التسابق على جزر البحر الأحمر.. صراع نفوذ لا ينتهي
أمة الملك الخاشب
تاريخ حافل بالعمالة والخيانة والذل خطت سطوره زعامات عربية منبطحة كانت السلطة والبقاء على كرسي الحكم أقصى طموح يحلمون به ولو كان ذلك على حساب إذلال شعوبهم وإهانتها وسلب مقدراتها وثرواتها وحتى لو تم احتلال أراضيهم تحت عدة مسميات ومبررات ما كان ذلك ليعنيهم .
الانبطاح الغريب والولاء العجيب الذي أبدته بعض الزعامات العربية انتهت بهم إلى بيع أجزاء من أراضيهم والتنازل عنها ومنها بعض الجزر بمقابل أو دون مقابل رغم تيقنهم أن تنازلهم عن تلك الجزر يعني مزيداً من التوسع والسيطرة الأمريكية الصهيونية في المنطقة والسعي الحثيث للسيطرة على جزيرة سقطرى اليمنية وجزيرتي تيران وصنافير المصريتان وجزيرة سواكن السودانية كل هذا السعي تقف وراءه نفس الجهة وتخفي خلفها نفس الأطماع ولو ظهرت في الواجهة دول مختلفة لكن خلف الستار تحركهم نفس الجهة ونفس المصالح فلا النظام السعودي يملك القرار ولا دويلة الإمارات ولا حتى أردوغان .
من يقف خلف سيطرة الإمارات على جزيرة سقطرى اليمنية؟
بحسب العقيدة العسكرية الأمريكية، فإن من يسيطر على هذه الجزيرة على وجه الخصوص يحكم قبضته بصورة كبيرة على البحار السبع الرئيسية في العالم، انطلاقًا من المحيط الهندي ومن باب المندب وبحر العرب، لذا كانت الجزيرة محط أنظار القوى الدولية منذ عشرات القرون وحتى الوقت الراهن، ففي 1893 احتلت القوات البريطانية أرخبيل سقطرى لضمان تجارتها حول العالم، كذلك البرتغاليون في عام 1507 لاستمرار نفوذهم البحري في المحيط الهندي وشرق آسيا بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح عام 1488.
ونظرا لما تتمتع به جزيرة سقطرى من موقع استراتيجي غاية في الأهمية، كونها نقطة التقاء المحيط الهندي مع كل من بحر العرب مع باب المندب قبالة شاطئ المُكلا جنوب اليمن (300 كم) وشواطئ الصومال (80 كم)، مما يضفي عليها أهمية استراتيجية بحرية لا تتوفر لكثير من الجزر المجاورة لها في تلك المنطقة.
ولكل ما أسلفت كانت سقطرى محل أطماع المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة .فلم يجدوا أنسب من دويلة الإمارات لتنفيذ مشاريعهم ومخططاتهم فتم الزج بتلك الدويلة لتحتل سقطرى اليمنية لتوهم العالم أن الإمارات هي الطامعة في موقع سقطرى وحقيقة الأمر أن الإمارات مجرد أداة للمشروع الأمريكي الصهيوني.
وصحيح أن التمويل في بناء القواعد العسكرية الأمريكية والإسرائيلية هو تمويل خليجي إماراتي لكن الآمر والناهي والمتواجد على أرض الواقع هم الجنود الأمريكان والإسرائيليون. والضباط الإماراتيون مجرد عبيد لأسيادهم وما هم إلا تابع ذليل للسيد الأمريكي في واشنطن و فقط عليه تنفيذ ما يتلقاه من أوامر. وما مشاركة السعودية والإمارات في حرب تدميرية على الشعب اليمني واحتلال أراضيه إلا من باب خدمة المصالح الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة وتنفيذا للضغوطات المفروضة عليهم .
فالإمارات دخلت بشكل لافت على خط صراع النفوذ في البحر الأحمر، حيث أنشأت قاعدة عسكرية في بربرة عاصمة ما تعرف بجمهورية أرض الصومال، وتمتلك أيضا قاعدة عسكرية في إريتريا، كما تسعى للسيطرة على بقية موانئ البحر الأحمر تحت غطاء حرب التحالف العربي . فسيطرتها على جزيرة سقطرى والمسارعة في تغيير ملامحها والاستيلاء على أراضي السوقطريين ومعاملتهم بإمتهان يأتي تحت بند أنها أصبحت تحت ملكيتهم بعد أن أعلنت الإمارات أن الفار هادي كان قد منحها لهم لمدة مائة عام ودون مقابل وكأنه يمنح أرض هي من ملكه الخاص فغباء هادي وعمالته وانبطاحه تفوق بها في المرتبة الأولى على نظراءه
لماذا ذهب البشير لبيع جزيرة سواكن السودانية؟
مجرم الحرب عمر البشير بعد أن لم يجد ما يطمح إليه من أموال في متاجرته بالجانجويد الزج بهم في معارك مدفوعة الثمن لا ناقة لهم ولا جمل فيها حيث أشارت الاحصائيات إلى مصرع أكثر من ألف سوداني في اليمن، وبعد نكث السعودية بتعهداتها له هاهو ذهب لبيع إحدى أهم جزر السودان وهي جزيرة سواكن وكان الشراء هذه المرة من نصيب الأتراك محاولين استعادة ماضيهم ،حيث وكان قد اختارها السلطان العثماني سليم الأول في 1517 مقرا لحاكم “مديرية الحبشة العثمانية” التي تشمل مدينتي حرقيقو ومصوع في إريتريا الحالية.
