تسرب الفتيات من التعليم.. جريمة العدوان الصامتة

*توقف التمويل الخارجي وبرامج تشجيع تعليم الفتاة فاقم الظاهرة
*اليونيسف: معدل التسرب من المدارس قبل الصف الثامن يتجاوز 40% للفتيات
*العدوان الغاشم تسبب بمنع بعض الآباء لبناتهم من الالتحاق بالمدرسة
*مسح القوى العاملة: نسبة مشاركة الإناث في قوة العمل 6% فقط مقابل 65.8% للذكور
*التربية توفر حقيبة وزياً وتغذية مدرسية للأشد فقراً كتشجيع ودعم

تحقيق/ سارة الصعفاني
لا تتقدم الأوطان ولا ترتقي الشعوب إلا بالعلم ، وتعليم المرأة خصوصًا أحد المؤشرات الهامة لمدى تطور التعليم والمجتمع معًا ، وهو ما يدفع الدول للحد من ظاهرة تسرب الفتيات من المدارس عبر التوعية والتحفيز وتوفير المتطلبات الدراسية والدعم النفسي والمادي ،وتنفيذ حلول ومعالجات لجميع مشاكل التعليم لكن مشكلة التسرب من التعليم في اليمن زادت حدتها في ظل العدوان وزيادة مساحة الفقر كما زادت من قِبَل طالبات ملتحقات أساسًا بالتعليم العام و الجامعي وفي قلب المدن ما يمثل انتكاسة حقيقية لواقع تعليم الفتاة.
تواجه الفتاة في وطننا صعوبات وعراقيل مجتمعية نتيجة إرث متخلف ويأس من جدوى التعليم والوظيفة في بلد يعد فيه الحصول على وظيفة وصولاً لكرسي الحكم حيث البطالة متفشية ، وفقر مدقع يدفع بعض الأسر لوضع تعليم الفتاة في آخر اهتماماتها لكن المؤلم أن لا تهتم حتى الحكومات المتعاقبة بالتعليم فليس من أولوياتها بدليل غياب القرارات التي تعالج واقع التعليم البائس وتناقص الميزانية المخصصة من عام لآخر وهشاشة تنفيذ الخطط والبرامج وضعف الرقابة؛ فمشكلات التعليم الأزلية باقية ومتفاقمة بإحصائيات صادمة بحسب دراسات وأبحاث مركز التطوير والتوجيه التربوي والتي تقول إن مليوني طالب وطالبة ما يزالون خارج المدارس كأقل تقدير أغلبهم من الفتيات، ووفقًا لليونيسف، فإن معدل التسرب من المدارس قبل الصف الثامن يتجاوز 40 % للفتيات وأكثر من 25 % للذكور وخاصة في الريف وحتى التوعية وميزانية دعم التعليم في تناقص حتى تلك المخصصة للتغذية المدرسية للطالبات الأشد فقراً متسببة في منع الآلاف من الفتيات في القرى والمدن من التعليم فكيف إن عرفنا أن التعليم في نظر شريحة كبيرة من المجتمع ” ترف ” يتم التخلي عنه مع أبسط مشكلة أسرية أو ضائقة مالية ، ومن وصلت للمدرسة من الفتيات في الريف خصوصًا ما تزال تعاني من مشكلة المدرسة المختلطة و نقص المعلمات والعجز في تدريس المواد العلمية إن وجد معلم !
وتقدر وزارة التعليم العدد المطلوب لتقليص النقص الحاد الذي تعانيه المناطق الريفية في المعلمات بنحو 4500 حيث نسبة المعلمات لا تتجاوز 31 % من إجمالي معلمي التعليم الأساسي والثانوي في المدارس الحكومية في احصائية 2010م .
وتترك الفتاة التعليم في بلادنا نتيجة الفقر أو التخلف أو بعد المدرسة أو لكون العلم مختلطاً أو لمخاوف مشتركة من الأهل والفتاة من فقدان المستقبل حيث يرونه في هيئة ( عريس )، وهناك من لا ترغب لمستواها الدراسي الضعيف لكن غالبية الفتيات مجبرات على ترك التعليم والوظيفة.
