قراءة في تقرير المفوض السامي للأمم المتحدة عن حالة حقوق الإنسان في اليمن
تخصيص خمسة أسطر لحصار اليمن وعشرة أسطر لحصار تعز
26 مارس 2015م هو تاريخ “اشتداد النزاع” بين اليمنيين!!
إتهام اللجان الشعبية بتدمير قلعة القاهرة بتعز .. الكذبة الأكبر في التقرير .
أدان التقرير الترحيل القسري لبضع مئات من عدن .. لكنه لم يغفل إدانة هادي لذلك ووعده بإعادتهم
نفي التقرير لاستلامه أي وثائق أو معلومات من “ اللجنة الوطنية للتحقيق “ التي شكلها هادي ، هي محاولة فاشلة لصبغ التقرير بالحياد والنزاهة
عباس السيد
جسد تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة عن حالة حقوق الإنسان في اليمن مدى الإختلال الذي تعيشه المنظمة الدولية وما يتفرع عنها من هيئات ووكالات ، فالتقرير السنوي للمفوضية تضمن كثير من المغالطات وتغافل عن كثير من الجرائم والإنتهاكات التي أرتكبها التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن ، وأكتفى بإيراد عدد من الأحداث والجرائم تم توزيعها بالتساوي على ” أطراف النزاع ” الجيش واللجان الشعبية ، غارات لقوات التحالف ، وعمليات للجماعات المسلحة المجهولة أو المرتبطة بالقاعدة .
التقرير الذي كان على جدول أعمال مجلس حقوق الإنسان في دورته الـ 33 المنعقدة بين الـ 18 ـ 28 سبتمبر الجاري بجنيف ، يتضمن رصدا للانتهاكات خلال الفترة من 1يوليو2015م إلى 30 يونيو 2016م .
وقد ترددت كثيرا في كتابة مادة حول التقرير نظرا للملل الذي كنت أشعربه كلما قلبت صفحات “ التقريرالأممي “ وقرأت ما ورد به من تضليل ومغالطات يمكن وصفها بأنها مجرد “ ضحك على الدقون “ لا تستحق إضاعة الوقت في قراءتها أو الرد عليها . وفي بعض الأحيان ، كنت اشعر أن التقرير يحتاج إلى من يتبول عليه ، لا إلى من يقرأه .
وبحسب ما جاء في المقدمة ، فقد ركز التقرير بشكل رئيسي على “ النزاع الدائر بين قوات هادي المدعومة من قبل التحالف من جهة ، واللجان الشعبية التابعة للحوثيين ووحدات الجيش الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح من جهة أخرى . وبحسب التقرير ـ يعتبر هذا النزاع ، هو الأكبر والأخطر والأكثر تأثيرا على السكان والبنية التحتية الهشة “ .
وبناء على تلك الرؤية “ للنزاع وأطرافه “ نُسج التقرير بعناية ، وبدت المفوضية السامية مثل محل خياطة يعمل بحسب قياسات الزبون ورغباته .
وجاء في المقدمة أن التقرير يقدم أيضا عرضا عن مدى وجودة التعاون بين المفوضية السامية واللجنة الوطنية للتحقيق في الانتهاكات “ التي شكلها هادي “ إلا أن التقرير نفى في ثلاثة مواضع تسلمه لأية معلومات أو وثائق من اللجنة الوطنية حول منهجية عملها واستنتاجاتها ، أو عن ما حققته من تقدم بشأن إجراء تحقيقات شاملة ونزيهة .
وأرجع التقرير أسباب ذلك إلى الصعوبات والظروف الأمنية المزرية وعدم إعتراف أطراف النزاع باللجنة الوطنية . ويأتي هذا النفي الذي تكررثلاث مرات ـ في الفقرات 2 ، 17 ، 70 ـ من التقرير ، كمحاولة فاشلة لصبغ التقرير بالحياد والنزاهة . وعلاوة على حجم المغالطات والتضليل التي تقود إلى هذا الإستنتاج ، أكد وزير حقوق الإنسان في سلطة هادي ، عزالدين الأصبحي ، في مقابلة بصحيفة الشرق الأوسط السعودية ، نشرت في 7 سبتمبر الجاري ، عكس ما جاء في التقرير ، وقال : “ قدمنا كل الوثائق والأدلة التي توضح الحقائق .. “ فهل يعني هذا أن تقرير المفوضية السامية تم صياغته دون أي معلومات من لجنة تحقيق هادي ؟!
محتويات التقرير
أحتوى التقرير على سبعة بنود ، تضمنت المقدمة والمنهجية وإلاطار القانوني والسياق والتعاون مع اللجنة الوطنية ـ التي شكلها هادي ـ . واحتل البند سادسا معظم صفحات التقرير، وقد شمل : إدعاءات الانتهاكات والتجاوزات . وجاءت الاستنتاجات والتوصيات لأطراف النزاع في البند سابعا .
