العنصرية المناطقية ذلك المعلوم

عبدالرحمن الرياني

لاتوجد في اليمن مدينة يمنية يمكن ان تتشكل تركيبتها السكانية من جميع اليمن وتكون ناطقة عن اليمن حضاريا مثل تعز فهي عاصمة القحطانيين ومركز الثقل الحميري وعاصمة الشوافع في العصر الحديث و تعز المدينة اليمنية الحاضنة للفكر والثقافة على مدى عدة عقود يمنية ولهذا نقدنا لها يختصر ويختزل نقدنا للحالة اليمانية بصورة أعم وأشمل ، فبالأمس صنعت تعز لنا المستقبل اليمني المشرق الوضاء الذي أحلناه بعقليتنا وفكرنا الانتهازي الرخيص إلى حالة فجة من المجون السياسي ، تعز بالأمس هي تعز الفكرة والأيدلوجية بكل أطروحاتها التقدمية ، ابتداء من عبد الله الخامري ومرورا بعبد الفتاح إسماعيل وسلطان أحمد عمر في حركة القوميين العرب إلى عبده محمد المخلافي في التيار الإسلامي وصولا إلى عيسى محمد سيف أشرف وأنزه وأنبل من عرفه العمل القومي الناصري  وعبد الله سلام الحكيمي وقبل كل هؤلاء الأستاذ النعمان ومحمد علي لقمان رائد المشروع اليمني الحداثي وعبد الله الحكيمي الذي يعد واحد من أهم رموز الحداثة في التاريخ اليمني ، لقد شكلت تعز ظاهرة فكرية لحركة الحداثة والعصرنة في اليمن وباتت تشكل الترمومتر الذي تقاس عليه نهضة اليمن وتطورها السياسي الحضاري خلال عدة عقود ، تعز منذ ثورة المقاطرة بقيادة حميد الدين وليس حميد الديك كما يقال شكلت الصوت الأقوى في وجه الاستبداد ، تعز حالة نضالية قل ان تتكرر أو ان يعاد صياغتها أو استنساخها، فهي التي اختارها خالد الذكر القائد المعلم جمال عبد الناصر ليرفع صوته مجلجلا وقويا ” على الاستعمار أن يحمل عصاه ويرحل من جنوب اليمن ” ولولا خاصيتها الثورية وقتذاك لما خاطبها ناصر بتلك الثقة وبذلك العنفوان الثوري العربي وكأنه جاء ليعمد تعز كعاصمة لحركة التحرر في المنطقة واعني بذلك الرقعة الجغرافية الممتدة من جنوب الجزيرة العربية مروراً بوسطها وشمالها وشرقها وحتى رأس مسندم في عمان وصولا إلى كل دول الخليج ، فكما هي بيروت صانعة للثورة في بلاد الشام والهلال الخصيب والقاهرة هي الإقليم القاعدة في الوطن العربي وهي المحرك الرئيسي والداعم لجميع الظواهر الاعتراضية فقد كانت تعز هي الداعم الرئيس لجميع الظواهر الاعتراضية في الجزيرة والخليج لم تكن صنعاء ولم تكن عدن بل هي تعز وبالطبع وكما يقول الشاعر العربي لكل شئ أذا ماتم نقصانا ” فالمدينة التي صدرت لليمن الفكر السياسي وأوجدت حالة من الجدل والديالكتيك السياسي والفكري على مدى عقود من الزمن كان من الطبيعي أن تنتكس وتدخل في حالة من حالات عدم التوازن الفكري بفعل إنعدام المشروع الوطني في الدولة اليمنية التي عاشت حالة عدمية في بنيويتها حيث سيطر النظام *”الموثوقراطي ” بكل مفاسده على حياة الناس مستندا على وضعية من التخلف برافعه *”ثيوقراطية جعلت من العقل الجمعي في حالة من الخنوع والاستكانة فتعز التي كانت تصدر القوميين والوحدويين العرب الذين كانوا ذات يوم العقل المحرك للاتحادات الطلابية وللحركات النقابية على امتداد الوطن العربي الكبير وفي جامعات أوروبا لدرجة جعلت من العديد من المثقفين العرب مشدودين لشخصيات سياسية وفكرية من أبناء تعز، ممن ذكرناهم في بداية المقال ، تلك الحالة من الإعجاب بالكادر الثوري التعزي اليمني القومي الأممي العالمي جعلت أحد المثقفين العرب يؤكد أن اليمن بفعل هؤلاء سوف تجتاح كل أوكار الرجعية العربية خلال أقل من عقد من الزمن ففي ذلك السياق التاريخي كان التعزي القادم الى الحديدة وصنعاء يأتي وبمعيته فكرة الثورة والدولة القومية والمشروع النهضوي العربي التقدمي وسرعان ما يتأثر به ابن الحديدة وصنعاء ،فيصبح في نظر الجميع صاحب مشروع حضاري كيف لا وهو الذي استطاع ان يجعل صوت القبيلة يتوارى خجلا ،ويجعل المشاريع الصغيرة تصمت وتتراجع ويخفت صوتها ،لقد كان أبن تعز في تلك المرحلة صانعا لحركة التاريخ بمفهومها الإيجابي كان هذا في الماضي القريب الى مرحلة الثمانينيات من القرن الماضي .
ذلك الموروث النضالي جعلني اطرح بعض التساؤلات حول الحالة التعزية أو اليمنية بالصورة الصحيحة كون حالة اليمن انعكاسا طبيعيا لوضعية تعز فإذا هي أي تعز بخير ونهوض فكري فإن اليمن ستكون كذلك بألف خير والعكس هو الصحيح ، عموما حاولت قراءة الحالة التعزية بكل تجرد وليس من خلال حقد أو عنصرية كما قد يعتقد البعض فوجدت أن أخطر ماحدث وأحال تعز إلى هذه الوضعية من الانحطاط الثقافي والسياسي وجعل أبناءها يسيرون في الاتجاه المعاكس لما سار عليه الجيل الذي سبق هو سقوط المثقف وتبعيته المطلقة للسياسي الذي بدوره انساق وراء مراكز القوى وهكذا تم افراغ المحافظة وتحويلها إلى مراكز نفوذ للقوى التقليدية الرجعية أي ان ثقافة القرية استطاعت الهيمنة على تعز وهو مايجعلني اوؤكد على اختطاف القرية للمدينة تعز بمشروعها الحضاري في وقت غابت فيه الدولة وبات *”العقل الجمعي” التعزي يشكل حاضنا طبيعيا للفكر المتخلف وهي حالة غير مستغربة إذا ما قسنا ذلك على مراكز الإشعاع الحضاري في اليمن وفي العالم التي تراجعت وأضحت أرضا خصبة للتخلف سواء تعز أو زبيد أو عدن أو بغداد ودمشق والقاهرة عواصم المثلث النهضوي كما يقول المفكر العربي مالك بن نبي “الحضارة عندما تخرج من أمة لا تعود إليها “.

رئيس المركز الدولي للإعلام والعلاقات العامة

_________________________________
الموثوقراطية :هي تسخير مؤسسات الدولة الهشة لخدمة الحاكم الفرد والدائرة النفعية المرتبطة به
ثيوقراطية : توظيف ماهو ديني لمصلحة النظام الدكتاتوري.

قد يعجبك ايضا