لا تبك يا رشدي بك
عباس الديلمي
هكذا استهل خطابه – أو وداعه – لصديقه رشدي عند إشعاره بالتوجه مع جنوده إلى اليمن طالباً منه بلغة الأمر والتوسل معاً، ألا يبكي عليه، حتى لا يزيد من آلامه وأحزانه، اما صاحب هذا الطلب فهود القائد العسكري التركي مهراني بيه.. من وجد في الأمر العسكري بتوجهه إلى اليمن، ما ألهب فريحة الشعر لديه ليبث مخاوفه وأحزانه لصديقه رشدي بك، ويشكو إليه حظه العاثر وقسوة حكومته أو سلاطين الإمبراطورية التي كل همها كان التوسع في النفوذ، غير آبهة بما يعانيه جنودها وخاصة من تدفع بهم إلى اليمن، وها هو يشير إلى أن النار لا تحرق من في القسطنطينية أو استانبول، بل من هم في جبهات القتال من أمثاله، كما جاء في مقطوعته الشعرية التي صارت من أشهر الأغاني الشعبية أو البكائيات التركية عن حرب اليمن حيث قال:
“الجمرة تحرق المكان الذي تسقط عليه
إن الهم والله همي
ولا يهم أحداً”
هكذا يقول إن الهم همه وحده، وأنه من سيحترق بنار الزج به إلى محرقة اليمن وكأنه على علم بما ورد في قصيدة شعبية يمنية قال شاعرها:” والنار ما تحرق إلا رجل واطيها”.
مهراني بيه يودع صديقه ويرثي حاله بالقصيدة التي صارت أغنية على كل شفاه – حينها – ويقول له ، إنه مسافر في مهمة لن يفلح فيها، وقد لا يعود إليه بهدية، وأنه يرى مقدماً خيام معسكره هناك وقد نصبت فوق أزهار “الكمون” كما يرى جنوده يعانون من الجوع والعطش.. تقول الأغنية (بعد الترجمة):
“انني راحل
لاتبك يارشدي بك
لا تكوي فؤادي
بوضعك الجمر عليه
إلى اليمن ياسيدي إلى اليمن
توجهت أنا (مهراني بيه) إلى اليمن
لقد نصبت خيامي هناك
فوق أزهار (الكمون)
***
الجمرة
تحرق المكان الذي تسقط عليه
إن الهم والله همي
ولايهم أحدا
إني راحل يا صديقي رشدي بك
ومهمتي هديه لك
أن كتائبي عطشى .. ولكن
هل سيفلح من سيذهب إلى اليمن؟!!!”
هكذا تساءل مهراني بيه في نهاية غنائيته البكائية: هل سيفلح من يذهب إلى اليمن؟! أما إجابتنا عليه فتقول: ما أفلح أبدا كل من ذهب إلى اليمن غازياً ولذا أسموها (مقبرة الغزاة) عكس من يأتي إليها محباً وباحثاً عن حضارة، ولذا أسموها بـ(العربية السعيدة).
اعتقد أن مهراني بيه قد سمع الإجابة.. لأن عظامه هنا قد تركت تحت أقدام جبل من جبال اليمن المنيعة.