رمــوز التضحيـة وعناويــن النصـر الكبــير
هاشم.. غيرته على دينه ووطنه جعلته رهين ميادين القتال حتى اصطفاه الله كما يحب أن يلقاه
بشار.. ترك المناصب واستبسل في الجبهات، وتعرض للاغتيال اكثر من مرة حتى فاز بالشهادة
مصطفى.. أصغر شهيد شارك في كل الجبهات ولم ترهبه آلة الدمار حتى استشهد
عبدالإله.. ترك عرسه مفضلا عشقه لساحات الكرامة
قصص كتبتها / أسماء البزاز
لله درهم من عظماء صدقوا ماعاهدوا الله عليه ، وهبوا أنفسهم الزكية ودماءهم الطاهرة لله وفي سبيله لايرجون من الناس جزاء ولا شكورا ، إنما يبتغون طريق العزة والكرامة والشهادة ، فحققوا انتصارات وبطولات سيسجلها التاريخ بحروف من ذهب ، فهنيئا لهم هذا الدرب ، وطوبى لهم جنان السماوات. .في الحلقة الثانية ..نتحدث عن شهداء مواجهة العدوان السعودي الامريكي..وبين السطور قصص للشهداء يرويها ذويهم ..نتابع
الشهيد هاشم محسن الحمزي من مواليد أمانة العاصمة في شهر ديسمبر 1996م والذي تربى تربية دينية وأخلاقية في أوساط أسرته المتواضعة المكونة من أبويه وأخوته وعشيرته من آل الحمزي حتى سن السابعة من عمره، وقد تلقى تعليمه الأساسي بمدارس أمانة العاصمة (التعلم العام والأهلي) ثم درس الثانوية بمدرسة عمر المختار بأمانة العاصمة وحصل على الثانوية العامة عام 2014/2013م، ثم التحق بجامعة صنعاء كلية الشريعة والقانون للعام الدراسي 2016/2015م.
في الجانب الاجتماعي كان للشهيد بصماته الخالدة فقد كان محباً لوالديه واخوته وزملائه وأصدقائه على مستوى المدرسة والحي وكان يمتلك أخلاقا عالية في التعامل مع الناس وتقديم العون والمساعدة لكل من يرى من هؤلاء بحاجة إليها، وكان غيوراً على دينه ووطنه .. وكان له دور فعال في الجانب التوعوي والجهادي حيث كان من ضمن الكوكبة الأولى من الشباب في محيطه الاجتماعي الذين تأثروا بالمسيرة القرآنية ومن أوائل الذين التحقوا بمراكز أنصار الله على مستوى أمانة العاصمة.
وفي هذه المراكز تلقى الكثير من المحاضرات الدينية، ثم التحق بعدة دورات ثقافية حتى صارت لديه قناعة تامة بأن القرآن الكريم هو الهدى والنور ودستور حياة المؤمن ويجب الاقتداء والعمل بما جاء فيه والجهاد في سبيل الله وأن تكون كلمة الله هي العليا، وهذه الدورات الثقافية اكتسب منها الشهيد سلام الله عليه، ثقافة قرآنية عالية حتى أصبح يحاور والده في حياته في بعض المسائل.
وقد ميز الشهيد بين الجهاد في سبيل الله وبين الجهاد في سبيل الشيطان محدثاً والده بقوله: الجهاد في سبيل الله أوضحته كثير من الآيات القرآنية وهو قتال الفئة الباغية (الظالمة) والذين يفسدون في الأرض بعد إصلاحها، والذين يقتلون المستضعفين والذين لا يدينون دين الحق ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، والذين يقتلون النفس المحرمة بدون وجه حق والذين يأكلون أموال الناس بالباطل، والمتعدين لحدود الله وشريعته المطهرة والذين لا يتناهون عن منكر فعلوه والذين يفجرون ويخربون المساجد بمن فيها من المصلين، والآيات الدالة على ذلك كثيرة في وجوب مجاهدة هذه الفئات الباغية الظالمة المتجاوزة لحدود الله وشريعته.
وأثناء الحوار وجه والد الشهيد سؤالاً للشهيد هل الجهاد واجب ضد قوى العدوان وعلى رأسهم السعودية التي تعتدي على اليمن؟ فأجابه الشهيد قائلاً: نعم الجهاد ضدهم واجب ديني ووطني، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بقتالهم في قوله عز وجل (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ) البقرة، 190.