وتكمن أهمية جزيرة سواكن تاريخيا في أنها أقدم ميناء سوداني على ساحل البحر الأحمر ورغم صغر حجم سواكن (20 كلم مربع) إلا أن الأحداث تؤكد على استمرار المطامع التركية للتواجد في البحر الأحمر. وكذلك يعتبر ميناء سواكن أقرب الموانئ إلى ميناء جدة ولا تبعد المسافة بين الميناءين سوى ساعتين .
وقبل سواكن تواجدت تركيا في الصومال، حيث أنشأت قاعدة ومطارا عسكريا في مقديشو، وبغض النظر عن شعارات محاولة “إحياء التراث العثماني” فإن إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موافقة نظيره السوداني عمر البشير على خطة بلاده لتطوير جزيرة سواكن تعتبر فصلا جديدا في صراع النفوذ المتنامي بالبحر الأحمر.
ومحاولة اوردغان امتصاص القلق السعودي المصري بعد سيطرة تركيا على جزيرة سواكن فقد أوضح أن استئجاره للجزيرة سيكون مؤقتاً فقط وأن أقصى ما يطمح اليه فقط أن تكون الجزيرة بمثابة قاعدة انطلاق الأتراك نحو الديار السعودية في طريقهم لأداء الحج والعمرة “ضمن سياحة مبرمجة”. وفي الحقيقة أن سيطرة تركيا على جزيرة سواكن يعتبر من باب التسابق على السيطرة على موانئ البحر الأحمر بين عدة قوى اقليمية مختلفة اختار الاتراك أن يكونوا بينها . وقد انتقد بعض الناشطين المصريين سكوت الحكومة المصرية وعدم اصدارها شجب او إدانة لسيطرة الأتراك على سواكن التي تقع على بعد حوالي 100 كيلو من الحدود المصرية.
وفي الفترة الأخيرة اشتد الصراع على البحر الأحمر الذي يعتبر ممرا لنحو 3.3 ملايين برميل من النفط يوميا، كما أنه يعتبر الممر الرئيسي للتجارة بين دول شرق آسيا، ولا سيما الصين والهند واليابان مع أوروبا. فأحد مبررات حرب تحالف العدوان على اليمن منذ ما يقارب ثلاثة أعوام كان الصراع على النفوذ في البحر الأحمر بعد أن أعلن نتنياهو قلقه جراء سيطرة من أسماهم الحوثيين على باب المندب واعتبر تحالف العدوان أن موانئ اليمن الغربية التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله تقع ضمن محاولات إيران للتواجد القوي في البحر الأحمر ورغم يقين التحالف أن أنصار الله قوة يمنية خالصة لا تأخذ قراراتها من أي كان إلا أن استمرار عزفهم على سمفونية الخطر الإيراني يأتي أيضا من باب الهجمة الإعلامية التي تنفذها أمريكا على إيران ومحاولة تصويرها أنها هي العدو الحقيقي للعرب وأن الأمريكان والصهاينة هم الأصدقاء .
تيران وصنافير
وشهدت قواعد النفوذ في البحر الأحمر تغيرا هذا العام بعد أن تنازلت مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وهو ما حول مضائق تيران إلى ممرات دولية ستفتح -برأي مراقبين- أبوابا لتعاون سعودي إسرائيلي تحت بند تنظيم الملاحة في شمال البحر الأحمر”.
وبحسب مدير وحدة البحوث في قسم السياسة الاستراتيجية بمركز هرتسيليا الجنرال شاؤول شاي، فإن “إسرائيل تؤيد سيطرة مصر والسعودية على البحر الأحمر”.
وقال في مقال نشرته صحيفة “إسرائيل اليوم” مطلع أكتوبر الماضي إن “سيطرة مصر شمالا على قناة السويس، والسعودية جنوبا على مضيق باب المندب تساهم في الحد من السعي الإيراني الحثيث للتواجد في البحر الأحمر عبر الحوثيين في اليمن وعبر اتفاقات مع إريتريا والسودان”.
وهذا ما يؤكد أن إسرائيل تشتري ولاءات الأنظمة العربية خدمة لمصالحها العامة والخاصة، ويؤكد أن النظام السعودي والمصري والتركي ما هم إلا أدوات وغطاء لتمرير ما يطمح إليه الكيان الصهيوني في السيطرة على كل المنافذ البحرية في البحر الأحمر ليكون هو القوة الفاعلة والمتحكمة في أهم المواقع الاستراتيجية في العالم ويحقق كل طموحاته الجنونية التي لا تنتهي.