ف. س تنتمي لأسرة لا تهتم بتعليم المرأة ولا تحترمها وترفض الوظيفة وحتى توفير مستلزمات المدرسة يتطلب التسوّل كما تقول وأضافت: واجهت مشاكل أسرية وصعوبات دراسية بسبب مهام منزلية لا تنتهي بعد أن كنت من المتفوقات لكن حدثت مشكلة دفعتني لترك المدرسة في الصف التاسع بعد أن رفض أهلي ذهابي لمدرسة تبعد عن منزلنا حُدِدت كـ(مركز امتحاني) فتغيبت وتابعت قائلة : جهد ومثابرة 9 سنوات من عمري خسرتها دون حتى الأمل بمستقبل حلمت به، كانت صدمة وشعرت بالإهانة عندما أخبرت أمي زميلاتي السبب، من يومها قررت ترك المدرسة.
لسبب مماثل تركت خديجة مدرستها حيث قالت : لم تكمل أي فتاة من عائلتنا المتشابكة التعليم الجامعي وليس في وارد تفكيرهم شيء يسمى ” وظيفة ” وحتى الذهاب للمدرسة يتوقف بأمرهم لأتفه سبب وكأننا نذهب للعب وليس لتلقي العلم ، تركتها مجبرة بعد تاسع كون المدرسة ليست للثانوية ورفضوا تسجيلي في باص للالتحاق بمدرسة أخرى رغم أن بمقدورهم دفع الكلفة .. أخبروني ” يكفي تعليم .. تجيدين القراءة والكتابة والحساب ” ! فلمَ المشاكل والتعب ووجع القلب مع هذه العقليات .. وحتى لا أشعر بالاختناق، التحقت بتحفيظ القرآن للبقاء مع زميلاتي ، ومستقبل المرأة زوجها كما يرون .. في انتظار أن يأتي !
من جهتها ترى شيماء أن الفتاة لا تترك التعليم والوظيفة إلا بسبب تخلف المجتمع والمشاكل الأسرية والظروف المادية الصعبة: التعليم رغم صعوبته وضعفه إلا أنه يأسر، يكفي أنه المستقبل وفرصة للبقاء مع الصديقات .. تركت المدرسة على وعد بإكمال التعليم بعد العرس ولا مانع من الوظيفة كتب بالنص كشرط في عقد الزواج نفسه لكن في مجتمعنا يبقى مجرد كلام عابر !
ع. ف تحكي سبب تركها للدراسة في الصف الثامن بالقول : إهمالاً مني وفشلاً في التدريس وسوء تعامل بعض المعلمات فيما الأخصائية مهمتها مزيد من الصراخ والمشاكل والإهانات والأهل لا فرق عندهم بين الدراسة والبقاء في المنزل .. وإدارة المدرسة في صف المعلمة مهما فعلت .. لمن نشتكي ؟ اخترت كرامتي .
من ناحيتها تقول أماني: تركت المدرسة بقناعتي في الصف الأول ثانوي لم أنجذب للعلم الذي يدرسونه، والحصول على وظيفة في بلدنا مثل الحظ نادر.
حياة فتاة تعيش في قرية تحكي معاناتها بالقول : اعترض أهلي على ذهابي للمدرسة في قريتنا كونها بعيدة ومختلطة وبدأ الناس يشككون في أخلاق الفتيات الملتحقات فيها فتركت الغالبية المدرسة ومنهن من تدرس ذاتيًا في البيت خاصة أن بعض المواد العلمية بلا معلم ويحضرن امتحانات نهاية الترم فقط والنجاح بالغش بمبلغ بسيط لكنني لا أريد هذا التعليم.
وبسؤال إدارات عدة مدارس للطالبات في أمانة العاصمة عن مدى تسرب الفتيات من التعليم اكتشفنا عدم وجود حصر لعدد طالبات المدرسة بحسب مستويات التعليم لكن تناقص أعداد الطالبات واضح حيث تزدحم الصفوف الأساسية في حين يتناقص عدد الطالبات كلما اقتربنا من المستويات الأعلى حد إغلاق شُعب واختفاء القسم الأدبي من عدة مدارس دون زيادة في عدد صفوف التخصص العلمي.
