مظاهر الأضحى المبارك.. فرح الصمود وصمود الفرح

من صلاة العيد إلى السلام إلى النزول الشعبي والرسمي إلى جبهات القتال إلى نزهة الأسر في الحدائق

إدارة التحقيقات
بمشهد فرائحي مفارق للأوضاع المعيشية التي يعيشها الشعب اليمني جراء عدوان قاتل ومدمر وحصار مطبق تخيل أنه أغلق كل نوافذ البهجة والفرح.. غير أن عيد الأضحى الثالث في ظل صلف العدوان والحصار أثبت أن الشعب اليمني هو من يصنع البهجة والانتصارات ومن يتكيف مع الظروف القاسية ليبقى حياً لا يموت فرحه في غمرة التضحيات ونوبات الألم.. فكيف تدفقت مظاهر الحياة العيدية لعيد الأضحى المبارك في شوارع العاصمة صنعاء.. من صلاة العيد مرورا بسلام العيد على الأقارب والأهل.. ؟! وما حجم الإقبال على نزهة العيد من قبل الأسرة اليمنية في ظل الوضع المعيشي الصعب..؟ وما دلالات الفرح المقرون باستشعار إخواننا المرابطين في جبهات القتال وزياراتهم من قبل عامة الشعب من الشرفاء والأحرار أو من قبل الجهات الرسمية ممثلة بالمجلس السياسي وحكومة الإنقاذ وأجهزة الدولة المختلفة..؟
صحيفة “الثورة” تتبعت صوراً جانبية من زوايا مختلفة لمشهد عيد الأضحى المبارك خلال أيامه الثلاثة الأولى.. لتخرج بهذه التفاصيل:
من الصباح الباكر تدفق البشر في شوارع العاصمة صنعاء لأداء فريضة صلاة العيد، لا شيء مختلف سوى جديد الثياب وعزائم الثبات في سبل الحياة بكل ما أوتي المجتمع من قوة الصمود.. الجميع ينخرطون إلى المساجد متبادلين التحيا التي تتطاير مع رذاذ الطل الذي يمسح خدود صنعاء بفرح عيد جديد وصباح عامر بالروحانية أما أصوات الطائرات فليست جديدة بل صارت طقساً يؤكد إيمان اليمنيين أن ليس ثمة حياة أخرى يعيشها المرء خارج قدره سوى أن يحيا كريما ويموت عزيزاً، ومن انتهى حقه في الحياة لا يمكن لأحد في العالم أن يمنحه شيئاً.. كما صار أزيز الطائرات دافعاً وحافزاً لمواصلة الحياة بسلام داخلي يحمل النفس على التصالح مع اللحظة والفرار من قلق سؤال ماذا سيحدث غداً أو بعد غد.. صارت الطائرات وعدوانها جزءاً من الحياة اليومية لليمنيين، لكنها بالنسبة للعدوان السعودي الإماراتي الأمريكي بمثابة إراقة متواصلة لقيم الإنسانية والخسران على عتبات شعب أحب الموت كما أحب تحالف العدوان الحياة، والثروة والعيش خارج أنساق الخير..
هذا ما يؤكده العابرون في تبادلهم أحاديث صباح اليوم لعيد الأضحى المبارك الذي يمر في ظروف حالكة من العدوان والحصار.. أحمد المعمري – 60 عاماً- يضيف: لا يمكن لأي شعب أن يصمد أمام تحالف عدواني بهذه الدرجة من البربرية والهمجية، غير الشعب اليمني.. مضيفاً : فرغم لهيب الظروف إلا أن روحانية وسكينة طقوس صلاة العيد مرّت كما توجبها بهجة الصباحات الفرائحية لكل عيد على مرّ السنوات الماضية في عاصمة الحضارة والتاريخ.. يأتي مبتهجا بعد ليله الساهر بالحياة التجارية والاستعدادات العيدية، والصاخب بفرح وسهر منازل مدينة سام بن نوح (صنعاء)، وضجيج أسواقها المعهود على مر العصور، يمر كعادته – في مغبّر الظروف، وفي اخضرارها- متزراً شجن الإنسانية وكرنفال الطفولةـ ورسالة السلام والتسامح، وروحانية التسابيح ليستزيد من روح صنعاء عبقاً وحياة وعطراً لا تمحوه تناقضات الأحوال..
