الوحدة في فكر الحركة الوطنية اليمنية وتأريخها الممتد
خاص/ علي حسين
30 نوفمبر 1967، صباحا؛ وصل الى “عدن” قادما من “جنيف”، الوفد اليمني المفاوض، وأذيع للتو إعلان الاستقلال، رسميا.
في اليوم التالي، على الاستقلال، مباشرة بدأ اليوم الأول من حصار السبعين يوما على صنعاء.
غادرت وحدات الجيش البريطاني “عدن” في 30 نوفمبر، وفي اليوم ذاته أقيم في مدينة الحديدة، ويا للمفارقة! حفل توديع للقوات المصرية، وبدأ اليمنيون في شمال البلاد وجنوبها، يواجهون تحديات قدرهم بمفردهم.
استكملت القوات الملكية المدعومة سعوديا حصارها الكامل للعاصمة صنعاء، في 30 نوفمبر 67، وامتد ذلك الحصار الشديد شهرين وعشرة ايام، ثم انكسر في النهاية وانتصرت إرادة الشعب. وبذلك كان عام 1967، عاما مفصليا في تاريخ الأمة اليمنية.
في هذا العام، وعلى الجبهتين الرئيسيتين (صنعاء وعدن) حققت الثورة اليمنية بعض اهدافها الاستراتيجية بهزيمة الاستبداد، طرد المستعمر، وإلغاء الكيانات التفكيكية.
لقد سقط المشروع البريطاني ارضا ، ولقيت 23 سلطنة ومشيخة وإمارة، على الارض اليمنية حتفها. تلك الكيانات التي كرست التجزئة، واستهدفت الهوية الوطنية الواحدة، باتت بعد ذلك اليوم في حكم العدم. حيث انتصرت إرادة الشعب وذهبت الحركة الوطنية في كل جهات البلاد تمضي في طريق استكمال أهدافها الاستراتيجية: يمن ديمقراطي حر وموحدْ.
يجب التأكيد مرة أخرى أن الحدث العظيم لا تتحدد وتنحصر أهميته وقيمته بطرد المستعمر، ولكن القيمة الأصيلة بما تحقق على الارض، حيث كان الثوار يخوضون بالأساس حرب توحيد الكيان الوطني المجزأ .
“وهكذا انتهى الحكم البريطاني لعدن الذي دام مئة وثمانية وعشرين عاما، ولعملية الاخلاء تلك، فقد دُق جرس نعي وفاة السيادة البريطانية في الشرق الاوسط، وأختتم ايضا عصر في تاريخ المدينة، ولمدة ألف سنة أو أكثر كانت عدن اساسا تنتمي لتجار العالم الاثرياء؛ سواء كانوا يمنيين جنوبيين أو أجانب بينما كان الناس في المناطق المحيطة يراقبون من خلف أبوابها بعيون شديدة الفقر والغيرة” (1).
لم تكن عدن مجرد مدينة او ميناء يمني محتل، وان كان ذلك من الناحية العملية صحيح، لكن في سنواتها الاخيرة، كانت عدن تتفوق على الموانئ واحدا تلو الآخر “وتصبح بحلول 1958الميناء الأكثر نشاطا في العالم بعد نيويورك” (2).
بالنسبة للتاج البريطاني، فقد تحولت عدن الى قاعدة عسكرية من الدرجة الأولى، ففي عام 1960، أصبحت عدن مقر قيادة الشرق الاوسط ، ومن بعدها “كانت الدولة البريطانية تتعامل معها باعتبارها الركيزة الاساسية للدفاع البريطاني في الشرق الاوسط مع الدور المزدوج في الدفاع عن الثروات النفطية في الخليج” (3). وبحلول 1964 كان يوجد في عدن نحو 8000 فرد من القوات المسلحة. يقول مؤلف كتاب “عدن تحت الحكم البريطاني”، بأن القوات البريطانية في الستينات “كانت تجلجل في المدينة بأعداد لا سابق لها”.
وأمام هذه القوة العسكرية المتزايدة، كان سيل الثورة اليمنية يتعاظم كل يوم ويشتد. كانت الثورة محتدمة والقتال ضاريا في أجزاء واسعة من اليمن.
ولم يكن السلاطين والأمراء والمشائخ والاقطاعيون في جنوب اليمن هم الركيزة الداخلية الوحيدة للوجود الاستعماري ، “بل كان الحكم المتوكلي في الشمال أحد أسباب بقائه ايضا”(4). واذا كانت أحداث الثورة اليمنية مترابطة، ومتزامنة فإن اهدافها واحدة. كان الواقع السياسي والاجتماعي في جنوب الوطن أو في شماله ينمو ويتأثر وفقا لأي مستجدات أو معطيات جديدة داخلية وخارجية. كان الاستعمار قد فكفك البلاد وجزأها الى 24 جزءا، وكان وعي الحركة الوطنية، وفي كل مراحل تشكلها ونضالها مستوعبا هذه الحقائق، وبالتالي كان توحيد الوطن على رأس أولوياتها ومهامها النضالية، لأن تحرير البلاد يقتضي ضمنيا، وبالدرجة الأولى؛ القضاء على مشروع التشطير الاستعماري وتوحيد الوطن.
كان المستعمر في عدن، يخشى يمنا قويا موحدا ومستقلا، عقب رحيل الاتراك في العشرينات من القرن الماضي، لكن الطريقة المتخلفة التي طبعت أسلوب نظام الحكم في صنعاء، أجلت ومددت فترة بقائه في عدن، رغم الدور العظيم الذي قام به الامام يحيى حميد الدين طيلة عقد العشرينيات من توحيد أجزاء واسعة من البلاد، اصبحت تعرف لاحقا باليمن الشمالي. وكما بقي جنوب الوطن مستعمرا “تحول شماله نتيجة لفقدان المؤسسات والموانئ والبنوك الى شبه مستعمرة تابعة من الوجهة الاقتصادية للاستعمار البريطاني” (5) . وبسبب طريقة الحكم وتخلف الادارة والانغلاق السياسي والاقتصادي، مارست بريطانيا نفوذا سياسيا على الإمامين، احمد ويحيى، أثر على سيادة الدولة ومس استقلالها.
وثورة 26 سبتمبر، لم تكتف بهد بنيان الإمامة من الأساس، وإقامة النظام الجمهوري الكامل، وإنما كان هدفها الأول:” التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما واقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات” *.