المنهجية والإطار القانوني
اعتمد التقرير في منهجيته ومصادره على 29 موظفاً تابعاً للمفوضية ثم توزيعهم على محافظات الجمهورية 7 منهم في العاصمة صنعاء وتسلمت المفوضية 194 تقريراً من 37 منظمة وطنية و 67 تقريراً من منظمات دولية بالإضافة إلى تقارير وكالات تابعة للأمم المتحدة .
وتعتبر المفوضية أنها تستخدم معيارا له “ أساس مقبول” في تصميم تحقيقاتها من بينها مصداقية المصدر ونوعية البيانات التي قدمها من قبل ومقارنتها بمصادر أخرى وهذا يعني إقرار المفوضية لأية معلومات طالما وردت في تقرير لمنظمتين أهليتين من الدكاكين الأهلية وما أكثرها.
أما الإطار القانوني الذي أعتمد عليه التقرير فيتمثل بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان واتفاقيات حقوق الطفل التي وقعتها اليمن. وبموجب ذلك يعتبر كل أطراف النزاع داخل اليمن ملزمين بهذه الاتفاقيات بما في ذلك “ أفراد قوات التحالف” أي أن القوانين الدولية الخاصة بالجرائم والانتهاكات لا تشمل دول التحالف التي ترمي بثقلها الجوي والبحري في المعركة وتسري فقط على أفرادها المتواجدين على الأراضي اليمنية.
وسنركز هنا على البند السادس في التقرير الذي تضمن إداعاءات الانتهاكات والتجاوزات ، وقد توزعت في تسعة أقسام : العمليات العسكرية ، الحصار والتطويق ، هجمات على أعيان لها حماية خاصة ، حرية التعبير وسلب الحرية ، حالات القتل ، التأثير على الأطفال ، العنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس ، وأخيرا ، التشريد القسري والإخلاء .
حصار اليمن وحصار تعز
في كل حالات الإنتهاكات التي أوردها التقرير ، كان واضحا محاولة التقليل من حجم الجرائم التي أرتكبها التحالف في اليمن وتقليصها إلى أدنى مستوى. وفي حالات أخرى ، عمل التقرير على إيجاد مقاربات بين حجم الجرائم والإنتهاكات التي أرتكبها التحالف الذي تقوده السعودية وتلك المنسوبة للجيش واللجان الشعبية. وعلى سبيل المثال : أختزل التقرير الحصار الجائر المفروض على اليمن جوا وبحرا وبرا منذ عام ونصف في خمسة أسطر فقط ، بينما تناول « حصار تعز « في عشرة أسطر .
التشريد القسري والإخلاء
وفي حالات التشريد القسري والإخلاء ، لم يشر التقرير إلى ما حدث لآل الرميمة الذين هجروا من مديرية مشرعة وحدنان بتعز وهم بالمئات ، ولا إلى تهجير آل الجنيد من قراهم في مديرية صبر الموادم . مع أن هاتين الجريمتين حدثتا خلال الفترة المشمولة بالتقرير ـ بين يوليو 2015م و يونيو 2016م ــ .
وأكتفى التقرير بالإشارة إلى الإخلاء القسري الذي طال مواطنين شماليين في عدن ، وعددهم بحسب التقرير أقل من 500 شخص ، ولم يغفل التقرير إدانة هادي لتلك العمليات التي أعتبرها أعمالا فردية ، ووعده بإعادة المرحلين .
مئات الآلاف من اليمنيين شردوا من مدنهم وقراهم بسبب الغارات الجوية والقصف المدفعي والصاروخي للتحالف الذي تقوده السعودية في محافظات صعدة وحجة والجوف ومارب ، لم يشر إليهم التقرير باعتبارهم مشردين أخلوا ديارهم قسرا ، بل تحولت مدنهم وقراهم إلى أطلال بفعل القصف المستمر .
مقاربات مضللة وعدسات مخادعة
وفي تناوله للجرائم والإنتهاكات خلال « العمليات العسكرية « أخفى التقرير الكثير من المجازر المروعة التي أرتكبتها طائرات التحالف بحق المدنيين . وأكتفى بعدد محدود « يكفي لإظهار التعادل أو المساواة مع الطرف الآخر « . وعلى سبيل المثالي قدم التقرير أربع صور للدمار الذي الحقته اللجان الشعبية بقصفها حيا في دارسعد بعدن في يوليو 2015م، مقابل صورتين للدمار الذي ألحقته غارات التحالف على سوق الخميس بمحافظة حجة في مارس 2016م .
هذه المقاربة لا تخلو من خبث بقصد التضليل باستخدام ابسط اساليب الخداع البصري . فأختيار الصور من حي سكني وسوق شعبي ، يهدف لإظهار الدمار الذي تسببت فيه اللجان أكبر من ذلك الذي أحدثته الغارات الجوية على سوق شعبي « ليس فيه عمارات منهارة « وآثار القصف على سوق شعبي ستظهر مجرد حفر على الأرض وخردات متناثرة . وعلاوة على ذلك تبدو الصورة الأولى من الأربع الصور التي قال التقرير أنها للدمار في دار سعد ملتبسة .