الملاحظة الأهم في مشهد صلاة العيد في صنعاء.. أنها عكست وبما شهدته من احتشاد بشري وإيماني الإصرار على استمرار الحياة ومشروع البقاء، أكثر من كونه انعكاساً لأجواء العيد الفرائحية، مجدداً للعام الثالث على التوالي رسالة الثبات الاجتماعي على قيم الرسالة المحمدية والسلام والتسامح والسمو على الصغائر والجراحات، كما يأتي معبر أيضاً على الثبات الإيماني الظاهري، والضمني في نفوس فوضت أمرها إلى الله ومضت في حال سبيلها بين لهيب الإرهاب وتحديات التطرف والعدوان الذي استبد كيده بأجواء وأحياء ومنازل ومصانع وجسور وجامعات اليمن، للعام الثالث على التوالي.. وهذا ما أكد عليه خطباء صلاة العيد في العاصمة صنعاء -التي شهدت حضوراً رسمياً وشعبياً كبيرين- مستعرضين فضائل هذه المناسبة والمشاعر المقدسة في عيد الأضحى الدالة على وحدة الأمة الإسلامية، وقيمة الفداء الإلهي الناتج عن التسليم لله عز وجل في هذا اليوم .. متطرقين إلى الوضع الذي أوصل إليه الشياطين المستكبرين الشعب اليمني من المجازر والجرائم والحصار والتجبر الذي لا يؤثر في الشعب اليمني لأنه شعب مؤمن يعمل من منطلق الوعي الإيماني القائم على الاعتصام بالله وهو ما يوجب أن يكون اليمنيون الأحرار جسدا واحدا ضد العدوان ومواجهة كل تصعيد بتصعيد وأن يواجهوا كل اجتماع للأعداء باجتماع في الداخل وأن يفوتوا على العدو فرصة الايقاع بين اليمنيين المقتدين بغاية هذا اليوم في اجتماع المسلمين في يوم الحج الأكبر وهم يصلون يوم العيد قلوبا واحدة وجسدا واحدا.. ومشددين على ضرورة التزام قيم التراحم والتكافل وصلة الرحم مع الاهتمام بالجرحى وأسر المرابطين في الجبهات وأسر المفقودين والأسرى وكل الأصدقاء تحقيقا لغاية البذل والعطاء في الإسلام وهو حيازة التقوى…
سلام العيد
سلام العيد وزيارات الأقارب هو الطقس الأهم في الأعياد فقد ازدحمت الشوارع وشهد الضحى منذ اليوم الأول والثاني والثالث حركة مشفوعاً بمظاهر الفرح والمرح والابتسامة مع الصغار الذين يرتدون جديد الثياب معبرين عن العيد.. تأتي هذه المظاهر في ظل التقنية التي طغى التعامل بها في الأعياد السابقة والاكتفاء بالتواصل نظرا لظروف المواطن المادية.. التي ساءت كنتيجة حتمية لاستمرار العدوان والحصار، ما جعل الاتصالات الهاتفية هي الأيسر والأكثر قرباً من المواطن، فيكتفي بالمعايدة على الأهل والأقارب سواء داخل العاصمة أو خارجها أي المحافظات والأهل والأقارب في المهجر، بالاتصال الهاتفي، أو بالرسائل القصيرة، أو رسائل المحادثات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت متوفرة عبر الهواتف الذكية، حتى صار هذا هو أقوى حبال التواصل العيدية بين المواطنين اليمنيين، الذين بدأوا يضعون ميزانية خاصة بتكنلوجيا الاتصالات أكثر من أي جانب من جوانب الحياة الأخرى المتصل بالزيارات والسياحة والعيدية والتنزه والحدائق.. ورغم أن الاتصال الهاتفي صار في هذه الظروف الصعبة، هو السبيل الوحيد، الذي تبقى، لإحياء شعائر العيد الفضيل التي تقتضي التواصل مع الأهل والأقارب أينما كانوا.. إلا أن شركات الاتصال بمختلف أنظمتها وتقنياتها المختلفة، وباقاتها الإعلانية المغرية، التي توهم المستهلك أنها إلى جانبه في الظروف الصعبة، ليكتشف مع كل باقة أنها أعلنت حربها على المستهلك اليمني إلى جانب الحصار الشامل الذي تعيشه اليمن منذ ما يقرب السبعة أشهر، إما تحت ذريعة هذا الحصار، أو تحت ذرائع الكهرباء، والمشتقات.. فأحمد حسين الرماح صاحب محل اتصالات وانترنت مديرية التحرير، يؤكد أنه يتعامل مع شركة سبأفون ويمن موبايل وام تي إن فيما يتعلق بالشحن الفوري وانه يتلقى وابلاً من شكاوى المستهلكين على التلاعب بالباقات التي تعلن عنها الشركة، خصوصاً باقات التواصل الاجتماعي والفترات المجانية ليست سوى من باب الابتزاز عبر الوهم، أو اختيار الوقت الذي لا يتواصل المستهلكون فيه بالنادر.. مؤكداً أن شركات الاتصالات(النقال) تأخذ عواطف المستهلكين بإعلاناتها لتصادر نقودهم بواقع الاحتيال.
