الأكاديمي والخبير في الأمن الغذائي الدكتور محمد الحميري:
حكومة الإنقاذ لن تنجح في مهامها إلا بمؤازة المنظمات الحقوقية والمجتمعية والخبرات الصادقة
حوار / أسماء حيدر البزاز
الدكتور محمد عبدالله الحميري -وكيل وزارعة الزراعة والري – مسؤول أول لمشروع الأمن الغذائي وسبل المعيشة منظمة ACTED الفرنسية ومنسق إقليمي لمشروع giz للأمن الغذائي المستدام في اليمن .ورئيس لجمعية رعاية الشباب والطفولة بأمانة العاصمة.. تحدث لـ”الثورة” عن الوضع الانساني المتدهور في البلاد جراء ما يقارب عامين من العدوان الغاشم على اليمن وما خلفه من مآس إنسانية أدانتها وحذرت من وقوع كارثة إنسانية مختلف المنظمات الدولية والحقوقية ، والدور الحكومي المطلوب للتخفيف من وطأتها انطلاقا من برنامج حكومة الإنقاذ والآليات المتاحة والممكنة لنجاحه. . تفاصيل عديدة تقرأونها في سياق الحوار الآتي:
• ارتكب العدوان انتهاكات إنسانية وحقوقية جسيمة على مختلف الأصعدة. . برأيكم هل تعاملت الحكومة في برنامجها في التخفيف من آثار ذلك ؟ وماهي العوائق ؟
• أولا حكومة الإنقاذ كما هو واضح من اسمها، ومن توقيت وطبيعة تشكيلتها قد جاءت لتمثل الرد العملي والمناسب على تحديات هذه المرحلة والظروف الصعبة التي شهدت كل ذلك التدهور الذي أحدثه العدوان الهمجي التدميري الواسع في مختلف مكونات الصمود الوطني ومؤسسات الدولة والمجتمع خاصة تلك التي مكنت الشعب اليمني بعون من المولى عز وجل على مواصلة الصمود والتحدي والثبات غير المسبوق أمام هذا التحالف السعوصهيو أمريكي وعدوانه الغاشم على بلادنا ولذلك فليس غريبا ما وضعته هذه الحكومة في برنامجها الذي نالت به ثقة الشعب عبر مؤسساته البرلمانية والقيادية الصامدة من تركيز على هذه الجوانب الإنسانية ومعالجة آثارها الجسيمة وما أعطته من أولوية قصوى في هذا الجانب من أجل تعزيز صمود اليمن وتأكيد قدرة هذا الشعب على مواجهة مختلف التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المفروضة عليه بالاستناد إلى إمكانيات وموارد هذا البلد العظيم في أرضه الطيبة الواعدة وإنسانه المؤمن المجاهد الصابر الثابت الواثق اشد الثقة بنفسه وقبل ذلك بربه الغفور وبعونه الجلي واﻷكيد له وبصدق وعده بنصر عباده المؤمنين المظلومين، باعتبار أن حالة ومستوى اﻻيمان عند الإنسان اليمني يجب أن ينظر له أهم عامل قوة يمتلكها الوطن، ولقد شكل هذا العنصر بحد ذاته اكبر عوامل وإمكانيات الخلق والإبداع الذي ينبغي أن يكون قد استند عليه البرنامج الإنساني للحكومة في مواجهة تحديات المرحلة كونه سيمكن الحكومة والمجتمع من التعاون والعمل بصبر وجد وجهاد واجتهاد في إدارة موارد اليمن بأمانة وصدق وكفاءة تجعل الصعب سهلا والمستحيل ممكنا، انطلاقا من حقيقة أن الأرض الطيبة لليمن حين يديرها اليمني المؤمن ستمنحه من خيراتها ما كان غائبا عن عينه طوال سنوات الغفلة أو السكون والركون للظالمين حتى من بعض قادته السابقبن الذين ألقت بهم هذه اﻻرض خارجها، ودفعت بهم ليلتحقوا بأشباههم الظلمة في دول ومحور وتحالف الشر والعدوان حتى انه لم يبق على الأرض هنا سوى إرادة أصحاب الخير والإيمان الذين سيتفاعلون مع مكامن القوة المتعددة داخل هذه البلدة الطيبة ليثبتوا لأنفسهم وللعالم من حولهم أن أرض الجنتين ﻻ يمكن اﻻ أن تكون جنة لأهلها ونارا على أعدائها.
