
استطلاع /أحمد الطيار –
تفاؤل بأن المناخات الديمقراطية الحالية ستكون مناخٍا مناسبٍا لخلق حريات صحيفة
أتاحت الثورة الشبابية التي شهدتها اليمن وأدت لتغيير في السلطة فرصة سانحة لتحقيق الإعلام اليمني قفزة في الانفتاح والحرية بدرجة أكبر مما مضى وهذا ما أدى فورا إلى تزايد عدد الصحف اليومية منذ العام الماضي 2012م وأصبحت المنافسة بين الصحف الورقية اليومية كبيرة للغاية بينما قل الاعتماد بشكل كبير على الصحافة المطبوعة في مقابل نمو وازدهار الصحافة الالكترونية.
إحصاءات
> تذكر وزارة الإعلام أن عدد الصحف في اليمن وصل إلى نحو 260 صحيفة مطبوعة ما بين يومية وأسبوعية منها نحو 160 خاصة و38 حكومية ونحو 45 حزبية إلى جانب صحف أخرى والعديد من الفضائيات الحزبية والخاصة وعشرات المواقع الإلكترونية فالصحف التي تصدر صباح كل يوم تصل إلى 10 صحف على رأسها الصحف الرسمية و تشمل صحيفة الثورة وتصدر من صنعاء صحيفة الجمهورية وتصدر من تعز وصحيفة 14 اكتوبر وتصدر من عدن بالإضافة إلى عدد اخر من الصحف الأهلية وهي أخبار اليوم والمصدر والأولى ومأرب برس والشارع واليمن اليوم وعدن الغد في عدن.
ويعتبر الكثير من المتابعين كما يشير الباحث يحيى عبدالرقيب الجبيحي أن ظهور كل هذا الكم من الصحف اليومية الأهلية حالة طبيعية في بداية هذا الزخم الصحفي المتصاعد عقب لاثورة الشبابية الذي غاب عنه رقيب الحكومة كما كان في عهد النظام السابق ويشير الباحث الجبيحي لكن المهنية المطلوبة في هذه الصحف لم تظهر إلا في عدد قليل جداٍ منهاº بسبب سيطرة صاحب المال على سياسة هذه الصحيفة ورغبته في التعبير عن توجهاته والتي غلب عليها طابع مراكز النفوذ المسيطر على الساحة السياسية كما أن سرعة نقل الخبر في هذه الصحف أضاف جواٍ من التنافس بينها والذي جعل من القارئ مطلعاٍ على كافة تفاصيل محيطه الاجتماعي والسياسي ومحاولة هذه الصحف نيل ثقة القارئ من خلال تناوله للأخبار والتقارير وغيرها.
التنافس
> لاتتنافس الصحافة اليمنية المكتوبة والإلكترونية إلا على المضمون السياسي بالمقام الأول وتأتي المناكفات والاهتمامات الحزبية والجهوية للأطراف على رأس مواضيع التناول الصحفي اليومي ورغم ارتفاع سقف الحرية الممنوحة للصحافة اليمنية فإن مستوى تناولها للقضايا لم يرتق بالشكل المطلوب فيما بقت كما يشير الدكتور عبدالله عبدالمؤمن أستاذ الإعلام بجامعة الشارقة عند مستوى النظرة الخاصة للجهات الممولة وبالذات في الصحافة الأهلية اليمنية أما الصحافة الحكومية فلم تتوصل إلى الأن إلى ميثاق محدد تنظر للقضايا وفقا له واستمرت بالدرجة الاولى في خدمة الحكومة فقط ولم نجد سقف الحرية فيها مرتفعا بما يكفي لمناقشة قضايا الوطن كافة دون تحفظ .