نزهة العيد.. بين الحدائق والجبهات
من جولة ريماس ونفق السبعين شمالاً، إلى جولة المصباحي غربا، ميدان السبعين شرقاً، يحف حديقة السبعين محشر من البشر والمركبات والضوضاء غير المسبوقة.. كل هذا الزحام ليس هو المهم، فالأهم هو أن حديقة السبعين تحولت من الداخل إلى علب كبريت تضيق زحاما بالبشر.. وليست وحدها حديقة السبعين بهذه الصورة فحديقة الحيوان وحديقة الثورة وحديقة برلين، والحدائق الخاصة، وكذا الشوارع المطلة على العاصمة كشارع الخمسين وعصر، وغيرها.. هذا الزحام البشري يعكس مدى الظروف المعيشية الصعبة التي تشهدها البلاد جراء الحرب والعدوان، حيث عجزت كثير من اﻷسر عن استغلال إجازة العيد للسفر إلى القرى والمحافظات اﻷخرى سيما المحافظات الساحلية، كنوع من الترفيه والاستمتاع بتغيير الجو، وكسر رتابة الحياة، فلم يكن أمامهم سوى الحشر الفرائحي إلى الحدائق والساحات العامة في العاصمة صنعاء.. ناهيك عن كون بعضهم قضوا الإجازة في بيوتهم رغم سيل البشر الذي نشاهده في كل اتجاه..
يتوازى مع هذا الدفق البشري إلى الحدائق والمنتزهات، سيول بشرية ولكن من نوع آخر يجسد الصمود ويزرع المعنويات العالية في نفوس المقاتلين في جبهات مواجهة العدوان سواء في الدخل في كهبوب أو تعز أو نهم أو صرواح أو ميدي أو في جبهات ما وراء الحدود .. كل هذه الطقوس أوصلت أجواء العيد الفرائحية إلى الخطوط الأمامية لجبهات التضحية ومعارك الشرف والعزة والموت في مواجهة العدوان.. بل صار العيد في الجبهات واجبا وطنيا مقدسا ومقدماً في نظر كل يمني شريف وحر وقف مواجها للعدوان والمرتزقة والغزاة.. وهو الركيزة الأساسية في تصاعد وتنامي اليقظة والاحتراس الحقيقي كما يحكي هذا الزامل بصوت المبدع القدير الفنان عيسى الليث:
أ‌ﻥَّ ﺍﻟﻌﻴﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺒﻬﺎﺕ ﺃﺿﺤﻰ
ﺃﺣﻖَّ ﻓﺮﻳﻀﺔٍ ﻣﻦ ﺃﻟﻒِ (ﺃﺿﺤﻰ)
ﺧُﺬﻭﺍ ﺍﻟﻌﻴﺪ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻟﻜُﻢ، ﻭﺇﻧَّﺎ
ﺳﻨﺼﻨﻊ ﻋﻴﺪﻧﺎ ﻧﺼﺮﺍً ، ﻭﻓﺘﺤﺎ
ﻓﻨﺎﺷِﺌﺔ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﺃﺷﺪُّ ﻭﻃﺌﺎً
ﻭﺇﻥَّ ﻟﻨﺎ ﺑﺼﺪِّ ﺍﻟﻐﺰﻭ ﺳﺒﺤﺎ
ﻷ‌ﻥَّ ﺍﻷ‌ﺭﺽ ﻛﻌﺒﺘﻨﺎ ، ﻋﻠﻴﻬﺎ
ﻧﻄﻮﻑُ ، ﻭﻧﺠﻌﻞ ﺍﻟﺘﻘﺒﻴﻞَ ﻗﺪْﺣﺎ
ﻧُﻄﻬﺮ ﻛﻞ ﺷﺒﺮٍ ﻓﻲ ﺛﺮﺍﻫﺎ
ﻭﻧﻐﺪﻭ ﻧﺤﻦُ ﻟﻸ‌عياد ﺻُﺒﺤﺎ
كما أن العيد في الجبهات صار طقسا رئيسياً عند اليمنيين على المستوى الرسمي المتمثل في رئاسة وأعضاء المجلس السياسي الأعلى أو رئيس وأعضاء حكومة الإنقاذ الوطني ونواب الوزراء ومدراء المؤسسات وموظفي جهاز الدولة.. وأيضا على المستوى الشعبي من خلال الشخصيات الاجتماعية والناشطين أو من خلال المجهود الشعبي الذي يدخل الجبهات بمناسبة العيد..
تصوير/ عبدالله حويس

قد يعجبك ايضا