• برأيكم ما هي الآلية المطلوبة لضمان نجاح الرؤية الحكومية ؟
• أرى أن تقوم الآلية على منح الجوانب الإنسانية أولوية في التمويلات والمساعدات الحكومية وشحذ الجانب الأخلاقي والقيمي لدى مختلف شرائح هذا المجتمع المؤمن وفي المقدمة منهم رجال الخير في مؤسسات الدولة والمجتمع بمختلف قطاعاته العام والخاص والتعاوني والمختلط الذين يتوقع أن تتحرك فيهم قيم الصدق والصبر والأمانة في إدارة كل ما هو متاح للدولة والمجتمع من موارد مادية وطبيعية ﻻ حصر لها، إذ ﻻ يمكن أن تغيب عن أعين مؤمني هذا البلد الطيب خاصة في هذه المرحلة التي بلغ فيها إبداع الإنسان اليمني مداه في مختلف الجوانب اﻻقتصادية والسياسية والعسكرية والإدارية وحتى في الجوانب الإنسانية والاجتماعية والثقافية والدينية.. إذاً نستطيع أن نلخص الآلية المطلوبة بأنها آلية إدارية فاعلة وفعالة للموارد المتاحة للعون الإنساني على مستوى كل مؤسسات الدولة والمجتمع تستند على منظومة القيم الدينية والأخلاقية التي هي متجذرة بعمق لدى أغلب أبناء اليمن وشحذ همة موظفي الدولة ورجال اليمن الشرفاء ونسائه الماجدات في إخراج أقصى ما لديهم من طاقات وقدرات مادية ومقومات ومنطلقات إيمانية في تسيير أعمال الخير في مختلف ميادين اﻻنتاج والخدمات الصحية والتعليمية والتجارية والتعاونية والجهادية العسكرية والبنائية لقهر المستحيل ورفع كفاءة الإنتاج وتعزيز مجاﻻت العمل الإنساني، وكل ذلك يتطلب تخطيطا متناسقا ومتكاملا ومدروسا يعتمد المنهجية العلمية في التخطيط ويستند على الخبرات المتراكمة في التخطيط والتنفيذ بشكل يرتكز على منظومة القيم الأخلاقية المكتنزة والمتدفقة لدى إنسان هذا البلد العظيم..
المنظمات الحقوقية
* دور المنظمات الحقوقية والمجتمعية .. كيف تقيمونه خاصة مع تدهور الوضع الإنساني في اليمن ؟
-في الحقيقة وفي ظل وجود المعالجات الإنسانية في برنامج الحكومة التي جعلت مسألة التعاون والتعامل مع الأنشطة الإنسانية على رأس أولوياتها واهتماماتها، يمكن للمنظمات الحقوقية والمجتمعية أن تمارس دورا إنسانيا ووطنيا متميزا، من خلال المساهمة في تحمل بعض أعباء هذا البرنامج، كالعمل على تدريب المجاميع المستهدفة بإقامة مشروعات صغيرة ومدرة للدخل، أو بتوزيع المساعدات الغذائية للمستحقين منهم، أو من خلال تسجيل ومسح أحوال النازحين وتحديد أولويات واحتياجات الفئات المتضررة والنازحة، وتصنيف تلك الفئات وتحديد الأشد احتياجا منها للخدمات أو المساعدات الإنسانية. وهكذا فإن ظروف النجاح مهيأة للمنظمات الحقوقية والمجتمعية التي تستشعر خطورة الجانب الإنساني المتدهور في البلاد بفعل العدوان وتعمل في اتجاه التخفيف من آثاره ومظاهره بما تقدر على تأديته من مساهمات وأدوار إيجابية حتى ولو من خلال اتخاذ الموقف الصادق والتوجه الأمين نحو تقوية ومعاضدة جهود الحكومة والتنسيق معها في مختلف جوانب العمل الإنساني بشكل صادق وأمين من أجل تنفيذ برنامجها الإنساني بل ومختلف البرامج الأخرى للحكومة في هذه المرحلة الاستثنائية والحاسمة من تاريخ اليمن، وسيكون نجاحها في ذلك مضمونا خاصة إذا كان هذا الدور مستندا لتقوى الله في الكلمة والقول والفعل الذي يسهم في خدمة المجتمع ودعم جوانب تماسكه ونشر الثقة والوعي الصحيح بين أبنائه.
