحترموا مقام ومعاقل العلم ومراكز الإشعاع المعرفي، وأنهم يكشفون بما لا يدع مجالا للشك سوأة الإرادة الخسيسة لديهم وأنهم يريدون ومع سبق الإصرار والترصد إعادة اليمن إلى العصور المظلمة بالجهل والعوز والضعف والتبعية الدائمة))..
مخاوف العدوان
الترب قال لـ ((الثورة))إن استهداف العدوان للمدارس يجسد غيظهم ..وقال :إن ما يغيظ العدوان هو أن المدرسة تعني للشعب اليمني التعليم والتعلُّم والتنمية والازدهار للبلد، وهي بوابة الطريق السالك إلى المستقبل المنشود.. موضحاً أن ((الهجوم الإرهابي على مدرسة الشوكاني للبنات في دار سعد بعدن قبل أيام، وكذلك مهاجمة مدرسة أبو حربة في مدينة إنماء السكنية بعدن أيضاً ، تأتي في نفس سياق هذا الاستهداف للتعليم بل ومؤشراً لبث الرُّعب في المدارس وفي المجتمع واستهداف التعليم، خصوصا بعد فشل العدوان والمرتزقة عسكريا فأرادوا بث الرعب في مؤسسات التعليم بالتزامن مع الحرب الاقتصادية بإغلاق الموانئ والمطارات وحصار ظالم لم يشهد العالم مثيلاً له)).
الانتصار حتمي
واختتم مستشار المجلس السياسي الأعلى البرفسور عبدالعزيز الترب حديثه قائلاً: ومع هذه الكلفة الباهظة على اليمنيين قوى بشرية وبنية تحتية وعمرانية، مع كل هذا العدوان والحصار سننتصر حتماً بعون الله وبفضل صمود الشعب وبسالة أبطال الجيش واللجان الشعبية الذين لقنوا ويلقنون حتى اللحظة دول العدوان دروساً في الرجولة والبطولة، وما لم يتحرك العالم لوقف العدوان الغاشم والحصار الظالم ،لا استقرار في المنطقة ولن يخسر اليمن أكثر مما خسر)).