وللشهيد في حياته محطات فقد شارك التدريب الميداني لمن التحق بعده في المسيرة القرآنية وشارك ميدانياً بالتحرك مع زملائه في أكثر من منطقة وأكثر من جبهة كان آخرها جبهة الربوعة التي توجه إليها وكله شوق وأمل في الثأر لرفقائه الذين سبقوه بالشهادة وهم ابن عمه محمد عبدالخالق الحمزي وإسحاق يحيى الحمزي وإبراهيم أبو علي وسلطان العابد وعبدالرحمن المهدي وحسن الغيثي وخالد المنتصر ومحمد عبدالله الوشاح ومحمد علي الوشاح وشايف العقبي وغيرهم.
حيث جاهد مع زميله وتوأم روحه هاشم محمد الديلمي بكل عزة وشموخ حتى نالا الشهادة في سبل الله في يوم الأربعاء الموافق 7 /9 /2017م .. فهنيئاً لهما ولكل من سبقوهما بهذه الشهادة وهنيئاً لهم جميعاً البيع من الله سبحانه وتعالى مقابل الجنة، قال سبحانه وتعالى (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) صدق الله العظيم، التوبة، 111.
الشهيد بشار المؤيد:
الشهيد بشار أحمد المؤيد.. 40 عاماً كانت حافلة بالإنجازات والعطاء والمتوّجة بالإبداع والإبتكار والتفرّد والتميز..
انخرط بشار منذ ريعان شبابه في الكثير من الأعمال السياسية والإدارية وتقلد الكثير من المناصب القيادية المهمة ونتيجة لاهتمامه الكبير بعمله فقد أدى ذلك إلى نجاحه الدائم.. وبين كل ذلك كانت الشهادة دائماً نصب عينيه وأغلى آماله..
ولأن عقله كبير ومبتكر ومحب للإبداع وأفكاره عظيمة واستثنائية، وقد تميّز بالذكاء والحكمة فقد انشأ العديد من المشاريع العظيمة والمهمة والتي كان له قصب السبق في إنشائها والتي كان يهدف من خلالها إلى تطوير الوطن والنهوض به.. وأيضاً إلى خدمة المواطن وتوظيف أكبر عدد من الشباب والشابات من خريجي الجامعات وغيرهم..
كان بإمكان الشهيد بشار أن يحقق الكثير من المكاسب لنفسه وكان الباب مفتوحاً له على مصراعيه.. ولكنه كان شديد الارتباط بمبادئه وقيمه العظيمة السامية.. وعندما رأى أن بعض تلك المشاريع قد انحرفت عن المسار الذي أُنشئت من أجله قام بمعارضة ذلك حتى تم الإستغناء عنه..
كان بشار رجلا قيادياً يحمل بين جنباته أحلام الشباب وآمالهم وتطلعاتهم في التغيير نحو الأفضل.. ولم يكن هذا الحلم يفارقه مهما كانت الظروف والصعاب بل كان قلبه الكبير المحب للوطن والخير لأبنائه يزداد تعلقاً به وسعياً نحوه يوماً بعد آخر..
مما جعل له أهمية كبيرة في قلوب كل من عرفه حتى أصبح ملهما لدى الكثير منهم.
لكن الدنيا بزخرفها ومالها ومناصبها لم تجد سبيلاً إلى قلبه..
وما إن بدأ العدوان السعوصهيوأمريكي على اليمن حتى انطلق ملبياً لنداء الوطن ومنخرطاً في صفوف المجاهدين الأبطال الذين نذروا أرواحهم للدفاع عن حياض الوطن الغالي وعن الشرف والكرامة..
خاض الشهيد البطل بشار المنايا ضاحكاً ومستبسلاً ولم يستنكف عن اللحاق بصفوف المجاهدين الميامين في الميادين كونه كان ذا منصب من قبل..بل كان له شرف الالتحاق بركب رجال الرجال العظماء الأحرار..
حيث تم محاصرته هو وأربعة عشر مجاهداً في لحج بأربع مدرعات في منطقة صحراوية مكشوفة محاذية لطريق الحرور الواصل بين خط عدن أبين وبين لحج (بساتين الحسني)ومطالبتهم بالاستسلام والانبطاح على بطونهم.. لكن بشار لم يرض بالاستسلام ولم يقبل أبداً أن يسلم نفسه لهم وكان يحث أصدقاءه بكل ما يستطيع على أن يلحقوا به وأن يفعلوا مثله وألا يسلموا أنفسهم لأولئك المحتلين والمرتزقة المجرمين.. وكانوا خلال ذلك يرون مناظر بشعة جداً من جثامين الشهداء الذين تم تعذيبهم والتمثيل بهم على جنبات الطرق..! لكنهم لم يستمعوا إليه، وكان قد بلغ منهم العطش والتعب مبلغه والمشرف عليهم كان جريحاً أيضاً..