كل جريمة أو مجزرة للتحالف ، أوجد لها التقرير ما يقابلها للجيش واللجان ، فقصف حي دار سعد حدث في يوليو 2015 ، بينما قصف سوق مستبا بحجة حدثت في مارس 2016 ، وكأن طائرات التحالف لم تقم بأي غارة خلال الثمانية الأشهر بين الحالتين ـ دار سعد ومستبا .
وفي بند الهجمات على أعيان لها حماية خاصة ، كالمنشآت الطبية والتعليمية مثلا، تضمن التقرير ثلاث صور لواجهات مستشفى الثورة بتعز ، تظهر عليها آثار قذائف أطلقها الجيش واللجان – بحسب التقرير – فيما لم يقدم أي صورة للمنشآت المشابهة الأخرى التي دمرها القصف الجوي في طول البلاد وعرضها ، مع انه ذكر عددا من المنشآت التي دمرها القصف الجوي ، كمستشفى حيدان ، ومركز المكفوفين بصنعاء . وعيادة اطباء بلا حدود في تعز . لكنه لم يقدم صورا لأي منها .
الاختلال في استخدام الصور داخل التقرير كان واضحا لمن صاغوا التقرير ، ولذلك ، جاء في أحد الهوامش ما يلي : « جميع الصور التي تضمنها هذا التقرير تم التقاطها بواسطة موظفي المفوضية «. بمعنى « لا يروح حسكم بعيد « الصور لم تفرض علينا ولم تقدم لنا من مصادر خارجية .
التناقض في أرقام ضحايا الهجمات الجوية
وفي الفقرة رقم 24 ، الخاصة بالهجمات الجوية ، جاء ما يلي : « .. تشيرالحالات التي رصدتها المفوضية إلى أن الهجمات الجوية ، هي أكبر سبب مفرد للإصابات ، إذ أسفرت عن نحو ثلث الوفيات والإصابات التي سجلتها المفوضية « . بينما جاء في الفقرة « ١٠ « أن المفوضية وثقت خلال الفترة من ١ يوليو ٢٠١٥ إلى ٣٠ يونيو ٢٠١٦ مقتل ٢٠٦٧ مدنيا ، ١١٥٩ منهم لقوا حتفهم بسبب القصف الجوي لقوات التحالف – اي مايزيد عن النصف !!
٢٦ مارس كما يراه التقرير
وبحسب التقرير ، بلغ عدد المدنيين الذين قتلوا خلال نفس الفترة بسبب قصف الجيش واللجان الشعبية ٤٧٥ شخصا ، فيما قتلت الجماعات المرتبطة بالقاعدة ١١٣ شخصا . وبلغ إجمالي الإصابات الموثقة في صفوف المدنين ٣٥٩١ قتيلا ، و ٦٣٦٠ جريحا منذ « اشتداد النزاع في ٢٦ مارس ٢٠١٥م «. . هكذا يرى التقرير إلى تاريخ التدخل المباشر والعدوان الخارجي على اليمن ، بأنه تاريخ « اشتداد النزاع « بين اليمنيين .
تدمير الآثار والمواقع التاريخية
وفي البند الخاص بالهجمات على المعالم الأثرية والتاريخية ، أغفل التقرير الأممي كل الهجمات التي شنتها طائرات التحالف الذي تقوده السعودية والتي طالت عشرات المعالم والمواقع التاريخية في عدد من المحافظات ، واكتفي بإيراد ثلاث حالات فقط ، وهي : مقابر حضرموت وأتهم ” الجماعات المسلحة ” المرتبطة بالقاعدة بتدميرها ، وأتهم التحالف بتدمير جامع في الوهط بمحافظة لحج بغارة جوية . وبلغت المغالطات ذروتها في إتهام التقرير للجان الشعبية بتدمير قلعة القاهرة ـ أبرز المعالم التاريخية في محافظة تعز ـ وجاء في التقرير : أن قلعة القاهرة تعرضت لتدمير جزئي من قبل اللجان الشعبية في أغسطس 2015 . وفي تناقض واضح ، لم يفطن إليه من صاغوا التقرير ، جاء في مرفقات التقرير جدولا يوضح الأماكن والمواقع الأثرية والتاريخية التي تعرضت للدمار ، أن القلعة دمرت في 11 مايو 2015 ، أي قبل شهرين من التاريخ الذي ورد في التقرير .
ولم يشر التقرير ، أو مرفقاته إلى أي مسؤولية للتحالف الذي تقوده السعودية في تدمير القلعة ، على الرغم من متابعة الداخل والخارج للغارات الجوية التي استهدفت القلعة خلال ثلاثة أشهر .
يشار الى أن قلعة القاهرة تعرضت لسلسة غارات جوية شنتها طائرات التحالف السعودي، الاولى في 11 مايو 2015 ، حيث تم استهداف القلعة بـ 7 غارات ، كما عاودت القصف للمرة الثانية في 21 مايو 2015 ، تلتها ضربات جوية للمرة الثالثة في 31 مايو 2015 ، وتم استهداف القلعة من قبل التحالف السعودي للمرة الرابعة في 7 يونيو 2015.