والمنظمات الحقوقية والمجتمعية إن لم تجعل الوطن ومصلحته نصب أعينها منطلقة في تحقيق تلك المصلحة من مسؤولية وطنية ودينية وأخلاقية، فإن دور هذه المنظمات لن يكون مفيدا ولا فاعلا مهما حاولت، بل وقد يسير في اﻻتجاه المضاد، لأن المنظمات التي تضع مصلحتها الآنية ومصلحة قادتها ورؤساءها قبل مصلحة الوطن، من غير المستبعد أن يتم توظيفها لتكون مجرد قنوات وأدوات تخريبية لإحداث البلبلة وزرع الخلافات وبذر الشقاق والضعف بين أوساط المجتمع، وبالتالي فبدلا من أن تلعب دورا إيجابيا وفعالا في التخفيف من معاناة المجتمع قد تساهم بدور سلبي في تعقيد الأوضاع وإيصالها إلى حد الاقتتال الداخلي بل وربما تساهم في تبرير العدوان الخارجي وشرعنته.
• بالنسبة لملف النازحين ومعاناتهم المريرة التي خلفها العدوان الغاشم على بلادنا . برأيكم ماهي الحلول الفاعلة للتخفيف من وطأة معاناتهم ؟
• النازحون وقضية إيواءهم ومساعدتهم في تجاوز صعوبات الأوضاع المعيشية والإنسانية التي دفعتهم نحوها كوارث العدوان ومؤامرات المعتدين ومرتزقتهم هي مسألة تمثل احد أهم التحديات الصعبة أمام جهود وبرنامج الحكومة الإنساني ﻵن اغلب النازحين يعانون من فقد المأوى والسكن والأهم من ذلك هو فقدهم لسبل العيش التي اعتادوا عليها. وهو ما يعني أن مساعدتهم في تجاوز تلك الظروف يتطلب تمويلاً وبرامج إغاثة وتخطيطا متكاملاً لخلق فرص عمل جديدة أمامهم تمكنهم من الاعتماد على أنفسهم إذا نضبت موارد الإعانات والمساعدات سواء تلك التي تقدمها الحكومة أو مختلف المنظمات المعنية بهذه المسألة. ومن هنا فإن أفضل السبل والحلول المتاحة لمساعدتهم والتخفيف من معاناتهم هي تلك التي تقوم على تنظيم النازحين في إطار جمعيات إنتاجية وتموينية وتدريبية يمكن أن تكون مدعومة في البداية بمنهجية تمكنهم من أن يعتمدوا على أنفسهم بل ويصبحوا جزءاً من الحل لمشاكل ضعف اﻻنتاج وتزايد الفقر والتعطل والبطالة في المجتمع. وهذا في حد ذاته نشاط ﻻ يمكن ضمان النجاح فيه أو له، ما لم يستند على تخطيط سليم يعتمد على ما أشرنا له من فلسفة قيمية وأخلاقية ترتكز عليها الجهود المبذولة في اتجاه مساعدة النازحين وحل مشاكلهم.
• أسر الشهداء والجرحى هل ترون أنهم لقوا ذلك الاهتمام المطلوب سواء من الجانب الحكومي أو المجتمعي؟
• بالتأكيد فقد حظيت أسر الشهداء والجرحى باهتمام خاص من الحكومة والمجتمع، بدليل هذا الاندفاع غير المسبوق لمختلف شرائح وشباب بل ورجاﻻت المجتمع نحو المشاركة في الجبهات القتالية التي تمنح المشاركين جملة من الأوسمة وشارات النصر والتمكين من الشهادة أو بمختلف درجات ومستويات الجروح والإصابة …. لكننا متأكدين أكثر من ذلك بأن ما حظي به الشهداء والجرحى من اهتمام الحكومة والمجتمع ما زال بعيدا جدا عن أن يفيهم حقهم أو أن يعوضهم ويعوض أسر الشهداء عن ما فقدوه من أرواح شهدائهم أو أعضاء جسدهم.
• إذاً ماهو الدور المطلوب من حكومة الانقاذ إزاء أسر الشهداء والجرحى؟
• إن الدور المطلوب من الحكومة وخاصة حكومة الإنقاذ إزاء أسر الشهداء والجرحى ينبغي أن ﻻ يرتكز فقط على جانب المساعدات المالية المباشرة لأنها مهما كبرت فسوف تبقى محدودة وغير كافية حتى على البقاء والعيش بشكل كريم، بل ينبغي أن تتجه مساعداتهم ودعمهم نحو تلك البدائل التي تساعدهم على إيجاد مصادر عمل ودخل خاص من خلال تبني المشروعات الإنتاجية والخدمية والتسويقية لمنتجاتهم ولتنمية وتطوير مهارات وقدرات وإبداعات أبنائهم هذا في المقام الأول وهناك جانب آخر ينبغي تفعيله وعدم إغفاله وهو جانب التشريعات التي تمنح أسر الشهداء وأبناءهم مزايا خاصة وأولويات استثنائية في الحصول على خدمات الدولة والقطاع الخاص والتعاوني والمختلط في مختلف جوانب الصحة والتعليم والمعاملات الخدمية المتعلقة بالسفر والسكن والنقل والاستثمار وغيره.