كان بين أولئك الغزاة إماراتيون على المدرعات وخلفهم أعداد من الجنجويد..
قام بشار بالجري بسرعة كبيرة جداً وبكل ما يستطيع بعد أن ألهمه الله لذلك بعد الدعاء والاستغفار ولم يتوقف لسانه عن ذلك البتة والأعداء من خلفه يطلبونه فوق مدرعاتهم وكانت المصفحات تضرب عليه الأعيرة النارية.. لكنها كانت تمر من جنبه وتقع بين رجليه ولم تصبه بقدرة الله الحافظ لمن وثق به وتوكل عليه وسلم أمره إليه..
كان بشار يشعر بقرب شديد من الله وأنه سبحانه يتولى رعايته..
وهكذا استمر بشار في الجري حتى اختفى في أحضان المزارع التي حمته من أعينهم وعناية الله فوق كل ذلك..
وبالنسبة للأسرى الأربعة عشر فقد تم أخذهم إلى سوق وما إن وصلوا حتى باعوا اثنين منهم بثمن الآوالي وقام من اشتراهم بقطع رؤوسهم من فوره وهذه هي أخلاقهم وتعاملهم مع الأسرى وقد عرف بشار بذلك مؤخراً من الأثنين الذين نجوا منهم وتم إطلاق صراحهم بعد ذلك..
وبعودتنا إلى بطل قصتنا فقد استيقظ على أصوات الكلاب والدم يخرج من رأسه بعد أن أصيب عندما أغمي عليه والجراح في قدميه أيضاً.. ووجد أحد المزارعين الذي توسم فيه الخير وقام بتخييره بأن يقوم بقتله إن أراد أو أن يقوم بمساعدته لأنه يريد الشهادة أو أن يعود سالماً إلى أهله لكنه لا يريد أن يكون أسيراً.. فقام ذلك المزارع الطيب بمساعدته بعد ثلاثة أيام قضاها بدون ماء ولا طعام..
حيث قام بحفر حفرة عميقة في الأرض ارتفاعها مترين وغطاها بالقش وقام بإخفاء بشار فيها خوفا عليه حتى لا يعثر عليه أحد وكان يحضر له الطعام والشراب..
وهكذا حتى سنحت الفرصة في عودته لصنعاء جعله المزارع يرتدي ملابس المزارعين.. وأعطاه بشار الآلي وبيادته التي دفنها في الأرض وقال له :إذا انتصرت فسوف آتي لزيارتك وآخذ البيادة لابني..
وكان تاريخ استشهاد بشار بعد هذه القصة بأربعة أشهر..فقد قال لزوجته عندما التقاها :أنا لم آت إلا لتوديعك.. فأنا شهيد.. شهيد..
وبعد عودته بفترة قصيرة تم إعلامه بأن العدوان قد استهدف مزرعته في الخوخة بصاروخين وتدمر بيته بالكامل فما كان رده إلا أن قال (أبوه أبوه روحي ودمي وبيتي فداءً لهذا الوطن)
وما إن عاد حتى قام بلقاءات موسعة مع الشباب في الحارات ويحدثهم بضرورة حمايتها وتأمينها، وكان يقول لهم:حارتك بيتك الذي هو مأمنك وسكنك ولم يكن يتركهم حتى يبادروا بحمايتها وتأمينها..
ليس هذا فحسب بل لأنه كان شخصية اجتماعية مشهورة ومعروفة بعقلها الكبير وعلاقاتها الواسعة جداً مع الجميع من مسئولين وغيرهم .. ولأنه كان محنكا سياسيا وقياديا متمكنا يمتلك دائرة واسعة من العلاقات مع مختلف الشخصيات من جميع الناس بمختلف انتماءاتهم وأحزابهم وفئاتهم، عاد لإطلاق العديد من المبادرات الشبابية وقام بعدة اجتماعات في مختلف الحارات في أمانة العاصمة يدعو فيها إلى وحدة الصف لحماية الوطن وتوحيد الجهود والبعد عن النزاعات الحزبية والمناطقية بين المكونات المناهضة للعدوان أبرزها(أنصار الله والمؤتمر) حتى أثمرت جهوده العظيمة بتوحدهما علناً في مواجهة العدوان بعد أشهر قليلة من استشهاده، والذي كان يعتبر من أوائل الداعين لتوحيد الصف بينهما والمهندسين لذلك..