ويضيف: إن التزايد الكبير للصحافة الورقية ربما هو الذي دفع بعض الصحف الرسمية كالجمهورية إلى أن تتنبه للمنافسة الحاصلة في سوق الصحافة فيما بقت الصحف الرسمية الأخرى كما لو أنها مستنسخة من بعضها وهذا يطرح على الوسط الصحفي الرسمي أن يغادر الشرنقة التي حشر نفسه فيها ويعيد النظر ليس فقط في المحتوى بل وفي الإدارة والتمويل والتحول إلى شركات تحفظ فيها حقوق العاملين وتؤسس لمستقبل أكثر أماناٍ واستقراراٍ من المآل الحتمي لصحافة رسمية تفقد وظائفها تدريجياٍ.
أما بالنسبة للصحافة الحزبية فيشير الدكتور عبدالمؤمن إلى أنها الأخرى تبدو هرمة كهرم أحزابها وتتراجع أكثر فأكثر عما كانت عليه بسبب المنافسة وبسبب التصور الوظيفي للصحافة الحزبية عند الرعيل الأول من القادة الحزبيين وهو تصور جامد سيفضي حتماٍ إلى تحويل الصحافة الحزبية إلى مجرد وسيلة تبليغ يصدر فيها الحزب بلاغاته لأعضائه والرهان على وسائل موازية تحظى إلى حد ما بقبول لدى القراء.
الاستقلالية
> يبدو مفهوم الصحافة المستقلة أمر مبالغ فيه في اليمن فالصحف الأهلية أو ما يصطلح على تسميتها بالصحافة المستقلة لا يمكن مضيها في خط مستقيم بالمضمون حتى يطلق عليها مستقلة وهنا حتم على باحثي الإعلام تصنيفها إلى ثلاثة أنواع : الأول ليس لها من أهليتها أو استقلاليتها سوى الاسم أما هي في واقع الحال تابعة لقوى أو أحزاب سياسية وانه من المعيب في حق هذه المؤسسات والقائمين عليها أن تظل تشتغل وفق منطق العادة التي تهيمن على الإعلام اليمني منذ عقود وهي عادة تأثرت إلى حد بعيد بنظرة المستبد التقليدية لوظيفة الإعلام كمنابر تجمل الحاكم وتروج لأيدولوجيته وهذا ما تدأب عليه الصحافة في هذه المرحلة خصوصا وان الأطراف المتصارعة تمول وتدعم هذا الاتجاه ومنها صحف تنطلق من عبأة التمويل من الخلف كما هو حاصل في صحف يومية مشهورة .
الإعلام الاقتصادي
> على الرغم من التوجهات الاقتصادية الحالية التي تشهده اليمن إلا أن الصحافة الاقتصادية لم تظهر بالمستوى المؤمول وهناك تجارب صحفية اقتصادية متمثلة في ملاحق أو صفحات متخصصة في الصحف الرسمية أو الأهلية لكنه جهدها حسب المحللين لايزال متواضعٍا وأبرز أسباب تواضعه في عدم توفر الكادر البشري المتخصص أضف إلى ذلك ضعف إمكانيات الصحف المادية نظرٍا لعدم وجود الدعم المؤسسي المتمثل في الإعلان كرافد أساسي فما زال الإعلان في اليمن قائم على الشخصنة والحزبية وهذا أحد أوجه القصور التي لم تمكن الصحافة الجادة من تبني برامج واضحة.
وهناك تجارب صحفية متواضعة في الصحافة الاقتصادية اليمنية تتمثل في مجلات خاصة تقاوم الوضع المتردي للصحافة المتخصصة بشكل عام والمهنية وتظل الملاحق الاقتصادية الملحقة بالصحف الرسمية والأهلية والحزبية محدودة في المضمون والتأثير.
مناخات مناسبة
> توصل الدكتور حسن منصور أستاذ الإعلام المساعد بجامعة الملك سعود من بحث حول النبية المالية والإدارية للمؤسسات الصحفية اليمنية إلى خلاصة مفادها أن المناخات الديمقراطية التي تشهدها اليمن ستكون مناخٍا مناسبٍا لخلق حريات صحيفة لكن التجربة لم تترسخ بعد ومازال الجميع في السلطة والمعارضة مشدودين إلى الماضي كما أن لغة الاحتواء ومحاولة الاستقواء على الآخر بل وتهميشه وإضعافه قائم وكثير من الصحف التي يطلق عليها أهلية لم تلزم الحياد ولم تنهج أساليب واضحة لأنها تفتقد إلى التخطيط السليم فمرة تميل إلى اليمين ومرة تميل إلى اليسار.
