الغش في الامتحانات.. رسوب أخلاقي

 

¶ تربويون: الغش ظاهرة سيئة والحد منها يتطلب تكاتف الأسرة والجهات المختصة

¶ علماء نفس :سلوك الغش غالباً ما يتطور من خلال بيئة تربوية واجتماعية توفر المناخ المناسب

طلاب: يصعب منع الغش فهناك طرق جديدة يصعب اكتشافها

مراقبون: نبذل قصارى جهدنا في اكتشاف أساليب الغش المبتكرة

المخلافي: الغش محرَّم في ديننا وخيانة للأمة وليس للفرد فقط

الأسرة/ وائل الشيباني

بين الطلاب والطالبات من يعصرون أدمغتهم ليس لاستيعاب الدروس بل لابتكار طرق جديدة للغش لا يعرفها المراقبون داخل قاعة الامتحان لتستمر حكاية الغش بين الطلاب والمعلمين إلى أجل غير معلوم برغم تزايد حدة العقوبات التي تفرضها بعض المدارس عليهم إلا أنها لم تمنع البعض من ممارسة هذه السلوكيات من والمجازفة دونما أدنى خوف من النتائج.. طرق الغش الحديثة وآثار سلوك الغش من الناحية التعليمية والنفسية نتقصاها في هذا التحقيق:

يتحدث إلينا محمد -طالب في المرحلة الثانوية- فيقول متحديا :المدرسون لا يستطيعون منعنا من الغش مهما حاولوا فنحن محترفون ويصعب اكتشافنا أثناء الغش”..
ويضيف محمد: في الامتحانات يقوم المعلمون بإخراج جميع الطلاب إلى ساحة المدرسة للاختبار وهنا يكون عددنا كبيراً لنقوم بالغش حينها عبر الإشارات أو تبادل ورق الامتحان في حالة ذهاب المدرس إلى نهاية الساحة للإجابة عن سؤال أحد الطلاب أو سحب الورق منهم.
أساليب جديدة
أما فيما يتعلق بطرق وأساليب الغش في الامتحانات النهائية فهي كثيرة.. تبين لنا ذلك من خلال الطرق التي حدثنا عنها اليوسفي طالب في الصف الثاني ثانوي علمي بإحدى المدارس الحكومية في مديرية الوحدة.
اليوسفي ذكر بعض أساليب الغش، قائلاً: بعد الامتحان الأول ومعرفة مكان جلوسي واللجنة التي سأختبر فيها أذهب وقت العصر إلى المدرسة وأدخل إلى قاعة الامتحان بعد أن أتفق مع حارس المدرسة وأكتب كل ما أحتاجه فوق الماسة بقلم رصاص وعلى الجدار الذي أمامي لأعود في اليوم الذي يليه لأمسح ما كتبته وأكرر نفس العملية حتى نهاية الامتحانات”!!.
أما رؤى- طالبة ثانوية علمي- فهي خبيرة في استخدام التكنولوجيا الحديثة والاستفادة منها كما حدثتنا. إذ تصور الأسئلة باستخدام الهاتف المحمول وترسلها عبر تطبيق “الواتس آب” لتعود إليها محلولة فتقوم بعدها بإرسال الحل إلى زميلاتها داخل القاعة عبر البلوتوث!!.
وتضيف: “طبعاٍ نقوم بإلصاق الهاتف المحمول بعد أن نقوم بإطفائه في أسفل الماسة لامتحان اليوم الثاني”!!.
طرق مبتكرة
سعيد طالب- في المرحلة الثانوية بإحدى المدارس الأهلية- يحدثنا عن طريقة مبتكرة في الغش ويقول : تمكنت من شراء قلم فيه ليزر أثناء سفري لتونس ومن خلال هذا القلم أقوم بكتابة ملخص للمادة بخط صغير على ورقة بيضاء من الورق المقوى ومن ثم أقوم بإدخال هذه الورقة البيضاء الخالية إلى قاعة الامتحان بحجة إسناد الورقة التي قد تتعرض للتمزق بسبب الحالة السيئة للماسات في المدرسة أو بحجة وضوح الخط، بعدها أقوم بتسليط الضوء (الليزر) الموجود على الورقة لتظهر بعد الكتابة بوضوح وأقوم بنقل ما أريد دون أن أتلفت إلى أي اتجاه ودون أن يشك المراقب في ذلك وهذه طريقتي السرية التي لم أخبر أحداً عنها.
ويضيف: هناك طلاب يقومون بالكتابة على تلك الورق المقوى من خلال الحفر الضغط على الورقة بصورة قوية بقلم رصاص من ثم يقومون بمسحها ولكن هذه الطريقة ترهق النظر أثناء القراءة داخل اللجنة وربما تمحى تفاصيل بعض الكلمات المكتوبة على الورق المقوى.
إجراءات احترازية
كل عام تأتي الطالبات بطرق جديدة للغش لم تكن موجودة في العام الذي سبقه لكي لا يتعرف عليها المراقب أو المراقبة داخل قاعات الامتحان “.. هذا ما أكدت لنا أفراح الصلوي – الأخصائية الاجتماعية، وتضيف قائلة: نحن بدورنا نعمل كل عام بجهد مضاعف للحد من هذه الظاهرة السلبية ونقوم بتحذير الطالبات من إحضار أي شيء عدا الأقلام المعروفة وخطر تناقلها داخل القاعة ” لكن الأخصائية الصلوي أوضحت أن الطالبات يبتكرن دائماً طرقاً جديدة للغش” ذكرت منها مثلاً” :” الاتفاق المسبق بين الطالبات بأنه في حالة سؤال أحدهن المراقبة أو الأستاذة داخل الامتحان بحجة التوضيح فإن هذا يعني نداء للإغاثة من قبل زميلاتها اللاتي يوصلن لها الحل فإذا كان السؤال بالإمكان الإجابة عنه بالإشارة فإن هناك إشارات محددة بين الطالبات لا يفهمها سواهن وإذا كان السؤال يحتاج للكتابة فإن من ستعطيها الحل تطلب مسطرة أو قلماً من الطالبة المتعثرة في الإجابة لتزويدها بالحل في تلك الأدوات من ثم إعادتها إليها فإذا كانت مادية فإننا نقوم بمعاقبتها وحرمانها من المادة أما إذا كانت بالإشارة فإن هذه الطريقة ذكية للغاية ويصعب اكتشافها وحتى وإن كشفت يصعب التعامل معها بسبب عدم وجود دليل مادي لإدانة الطالبة التي تغش”.
لغة الإشارة
ويتفق معها المعلم وليد الخاوي بأن “لغة الإشارات هي الوسيلة الأذكى التي يستخدمها الطالب في الغش”.
ويقول: الطلاب يقومون بإرسال الحلول من واحد إلى آخر عبر الإشارات، فبعد أن يؤشر الطالب لزميله بأصابع يده عن الفقرة التي يريدها يرد عليه الطالب بإشارة علامة صح أما إذا مسك القلم بيده الشمال فالإجابة ستكون خطأ.
ويضيف الخاوي: هذا في حالة الأسئلة التي تحتوي على إشارات صح أو خطأ وكذلك الاختيارات، فإمساك الطالب القلم باليمنى يعني الاختيار الأول وباليسرى الاختيار الثاني وعند وضع القلم على الماسة فالاختيار سيكون الثالث أما في حالة عض القلم فإن الاختيار الرابع وهكذا يستمر الطلاب في ابتكار طرق جديدة كل عام وما أن نكتشفها حتى تظهر أخرى جديدة.
سلوك سلبي
يرى علماء النفس التربوي أن “ظاهرة الغش سلوك ينمو لدى الفرد من خلال عوامل التنشئة الأسرية والاجتماعية” ويذهبون إلى أن “سلوك الغش غالباً ما يتطور من خلال بيئة تربوية واجتماعية توفر المناخ المناسب لذلك”.
ولهذا كان لسلوك الغش بنظر أخصائيين اجتماعيين ونفسانيين خطر ليس على الفرد الغشاش فقط بل على أفراد المجتمع أيضا وتزداد مشكلة الغش وخطورتها عندما تمس الشريحة المتعلمة أو المثقفة في المجتمع كتلاميذ وطلبة المدارس أو الجامعات والذين يفترض أن تكون وسائل التربية والتعليم قد هذبت سلوكهم وصقلت أفكارهم سعياً وراء تحقيق الأهداف التربوية والتعليمية التي يسعى المجتمع إلى تحقيقها.
خلق مذموم
“الغش في الامتحانات خلق ذميم ومحرم”.. هكذا بدأ الداعية وإمام مسجد التوحيد إبراهيم المخلافي حديثه معنا، وأضاف: الغش والخديعة خلقان مذمومان لا يتصف بهما الشخص الذي يخاف ربه وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من غشنا فليس منا” وهذا يعم كل غش في أي شيء كان.
ومما يزيد قبح سلوك الغش بحسب المخلافي هو “أن الغش أو الغشاش يحمل صفة المنافقين، قال تعالى “يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون” وبهذا يتبين للجميع أن الغش في الامتحانات سلوك ذميم ومحرم سواء كانت المادة التي يختبر فيها دنيوية أو دينية لعموم الأحاديث والأدلة المتقدمة بخصوص هذا الشيء.
وأكثر من هذا بنظر المخلافي في أن “هذه السلوكيات خيانة لعموم الأمة وليس للنفس فقط” حسبما قال.. وختم حديثه بالقول: الغش في الامتحانات محرم ويتنافى مع تعاليم ديننا الإسلامي.

قد يعجبك ايضا