في مساء يوم السادس عشر من يناير(كانون الثاني) العام المنصرم وكان له ما تمنى فارتقى شهيداً بعد مسيرة حافلة من العطاء في جميع المجالات مخلداً سيرته ومسيرته النضالية بأحرف من نور في جبين التاريخ..أولاً، وفي قلوب كل من عرفوه أو سمعوا عنه ثانياً..
وأما عن أهله فقد فرحوا له بالشهادة التي كان يتمناها حتى لو كانت ممزوجة مع ألم الفقد، وها هي زوجته تقول :
كنت سأشعر بغصة وقهر كبير لو كان مات بحادث ولكني فرحت له لأنه نال ما كان يتمنى.. وتقول: على كل امرأة أماً كانت أم زوجة أن تدفع بالرجال إلى الجبهات مهما كان الأمر ..
الشهيد الصغير مصطفى المتوكل:
اثنتا عشرة سنة .. هذا هو العمر الذي بدأ مصطفى فيه المشاركة والإنطلاق في الأعمال الجهادية لأنه من تلك الأسرة المؤمنة التي كانت تزود المجاهدين بما تستطيع في الساحات والإعتصامات أثناء ثورة الشعب ضد حكومة الظلم والفساد..
وهكذا وجد البطل الصغير نفسه يتنفس عبق الحرية والكرامة الممزوجة بالبذل والتضحية فعشقها أيما عشق وتعلق بها قلبه الصغير أيما تعلق حتى لم يستطع أن يلتفت لسواها من أمور هذه الحياة وهو لا يزال في هذه السن المبكرة.. فكان يشارك في المسيرات ويقوم بأخذ الطعام للمرابطين في الساحات ولم يكن يفوته شيء من الفعاليات..
وكان هذا الطفل الصغير في عمره.. الكبير في نضجه وتفكيره يكبر ويكبر معه حبه للجهاد والبطولة.. لم يكن هذا الحب والتعلق من فراغ بل عن إيمان ومعرفة وفهم ودراية فقد كان يقرأ ويحضر الدروس والمحاضرات ويغترف من الثقافة القرآنية التي تنير الفكر والحياة.
كان مصطفى يتصف بالصدق والأمانة وكان اجتماعيا حنوناً في تعامله مع الآخرين وكان مسارعاً في الخيرات وفي القيام بالمهمات وأداء الواجبات الجهادية وكان أيضا مغرماً بشيء اسمه الإنفاق في سبيل الله وشهد له بذلك الكثير ممن عرفوه.. فكان ينفق كل ما يحصل عليه في سبيل الله ويحث أهله على ذلك.. فها هي والدته تقول كنت أحيانا أعطيه المال لتوي ثم لا يتبقى معه شيء وعندما اسأله يقول: أعطيته للمجاهدين كان ينقصهم كذا أو كذا.. وإذا لم يجد مالاً لينفق فإنه لن يعجز فيقوم بترك أحذيته المرة تلو الأخرى لمن ليس لديه من المجاهدين ويعود حافي القدمين إلى المنزل ويتحجج بضياعها في كل مرة.!
لم تكن والدة مصطفى قد تقبلت بعد فكرة أن طفلها الصغير قد أصبح رجلاً مقاتلاً في الميادين فكانت تقول له بابتسامة وتعجب :انظر إلى حجم الآلي وإلى حجمك!.. لكنه كان متعلقاً جداً بالسلاح كما تقول..
كان مصطفى مرهف الإحساس والدموع تنهمر من عينيه بسرعة خاصة إذا كان الأمر يتعلق بأحب الأشياء إلى نفسه فها هو عندما كان والداه معارضان لفكرة التحاقه بالجبهات في البداية تنزل الدموع من عينيه بسرعة ويشعر بقهر كبير في داخله وهما يخبرانه أنه لا يزال صغيرا وأنه لم يحن الوقت بعد..
فيقول لهما أنه يطيعهما في كل شيء لكن لا يحق لهما أن يمنعاه مما فيه طاعة ورضا لله عز وجل.. ويقول أيضاً_أنا لن أرضى ولن أقبل بأن أموت في البيت أو فوق السرير مهما يكن.. وأريد أن استشهد في الجبهات.!
فتيقن الوالدان أن ابنهما الصغير له تفكير رجولي وعمق ووضوح في الرؤية..