ويضيف الدكتور حسن: إجمالا نستطيع القول أن ضعف هياكل المؤسسات الإعلامية في اليمن وتخلف الإدارة وضعف البني الاقتصادية ومصادر التمويل على الرغم من اختلافها هنا وهناك وكذا تدني المهنية وعدم توافق الأجور والحوافز مع العمل ناهيك عن تدخل السلطات وضعف البيئة التشريعية والبعد عن النظرة الخدمية للرسالة الإعلامية وتسييس المحتوى وضعف الأطر التنظيمية كنقابة الصحفيين كل ذلك يعد من العوامل المشتركة التي تجمع الصحف اليمنية على اختلاف مشاربها (رسمية حزبية أهلية
وتؤثر أنماط الملكية تأثيراٍ مباشراٍ على الصحافة من خلال تطويع أداء وممارسة الصحف لسياسات وأهداف ملاكها ومن ثم التأثير على حرية ممارساتها والمواضيع التي تنشرها وتوقيت النشر…
ومع ذلك فإن نمط الملكية وحده لا يمكن أن يحدد درجة الحرية التي تمارس بها وسائل الإعلام عملها وإن كان مؤشرا عليها في بعض الحالات. وفى الوقت نفسه لا يمكن أن تمارس الصحافة أي درجة من الحرية وهى مكبلة بالقيود الحكومية المتمثلة في الملكية أولا.
مشكلات التمويل
> على مدى ثلاثة أشهر نفذ قسم العلاقات العامة بكلية الإعلام جامعة صنعاء قبل أعوام دراسة ميدانية للتعرف على حجم توزيع الصحف اليمنية في المنافذ البيعية ومعرفة حجم التوزيع الفعلي للصحف المحلية وأماكن تمركزها ولم تدخل في أرقام الدراسة حجم الصحف التي يتم توزيعها من خلال الاشتراكات السنوية أو التي توزع مجانٍا كما لم تلتفت الدراسة إلى الأرقام المعلنة من قبل عدد من الصحف حول حجم طباعة العدد وبالتالي لم تتأثر بتلك الأرقام المعلنة.
وشملت الدراسة 40 صحيفة رسمية وحزبية وأهلية في محافظات (أمانة العاصمة عدن تعز إب المكلا الحديدة) وأشارت نتائج الدراسة إلى أن غالبية الصحف الصادرة تتركز في أمانة العاصمة بنسبة كبيرة بينما تقل بشكل ملحوظ في بقية المحافظات وهذا يفسر ضعف عملية الانتشار لهذه الصحف وتضاؤل جمهورها في المحافظات ويعود ذلك لضعف منافذ التوزيع وسوء عملية التسويق ويشمل ضعف التوزيع وتواضعه الصحف الحكومية أيضاٍ .
وأشارت النتائج إلى أن أعلى رقم لحجم التوزيع الفعلي والانتشار كان بواقع (13804) نسخة لصحيفة الثورة اليومية وتقول الدراسة: إن غياب المؤسسية في العمل الصحفي في اليمن وتخلف الإدارة وضعف البنى الاقتصادية و شحة مصادر التمويل وعدم تناسب الأجور والحوافز مع طبيعة العمل هي من المشكلات المزمنة التي تعاني منها الصحافة اليمنية.
ويحدث أيضاٍ أن تستخدم المؤسسات الرسمية والوزارات الحكومية قوتها المالية في وضع الإعلانات في الأجهزة الإعلامية المساندة فقط وتخفض الميزانية الإعلانية للمنافسين ما يؤدي إلى إخراج الإعلام الخاص من سوق الإعلانات ويجعل من الصعب على الإعلام الحر والمستقل أن ينمو ويتطور.