البديل المفقود
• المتضررون من العدوان ممن فقدوا مصالحهم ومصادر رزقهم. . يعيشون اليوم أوضاعاً إنسانية مؤلمة ..كيف بإمكان الحكومة معالجة مشاكلهم ؟
• المتضررون من العدوان يمكن تقسيمهم إلى فئتين اﻻولى فئة من باتوا معدمين وربما أيتام أو بلا معيل وهؤلاء يحتاجون لمعالجة عاجلة من قبل الحكومة بتوفير البديل المفقود أو تعويضهم بما قد يمكن أن يؤدي دوره ولو بالحد الأدنى بشكل عاجل إن كان مسكنا أو مصدر رزق أو عملا أو غيره من أسباب الرزق أو الدخل. وأما الفئة الثانية فهم من تضرروا وخسروا بعضا من مقتنياتهم وممتلكاتهم وربما أحد أو بعض أو أهم مصادر رزقهم ولكنهم ما زالوا قادرين على الصمود ومواصلة العمل والحياة والعيش بقدر مناسب أو بأخر، مثل هؤلاء من حقهم على الدولة أن تعوضهم ولكن في الوقت المناسب، ويكفي أن تقوم الدولة بحصر الضرر الذي تعرض له أصحاب الفئتين والاحتفاظ لهم بحق التعويض حينما تحين الفرصة للتعويض.
• العمل الحقوقي .. هل ترون بأنه ساهم في التخفيف من معاناتهم ؟
• العمل الحقوقي للجانب الإنساني في اليمن ﻻ زال دون المستوى المطلوب، لكنه يُمارس على امتداد الساحة اليمنية سواء من خلال المنظمات الحقوقية المجتمعية أو من خلال الشخصيات الاجتماعية ومؤسسات الدولة المعنية في الوزارات ذات العلاقة كوزارة حقوق الإنسان والشؤون الاجتماعية والمؤسسات الإعلامية وغيرها.
• دور المجتمع الدولي إزاء هذا الملف خاصة وأن البلاد تنذر بكارثة إنسانية إذا استمر العدوان.
• المجتمع الدولي للأسف قدم دورا ليس فقط متخاذلا بل ومنحازا للعدوان بسبب إغراءات النظام السعودي الذي يقود التحالف العدواني على اليمن وما يضخه لهم من أموال، وهناك استثناءات بالطبع خاصة من قبل أغلب المؤسسات الدولية المعنية بقضايا الإغاثة والغذاء ممثلة في المكاتب التابعة للأمم المتحدة بصنعاء وغيرها من المنظمات الانسانية الدولية منها على سبيل المثال ﻻ الحصر (Oxfam, ACTED, ACF, IMC, f) وغيرها من تلك المنظمات التي تتواجد فيه اليمن والتي تعمل في الغالب مع أو من خلال بعض منظمات المجتمع المدني اليمنية النشطة في جوانب الإغاثة والأمن الغذائي وحقوق الإنسان، وهذه المنظمات تعتبر أن دورها محايد من الناحية السياسية وأنها فقط تقوم برسالة إنسانية وتتعامل مع عدد من الوزارات المعنية في الحكومة ومكاتبها في المحافظات من اجل تنفيذ عدد من المشروعات الإغاثية للأسر المتضررة من تدهور اﻻوضاع الإنسانية في البلاد.
رؤية :
• دكتور محمد هل تتوقعون أن تنجح الحكومة في الإيفاء بمهمتها الإنسانية في البلاد.. ؟ وتتجاوز هذه التحديات الجسيمة؟
• على الحكومة إذا أرادت أن تنجح في الوفاء بمهمتها الإنسانية أن تستفيد من كافة الخبرات اليمنية الصادقة والمخلصة في مجال العمل الإنساني، وأن تنسق أنشطتها في هذا الجانب من خلال جهاز واحد تعززه بكافة متطلبات العمل .