كان مصطفى يعرف أنه لن يعيش طويلاً في الدنيا لأن روحه تتوق إلى السماء فعندما قال له أحدهم في عرس أخيه عقبا لك، رد عليه_ أنا سأتزوج في الجنة..
حتى إن زرته في المدرسة ستجده وهو يقول لمعلمته أنا ليس مكاني هنا.. أنا مكاني في الجبهات.. وها هو يطير من الفرحة عندما أخبره والده بموافقته بأن يلتحق بدورة تدريبية وأن ينطلق ويحلق في ركب المجاهدين الأبرار في سبيل الله والوطن والعزة والكرامة..
وها هي الأمنيّة الغالية التي تمناها مصطفى ورابط وسهر لأجلها الليالي في مواقع عدة قد تحققت.. وكيف لفارسٍ كمصطفى أن تأتيه المنية إلا في المكان الذي تمناه.. وهي في الحقيقة لم تكن منية بل كانت الحياة الأبدية .. نعم يا مصطفى ليس جدير بمثلك أن يموت في البيت أو على الفراش.. ولم يكن يليق بمؤمن مجاهد مثلك إلا الشهادة التي كان يتمناها وأناله الله إياها.. بعد أن شهد له من يعرفه من المجاهدين أنه كان يمتلك إيمان وشجاعة قل تواجدها بين نظرائه وأقران سنه بل وإنه كان قدوة لمن يكبرونه سناً.
ارتقت تلك الروح الطاهرة بعد أن نكلت بأعداء الله كثيراً وبعد أن تعرضت لكمين غادر على يد المرتزقة والمنافقين في منطقة بيت الفقيه في الحديدة حيث تم قنصه برصاصة غادرة فأغمض عينيه في لحظات لم يصبه إلا أذى وهذا من كرامات الشهادة في سبيل الله والوطن .. وارتمى كأنه نائم في أريكة من النعيم المقيم فسلامٌ سلام.. استشهد مصطفى وهو لم تجاوز السادسة عشر من عمره قضاها حباً وبذلاً وتضحيةً في سبيل مبادئه السامية وقضيته الحقة..
تقول والدة الشهيد:مصطفى اختار طريقه بنفسه تاجر مع الله وربح تجارته استثمر موته وأبى أن يموت إلا في ميدان الشهادة والواجب الذي أصبح فرض عين على كل حر وغيور على عرضه ووطنه ونال ما تمنى..
وتقول:أقول لمن يلوموننا أننا سمحنا لمصطفى الجهاد في هذه السن، فليخرج رجالكم المتخاذلين عن نصرة الدين والوطن حتى لا يخرج أطفالنا عوضاً عنهم
الشهيد عبدالإله الغرباني:
عندما نتحدث عنه فإننا نكتب بأحرف من نور. تحيي المجاهد العظيم الذي لم توجد جبهة إلا ووطأتها قدماه الحافية الطاهرة.. فكان على الأعداء والطغاة كأنَّهُ ريحٌ مرسلة يسلطها الله ببأسه الشديد فتقتلعهم وتجتثهم من الأرض اجتثاثاً..
ستجده هناك في الجوف وفي مأرب وباب المندب وفي كل مكان يستوجب عليه واجبه الديني والوطني أن يكون فيه.. حامي الحِمى وليث العرين.. وكأنّما هو أرواح في جسد مؤمن عظيم بِهمته وعزيمته واندفاعه وحماسه الجهادي والإيماني الخارق للعادة ومنقطع النظير .. وستراه ليس آخيراً في نهم مقاتلاً شرساً ومجاهداً مقداماً..يقتحم المواقع ويعتلي الجبال وتفرّ أمامه العشرات وتسقط تحت يدي بأسه المواقع وتتبعثر المزنجرات .. فلا تزال روحه هناك تقاتل ولا تزال دماؤه من تحت الأرض براكين تتفجّرّ .. فلا يزال هنالك الليث يزمجر ويصدح بصوته فاتحاً “الله أكبر”..
نعم هذا هو الشهيد البطل.. عبدالإله عبدالملك الغرباني.. وكل الكلام في حقه وأمثاله من العظماء قليل..
تُرى هل هي الجبال والقفار وحدها من تحن إليك أم ماذا تركت في قلوب أحبائك من الأسى بفراقك يا أيها الفارس المقدام.. ومهما تكن مرارة الفقد لكنها ممزوجة بطعم العزة والإكبار للخالدين أمثالك..