المعلمة خديجة السياغي تحدثت من واقع معرفتها كمسؤولة لإرشيف إحدى مدارس الأمانة قائلة: في السنوات الأخيرة فقط عادت مشكلة تسرب الطالبات بعد أن كانت حالات نادرة، وفي كل مرة أسأل فيها عن السبب يأتي الرد في الأغلب (ستتزوج قريبًا) أو لمشاكل أسرية ومادية ، حتى مستوى الطالبات يتأثر بتخلف المجتمع وواقعنا المحبط وإن لم تغادر المدرسة .. تجد الطالبة تحصد درجات مرتفعة وملتزمة بقوانين المدرسة فجأة تجدها تحولت للنقيض تمامًا وسط لامبالاة أهل الطالبة حتى استدعاءات الغياب يتجاهلونها .. هذا ما أسمعه من المعلمات يوميًا
وفي مقابلة صحفية للمشارق نهاية أكتوبر مع د. إشراق الحكيمي وكيلة وزارة التربية والتعليم لقطاع تعليم الفتاة تحدثت خلالها عن توقف دعم مشاريع تعليمية مقدمة من البنك الدولي والمانحين تسعى لزيادة التحاق الفتيات في عمر المدرسة بالتعليم، مؤكدة أن مساعي قطاع تعليم الفتاة في مواجهة مشكلات زادت حدتها مع العدوان والأزمات الاقتصادية أبرزها: منع بعض الآباء بناتهم من الالتحاق بالمدرسة ، وعدم القدرة على تحمل التكاليف المدرسية مع تفشي الفقر، وتشجيعًا ودعمًا توفر الوزارة حقيبة وزي وتغذية مدرسية (مواد غذائية) للأشد فقراً.
وفي حديثها عن الخطط المتبعة لزيادة عدد الطالبات الملتحقات بالتعليم تقول: لدى قطاع تعليم الفتاة استراتيجيات وخطط لزيادة مستوى التحاق الفتاة بالتعليم ومنع التسرب ورفع الوعي المجتمعي بأهمية مشاركة المجتمع في دعم تعليم الفتيات والارتقاء بجودة التعليم لكن عزفت المنظمات الداعمة والبنك الدولي وتوقف التمويل لهذه البرامج والأنشطة ولم يتبق سوى برنامجين قيد التنفيذ وهما : (برنامج الشراكة العالمية ) وبرنامج ( علّم طفلاً ) واللذين ينفذان عبر اليونيسف وبرنامج التغذية المدرسية.
وهناك برامج وأنشطة توقفت بسبب توقف تمويل المانحين .. برامج الحوافز النقدية، وبرنامج المنح المجتمعية المدرسية ، وتشمل تغطية المواصلات في المناطق البعيدة عن المدارس ، ومنح المعلمات المساعدات في المدارس المختلطة، والتغذية المدرسية ، والبرامج الخاصة بتفعيل المشاركة المجتمعية من تدريب الأخصائيين الاجتماعيين، وتشكيل مجالس الآباء والأمهات في المدارس للتوعية وإبراز دورهم تجاه العملية التعليمية وخاصة تعليم الفتاة، وبرنامج تشكيل مجالس تنسيقية وإنشاء شبكة وطنية لدعم تعليم الفتاة.
وفي تقرير صادر عن مركز دراسات و أبحاث النوع الاجتماعي بجامعة صنعاء فإن ما يقارب 52 % من الفتيات تزوجن دون سن الخامسة عشرة ، ووفق احصاءات صادرة عن يونسكو 2013م فإن ما يقارب 58 % ما بين عمر 7 و16 سنة لم يدخلن مدرسة على الإطلاق، وبحسب الإحصاءات الرسمية فإن أكثر من 71 % من الفئة العمرية 15 – 17سنة خارج التعليم الثانوي كما لا يزيد معدل التحاق الفتيات في الجامعات عن ثلث إجمالي الملتحقين ، ووفق مسح القوى العاملة لعام 2014م بلغت نسبة مشاركة الإناث في قوة العمل 6 % فقط مقابل 65.8 % للذكور.
ختامًا ..
يعتمد اليمن على دعم منظمات دولية في مواجهة ظاهرة تسرب الفتيات من التعليم العام حيث يشجع الآباء على إلحاق بناتهم بالمدارس ومواصلة التعليم لكن هذه البرامج لم تؤسس لأي تغيير في العقلية السائدة ؛ حيث تترك كثير من الفتيات التعليم مجبرات فور توقف الدعم، وزاد الوضع سوءاً الأزمات الاقتصادية والمواجهات وقصف العدو ما دفع حتى الطالبات الملتحقات بالتعليم بدعم وتشجيع من أسرهن على ترك المدرسة و الجامعة كما أن الحكومات المتعاقبة لا تضع حلولاً للمشاكل التي تمنع الفتيات من التعليم خاصة في القرى كالاختلاط، وبعد المدرسة ، واختفاء المرحلة الثانوية من بعض المدارس، ونقص عدد المعلمات ما يفرض التأكيد على الدور المجتمعي والرسمي في التخلص من معوقات التعليم.

قد يعجبك ايضا