نعم إنَّ الرائعين والعظماء يتركون فراغاً كبيراً في أرواح وقلوب من عشقوهم وعاشوا معهم.. فتلك والدتك لا تزال إلى اليوم تناجي صورتك وأنت عريس وهي تتذكر كل مواقفك وقصصك والابتسامة ترتسم على محيّاها والدمعة تترقرق في مقلتيها.. وتقول لو لم تكن بتلك الدرجة من الطاعة لها ربما لما شعرت بهذا الألم الذي يعتصر قلبها لكنها تستبشر بأنها قدمت بين يدي الله ورسوله وفداء للوطن الغالي هذا القربان .. كذلك هنَّ أخواتك فقد كنت لهن نعم الأخ العزيز والغالي فهكذا العظماء عظماء بأخلاقهم وبسلوكهم وفي كل نواحي حياتهم..
لكن لماذا والدتك لم تتخل عن صورتك وأنت عريس من بين يديها ولا من أمام ناظريها..
لأنها تعرف جيداً أنك لم تتهنَ ولم تسعد بعد في زواجك.. فعلى الرغم من جهادك العظيم قبل عرسك إلا أن عشقك لساحات الكرامة والروحية العظيمة التي بين جنبيك لم تجعلك تظل مع عروسك طويلاً كما قد يفعل غيرك من الناس وكأنَّ الجهاد والوطن مسئوليتك وحدك وكأنَّ البلد حملاً على عاتقك دون سؤاك ومن غير أن تلتفت للمتخاذلين من حولك..
ولأنها أيضاً ظلت تنتظر طويلاً علّها تحظى بأن تُلقي عليك نظرة الوداع الأخيرة.. كما هو حال زوجتك وأخواتك وأحباءك.. لكن.. كما كنت دائماً تقول لزوجتك :
“سيأتي اليوم الذي أرجع فيه إليك شهيدا وقد يعود جسدي وقد لا يتبقى منه شيء ليعود”،،،،
فهكذا كانت أمنيتك التي عشقتها وكانت تسري في دماءك وتتنفسها مع كل نسمة هواء.. فبصدق ولاءك لله والوطن نلت ما تمنيت فلتخلد هنيئاً منعما في عليائك..
فقد كانت نعم الزوجة العظيمة المؤمنة المحتسبة والمجاهدة في كل الميادين بكل ما تستطيع والسائرة على درب جهادك فها هي تقول في كل يوم بعد أن زفت روحك الطاهرة إلى معشوقتها:
“هنيئا لك ما عشقته ونلته هنيئا لك الشهادة يا سيدي وتاج راسي.. ”
فهي تعرف أنها لن تفيك بحقك من الكلمات مهما قالت وتحدثت.. ولكنها حاولت أن تتكلم عن أبرز ما وجدته فيك من معانٍ سامية وأخلاق عظيمة وهي تشعر بكل الفخر والإعتزاز كونها كانت زوجة رجل بمثل أخلاقك وعظمتك..
وتقول: بسم الله الرحمن الرحيم شعوري هو شعور فخر وعزة بأنني كنت زوجة أحد الشهداء العظماء.. شعور فخر ممزوج بحرقة وألم الفراق.. حيث وأن الحياة ولو للحظات مع العظماء تساوي آلاف السنين من الحياة مع سائر الناس فهم ملائكة الأرض.
من هو الشهيد:- فلنعرف أن الشهادة لا ينالها سوى من يستحقها فقد كان أبرز ما كان يتصف به الشهيد أنه كان:
– لا يمكن ليومه أن يخلو من قراءة القرآن والاستفراد به أو سماعه..
– كثير التسبيح والاستغفار.. كان قليل الكلام قبل المغرب فقد كان التسبيح بـ(سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله..)يشغل لسانه وقلبه.
– كان أكثر أخوته طاعة وأحبهم إلى قلب أمه وأخواته..
– كان كريما كثير الإنفاق كثير التصدق فلا يرد يد من سأله خائبة.
– كان صادقاً لا يخلف وعده ويتعامل بتواضع مع الجميع وبالأخص مع أخوانه المجاهدين.
– كان متفانٍ في عمله الجهادي مندفعاً فيه بكل جوارحه واحساسه وكان ممن وصفهم الله بقوله (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) وها أنا أقول لك يا زوجي الغالي (لبيك يا شهيد،لبيك يا شهيد، لبيك يا عبد الإله) وأعاهدك أني على دربك ماضية إلى أن يأخذ الله أمانته.
Next Post
قد يعجبك ايضا